مدونة مقالات سلفية
على منهج السلف الصالح
#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym
الاثنين، 2 يناير 2023
نظرات نقدية حول سخاء الذكريات, بين النحو والدلالة (جولة في حادثة برنامج أمير الشعراء)
نظرات نقدية حول سخاء الذكريات, بين النحو والدلالة
(جولة في حادثة برنامج أمير الشعراء)
صخب وجدل كبير حول مقطوعة شارك بها شاب ليبي في سباق برنامج تجاري يسمى, (أمير الشعراء)، يقول فيها الشاب:
لأني كرهت الآنَ والآنُ ضيقٌ يحاصرني ما بعده فهو أضيقُ
ويشغلني عن لحظتي أن لحظتي سراب وما في لحظتي ما يُصدق
ويعجبني في الذكريات سخاؤُها إذا شحت الأوقات في الذهن تغدقُ
وآخيت كل الفاتنات لأنني أخاف إذا غامرت في الحب أخفقُ
ومن تهمتي كانت براءة تهمتي وقد يبرئ المرءَ القميصُ الممزقُ
سأل أحد أعضاء لجنة التحكيم الشاب عن رفع (سخاؤها)، ومزج تعبير الناقد عن هذه المسألة بين الإعراب والمعنى, فذكر في جانب الإعراب الرفع والنصب، وهو ما كان مثار جدل كبير في الأوساط العامة تبعا لشهرة البرنامج، وذكر جانب المعنى, وهو كون المتحدث هو المنفعل باعتبار صدور الإعجاب منه، فركزت الأوساط العامة على الناحية التركيبية للجملة، وأهملوا الإشارة المعنوية, من حيث كون الإنسان فاعلا مختارا وهو المتأثر بما حوله.
لا صلة لي بطرفي القضية، ولا أبرر لذي خطأ خطئه، ولا محصل لي من هذا غير موقف أثار فكرة قديمة لتصحيح مفاهيم وتعجب من ردة فعل حالفها الصواب مع مبالغة في حدتها.
ويا ليت النقاد انشغلوا بمسألة أخرى في القصيدة غير هذه فهي التي لعله يكون لي معها وقفة.
(وأعجبني في الذكريات سخاؤها)، جملة ما كان للسخاء فيها أن يكون فاعلا إلا بعد مخاض من التوليد والتحويل، مرورا بالمستويات اللغوية المعروفة, الصوتي، التصريفي، التركيبي، الدلالي, دلالة معجم ودلالة سياق، وكلها تشترك فيما عبر عنه العلماء قديما ب(توخي معاني النحو)، فالمختزل للإشكال في مستواه التركيبي وإن أصاب الإعراب جانبه شيء من الصواب، وقد تقدم ذكر سياق كلام الناقد بأن المنفعل هو المتحدث.
لذا كان لا بد من نظرة تحليلية نقدية قد يحالفها الصواب وقد يخذلها بالتأمل حول تحديد هوية سخاء الذكريات بين الإعراب النحوي وبين البعد الدلالي النقدي.
ومما هو بدهي أن انفصال المستويات اللغوية انفصال
اصطلاحي، فالمعالج للنصوص بالفهم والنقد لا يمكن أن يسبر غور النص ويتعامل معه في الواقع إلا من خلال المستويات اللغوية كلها، وإلا، فكيف تجسدت الذكريات التي هي عبارة عن صور ذهنية لموروثات من مواقف فأصبحت كائنا فاعلا مختارا يسخو، وكيف مارس السخاء الذي هو معنى مستعار تأثيره على الكائن البشري فصار السخاء هو الفاعل؟
كل هذا يقودنا لتحليل تلك العبارة.
الفعل (أعجب)، ثلاثي مزيد أصله, (عجب)، وهو فعل ثلاثي لازم يتعدى بحرف الجر من، فتقول: (عجبت من كذا)، ويتعدى بحرف الجر (اللام)، فتقول: (عجبت له)، فإذا زيدت الهمزة في أوله أكسبته التعدية بنفسه، فتقول: (أعجبني، أعجبك)،
أما من حيث الدلالة في المعجم, فالفعل الثلاثي (عجب) كما جاء في مادة (عجب) في لسان العرب: "إنكار ما يرد عليك لقلة اعتياده"، وفي اللسان أيضا: "قال الزجاج : أصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال : قد عجبت من كذا"، وفيه أيضا: "ابن الأعرابي : العجب النظر إلى شيء غير مألوف ولا معتاد"، وفيه أيضا ما ننقله بنوع تصرف في اقتباسه،ونصه: "إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده ، وخفي عليه سببه".
فإن زيد بالهمزة كان على معنيين:
الأول, أكسبه عجبا، جاء في اللسان: "وأعجبه الأمر : حمله على العجب منه وأنشد ثعلب :
يا رب بيضاء على مهشمه أعجبها أكل البعير الينمه
هذه امرأة رأت الإبل تأكل فأعجبها ذلك ، أي : كسبها عجبا ، وكذلك قول ابن قيس الرقيات :
رأت في الرأس مني شي بة لست أغيبها
فقالت لي : ابن قيس ذا ! وبعض الشيء يعجبها
أي : يكسبها التعجب".
فلم يتغير معنى العجب، إلا أن الهمزة, همزة التعدية جعلت صاحب التجربة الانفعالية منفعلا مستجيبا لأثر خارج عنه, حسيا كان أو معنويا، أو معنويا مجسدا.
ولا أثر للهمزة في الإعجاب بما فيه من التعظيم للشيء سوى التعدية، ويكون الفرق بين الثلاثي المجرد والمزيد بالهمزة من حيث المعنى أن الثلاثي المجرد يكون فيه العجب ممارسة من صاحب التجربة الانفعالية والمزيد بالهمزة يكون فيه العجب استجابة لتأثير خارجي، هذا من حيث أثر زيادة المبنى في المعنى، وبعبارة أخرى، سبب تغاير موقع صاحب التجربة الانفعالية في التركيب بين الفاعلية والمفعولية هو أن صاحب التجربة الانفعالية في الثلاثي اللازم (عجب) مصدر للانفعال، وفي المزيد بالهمزة منفعل مستجيب، ، أفاد ذلك دخول همزة التعدية عليه، هذا من ناحية تركيبية بحسب معاني النحو.
أما من حيث عموم الدلالة فسواء أكان الكائن البشري ممارسا أو منفعلا مستجيبا فالمعنى سواء في أن الكائن البشري مصدر العجب، لا يختلف في حالتي, التعدي واللزوم، وهو الملحظ المعنوي الذي صرح به الناقد، ولكن خانه الإعراب كما خان الشاب الشاعر وصفه للسخاء بأنه الذي يقوم بالإعجاب، فالفارق تركيبي لا دلالي، وفاعل العجب الحقيقي
المعنى الثاني للإعجاب, تكون الهمزة فيه للإزالة، بمعنى زوال النكارة والغرابة في الأمر، وصيرورته مستحسنا مألوفا، ففي اللسان أيضا: "وأعجبه الأمر : سره ، وأعجب به كذلك على لفظ ما تقدم في العجب"، أو اكتسب هذا المعنى للسرور على التضمين، بمعنى ما يترتب من أثر تعظيمه من استدعاء الاستحسان والسرور، وقد مر قريبا من اللسان: "إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده ، وخفي عليه سببه"، فأشرب الفعل (أعجب) بما يدل عليه من تعظيم الشيء معنى والإفراح والاستحسان، فتعدى تعديتها، وذهب التفكر في خفاء السبب بأثر ذلك الفرح والاستحسان والمحبة، فأصبح الأمر معظما مستحسنا..
هذا ما يتلخص في فعل الإعجاب من حيث المبنى والمعنى.
فماذا عن الفاعلية؟
جاء في الأصول في النحو لابن السراج (1/72-73): "شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل:
الاسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل. ويجعل الفعل حديثًا عنه مقدمًا قبله كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن كقولك: جاء زيدٌ ومات عمروٌ, وما أشبه ذلك".
ثم شرع في بيان المقصود من التعريف إلى أن قالص73:
"وإنما قلت: كان فاعلًا في الحقيقة أو لم يكن, لأن الفعل ينقسم قسمين: فمنه حقيقي, ومنه غير حقيقي"
ثم شرع رحمه الله في تبيين الفعل الحقيقي أي ما له فاعل حقيقة يقوم به، أو يصدر منه ذلك الفعل، وشرع في بيان انقسام الفعل الحقيقي من حيث التعدي واللزوم، إلى أن وصل إلى بيان الفعل غير الحقيقي وهو عنده ثلاثة أضرب يهمنا منه الضرب الأول والثالث، فقال ابن السراج رحمه الله ص74:
"القسم الثاني: من القسمة الأولى: وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي, فهو على ثلاثة أضرب, فالضرب الأول: أفعال مستعارة للاختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو: مات زيدٌ, وسقط الحائط, ومرض بكر".
ثم ذكر كان وأخواتها وأنها ليست أفعالا حقيقية لدلالتها على الزمن فقط، وليس هذا من غرض المقال إلى أن قال:
"الضرب الثالث: أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك: لا أرينك ههنا, فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى. وتأويله: لا تكونن ههنا فإن "من" حضرني رأيته ومثله قوله تعالى: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لم ينههم عن الموت في وقت لأن ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه: كونوا على الإسلام. فإن الموت لا بد منه, فمتى صادفكم صادفكم عليه, وهذا تفسير أبي العباس رحمه الله.
فكلمة (الرجل) في جملة, (مات الرجل) فاعل نحوا وإعرابا، مفعول به في المعنى، أي, ليس هو الفاعل في الحقيقة، وإنما هو منفعل للموت، كما أن الشاعر في قصيدته منفعل بالعجب لسخاء الذكريات، والضمير الكاف في قول القائل: (لا أريدك ههنا)، مفعول به في النحو، فاعل في المعنى، إذ هو المنهي المراد منه القيام بترك المكان، وعدم وجوده فيه، وسياق الكلام في الجملة سياق نفي يراد به النهي.والخلاصة التي نستفيدها من النص أنه لا تلازم بين أن يكون الفاعل في التركيب النحوي للجمل فاعلا في المعنى، فقد يتفقان، وقد يختلفان كما سبق نقله، وقد حاول النحاة الموائمة فقالوا كما هو منقول في كتاب (معاني النحو)، لد. فاضل صالح السامرائي]، << < ج2 ص: ٤٤-45> >>:
"الفاعل لغة من أوجد الفعل، واصطلاحا ما أسند إليه عامل مقدم عليه على جهة وقوعه منه أو قيامه به.
فالعامل يشمل الفعل، نحو قام زيد، وما ضمن معناه، كالمصدر واسم الفاعل، والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، واسم الفعل، والظرف، والمجرور.
وقولهم على جهة وقوعه منه، نحو ضرب زيد، وقيامه به كلمات زيد (٢).
وجاء في (شرح الأشموني): " الفاعل في عرف النحاة هو الاسم الذي أسند إليه فعل تام، أصلي الصيغة، أو مؤول به"، فالفاعل في عرف النحاة ليس مختصا بمن أوجد الفعل، بل قد يكون ذلك وقد يكون من كان الفعل حديثا عنه، سواء قام بالفعل أم لم يقم، نحو (مات زيد) وانكسر القلم، ووعر الطريق".
ولمزيد بيان، فإن أبنية الأفعال التي تدل على الاشتراك في الفعل بين شخصين فأكثر يستأثر بمصطلح الفاعلية في الإعراب منهم الأول، بينما في الدلالة هم مشتركون في الفاعلية، ففي نحو, (اختصم زيد وعمرو)، الفاعل في النحو (زيد)، و(عمرو) ومن يقدر له أن يشترك في الفعل بعده معه مهما كثروا فلن يحظوا في الإعراب إلا بكونهم من التوابع، بينما في حقيقة المعنى أنهم مشتركون في الفاعلية، بدليل أن كثيرا ممن يتحدثون عن اختصامهما لا يدري من كان الأول في الخصومة البادئ في الفاعلية، ونظيره ما كان من أبنية المطاوعة, كقولنا, (انكسر الزجاج(، فالزجاج فاعل نحوا مفعول به في المعنى.
وإذا ما تقرر هذا فنعود لقول الشاب الشاعر, (وأعجبني في الذكريات سخاؤها)، أين الفاعل فيها؟
لا شك أن السخاء من حيث التركيب النحوي هو الفاعل، ولا يحتمل إلا الرفع، لكن هذه الفاعلية فاعلية على معنى الاستعارة ما كان السخاء ليكتسبها إلا بعد مراحل من التوليد.
القصيدة أو المقطوعة الشعرية تصف مجموعة من الانفعالات في تجربة شعورية صدقها من عدمه في بطن الشاعر كما يقولون, (المعنى في بطن الشاعر)، ضيق، خوف، إعجاب، تحير وانشغال، كراهية، فالقاسم المشترك بين أبيات المقطوعة كون صاحب التجربة الشعورية منفعلا يخضع لتأثيرات انفعالية.
اتفقت الفاعلية في المقطوعة الشعرية بين النحو والدلالة، في الفعلين, كرهت، وأخاف، فصرح الشاب الشاعر أنه مصدر الخوف والكراهية، فكان فاعلا منفعلا، بينما صرح الفعلان, يشغلني، أعجبني، بأن صاحب التجربة الشعورية منفعل كأنه مرآة عاكسة تعكس أثر ضوء خارج عنها، فتبدو المرآة مضيئة، لكنها ليست مبعث الإضاءة، وكذلك صاحب التجربة الشعورية في المقطوعة، فعلى الرغم من أنه مصدر كل الانفعالات في تجربته هذه (فاعل)، إلا أنه أنشأ كلامه على أن يكون متأثرا مستجيبا لا أنه منبع الانفعال، ساعده في ذلك موقع المفعولية في الفعلين, يشغلني، أعجبني، والحقيقة أنه مصدر الانفعالين للفعلين, العجب والانشغال، وعلى هذا فلا يعدم الناقد صوابا في كون صاحب التجربة الشعورية في المقطوعة هو الذي كان منه التجربة الانفعالية بالسرور والإعجاب، وكون صاحب التجربة منشأ الانفعالات ومصدرها يجعله هو الفاعل في الحقيقة، لكن سوق الكلام لم يكن على إرادة الفاعلية الحقيقية، وإنما كان لبيان الاستجابة لا الممارسة الإعجابية، فناسب كون مصدر الانفعالات منفعلا مستجيبا على المفعولية، أفاد ذلك في الفعل (أعجب) معنى التعدية المستفاد من الهمزة والتضمين على ما سلف ذكره.
وهل كان منفعلا للذكريات، أو لسخائها؟ هذا ما كان ليتأتى إلا على سبيل التجسيم للمعاني، وذلك بتشخيص الذكريات وإبرازها إلى عالم الحس في صورة من له اختيار وإرادة حتى أنه يكون منه السخاء، بحيث يكون الكلام, (أعجبتني شخصية الذكريات بسخائها)، فالفاعل في الحقيقة ليس السخاء وإنما تجسيم الذكريات وتشخيصه، لذا استعمل الشاب الشاعر أسلوب الالتفات في آخر البيت, (في الذهن تغدقُ)، وسوق الكلام يسعفه أن يقول, (يغدقُ)، بدل, (تغدقُ)، بحيث تستوي الفاعلية في جمل البيت بشطريه، وهذا يدل على أن الفاعلية في صياغتها في هذا البيت مرت بثلث مراحل:
الأولى, الفاعل فيها كان صاحب التجربة الشعورية، بحيث كان فاعل الاستحسان والإعجاب ومصدره, (استحسنت مجال الذكريات الواسع).
الثانية, تشخيص الذكريات بنقلها من عالم المعقول إلى عالم الحس بالتجسيد والتشخيص, (أعجبتني شخصية الذكريات بسخائها).
الثالثة, الفاعلية على معنى الاستعارة، بحيث كان يمكن سوق الكلام على البدلية, (أعجبتني شخصية الذكريات سخاؤها)، فيجري الفاعل على الأصل في المرحلة التي سبقته، ويكون التركيز على السمة سبب الإعجاب عن طريق بدلية الاشتمال، لكنه أمر لا يسعفه الوزن، إضافة إلى ضياع الذوق الجمالي للاستعارة، فجعل السخاء فاعلا مسبوقا بظرفية حرف الجر (في) التي تنم عن براح تأملي مع الاستجابة الانفعالية المستفادة من صوغ الفعل (أعجبني) وارتباطه بياء المتكلم التي هي مفعول به نحوا، فاعل في الدلالة، هو الذي يعطي هذا التركيب قيمته الجمالية، وهو الذي سوغ كون السخاء فاعلا، وليس في حقيقة الأمر هو الفاعل.
يصعب على من لم يمارس العربية بمستوياتها اللغوية المختلفة أن يستوعب هذه التفاصيل وإن كان يمارسها ويتذوق التعبيرات المختلفة بشكل تلقائي وإن لم يدرك تفاصيلها، وتفاصيل تولدها وتشكلها في المراحل المختلفة، ، ولذا اشتد النكير على الناقد، مع أن لكلامه وجها من حيث الدلالة، وجميع ردود الأفعال تركزت حول المستوى التركيبي دون غيره، ولو سألتهم: هل السخاء صفة توصف بها الذكريات؟ هل يقع من الذكريات سخاء لتكون فاعلا؟ وهل الذكريات شخوص بحيث تكون لها القدرة على الفاعلية, القيام بالأفعال؟ فستكون الإجابات تقليدية؟ بدون أن يعبر لك بالمصطلحات العلمية, استعارة، تضمين، تعدية، وما أشبهها، والمتذوقون للشعر يعرفون أن الإنسان هو مصدر انفعالاته والمستجيب لها، فلا يشكون أن مصدر الإعجاب هو صاحب التجربة الشعورية، وأن المقصود هنا وصف صاحب التجربة الشعورية نفسه بالتأثر لا نفي كونه مصدر انفعال الإعجاب.
خلاصة القول: أن السخاء فاعل نحوا، وليس هو فاعلا حقيقيا من حيث الدلالة، اكتسب موقع الفاعلية بعد مراحل من التوليد والتحويل، والمفعول به هنا، وهو صاحب التجربة الشعورية هو الفاعل من حيث الدلالة.
على أنه لا ينبغي إنهاء الأسطر الممجوجة هذه إلا بعد التنبيه على أمر مهم، ركز النقاد على جملة, (وأعجبني في الذكريات سخاؤها)، وهناك ما كان ينبغي أن يعار اهتماما غير هذه الجملة، وهو قول الشاب الشاعر: (لأني كرهت الآنَ والآنُ ضيق)، هل يمكن لظرف الزمان (الآن) أن يكون مفعولا به وقع عليه فعل الكراهية من صاحب التجربة الشعورية؟
وقد اختلف أهل اللغة في أصل الآن, هل هو واوي, (أون)، أو يائي, (أين)، فصاحب اللسان ذكره في مادة (أين)، فقال: " أين : آن الشيء أينا : حان ، لغة في أنى ، وليس بمقلوب عنه لوجود المصدر قال:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى ؟ بلى قد أنى ليا
فجاء باللغتين جميعا".
ثم قال صاحب اللسان: " وقالوا : الآن فجعلوه اسما لزمان الحال ، ثم وصفوا للتوسع فقالوا : أنا الآن أفعل كذا وكذا".
ثم فصل القول في لزوم الألف واللام لهذه الكلمة، ونقل فيها كلام ابن جني ثم قال: " قال سيبويه : وقالوا الآن آنك كذا قرأناه في كتاب سيبويه بنصب الآن ورفع آنك ، وكذا الآن حد الزمانين ، هكذا قرأناه أيضا بالنصب".
ثم نقل صاحب اللسان فقال: " وقال الخليل : الآن مبني على الفتح ، تقول نحن من الآن نصير إليك ، فتفتح الآن لأن الألف واللام إنما يدخلان لعهد ، والآن لم تعهده قبل هذا الوقت ، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت ، والمعنى نحن من هذا الوقت نفعل ؛ فلما تضمنت معنى هذا وجب أن تكون موقوفة ، ففتحت لالتقاء الساكنين . وهما الألف والنون".
" وقال أبو عمرو : أتيته آئنة بعد آئنة بمعنى آونة . الجوهري : الآن اسم للوقت الذي أنت فيه ، وهو ظرف غير متمكن ، وقع معرفة ولم تدخل عليه الألف واللام للتعريف ، لأنه ليس له ما يشركه".
إلى أن قال: " وأصل الآن إنما كان أوان ، فحذفت منها الألف وغيرت واوها إلى الألف كما قالوا في الراح الرياح".
فلفظة الآن مفعول فيه, ظرف زمان، لا مفعول به، وأصله, (أون)، أو (أين)، والألف واللام لازمتان فيه
وللظروف تقسمان, من حيث الإبهام والاختصاص، ومن حيث التصرف وعدمه، وهو مقصد هذه الأسطر.
جاء في كتاب (شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو"، لزين الدين الأزهري المصري الوقاد ف 905هـ)، (1/526):
" "فصل":
"الظرف" الزماني والمكاني "نوعان:
متصرف وهو ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا" به، "أو مضافًا إليه، كـ: اليوم" فإنه يستعمل مبتدأ وخبرًا، "تقول: اليوم يوم مبارك" برفعهما1، وفاعلا تقول: "أعجبني اليوم، و" مفعولًا، به تقول: "أحببت يوم قدومك"، ومضافًا إليه تقول: "سرت نصف اليوم".
إلى أن قال" "وغير متصرف وهو نوعان:
ما لا يفارق الظرفية أصلًا كـ: قط" في استغراق الماضي، "و: عوض" في استغراق المستقبل لا يستعملان إلا بعد نفي. "تقول: ما فعلته قط، و: لا أفعله عوض".
إلى أن قال:
" والنوع الثاني "ما لا يخرج عنها" أي: الظرفية "إلا بعد دخول الجار عليه"، وهو "من" خاصة".
وقد بين على أن النوع الثاني يبقى في الظرفية ولو دخلت عليه من الجارة فقال ص527:
" "إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها" أي: الظرفية "لأن الظرف والجار والمجرور أخوان" في التوسع فيهما، والتعلق بالاستقرار إذا وقعا صفة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا".
وقد مر أعلاه أن (الآن) لا تتغير ولو دخل عليها حرف الجر من، ولم يدخلها الرفع إلا في مثال سيباويه, (الآن آنك)، بنصب الآن ورفع آن المضافة، بمعنى, الوقت موات لك في التو واللحظة إن أردت أن تفعل.
والمحافظة على بناء لفظة الآن في عبارة سيبويه على تقدير متعلق هو كائن أو ثابت أو حاصل أو مستقر، وأصل الكلام, (وقتك كائن الآن لما تريد أن تفعله)، حينها لا تكون لفظة الآن في هذا المثال مع نصبها إلا مفعولا فيه ملازما للتحلية بأل.
وقد قسم سيباويه رحمه الله الكلام المركب إلى ستة أقسام فقال في الكتاب (1/25-26):
" هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة
فمنه مستقيم حسنٌ، ومحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب.
فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتُك أمْسِ وسآتيك غداً، وسآتيك أمس.
بطاقة الكتاب || إخفاء التشكيل
وأما المستقيم الكذب فقولك: حَمَلتُ الجبلَ، وشربت ماء البحر " ونحوه.
وأما المستقيم القبيح فأنْ تضع اللفظ في غير موضعه، نحو قولك: قد زيداً رأيت، وكي زيداً يأتيك، وأشباه هذا.
وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمسٍ".
وإذا ما تقرر هذا ففي أي نوع يمكن إدراج قول الشاب الشاعر: (لأني كرهت الآن، والآن ضيق)؟ وبعبارة أخرى, هل لفظة الآن المحلاة بأل تعني جنس الوقت فتدخل في لفظة (آن) المتصرفة التي جاءت مرفوعة في عبارة سيبويه ، فيجوز عندها تحليتها بأل وإضافتها؟ أم تعني الوقت الحاضر فلا تكون إلا منصوبة محلاة بالألف واللام لزوما وتعني الحاضر؟
لو كانت الأولى، فسيكون الكلام, (كرهت الوقت، والوقت ضيق)، وسيتعارض مع ما بعده, (يحاصرني ما بعده، فهو أضيق)، وليس بعد الوقت إلا الوقت الذي هو داخل في جنس الوقت، فسيكون من قسم المحال.
وإذا كان الثاني، يكون الكلام,(كراهيتي للحاضر تجعل المستقبل بالنسبة لي أضيق)، وذكر المحاصرة على سبيل تجسيد المعاني كما سبق، وهذا هو المعنى المتبادر من بيت الشاب الشاعر، فيكون مضمون البيت, (لأني كرهت الحاضر، والحاضر ضيق، يحاصرني ما بعده وهو المستقبل فهو أضيق).
ولكن، على قواعد النحويين المبنية على استعمالات العرب لا يمكن التصرف في لفظة (الآن) بمعنى التو واللحظة، بحيث تجعل مفعولا به ومبتدأ, فبناؤها على لزوم التحلية بالألف واللام ولزوم النصب ولو دخل عليها حرف الجر من، لا يمكنها إلا أن تكون على المفعولية فيه، أي الظرفية، ترى، بماذا سيجيب من نصره النحو بفاعلية سخاء الذكريات؟ وكيف فاتته هو والناقد هذه الملحوظة؟
إن المتدرج في سلك التعلم الأكاديمي في الأدب والبلاغة والنقد لا بد أن تقابله في دراسة بداية كل عصر أدبي إشارة دارسي العصر تبعا لنظرية التطور الأدبي والنقدي للجديد في توليد المعاني من شعراء ذلك العصر، ابتداء من عصر الإسلام إلى عصرنا الحاضر، وتبعا لهذا التجديد في توليد المعاني تتباين معايير الشاعرية في كل عصر، وكلما أوغل الشاعر في براح التعبيرات وتفنن في توليد المعاني عن طريق تجسيدالمعاني وجمال الاستعارات كان الحكم عليه بالشاعرية، إلى أن وصل الحال في بعض أشعارنا المعاصرة إلى رمزية مقيتة قسمت جمهور المتذوقين للشعر إلى قسمين, قسم يستمع إلى القصائد ذات الرمزية المقيتة على أنها كلمات متقاطعة يحتاج إلى حلحلة رموزها في صفوف الأعمدة الأفقية والرأسية, ليدخل في شبكة ما أسهل أن ترجعه نفرته منها للأشعار الشعبية سهلة المأخذ لما فيها من عذوبة ألفاظ ومعاني تتسلل للنفوس بانسيابية، وقسم آخر يتعالى على القسم الأول بوصفه بقصور الفهم، وضيق المخيلة، وضعف الإدراك، وأفراده عادة يكونون من الشعراء الذين أدمنوا هذا النوع من الشعر، والنقاد الذين يعجبهم هذا النوع من الشعر، ولن تخطئ إن قلت إن أفراد هذا القسم الواحد قد تختلف قراءاتهم للنص الواحد من هذا النوع، وقد تجد في تحميلهم للمعاني في هذا النص نوع تعسف أو قصور.
ومع أنني لست متتبعا جيدا لهذا البرنامج ولا لغيره من البرامج في القنوات، إلا أن شيئا مما عرض لي من المعارك الكلامية بين لجنة التحكيم وبين المتقدمين تفصح عن هذا، فتصف اللجنة بعض النصوص بأنها مجرد هراء، على حين يدافع المتقدم ودعواه عليه أن هذا كان على سبيل المجاز، وقد أجازه نقاد آخرون.
لقد كان الشعراء فيما سبق من العصور يولدون المعاني مع محافظتهم على الدلالات والتراكيب العربية، ومن العصر الذي نقلت فيه بواكير النقد في الأدب العربي بما في ذلك قصة حسان رضي الله مع النابغة وغيرها كان النقد لا يتجاوز الأسلوبية العربية، كان لحسان رضي الله عنه وجوه من الرد، ولكنها على الأسلوبية العربية:
" وبعض ذي بكثرة وضعا يفي كأرجل والعكس جاء كالصفي].
"
يعني قد يأتي ويراد به جموع الكثرة.
ولعل الارتباك لم يسعف حسان رضي الله عنه في الجواب عن هذا وغيره على الأسلوبية العربية، ولو قدر لأحد نقادنا أن يتخطى الزمن فيدخل في مساجلة نقدية مع النابغة، لسمعنا عجبا.
إن الرمزية المعاصرة تجاوزت بكثير الاستعارات المؤسسة على التشبيه بأنواعها، والمجاز في اللغة على اختلاف علاقاته ومعولها في ذلك التأويل بأدنى ملابسة.
لقد طرق سمعي ذلك المتقدم في البرنامج الذي قال في قصيدته التفعيلية, (يا صمت يا ابن الأنبياء)، فبادره أحد أعضاء اللجنة متسائلا عن علاقة الصمت بالإنبياء)، وحدثت عن قصيدته في غير هذا البرنامج التي يحتاج فيها لعين تحك جسده النزق، وقرأت عن الشاعر الذي تضاربت أحكام المحاكم في الحكم عليه بين الكفر والإيمان، تبعا لآراء من استعانت بهم المحكمة تضاربت الأحكام حول قصيدته تلك التي زعم الشاعر فيها أن يوسف عليه السلام ليس مقصودا به شخص النبي، وإنما هو رمز للادعاءات اليهودية في القصة، فمنمن استعانت بهم المحكمة من قدر أن الرمزية تسعفه، ومنهم من أخذ بظاهر لفظ القصيدة وفيه تعد صريح على المعتقدات.
كثيرا ما تأول النقاد أمثال هذه القصائد التي تصدم القداسة الدينية تحت ذريعة قداسة الشعر واختلاف لغته، ومع الأسف قل أصحاب النظرة الأخلاقية في النقد الأدبي، فلا حدود للرمزية التي يعطيها مناخ البوح المجال الأرحب، فيباح للشاعر تحت راية الرمزية أي تعبير، لا قيود، وإذا كانت المقدسات والمعتقدات لم تعفَ، فكيف بالأسلوبية العربية.
هون عليك أيها القارئ، فليس هذا استطرادا، فالشاب الشاعر تخطت رمزيته قوانين النحو التي نصرته في معركته مع الناقد، وجسد إجازة اللجنة للنص إقراره على هذا، فكان المفعول فيه مفعولا به، ومبتدأ، وما أسهل أن يوجد له المبرر في طريقة نقدنا المعاصرة، ولربما لم يخطر هذا بباله الشاب الشاعر، كما لم يخطر ببال النقاد من اللجنة، ولو تنبهوا له ما أسهل أن يجدوا له المخارج التي من أقربها مأخذا كون النظم لا يساعد، ويا ليت شعري، لو عاصر النابغة ومن بعده من النقاد كثيرا من أشعارنا التي سادتها الرمزية المقيتة التي جعلت الشعر يتخطى كل الحجب والقيود بما في ذلك الأسلوبية العربية ماذا كانوا سيقولون؟، بينما الشعر التقليدي عند نقادنا يأنفون حتى من تسميته الأصيلة، فنقلوها إلى تسميته بالكلاسيكية، انسجاما مع الرمزية المستوردة.
فلا ييأس الشاعر من شاعريته في عصرنا, فلكل نمط شعري جمهوره، فالذي يسمونه كلاسيكيا بما فيه من تشبيهات أو استعارات قريبة ما يزال له جمهوره، لكن الشاعر قد يصدم لأنه ألقى قصيدته في جمهور غير جمهوره الأصليين، وما قد يعاب من التقرير أو الخطابية له غرضه اللائق به وإن عابه من عابه بالبعد عن تلك الرمزية، كل ما سبق إيراده من معايير عصرنا يعكس بجهة أو أخرى الفوضى النقدية في عصرنا ، ويعكس نفور الناس من الشعر الفصيح، والله أعلم.
الاثنين، 14 نوفمبر 2022
حكم ما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية أو الاتجار في السلع على المباع:
حكم ما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية أو الاتجار في السلع على المباع:
من المشاكل التي تعتري من يتعامل في باب المعاملات المالية أنه حين يبحث عن حكم مسألة فيها قد لا يجدها، بسبب اختلاف اصطلاحات السوق عن المصطلحات الشرعية، وقد توحي مصطلحات السوق أول وهلة أن المسألة لا حرج فيها، فأما المتكاسل من مجرد بحث ضئيل لا يظفر فيه بمراده يتواكل على ظاهر توحي به مصطلحات السوق، كأن يحدث نفسه بأن المهم وجود التراضي، وقد يوقعه الجهل بالمصطلحات الشرعية في باب عظيم من أبواب الحرام ولا يعذر بجهله، لتفريطه أو تقصيره في باب البحث والسؤال، أو لتعويله على ذلك الظاهر البراق لمصطلحات السوق، ومن هنا تبرز قيمة كلام أهل العلم, أنه يحرم على المسلم الإقدام على عمل بدون أن يعرف حكمه، والأمانة في نقل الصورة للمفتي مطلوبة من المستفتي، وهذا يتطلب من المستفتي فهم الصورة بجزئياتها قبل الاستفتاء كما هي في التعامل.
كانت هذه مقدمة لا بد منها في بيان المسألة التي في العنوان، ففي الأسواق يتبادل الناس التعامل بما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية، وصورتها, أن تقوم شركة ما بعرض بضاعتها على موزعي الأفراد بأحد نوعي ضمان,:
الأول: أنه لو شارفت صلاحية المنتج على الانتهاء فإن الشركة تضمن للموزع إبدال السلعة القديمة بسلعة صلاحيتها أطول.
الثاني: أن السلعة لو قل سعرها فإن الشركة تعوضه عن خسارته.
تكمن فائدة الشركة في الترويج لسلعتها في سوق المنافسة بحيث يقبل موزعو الأفراد على شراء سلعتها، وسحب كميات كبيرة من المنتج، والشركة تراقب وضعية السوق لأي احتمالات للمخاطرة.
وتكمن فائدة موزع الفرد وغيره في تأمينه على نفسه من أي مخاطر للخسارة.
وسيأتي أن القاعدة الشرعية أن الخراج أو الربح بالضمان.
وهل الشركة المنتجة تقدر في أرباحها المخاطرة المحتملة حين تحديد هامش الربح أو لا، هذا يحكمه سوق المنافسة.
ولا شك أن الشركة المنتجة راضية بهذا، ولولا هذا ما أقدمت على هذه المعاملة.
وموزع الفرد راض بهذا لأنه يتاجر بسلعة محمية من منتجها، فالطرفان متراضيان، لكن، هل هذه المسألة جائزة؟ وهل يعتبر الشرع هذا التراضي ويقره؟
وهناك صورة تشبه هذه الصورة تسمى الاتجار بالسلعة على المباع، بحيث يعطي المورد بكسر الراء وتشديدها لأي بائع أو فرد كمية من سلعة معينة، ويقول له هذه السلعة مني لك بكذا، وزد أنت هامش ربحك، أو يحدد له هامشا مقدرا من الربح، فيقول هذه السلعة مني لك بخمسة، وأنت بعها على ستة، ولكن، كمية السلعة التي لا تباع يرجعها البائع للمورد أو المنتج.
وفي الحالتين العقد على البضاعة غير واضح, لأن الذي اشتراه الوسيط لا يتحدد إلا بعد بيعه للبضاعة، فما باعه يقر بشرائه له مقابل الربح الذي أخذه عليه، وما لم يبعه يعتبر نفسه غير مشتر له، وهذه جهالة، لأن الكمية المشتراة لا تعرف ابتداء، وما بقي لا يعرف ابتداء، وإنما يعرف هذا بين الوسيط وبين البائع الأول بعد تصريف البضاعة؟
ومع هذا كله فالمورد أو المنتج راض، والبائع أيضا راض، فما حكم هذه المسألة؟ وهل يقر الشرع هذا التراضي
هذه الصورة ينتشر التعبير عنها في فتاوى أهل العلم ببيع التصريف، أو البيع على التصريف، أو البيع بالتصريف، وهي مبحوثة في كتب القدامى في مباحث الشروط المنافية للعقد، بحيث يشترط البيع بلا خسارة، أو يشترط نفوق السلعة، أي رواجها وتصريفها في السوق، فإن لم ترج ردت لصاحبها، وفي هتين الصورتين:
--سقوط الضمان عن البائع الوسيط بين المورد أو المنتج الأصلي وبين المالك, فإذا سقطت الصلاحية ترد السلعة للمورد أو المنتج، وإذا نقص الثمن تكون الخسارة على المنتج الأصلي أو المورد، والقاعدة الشرعية,(الخراج بالضمان)، أي, الفائدة من السلعة بالربح فيها كما تحب أن يكون لك مقابل ذلك عدلا أنك أنت الذي تخسر فيها إذا أصابها تلف أو عيب وهي في ملكك وحيازتك، هذا هو العدل، لا أن تربح أن في شيء وإذا تلف تكون خسارته على غيرك، ما لم يكن الضمان عقوبة, بأن يبيع أو يتصرف في مغصوب مثلا، فالمغصوب ما كان في حيازته فتعرض للتلف أو العيب فهو ملزم بالتعويض، ولكن ربح المغصوب إن باعه ليس له حق فيه، فما يحصل في بيع التصريف من المشارطة على أن الخسارة يتحملها المورد أو المنتج لا يجوز وإن كان بالتراضي عند التعاقد, لما نصت عليه هذه القاعدة الشرعية، ولكن، يمكن تصحيح هذه المعاملة لتكون شرعية.
--تمكث السلعة المتاجر فيها على المباع وقتا طويلا عند الوسيط، فيكون هناك جهالة في الثمن، وفي الكمية المباعة، ولا بد في البيع من تحديد السعر، ويكون البيعان عالمان بمقدار ما يباع، بالسعر الذي بيع به، حتى تنتفي الجهالة:
وفيما يلي بيان لكلام أهل العلم في هذه المسألة، وبيان كيفية تصحيح المعاملة.
--كلام الشيخ ابن عثيمين:
أولا—"السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم: ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟
الشيخ : التصريف وش هو ؟
السائل : التصريف مثلاً أن يعطي آخر بضاعة يقول ما تصرف منها تدفع لي ثمنها والي يتصرف تعيدها إلي الي ما تصرف تعيدها .
الشيخ : هذان سؤالان في سؤال واحد: السؤال: الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إليَّ، وهذه المعاملة حرام؛ وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولابد، إذ أن كلاً من البائع والمشتري لا يدري ماذا يتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه: «نهى عن بيع الغرر» وهذا لا شك أنه من الغرر.
ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليقل من له السلعة: خذ هذه وبعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته، فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك".
لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(54)
https://fatawapedia.com/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84-28876
وفي كتاب, الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين ص121:
"السؤال (538): كان شيخنا ابن عثيمين يمنع ما يسمى ببيع التصريف ومنه بيع الجرايد والألبان ومشتقاته حيث تحاسب الشركة صاحب الدكان على ما تصرف منها وتأخذ الباقي ويرى أن الأسلم والأبرأ أن يجعله وكيلاً له في البيع فكل جريدة يبيعها فله كذا فإن بقي شيء من الجرايد أخذه ويرى أن هذا توكيل جائز".
وفي الشرح الممتع, (10/28):
"وننتقل من هذا إلى مسألة بدأ الناس يتعاملون بها الآن وهي البيع على التصريف، مثال ذلك قال: هذه خمسة كراتين حليب أو خمس سلات خبز يبيعها على البقال على التصريف، يعني يأتي إليه في آخر النهار ويقول: كم صرفت؟ يقول كذا وكذا، فيقول له: هو عليك بكذا والباقي رُدَّهُ ويسقط من الثمن، فهذا على المذهب لا يجوز، لكن على القول الذي قلنا: إنه لا بأس به في مسألة التمر المأكول، نقول: يجوز بشرط أن يُقَدِّر لكل شيء ثمناً، أما أن يقول: على ما تصرف ولم يقل له: كل كرتون بكذا، أو كل سلة من سلات الخبز بكذا، فهذا يؤدي إلى الجهالة.
فمسألة التصريف لها طريقان: إما أن يوكله يعني الذي أتى بالخبز أو اللبن يوكل البقال، فيقول: خذ هذا بعه ولك على كل كرتون كذا وكذا فهذا جائز قولاً واحداً؛ لأنه توكيل بعوض فليس فيه إشكالأو يقول على القول الراجح: هذه ـ مثلاً ـ عشرة صناديق هي عليك بمائة، كل صندوق بعشرة وما لم تصرفه يرد بقسطه من الثمن، فهذا نرى أنه جائز؛ لأنه ليس على أحد الطرفين ضرر وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى"..
فلا بد عند الشيخ من تحديد ثمن المباع قبل الشروع في البيع, فيحدد قيمة كل قطعة، فإن انتفى تحديد الثمن قبل الشروع في البيع فغير جائز، أو يمكن تصحيح البيع على عقد الوكالة، فتوضع البضاعة عند الوسيط بين صاحب السلعة والمستهلك، ويقال له وكلتك في بيعها على أجرة معلومة يتفقان عليها، والوكالة بأجرة جائزة.
--أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ:
تعرض في كتابه, المُعَامَلَاتُ المَالِيَّةُ أَصَالَة وَمُعَاصَرَة، لهذه المسألة، وهو كتاب بتقديم ثلة من المشايخ الكرام,
الشيخ: د. عَبْدُ اللهِ بْن عَبد المُحْسِن التّركيّ
الشيخ: د. صَالِحُ بن عَبد الله بْن حَميد
الشيخ: مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِر العَبُّودِي
الشيخ: صَالِحُ بْن عَبْد العَزِيزِ آلَ الشَّيْخِ
جاء في الكتاب المذكور في المبحث الثاني حكم البيع مع وجود شرط يخالف مقتضى العقد: قوله (5/357-358):
"الفرع الثاني إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده
[م - 416] إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه.
فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن يكون له الغنم كما يكون عليه الغرم. وأكثر من توجه لهذا الشرط بالبحث الشافعية والحنابلة.
فإذا اشترط المشتري على البائع بأنه لا خسارة عليه، أو شرط عليه: إن نفق المبيع وإلا رده عليه، فما حكم التزام مثل هذا الشرط، وما حكم العقد إذا اقترن به؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
البيع صحيح، والشرط باطل، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة القول الثاني:
البيع فاسد، يجب فسخه فإن فات بعد القبض وجبت القيمة، وهذا مذهب المالكية، القول الثالث:
البيع باطل، وهذا مذهب الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة، اختارها القاضي وأصحابه".
إلى أن قال (5/359-360):
"وقد انتشرت في عصرنا مسألة البيع بالتصريف، فيأتي المنتج والمورد إلى البقال والصيدلي وغيرهما فيضع عنده بضاعته، من خبز وحليب ودواء وغيرها ويبيعها عليه، فما باعه المشتري من البضاعة في وقت صلاحيتها فهي على المشتري، وما بقي منها فهي رد على البائع، وبعض البضائع قد تمتد مدة صلاحيتها الفترة الطويلة كالدواء مثلًا فلا يدري المنتج كمية ما باعه منها، ولا يدري المشتري مقدار ما اشتراه منها، فهل مثل هذا البيع يمكن تصحيحه مع الابتلاء فيه؟
والجواب على هذا نقول: بيع التصريف يقع على طريقتين:
الأولى: أن يكون صاحب المحل وكيلًا للمنتج، بأن يقول صاحب البضاعة لصاحب المحل: خذ هذا بعه لي، ولك على كل سلعة تبيعها كذا وكذا، فهذا جائز قولًا واحدًا؛ لأن هذا العمل من قبيل الوكالة بأجرة.
وإذا كان صاحب المحل وكيلًا انطبقت عليه أحكام الوكالة، فتكون يده يد أمانة، فلا ضمان عليه إلا بتعد أو تفريط.
الثاني: أن يقوم صاحب البضاعة سلعًا معلومة، ويقول البائع: ما بعته منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إلى بقسطه من الثمن.
وهذا العقد من عقود البيع، ويكون المشتري ضامنًا لكامل السلعة لو تلفت حتى لو كان التلف بلا تعد ولا تفريط؛ لأنه ماله تلف تحت يده، فضمانه عليه.
وهذا الصورة هو الذي وقع فيها إشكال في جوازها، وسوف أقيد كل ما وقفت عليه من الأقوال والنصوص القديمة والمعاصرة زيادة على ما تقدم لعلها تعين القارئ على فهم حكم هذه المسألة".
إلى أن نقل فتاوى المعاصرين في المسألة فقال (5/360-363):
"وقد سجلت أربعة أقوال في المسألة للعلماء المعاصرين وتكلم عليها شيخنا محمَّد بن عثيمين، وكان له أكثر من رأي مما يعبر عن تردده في حكم هذه المسألة نظرًا لانتشارها، وعمل الناس بها.
القول الأول:
يرى شيخنا أن العقد صحيح والشرط باطل، وعلل ذلك في الشرح الممتع بأنه يخالف مقتضى العقد، إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشتري سواء نفق المبيع أو لا. وهذا القول من شيخنا يتفق مع ما هو معروف من مذهب الحنابلة.
وقال شيخنا أيضًا: "البيع بالتصريف عقد محرم لحصول الجهالة والغرر، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر".
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
قالت اللجنة: "إذا شرط المشتري أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده عليه، أو شرط البائع ذلك فقال: اشتر هذه البضاعة مني، وإذا خسرت فأنا أدفع مقابل الخسارة، فإن الشرط يبطل وحده، ويصح البيع؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. متفق عليه. ولأن مقتضى العقد انتقال المبيع للبائع بعد دفع الثمن، والتصرف المطلق فيه، وأن له ربحه وعليه خسارته وحده، ولدفع الضرر المتوقع إذا تهاون المشتري في ترويج السلعة فباعها بخسارة ورجع على البائع، ولأن قوله البائع: إن خسرت البضاعة فأنا أدفع الخسارة فيه تغرير من ناحية إيهام المشتري بأن السلعة رائجة، وأنها تساوي هذا المبلغ".
القول الثاني:
أن العقد والشرط صحيحان. ذكره شيخنا في الشرح الممتع، ورجحه، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم، وعلل الجواز بأنه ليس على أحد الطرفين ضرر، وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى"، القول الثالث:
ذكر شيخنا قولًا ثالثًا بأنه إن كان رد المشتري للسلعة بدون شرط وعقد مسبق بينه وبين البائع فلا بأس، لأنه إذا رده بدون شرط، ورضي البائع فهو إقالة من البائع للمشتري، والإقالة جائزة".
ويشكل على هذا التخريج:
أن التعامل اليوم أصبح عرفًا بين الناس، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، ...
القول الرابع:
أن العقد والشرط باطلان. وهذا قول في مذهب الحنابلة.
جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: "شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده ... فهذا الشرط باطل في نفسه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) نص على بطلان هذا الشرط، وقسنا عليه سائر الشروط؛ لأنها في معناه.
وهل يبطل بها البيع؟ على روايتين:
قال القاضي: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي، والحكم وابن أبي ليلى، وأبو ثور.
والثانية: البيع فاسد، وهو قول أبي حنفية، والشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد البيع كما لو اشترط فيه عقدًا آخر، ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا، ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه، والمشتري كذلك إذا كان الشرط له، فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع من شرطه التراضي، ولأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع وشرط، ووجه الأولى: ما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي ... وذكر حديث عائشة في قصة عتق بريرة ... فأبطل -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرط ولم يبطل العقد.
وجاء في بحوث هيئة كبار العلماء في البلاد السعودية: "من الشروط الفاسدة: شرط ينافي مقتضى العقد، كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع، ولا يهب، ولا يعتق، فهذه الشروط باطلة، وهل تبطل العقود المشتملة عليها؟ قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد"
واشتراط ألا خسارة عليه كاشتراط متى نفق المبيع وإلا رده، فإن المحصلة واحدة، لأن المبيع متى كان نافقًا فالمشتري رابح، ومتى كان المبيع غير نافق فإن المشتري سيخسر، فالشرطان بمعنى واحد، وهما شرطان مخالفان لمقتضى العقد وبينهما فرق يسير سوف أشير إليه عند التعرض للترجيح".
فالمتفق عليه في هذه الأقوال الأربعة بطلان هذا العرف الذي أصبح في حكم الشرط في مسألة بيع البضاعة المحمية، أو الاتجار في السلعة على المباع، هذا العرف الذي حكمه حكم الشرط هو أن الخسارة والتلف على المنتج الأصلي أو المروج أو المورد للبضاعة.
الخلاصة:
لتصحيح هذه المعاملة شرعيا:
--إذا لم يرد الوسيط تملك البضاعة حتى لا تقع الخسارة عليه فيعقد مع البائع الأول عقد وكالة بأجرة معلومة، فيكون ربحه تلك الأجرة المعلومة، وهو عندئذ مؤتمن، إذا تلفت البضاعة عنده أو انتهت صلاحيتها ولم يكن منه تفريط ولا تعد فالخسارة على البائع الأول صاحب البضاعة الأصلية, يسترد البضاعة منتهية الصلاحية، ولا علاقة للوسيط بزيادة السعر أو نقصانه لأن العقد كان معه على أجرة معلومة.
--إذا أراد الوسيط بين البائع الأول أو المستهلك هامشا أكبر من الربح فإنه يتفق مع البائع الأول مهما اختلفت صفته من مورد أو مروج أو منتج على قدر معلوم وسعر معلوم بحيث يتحاسبان في نهاية اليوم مثلا ويكون العقد على جميع البضاعة عقد بيع وشراء بحيث لو تلفت وهي في ذمة الوسيط تكون عليه الخسارة لا على البائع الأول للقاعدة, الخراج بالضمان، فإن فضل شيء من البضاعة وقبل البائع الأول ردها بدون شرط جاز هذا، وعلى هذا, فلو انتهت صلاحية المنتج وهي في ذمة الوسيط فلا علاقة للبائع الأول بذلك، ولو فضلت بضاعة ورفض البائع الأول ردها ليس للوسيط مطالبته بأي شيء.
--سبب حرمة المعاملة في واقعها الحالي، الجهل في كمية المباع والثمن، والغرر الذي يقع فيها وتحمل البائع الأول الخسارة عن الوسيط سواء أكان في انتهاء الصلاحية أو في انخفاض السعر ولو كانا متراضيين، وعندها يحوي العقد شرطا فاسدا يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين ولو على سبيل الاحتمال وقبول المخاطرة، وهذا ينافي العدالة التي جاءت الشريعة بإرسائها، وعندئذ لا اعتبار للتراضي، وتكافؤ الفرص يقضي بأن صاحب الربح كما أنه يحب الربح لنفسه فينبغي عليه ألا يضر بالآخرين, {وليؤد للناس الذي يحب أن يؤتى إليه}.
تنبيهات:
--يختلف حال الوسيط عن حال السمسار، فالسمسار مجرد دلال يدلل ببضاعة معينة يطلب منه المشتري أن يشتري له سلعة في حدود مبلغ معين مقابل زيادة يعطيها له متفق عليها، ويتفق معه البائع على بيع تلك السلعة بمبلغ معين فما زاد فهو له أو يتفقان على أجرة معينة، فالسمسار لا يبيع ولا يشتري، ولكنه وسيط بأجرة.
--أجاز الشيخ عبد السلام الشويعر حفظه الله ما إذا حدد تاريخ معين بأن يأتي الوسيط ويقول اشتري منك هذه البضاعة إلى شهر فإن انتهت المدة ولم تبع يعتبر من خيار الشرط بمدة معلومة،
https://www.youtube.com/watch?v=bN4fTwaKWqs
والله أعلم.
الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022
بين الشريعة والعلم, كسوف الشمس, مبالغات في حدة التحذيرات من النظر إلى الشمس وقت الكسوف:
#بين_الشريعة_والعلم:
#كسوف_الشمس, مبالغات في حدة التحذيرات من النظر إلى الشمس وقت الكسوف:
مقالات تنشر تحت عناوين, (كسوف الشمس... تحذيرات وعطلات وصلوات)، وأخرى تعلن عن الكسوف على أنه ظاهرة فلكية مجردة، وما يصحبها من وصفها بأنها تخويف من الله عز وجل لعباده تتعامل معه العديد من وسائل الإعلام وكأنه من أساطير الموروثات، وإنما يجتمع العالم بجميع أطيافه على أنها ظاهرة فلكية طبيعية، هذا هو المثبت علميا، وغير ذلك ثقافات متعددة لا تخضع للبحث التجريبي، هكذا تروج العديد من وسائل الإعلام للكسوف والخسوف، على طرفي نقيض, تشديد في التحذير من النظر، وتهميش للغيبيات.
وكما هو الحال بين المركزين على العلم التجريبي وبين أهل الشريعة يبرز في مثل هذه المواقف الصراع بين العلم والإيمان, بين تشديد في التحذير من النظر للكسوف لأنه قد يتسبب بالعمى، وبين ربط الشرع بين الصلاة وبين رؤية الكسوف, {عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ ، فَقَامَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلُّونَ ، فَلَمَّا انْجَلَتْ خَطَبَنَا فَقَالَ : " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ أَحَدِهِمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ " فهل فعلا هناك تعارض؟ وهل يقف التشكيك في الشرعيات على أرض صلبة حين يهجم أصحاب الشك على هذه الشرعيات لأنها تعارض ما أثبته العلم الحديث من خطورة الكسوف على البصر؟
ومما ينبغي معرفته وتثبيته في العقول هذه القاعدة المهمة, العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، لا بد من هذه الشروط, نص صحيح ثابت في النقل, والاستدلال به في موطنه صحيح، وعقل صريح, بنى استدلالاته ونتائجه على ما شهد الحس أو الواقع بصدقه، لا يقطع بالنسبيات، ولا يجزم بالاحتمالات، ولا يصادم الغيبيات لمجرد أنها لا توافق مقدماته الناقصة في الاستدلال أو الإحاطة بجميع جوانب موضوع الدراسة.
فإذا ما تقرر هذا في العقول السليمة فهذا أوان الجواب, هل تتعارض شدة التحذيرات من النظر للكسوف مع تعليق الشرع صلاة الكسوف بالرؤية؟
مقال علمي في موقع Live Science يجيب على هذا التساؤل بما يتفق مع القاعدة التي قدمناها, (العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح)، وإذا ما أردنا معرفة قيمة هذا الموقع العلمية علينا قراءة هذه المعلومات من الرابط التالي:
https://ar.wikipedia.org/.../%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%81_%D8...
المقال بعنوان: (
Has Anyone Ever Gone Blind from Staring at a Solar Eclipse?
هل عمي أي شخص في أي وقت مضى من التحديق في كسوف الشمس؟)،
ورابط المقال سيكون في الأسفل، ولكن يهمنا خلاصاته وهي:
--يقول المقال: هناك أكثر من 100 حالة موثقة لضرر خطير ودائم في العين كان بسبب تحديق الناس لفترة طويلة في كسوف الشمس ومع ذلك ، فإن هذا النوع من الضرر ، الذي يسمى اعتلال الشبكية الشمسي ، لن يؤدي في العادة إلى إصابة الشخص بالعمى تماما. فهما حقيقتان, الحالات المئة كان ضررها بسبب التحديق الطويل، ولا يسبب هذا التحديق العمى التام.
--يقول المقال: من الصعب تقييم مدى شيوع هذه الإصابات ، نظرًا لأن دراسات قليلة فقط حاولت حساب عمى كسوف الشمس بشكل منهجي، ولا يختلف التحديق في الشمس أثناء كسوف الشمس كثيرًا عن التحديق في الشمس خلال يوم عادي. الفرق هو أن معظمنا لديه رد فعل طبيعي للنظر بعيدًا عن الشمس إذا نظرنا لفترة طويلة جدًا. وعادة يلقي الناس نظرة على الشمس ثم ينظرون بعيدًا بسرعة، إلا أنهم في وقت الكسوف يتجنبون ردة الفعل هذه، ف"أدمغتنا مصممة لتجنب النظر إلى أشياء شديدة السطوع مثل الشمس"، ومع ذلك ، بالنسبة للأحداث التي تحدث مرة واحدة مثل الكسوف الكلي للشمس ، "من الممكن أن تتغلب على رد فعل النفور" ، وبهذا يعلم أن التشديد المشاع في وسائل الإعلام مبني على أساس غير متين، فهي دراسات قليلة تقوم على أساس إحصائي, والحالات الموثقة مئة حالة، ولم تصل للعمى الكامل، وهو مقياس لا يمكن تعميم حكمه بحسب المقال، كما أن الضرر بنسبة عامة لا يختلف كثيرا بين يوم الكسوف وبين اليوم العادي، لكن الاختلاف في أمور, تغلب الفضول على ردة الفعل ضد الأشياء الساطعة، فرجع الأمر لإدامة النظر لوقت طويل.
--يقول المقال: إن من الفروق بين يوم الكسوف واليوم العادي أنه في أثناء الكسوف "هناك الكثير من الضوء الذي يصيب تلك الخلايا لدرجة أنه في الواقع يعطل أجزاء الخلايا الحساسة للضوء المسؤولة عن هذا التحول إلى إشارة عصبية"، فيؤدي إلى آثار ضارة، فإذا تعطل النشاط الأيضي لهذه الخلايا بشكل كبير بما فيه الكفاية ، ستتوقف الخلايا عن العمل، فأضاف إلى طول النظر قوة الإشعاع.
--يقول المقال: إن الذين ظلوا يحدقون في الشمس لفترة طويلة من خلال التلسكوب أو غيرها من المساعدات البصرية قد يتعرضون لأضرار حرارية ، حيث يكونون حرفيًا محموما أو يطبخون خلايا العين ، مما يؤدي إلى موت هذه الخلايا. حتى أن بعض الناس أصيبوا بحروق على شكل هلال في عيونهم تحاكي شكل كسوف الشمس، وهذا الضرر مشابه لضرر النظر إلى حرق العشب بالمساعدات البصريةوعلى الرغم من هذا التشابه إلا أن الأشعة تحت الحمراء ليس لها تأثير ضار على البصر كما في الدخان المنبعث من حرق العشب، وفي دراسة في بريطانيا 1999_ف، أن النظر للكسوف بالعين المجردة قد يسبب ارتفاع درجة حرارة الشبكية لكنه ليس مثل ارتفاع درجة حرارتها إذا ما استعملت المساعدات البصرية الأخرى كالتلسكوب.
--يقول المقال: بالنسبة لبعض الأشخاص ، يكون هذا التأثير الضار من طول النظر للكسوف مؤقتًا ، بينما يعاني البعض الآخر من ضرر دائم ، ولا توجد حاليًا اختبارات مؤكدة للتنبؤ بمن سيقع في أي مجموعة ، فالأمر إذن نسبي.
ويقول المقال: في عام 1976 في تركيا أثبتت دراسة أنه بعد فترة طويلة من الإصابة ، لا يزال حوالي 10 في المائة من الأشخاص الذين يعانون من تلف في العين لا يستطيعون قراءة الحروف على لوحة ترخيص على بعد حوالي 25 ياردة (23 مترًا)، إذن، فنسبة المصابين بوجه عام قليلة، وقليل منهم يعانون من أعراض دائمة قد يكون لها أسباب عضوية أخرى غير عمى الكسوف، وعليه فإن التحديق في الشمس يمكن أن يتسبب بوضوح في إصابة العين ، لكنه من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون بالفعل من هذا التأثير. وفي عام 1979 ، طلب صاحب هذه الحقائق في المقال من أطباء العيون وفاحصي النظر إرسال تقارير حالة من الأشخاص الذين تضرر بصرهم بسبب كسوف الشمس في ذلك العام. تلقى تقارير قليلة جدا.
وبالمثل ، وجدت دراسة استقصائية أجريت بعد كسوف الشمس عام 1999 في أوروبا عددًا قليلاً فقط من حالات الصدمة الشمسية المبلغ عنها من أطباء العيون البريطانيين.
وعليه فالاعتقاد عند الناس أن مجرد نظر إلى الكسوف يؤدي إلى تلف العين اعتقاد لا يخلو من نظر علمي، وإنما ينبغي, عدم إطالة النظر للكسوف بالعين المجردة، استعمال أدوات الحماية المناسبة.
ولا تعارض بين الشريعة والعلم, فمجرد النظر إلى الشمس في الكسوف لا يوجد دليل علمي على أنه يفسد البصر، بل الثابت علميا أن البصر يتضرر بإطالة النظر إليه، والله أعلم.
رابط المقال:
https://www.livescience.com/59663-how-solar-eclipses-make-people-go-blind.html
الأربعاء، 21 سبتمبر 2022
حكم قول (نعيما) لمن حلق أو استحم:
حكم قول (نعيما) لمن حلق أو استحم:
اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة بحسب التكييف الفقهي لها:
--فمن رآها من العادات قال: الأصل في العادات الإباحة، وإذا كان الحكم يدور بين العادات والعبادات فالأصل أنه عادة, جاء في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن العثيمين (5/259):
" شرح حديث عائشة رضي الله عنها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
...
قوله: " أحدث " أي أتى بشيء جديد.
" في أمرنا " أي في ديننا.
" ما ليس منه " أي باعتبار الشرع.
" رد " بمعنى مردود، وهذه الكلمة مصدر، والفعل (رد) ، والمصدر هنا بمعنى اسم المفعول (مردود)".
إلى أن قال (5/260):
"وعلى العكس من ذلك فالأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الإباحة والحل حتى يقوم دليل على المنع.
وهذا الحديث ورد في العبادات وهي التي يقصد الإنسان بها التعبد والتقرب إلى الله، فنقول لمن يزعم شيئا عبادة: هات الدليل على أن هذا عبادة، وإلا فقولك مردود.
ويحتاج هذا الحديث إلى تحرير بالغ.
فأولا: ينبغي معرفة هل هذا عبادة أم عادة.
فمثلا لو أن رجلا قال لصاحبه الذي نجا من هلكة: ما شاء الله، هنيئا لك. فقال له رجل: هذه بدعة. فهذا القول غير صحيح؛ لأن هذا من أمور العادة وليس من أمور العبادة. وفي الشرع ما يشهد لهذا، حيث جعل الناس يهنئون كعب بن مالك بتوبة الله عليه في حديثه الطويل. وكثير من التهاني التي تحدث بين الناس لا يزعم أحد أنها بدعة إلا بدليل؛ لأنها أمور عادات لا عبادات، وكمن قابل رجلا نجح في امتحان فقال له: مبروك. فمن يقول هذه بدعة غير محق في ذلك.
وإذا تردد الأمر بين كونه عبادة أو عادة، فالأصل أنه عادة ولا ينهى عنه حتى يقوم دليل على أنه عبادة.
جاء في الأذكار للنووي ص431:
" بابُ في مسائل تَتَفَرَّعُ على السَّلام مسألة: [في تحية الخارج من الحمَّام] :
- قال أبو سعدٍ المتولّي: التَّحية عند الخروج من الحمّام بأن يُقال له: طابَ حَمَّامُك؛ لا أصل لها، ولكن رُوي أن عليّاً رضيَ الله عنه قال لرجُلٍ خرجَ من الحمامِ: طَهَُرْتَ، فلا نَجِسْتَ.
- قُلْتُ: هذا المحلُ لم يصحُّ فيهِ شيءٌ، ولو قال إنسانٌ لصاحبهِ على سبيل المودة والمؤالفة، واستجلاب الودّ: أَدَامَ الله لك النَّعِيم؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ من الدُّعاء، فلا بأس به".
وهذه فتوى الشيخ عزيز بن فرحان العنزي حفظه الله:
https://ms-my.facebook.com/azizbinfarhaan/videos/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%82%D9%88%D9%84-%D9%86%D8%B9%D9%8A%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D8%B3%D9%84ruling-on-saying-be-blessed-to-one-who-has-taken-a-bath/913991959181219/
--ومنهم من رأى سد هذا الباب من أجل مداومة الناس على ذلك، وأنه لم يكن لها أصل, هذه فتوى الشيخ الوصابي رحمه الله:
قول جمعة مباركة ونعيماً لمن حلق
كتبها مشرف تقني
الجمعة ۹ ربيع الثاني ۱٤٤۱ هـ الموافق ٦ ديسمبر ۲۰۱۹ مـ | الصيام والاعتكاف، الفتاوى | شارك بتعليقك
قول جمعة مباركة ونعيماً لمن حلق
نص السؤال:ما حكم قول القائل في يوم الجمعة جمعة مباركة وكذلك العبارة الأخرى أو الكلمة الأخرى نعيماً لمن حلق وجزاكم الله خيراً ؟
نص الجواب: التهنئة بيوم الجمعة مما لا يشرع ؛ الجمعة مافي لها تهنئة ، التهنئة جاءت في العيد وفي مناسبات أخرى مثل الزواج :بارك الله لك وبارك عليك ؛ المهم أن الجمعة ما في لها تهنئة ؛ ولا أيضاً الحلاقة الحلق ما في له تهنئة فإن كان حلق الرأس فليس له تهنئة ، وإن كان حلق اللحية فحلقها حرام كيف تهنئه بمعصية ارتكبها ؟!والله المستعان.
https://alwasabi.al3ilm.net/14611
فإن كنت ممن يحب الكلام المختصر فما سبق يكفي نهمتك، ولعلك لا تعدم نفعا من النظر فيما بقي بفائدة تجدها أو تتذكرها أو بتسديد أو نقد فيه نفع، فحينئذ إليك الباقي.
مما ينبغي التنبيه عليه أن للحلاقة أو التقصير أحوالا, فمنه ما يكون نسكا, كما هو معلوم بعد الحج أو العمرة، وكذلك حلق شعر المولود يوم سابعه والتصدق بوزنه فضة، ومنه ما يكون تداويا, كالقشرة أو وجود آفة القمل، أو لإجراء جراحة أو ما أشبهه، ومنه ما يكون معصية, كالقزع، أو حلق اللحية أو تقصيرها، ولعل هذا الاختلاف لا يسعه حكم واحد, فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يؤثر عنهم شيء في التهنئة بعد الحلق والتقصير من العمرة وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وشدة الحاجة إلى ذلك، فلما لم ينقل إلينا فيه شيء مع توفر الدواعي لنقله علمنا أنه مما ترك.
ولو ساغ قول نعيما أو أدام الله نعيمك بعد الاستحمام المعتاد لأنه تنظف والتنظف تنعم فماذا يقال في الحلاقة والتقصير ولهما أحوالهما، بل اختلفت العوائد فيهما, ففي ذخيرة العقبى للشيخ الإتيوبي رحمه الله (38/20):
5055 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، شَعْرًا رَجِلاً، لَيْسَ بِالْجَعْدِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ").
ذكر رحمه الله كلاما كثيرا في شرح الحديث إلى أن قال (38/22):
" وَقَالَ فِي "الفتح" أيضًا 11/ 553 فِي "اللباس": وما دلّ عليه الْحَدِيث منْ كون شعر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إلى قرب منكبيه كَانَ غالب أحواله، وكان ربّما طال، حَتَّى يصير ذؤابة، ويتّخذ منه عقائص، وضفائر، كما أخرج أبو داود، والترمذيّ بسند حسن، منْ حديث أم هانىء رضي الله تعالى عنها، قالت: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، وله أربع غدائر"، وفي لفظ: "أربع ضفائر"، وفي رواية ابن ماجه: "أربع غدائر -يعني ضفائر"، والغدائر -بالغين المعجمة- جمع غَديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه، فالغدائر هي الذوائب، والضفائر هي العقائص.
فحاصل الخبر أن شعره -صلى الله عليه وسلم- طال، حَتَّى صار ذوائب، فضفره أربع عقائص، وهذا محمول عَلَى الحال التي يبعد عهده بتعهّد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر، ونحوه. والله أعلم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان".
إلى أن قال (38/23):
" (المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز الأخذ منْ الشعر. (ومنها): أن إطالة الشعر حَتَّى يكون جمّةً، أو لِمّةً منْ هديه -صلى الله عليه وسلم-. (ومنها): أن فيه بيان أن شعر الرأس يخالف شعر اللحية، حيث جاز تقصيره، بخلاف اللحية، فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بتوفيرها، وعدم التعرّض لها. (ومنها): بيان ما كَانَ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ جمال الخِلقة، فإن هَذَا النوع منْ الشعر هو المحمود عند النَّاس، فإن كلاًّ منْ الجعودة، والسبوطة البحتين غير محمود، وإنما المحمود هو الوسط بينهما، كما كَانَ عليه شعر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل".
والجواز حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، فدل هذا على أن للشارع هدي فيا في الشرع وإن كانت أمور اللباس والزينة في الأصل تخضع للعادات.
وفي عون المعبود في شرح سنن أبي داود (11/159):
" (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّعَرِ)
اعْلَمْ أَنَّ لِشَعْرِ الْإِنْسَانِ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ الْجُمَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْوَفْرَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَاللِّمَّةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَالْجُمَّةُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالْوَفْرَةُ إِلَيَّ شَحْمَةِ الْأُذُنِ واللِّمَّةُ بَيْنَ بَيْنَ نَزَلَ مِنَ الْأُذُنِ وَأَلَمَّ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمَا
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الجمةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَاللِّمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ الْجُمَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ الْجُمَّةُ وَالْوَفْرَةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ انْتَهَى".
فهذه ثلاثة أحوال ذكرت في الكلام عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعره، وهذا يبين خطأ تقييد المهنئ والداعي بالنعيم في التقصير والحلق.
وفي زاد المعاد (1/167):
" وَكَانَ هَدْيُهُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ تَرْكَهُ كُلَّهُ أَوْ أَخْذَهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْلِقُ بَعْضَهُ وَيَدَعُ بَعْضَهُ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ حَلْقُهُ إِلَّا فِي نُسُكٍ".
وقد أجاز الشارع الحكيم لمن به أذى في رأسه أن يحلقه فقال الله عز وجل: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وإذا كان هذا في الحج والعمرة وهو من المحظورات فيهما فما بالك بجوازه للحاجة في غيرهما.
ففي الحالة الأولى كان الحلق عبادة، ومع هذا لم يؤثر التهنئة عليه مع أنه نهاية عبادة جليلة، وفي الحالة الثانية كان الحلق محظورا يفدى عنه بفدية، ومع أنه كان نعمة للحالق, ففيه ذهاب للأذى عنه، ومع هذا كان محظورا يحتاج إلى جبر، ولولا الحاجة إليه لكان النسك باطلا.
والمهم أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه حلق شعر الرأس حلقا تاما إلا في نسك، وكان غالب حاله أن شعره ما بين شحمة الأذن إلى أن يصل إلى شحمة أذنه، فكان إن شغل عنه طال إلى أن يلامس العاتق، وإن قصره قصره إلى شحمة الأذن، وقد جرت عادتنا نحن التقصير إلى أكثر من ذلك.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود §بَابٌ فِي إِصْلَاحِ الشَّعَرِ، 4163 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ»، قال الألباني عنه أنه حسن صحيح.
قال ابن القيم في حاشيته تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته المطبوع مع عون المعبود (11/147):
" فَإِنَّ الْعَبْد مَأْمُور بِإِكْرَامِ شَعْره وَمَنْهِيّ عَنْ الْمُبَالَغَة وَالزِّيَادَة فِي الرَّفَاهِيَة وَالتَّنَعُّم فَيُكْرِم شَعْره وَلَا يَتَّخِذ الرَّفَاهِيَة وَالتَّنَعُّم دَيْدَنه بَلْ يَتَرَجَّل غِبًّا
هَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق".
وفي شرح سنن أبي داود للشيخ العباد (467/14):
" أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إصلاح الشعر، وهذه الترجمة هي بمعنى ما قلناه في الترجل، والترجل هو تحسين الشعر، والمقصود: الاعتدال والتوسط في ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (من كان له شعر فليكرمه) يعني: يكرمه بعدم إهماله، ولكن بالاعتدال والتوسط كما سبق أن مر، فليس هناك مخالفة بين هذا وبين الحديث السابق؛ لأن هذا فيه عدم الإهمال، وذاك يدل على التوسط والاعتدال، فلا تنافي بين ما جاء هنا وما جاء هناك؛ لأن قوله (فليكرمه) ليس معناه أنه يكون هو شغله الشاغل ويعتني به دائماً وأبداً ويشغل نفسه بالترفه والتنعم، وإنما يكون بالتوسط والاعتدال كما جاء توضيح ذلك في الأحاديث السابقة".
وفي سنن أبي داود باب في تطويل الجُمَّةِ
4190 - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، حدَّثنا معاويةُ بنُ هشامٍ وسفيانُ بنُ عقبة السُّوائي -هو أخو قبيصة- وحُميد بن خُوَار، عن سفيان الثوري، عن عاصم ابنِ كليب، عن أبيه
عن وائل بن حُجْر، قال: أتيتُ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- ولي شعرٌ طويلٌ، فلما رآني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "ذُبابٌ ذُبابٌ". قال: فرجعتُ فجززتُه، ثم أتيته مِنَ الغَدِ، فقال: "إني لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ" .
والشاهد قوله: {لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ}.
وليس سوق كل ما تقدم من أدلة خروجا عن أصل الموضوع، بل هي في صلبه, إذ إن ما سبق من تلك الأدلة واستنباط أحكام منها يدل على أن للشرع هديا فيما يتعلق بترك الشعر أو تقصيره أو حلقه، ولو على سبيل الندب، بل، وبما يفيد الكراهية، فحديث أنس المتقدم في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم استنبط منه النسائي جواز الأخذ من الشعر, لذا أورده في ذلك التبويب, "باب الأخذ من الشعر"، ولئن كان كثير من العلماء أوردوه في تبويباتهم عن اللباس واللباس يخضع للعادة، فإن إيراد النسائي له في المجتبى في باب الأخذ من الشعر يفهم منه حكم شرعي وهو الجواز، وكذلك تبويبات العلماء على حديث {من كان له شعر فليكرمه}، حيث جعلوه تحت تبويبات إصلاح الشعر وإكرامه ودهنه وإصلاحه، ولفظ الأمر {فليكرمه}، كافية في بيان السنية، وكذا حديث, {لم أعنك وهذا أحسن}، استنبط منه النسائي أيضا جواز الأخذ من الشعر، واستنبط منه ابن ماجه رحمه الله كراهية إطالة الشعر حيث أورده في " بَابُ كَرَاهِيَةِ كَثْرَةِ الشَّعَرِ("".
وأما عن خلاف المذاهب الأربعة في سنية الحلق أو بدعيته، أو الكراهة أو أفضلية إبقاء الشعر، لمن قدر على إكرامه أو أن الحلق والإبقاء مباحان، فأمر يطول ذكره ومبسوط في مظانه، ويكفي الإشارة إلى هذا الخلاف في بيان استشعار السلف أن للتعامل مع الشعر هدي في الشرع، وإن تخللت كثير من مسائله العادات، ومما يؤكد ذلك حكاية الإجماع على حرمة حلق شعر المرأة بالكلية.
ومما هو معلوم أن التهنئة تكون في أمر مفرح، فجعل قول نعيما بعد التقصير أو الحلق من باب التهاني لا يخلو من النظر فيما سبق بيانه, فالحلق أو التقصير قد يكون عقوبة كما في النظام العسكري، وقد كانت العرب تفعله بالأسارى إذا منوا عليهم فأطلقوهم،, كما في حال ابن عباد مع المهلهل، وقد يكون الحلق أو التقصير معصية, كما في حلق اللحية، وكما في تدريج الشعر في القزع, قال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة, ص441:
" فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ".
وقد يكون الحلق أو التقصير عبادة ولم تتوافر الدواعي لنقل تهنئة عليه مع شدة الحاجة إلى ذلك، وقد يكون عن مرض، وجعل كل هذه الأحوال سواء في التهنئة بقول نعيما مما لا يسوغ، فليست كل هذه الأحوال نعيما، وقد جعلت الشريعة في إبقاء الشعر الإكرام كما مر، وكان أكثر حال النبي صلى الله عليه وسلم الإبقاء والتقصير إلى شحمة الأذن، وجعلت في الحلق أو التقصير التعبد في أحيان وإذهاب الأذى والمرض، فإبقاء الشعر مع إكرامه نعمة ونظافة وحسن مظهر، وحلقه أو تقصيره عند العجز عن إكرامه نعمة، والتقرب إلى الله بالحلق والتقصير فيما أذن به الشارع نعمة، كل هذا الاختلاف في الأحوال للحلق والتقصير والترك لا ينسجم مع المداومة على الدعاء للمقصر أو المحلق بقولنا نعيما، وهذا كله يقوي كلام المانعين.
والحاصل: أن من قال لأخيه هذا الدعاء متأسيا بمن أجازه من العلماء على سبيل العادة فله سلفه، فله في ذلك سلف، ومن تورع فأمسك فله سلفه إضافة لعدم نقل ذلك عن السلف، وأن التهنئة أو الدعاء بقولنا نعيما لا ينسجم مع اختلاف الأحوال للحلق أو التقصير أو الترك، وكأن النظافة أو التنعم منحصرة في الحلق والتقصير وقد يقترنان بما يجعلهما معصية، وكأن ترك الشعر في جميع أحواله على الضد من ذلك، وقد تقدم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم إبقاء الشعر وحده إلى العاتقين، وأمر من كان له شعر بإكرامه، ومنافع إبقاء الشعر مع تقصيره وعدم كثرته الفاحشة من النعم التي لا تخفى على ذي لب، والله أعلم.
الأربعاء، 22 يونيو 2022
إشكال والجواب عنه, زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة: الحلقة الثانية
إشكال والجواب عنه, زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة:
كم تثار هذه الشبهة في أوساطنا المعاصرة من فئات عديدة, ليبرالية، علمانية، مسيحية، ومؤخرا من الناطقة باسم الحزب الحاكم الهندوسي في الهند، وتقابل هذه الشبهة بغض النظر عن مثيرها في كل مرة من المسلمين بمسلكين عامين, مسلك العاطفة غير المنضبطة التي تتيح لبعض الدول أو الجهات ممارسة إجراءات قمعية ضد المسلمين بحجة مكافحة التطرف، أو مواجهة المتمردين الذين يرفضون حرية الرأي.
أما المسلك الثاني فيتمثل في التأثر بشبه المغرضين، ولذا كانت هذه المحاولة القاصرة التي ليست هي الوحيدة في نقض هذه الشبهة، وكانت على حلقتين, حلقة تخاطب المسلم الذي يعظم النصوص ويقبل التاريخ الموثق من كتب الأئمة، وقد تم نشرها، وحلقة تتناولها هذه السطور في نقض هذه الشبهة لغير المسلمين، والله المستعان، وعليه التكلان.
الحلقة الثانية
في الرد على غير المسلمين ممن يثير هذه الشبهة:
في كل مرة يستشعر أصحاب الديانات الأخرة بتزايد انتشار معتنقي الإسلام في بلدانهم، يلجأون إلى أساليب لحر الإسلام، ومنها هذه الشبه، ولا بد لمن ينتقد شيئا يبرهن على خطئه أن يكون لديه البديل الأفضل، وفي كل مرة يجتهد منتقدو الإسلام سراب شبهة يتبعونه ما يلبث أن يرد الإسلام الذي برهن على تهافت كل شبهة تعرض له منذ ما يربو على أربعة عشر قرنا، ليس هذا فحسب، بل ما أشد تهافت تلك الشبه عندما تتأمل السيناريو البديل الذي يقدمونه حلا لشبهتهم المتوهمة، فإما أن تجد سيناريو مبتذلا تأباه الفطر السليمة فضلا عن العقول الراقية، وإما أن تجد في واقع المنتقد ومعتقداته ما هو أفضع مما ينتقده، هذه آفتك أيها العقل المعاصر، فعلى الرغم من تقدمك وتحضرك لا يكاد يحالفك الإنصاف، حيث تصدر أحكامك من منطلقات نظرك من زاوية واحدة بعين واحدة تخونك، نعم، تخونك عين التجرد، تقيم كل شيء، وتحكم على كل أحد بمعاييرك التي قد يعتبرها العقل الذي سيعتبرك ماضيا معايير باهتة إذا انتهج نهجك في جعل نفسه حكما على كل العصور وعلى كل الظروف متناسيا طبيعتها الخاصة.
فهلم أيها القارئ الكريم إلى شبهة العقل المعاصر والسيناريو البديل الذي يرتضيه، وجذور واقعه التي يتناساها.
لقد تباينت الدساتير الوضعية في دول العالم في العديد من تفاصيلها، لكنها في الغالب تنتظم خطوطا عريضة عامة تبعا لتعاليم فكرة الديمقراطية التي ترعاها الدول الكبرى، حيث أعطت للفرد ميدانا أفيح للحرية, حرية، الفكر، حرية المعتقد، حرية التعبير، حرية التصرف بما لا يتعارض مع بعض الأطر العامة للدستور، ولذا أتيحت الفرصة للتعددية في المجتمعات، سوق لهذه التعددية على أنها ظاهرة صحية، ورفعت معها شعارات كبيرة, تقبل الآخر، محاربة الأفكار المتطرفة، الأخوة الإنسانية، لكنها شعارات ما يلبث الواقع أن يبين عوارها، عند من يروج لها ويدعمها ويتبناها قبل غيرهم، فتكتشف العقول الواعية وإن كانت من عوام الناس أنها شعارات جوفاء، وتدافع عنها العقول المخدرة بإبر الإعلام والانبهار دفاعا مستميتا وإن كانت عقولا لمن يعرفون بالمثقفين أو المتنورين، وما أثبته الواقع الحقيقي لا يحتاج إلى دليل, دعاوى تزوير في انتخابات أكبر الدول الداعمة للديمقراطية، التعهد بحماية دول بعينها، وممارسة طقوس تؤكد ذلك، التعامل بازدواجية معايير بحيث يقبل من التوجه العام يوافقه، ويعارض بالتصرفات نفسها من لا يوافق التوجه السياسي العام، وغير ذلك.
ظاهر خداع, يظهر بالسماح ببناء المعابد الدينية الذي لا يخلو من أن يكون سماحا مشروطا ومقيدا، حقوق تسمى حقوق المواطنة في اظاهر يتساوى فيها كل من تعطى له ورقة الجنسية، أو حق اللجوء الإنساني أو السياسي، وما تلبث المواقف أن تبرهن على تمييز عنصري تختلف نسبته باختلاف المواقف والتوجهات، هذه وغيرها مزايا تعطى للبرهنة على نجاح التجربة التعددية التي تثبت لفكرة الديمقراطية قوة على الأرض، لكنها مزايا منحت تحت إطار دقيق مقنن يتسع أحيانا، ويضيق أحيانا بحسب ظروف سياسية وأمنية ومصلحية، تأمل هذا التقرير:
"كاريكاتير روسي يغضب فرنسا، وموسكو تذكرها بـ "شارلي إبدو"
28 مارس/ آذار 2022
بعد أن أعرب عن غضبه بسبب رسم كاريكاتيري شاركته السفارة الروسية في باريس، الخارجية الروسية تذكر الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون برسومات مجلة "شارلي إبدو" للنبي محمد التي أحدثت غضبا واسعا عندما نشرت عام 2006"
https://www.bbc.com/arabic/tv-and-radio-60906858
وفي سياق أشد تفصيلا:
"دبي - العربية.نت
نشر في: 26 مارس ,2022: 02:03 م GSTآخر تحديث: 26 مارس ,2022: 02:41 م GST
علقت الخارجية الروسية على إبداء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استياءه إزاء رسم كاريكاتيري نشرته سفارة موسكو في باريس، يسخر من العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أحد الرسمين اللذين نشرتهما السفارة الروسية
أحد الرسمين اللذين نشرتهما السفارة الروسية
وردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على قناتها الرسمية في "تليغرام"، على كلام ماكرون بالقول؟ "حقا؟ أليس رؤساء ووزارة خارجية فرنسا هم الذين كانوا يعلّموننا بأن أي رسوم كاريكاتيرية أمر طبيعي، حتى تلك الفظيعة التي نشرتها "شارلي إبدو"؟ قررنا اتباع نصيحتهم واستخدام الهجاء الذي يعتبرونه دليلا على حرية التعبير، والآن لا يعجبهم شيء".
ويظهر الرسم الذي نشرته السفارة الروسية على حسابها في "تويتر" جسما مريضا راقدا على طاولة عمليات جراحية كتب عليها "أوروبا"، وفوقها طبيبان يرتديان قبعتين تحملان علمي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واسماهما "إمبراطورية الأكاذيب" و"الرايخ الأوروبي"، وهما يعطيان المريض حقنا خبيثة كتب عليها "كراهية روسيا" و"العقوبات" و"النازية الجديدة" و"كوفيد-19" و"الناتو" و"ثقافة الإلغاء".
وانتقد ماكرون، أثناء مؤتمر صحافي عقده عقب قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، نشر السفارة الروسية هذا الرسم، مشددا على أن هذه الخطوة غير مقبولة.
ولفت إلى أن الخارجية الفرنسية أبلغت السفير الروسي باستياء باريس إزاء هذا الرسم الكاريكاتيري، مضيفا: "تم إصلاح هذا الخطأ وآمل ألا يتكرر"".
https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2022/03/26/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%AA%D8%B0%D9%83%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%80-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%A8%D8%AF%D9%88-%D8%B1%D8%AF%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%A6%D9%87-%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D9%86%D8%B4%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7
وقبل هذا:
"باريس، فرنسا (CNN)—دافع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن قرار مجلة شارلي إبدو الفرنسية الساخرة إعادة نشر صور للنبي محمد أثارت ضجة واسعة باعتبارها "مسيئة" قائلا إن الناس في فرنسا لهم حق "التجديف".
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها ماكرون في مؤتمر صحفي من العاصمة اللبنانية، بيروت، الثلاثاء، حيث قال: "كرئيس للجمهورية، لا يجب أن أعلق أبدا على خيارات تحريرية لصحفي أو صحيفة، أبدا، لأن هناك حرية الإعلام.."
وأضاف: "في فرنسا هناك أيضا حرية التجديف، وعليه ومن حيث أقف، يتوجب علي حماية كل هذه الحريات، وعليه لا أعلق على خيار صحفي، علي أن أقول فقط إن الشخص في فرنسا بإمكانه انتقاد من يحكم وآخر يمكنه التجديف".
ومن المقرر مثول 14 شخصا، الأربعاء، أمام محكمة الجنايات الفرنسية لمواجهة تهم الضلوع في الهجوم الذي بدأ بمقر شارلي إيبدو وانتهى في متجر "كوشر" شرق باريس، في السابع من يناير/ كانون الثاني 2015، وادى إلى مقتل الـ17 شخصا بالمحصلة النهائية.
ويذكر أن الرسوم نشرت بالأصل في صحيفة دنماركية العام 2005 وأعيد نشرها في الصحيفة الفرنسية الساخرة، شارلي إيبدو".
https://arabic.cnn.com/world/article/2020/09/02/news-french-president-macron-defends-charlie-hebdos-decision-republish-con
سيتجاوز اللاديني باعتقاد محض الصدفة اعتقاد المسلمين بأنه نصر من الله لنبيهم، حيث سقي من الكأس نفسها، وسيعد هذا القول نوع شماتة، كما أن ما قيل عن هلاك الرسام نوع شماتة، فيا لها من صدف عبر التاريخ اتفقت في نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبر التاريخ، مصداقا لما لا يؤمن به اللاديني من قول الله عز وجل: {إنا كفيناك المستهزئين}، هذه في اعتقاده صدفة أو تسلسل أحداث يمكن أن تعرض لأي أحد، فهل يا ترى يعتبر الكاريكاتير علاجا ناجعا في الحضارة الحديثة؟ هل السخرية بالآخرين مسلك يعبر عن رقي العقل الحضاري؟ وهل ردة الفعل على الكاريكاتير الذي يثمر الاستفزاز تسلسل طبيعي للأحداث؟ وإن كان تسلسلا طبيعيا، فلماذا لا تحترم ردة الفعل فيه؟ أسئلة لا ننتظر جوابه عنها، بل يكفي أن تثار في الذهن السليم ليفهمها، أما هو فحسبه اعتقاده بالصدفة.
سيناريو رائع، يحكي حالة جندي أطلق رصاصة رجعت إلى صدره فوجد ألمها بدل أن يجده خصمه، لقد صمم العقل المعاصر ممثلا في ماكرون بعيدا عن صفته الاعتبارية سيناريو استعمل فيه رصاصة الحرية ليوجهها إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، حرية التعبير، حرية التجذيف، سيناريو ألبس فيه ردة الفعل لباس الإرهاب، وإن كنا لا نتفق مع كيفيتها وتفاصيلها، فما النتيجة؟ سقي من الكأس نفسه، على معتقد المسلمين أنه انتصار من الله لرسولهم، وعلى رأي اللاديني محض صدفة، والمحصل واحد، هكذا تبدو حال العقل المعاصر في تقييمه للأحداث.
لا شك أن من أفراد العقل المعاصر أصحاب رأي وفكر، والمعني هنا بالنقد العقل المعاصر ذلك العقل المستبد الذي يصيغ معايير يكون هو أول من يكفر بها في تحايلاته، كفرا بالمعنى اللغوي الذي هو الجحود، ولذا فهو كفر عقوبته التجرع من الكأس نفسها، أو جزاؤه الدلالة على سقم هذا العقل حين يكون السيناريو البديل لديه مبتذلا، أو يكون في جذور واقعه ما هو فاضح فيتناساه، وينتقد ما هو أسمى منه بسراب شبهة يحسبها شيئا يعتمد عليه، وعلى أي حال، فهذا لسان الواقع يفصح عما في ضمير هذه الحضارة.
نخطئ كثيرا حين نقرن بين الهند وفرنسا في قضيتهما المشتركة, النيل من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرنسا في طليعة الدول المبشرة بالحداثة وما فيها من ديمقراطية تعددية، وحرية فكر واعتقاد، وإذا وقع هذا في فرنسا الرائدة في الحقوق والحريات، فلا يستغرب من حزب حاكم يدين بالخرافات مع التقدم المادي الصناعي والتقني، اختلفت الجزئيات بينهما واختلفت الطرق لكن الغاية واحدة.
ها هي الهند تسن قانونا تسميه جهاد الحب!
اقرأ هذا الخبر:
""جهاد الحب": لماذا اجهضت هندوسية تزوجت من رجل مسلم؟
غيتا باندي
بي بي سي - دلهي
17 ديسمبر/ كانون الأول 2020
احتجاجات على قانون "جهاد الحب"
سلطت التقارير التي تفيد بأن امرأة هندوسية حامل انفصلت قسراً عن زوجها المسلم وربما أجهضت،الضوء مجدداً على الجدل الذي يدور حول قانون جديد مناهض لتغيير الديانة في الهند.
ففي وقت سابق من هذا الشهر انتشر مقطع فيديو في الهند ظهر فيه مجموعة من الرجال وهم يرتدون أوشحة برتقالية حول أعناقهم، يضايقون امرأة في مدينة مرادآباد بولاية أوتار براديش الشمالية.
وبخّها أحد الرجال قائلاً: "بسبب أمثالك كان لا بد من سن هذا القانون".
والرجال الذين ظهروا في الفيديو ينتمون إلى جماعة تعرف باسم "باجرانغ دال" ، وهي جماعة هندوسية متشددة تدعم حزب "بهاراتيا جاناتا"، حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
والقانون الذي يتحدثون عنه هو قانون حظر التحول الديني غير المشروع الذي سنته الولاية مؤخراً لاستهداف "جهاد الحب"، وهو مصطلح معاد للإسلام تستخدمه الجماعات الهندوسية المتشددة لمنع زواج المسلمين من النساء الهندوسيات بحجة أن هذا الزواج يهدف إلى إرغام المرأة الهندوسية على تغيير ديانتها إلى الإسلام.
ووقع الحادث الذي تم تصويره في فيديو في الخامس من هذا الشهر. وسلّم افراد الجماعة المرأة البالغة من العمر 22 عاماً وزوجها وشقيق زوجها إلى مركز الشرطة، فأرسلت هي إلى ملجأ حكومي واحتجز الأخوان في السجن.
وبعد أيام قالت المرأة التي كانت حاملاً في أسبوعها السابع أنها أجهضت أثناء الاحتجاز.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، سمحت لها محكمة بالعودة إلى منزل زوجها بعد أن أخبرت القاضي أنها بالغة راشدة وأنها تزوجت الرجل المسلم باختيارها، ولا يزال زوجها وشقيقه حتى الآن في السجن.
نقلت المرأة البالغة من العمر 22 عاما إلى المستشفى بعد أن اشتكت من آلام في بطنها
وفي مقابلات أجريت معها من قبل وسائل إعلام محلية بعد إطلاق سراحها يوم الإثنين، اتهمت العاملين في الملجأ بسوء معاملتها وقالت إنهم تجاهلوا معاناتها من آلام في معدتها، لكن الملجأ نفى ذلك.
وتقول المرأة: "عندما تدهورت حالتي، نقلوني إلى المستشفى في 11 ديسمبر/كانون الأول. وبعد إجراء فحص الدم لي، أعطوني حقنة، وبعدها، بدأت أنزف".
وأضافت إنه أعطوها بعد يومين المزيد من الحقن، فازداد النزف وتدهورت حالتها وفقدت جنينها.
وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا، إلا أن ما حدث بالضبط في المستشفى لا يزال غير واضح.
ونفت السلطات أنباء إجهاضها صباح الأثنين، عندما كانت لا تزال محتجزة، واستندت تقاريرهم إلى مقابلة مع حماتها.
ونفى رئيس لجنة حماية الطفل، فيشش جوبتا، جميع التقارير عن الإجهاض وأصر على قوله أن "الجنين بخير".
وقالت طبيبة نسائية في المستشفى الذي عولجت فيه المرأة للصحفيين إن "الجنين البالغ من العمر سبعة أسابيع يمكن رؤيته في التصوير بالموجات فوق الصوتية". وأضافت أنه بالإمكان التأكد من سلامة الجنين باختبار بسيط عبر المهبل .
لكن السلطات لم تعلق بعد على كلام المرأة منذ إطلاق سراحها. كما أنها لم تستلم نتائج التصوير بالأمواج فوق الصوتية أو تفاصيل الأدوية التي تم حقنها بها.
وبعد مرور خمسة أيام من نقلها لأول مرة إلى المستشفى حتى الآن، لا يزال وضع الجنين غير واضح، مما يثير تساؤلات وشكوك حول صحة إدعاءات السطات.
لكن التقارير التي تفيد بأن المرأة الشابة ربما تعرضت للإجهاض، أثارت غضباً في الهند، ولجأ الكثيرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي معبرين عن غضبهم وملقين باللوم على السلطات.
في الهند، يعترض الناس ويلقون باللوم على الزيجات التي تحدث بين ديانتين مختلفتين، والتي غالباً تقابل بالرفض من قبل أسر وعائلات الزوجين.
لكن القانون الجديد، الذي ينص على أن أي شخص يرغب في تغيير ديانته يجب أن يسعى للحصول على موافقة سلطات المقاطعة، يمنح الولاية سلطة التدخل في حق المواطنين في الحب واختيار الزوج.
ويعاقب بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات من ينتهك هذا القانون، ولا يحق للمتهمين بموجبه الخروج من السجن بسند كفالة.
وتقوم أربع ولايات أخرى على الأقل يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا بصياغة قوانين مماثلة ضد "جهاد الحب".
ووصف البعض القانون بأنه رجعي ومسيء قائلين إنه سيستخدم كأداة لاستهداف الأزواج من ديانات مختلفة وخاصة تلك التي بين نساء الهندوس ورجال المسلمين.
وتم تقديم التماس إلى المحكمة العليا لإلغاء هذا القانون.
وتم الإبلاغ عن ست حالات على الأقل في فترة قصيرة بموجب القانون المثير للجدل الذي تم إقراره في 29 نوفمبر/تشرين الثاني في الولاية.
ومُنع الزواج بين اتباع الديانات المختلفة حتى لو كان الزوجان بالغين راشدين وتم الأمر بموافقة والديهما كما ألقي القبض على العرسان المسلمين وسجنهم.
وتقول المرأة البالغة من العمر 22 عاماً إنها اعتنقت الإسلام وتزوجت من زوجها المسلم في يوليو / تموز في دهرادون وهي مدينة في ولاية أوتاراخند المجاورة. لكن زواجهما قوبل بالاعتراض عندما جاءا إلى مدينة مراد آباد لتسجيل عقد زواجهم بشكل رسمي.
وتقول المؤرخة تشارو غوبتا: "إن أكبر مشكلة في هذا القانون هي أنه يتعامل مع الحب بين أتباع الديانات المختلفة وكأنه جريمة".
وتضيف: "كما يحرم القانون المرأة من حق الوكالة عن نفسها، ويتجاهل إرادتها الحرة، أليس اختيار المرأة للرجل الذي ستتزوجه حرية شخصية؟ حتى لو أرادت تغيير دينها إلى دين آخر، فما المشكلة في ذلك؟".
"إنه قانون مطاط وله أبعاد كبيرة للغاية وهو يلقي بالمسؤولية على المتهمين بموجبه إثبات براءتهم. وهذا أمر غاية في الخطورة"".
https://www.bbc.com/arabic/magazine-55346910
قانون يسمح بحظر التحول الديني، وتصل عقوبة المخالف إلى عشر سنوات، أي شخص يرغب في تغيير ديانته يجب أن يسعى للحصول على موافقة سلطات المقاطعة، وهو قانون يعامل فيه من بلغ سن الرشد بأقبح معاملة، أين هذا من زواج تم برضى الأطراف جميعها، وظهرت ثمرته وبركته على أمة كاملة؟ لولا انتشار هذا الدين حتى وصل إلى بلادهم واقتنع به كثير منهم لما سنوا مثل هذا القانون، هذا الدين كانت عائشة رضي الله عنها ممن بلغه، بل في مقدمة من بلغه، حتى صارت كل امرأة, هندية وغير هندية، لا بد أن تمر بمروياتها لتتعلم أمر دينها.
هذا ما يقال عن الزواج المبكر في ديانة الناطقة باسم الحزب الحاكم من ويكيبيديا:
"بالإضافة إلى ذلك، فإن الهندوس ـ كما جاء في مانوسمرتي ـ يشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عاراً، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم. والزواج يربط المرأة بزوجها رباطاً أبدياً، لذلك فقد انتشر عندهم إذا مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها لأنَّه خير لها أن لا تبقى بعده، ويدعون للتباعد في الزواج بحيث لا يتزوج الإنسان من قريباته، من جهة الأم أو الأب، ويضعون شروطاً قاسية تتعلق باختيار الزوجة.
وإذا كان موضوع حرق المرأة الأرملة مع جثمان زوجها قد توقف بشكل شبه نهائي بعد قانون أصدره المستعمرون الإنجليز عام 1830، فإنَّ المرأة ظلّت محرومة من ميراث أبويها حتّى سنة 1956، حيث صدر قانون في الهند يعطيها هذا الحقّ، إلاَّ أنَّ المرأة لـم تنتهِ معاناتها بعد في مجتمع الهند حيث لازالت مشكلة "الدوطة" التي على الأهل تأمينها تقف عائقاً أمام زواجها، وبعد تطوّر الفحص الجنيني قبل وضع الحمل لمعرفة جنس الجنين، فقد ساعد ذلك على انتشار حركة الوأد للأنثى إمّا بالإجهاض أو بالدفن لحظة الولادة. وهذا ما تطلب من البرلمان الهندي أن يصدر في أغسطس من عام 1994م قانوناً يحظِّر إجراء الفحوص الطبية لتحديد نوع الجنين قبل ولادته".
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9
فديانتهم كانت تشجع على الزواج المبكر، والأرملة كانت تحرق إلى القرن التاسع عشر، والمرأة كانت محرومة من الميراث إلى فترة قريبة، ووأد الإناث عادة جاهلية قضى عليها الإسلام في وقت مبكر، بينما في الهند ساعدت وسائل التقنية الحديثة على وأد البنات حتى استصدار قانون حول الفحوص الجينية سنة 1994-ف.
فإن كان للحزب الحاكم تساؤل في تغريدة، فلدينا تساؤلات كثيرة وكبيرة.
وها هي موسوعة من أكبر الموسوعات التي يفتخر العقل المعاصر بميلادها تخبر وبصراحة عن أن سن الزواج إلى عهد قريب كانت منخفضة إلى أن أتى هذا العصر فعدلها، وأحدث مكانها سنا أقل من سن الزواج يوافق فيها على ممارسة الرذيلة تحت بند الحرية ومنع الكبت:
"إن قانون الزواج في معظم دول أوروبا الغربية وقانون الولايات المتحدة (الذي يعتمد في حد ذاته على قانون الزواج الإنجليزي) هو نتاج لقانون الكنسي الذي تم تعديله بشكل كبير من خلال الظروف الثقافية والاجتماعية المتغيرة للحياة الصناعية والحضرية الحديثة. يعتبر قانون الزواج الحديث الزواج معاملة مدنية ولا يسمح إلا بالزواج الأحادي. بشكل عام ، فإن الأهلية القانونية للشخص للزواج هي نفسها في معظم دول العالم الغربي ولا تخضع إلا لعقبات مثل قرابة الأقارب والقيود العمرية (التي تمت مراجعتها صعودًا في معظم البلدان من 12 عامًا على الأقل. أو أقل من 15 إلى 21 عامًا) ، والقيود بسبب العجز العقلي".
وقبل هذا النص:
"في عام 2001 ، قام عدد من البلدان بالإضافة إلى العديد من الولايات الأمريكية بإضفاء الشرعية أيضا على زواج المثليين . بالإضافة إلى ذلك ، نفذت بعض السلطات القضائية على سبيل المثال في العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات الأمريكية، بأن تمنح الأزواج المثليين الحقوق والالتزامات نفسها التي يتحملها الأزواج".
https://www.britannica.com/topic/royalty-law
إذن، فلا يقف الأمر عند إعطاء صاحب السن التي هي أقل من سن الزواج حرية ممارسة الرذيلة، بل للرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة حرية من نوع يخالف الفطرة العامة للبشر، حرية زواج المثليين، بالمقابل منع زواج من هم أصغر سنا، وتعديل سن زواج الجنسين الذي فيه من الأضرار الصحية والاجتماعية ما فيه، يقابل إعطاء المثليين حق الزواج الذي يبدو أن العقل المعاصر لم يلتفت لأضراره النفسية والاجتماعية والصحية، أو لعلنا نحن الذين نتوهم أن له أضرارا، يا له من سيناريو بديل!
من تهافت العقل المعاصر أنه ينتقد أمورا يجعل من معاييره حكما عليها مع تباين الزمان والظروف، فعلى حين تتجه الأبحاث الحديثة والمعاصرة لمعرفة تاريخ الإنسان لاجئة لحفريات تبين اختلافات في التركيب العضوي للبشر يتجاهل هذا العقل احتمال أن يكون تركيبة أجسام البشر في العصور التي سبقته واشتهرت بزواج الصغار تستوعب هذا الأمر، جسميا وعقليا، لا لشيء إلا لضعف ظروف التحقق من هذه الفرضية، لو نقلت هذه الأسطر من كتب اليهود والنصارى نصوصا في زواج ما يعرف في هذا العصر بالقصر لكان أول ما يرد من المسلمين قبل غيرهم من تفنيد وقوع التحريف عليها، لذا فستتجاهل هذه هذه السطور نقل شيء من ذلك مكتفية بهذه الإشارة، وسنطرح سؤالا صغيرا في مبناه، عميقا في معناه, لماذا الإسلام فقط؟ دول الإسلام في قوانينها الوضعية اقتدت بقوانين الحداثة فجعلت سنا قانونيا للزواج لا يسمح بالزواج قبله إلا بإذن المحكمة، والعقود توثق بشكل رسمي، كما هو الحال في دول الحداثة، فلماذا الإسلام فقط؟ وإما إن كانت محاكمة الماضي بمعايير الحاضر مع تجاهل الظروف والملابسات فلا ينبغي قصر ذلك على الإسلام فحسب؟ وبمعنى آخر, هل كانت خطبة مريم عليها السلام من يوسف النجار مع التسليم بصحة القصة في سن الثانية عشرة خطيئة؟
لا ينبغي أن يفهم هذا على أنه طعن في الصديقة عليها السلام، فقد برأها القرآن وزكاها، وهذا اعتقاد كل مسلم صحيح العقيدة فيها، لكنه سؤال يطرح على العقل المعاصر صاحب حرية الفكر والاعتقاد حين ينتقد متسائلا وينتظر جوابا.
ومع وجاهة ترك النقل من كتب اليهود والنصارى لما سيورد على ذلك من التشكيك يبقى للقول بجهالة العقل المعاصر حين يسلك مسلك عدم الإنصاف في مراعاة ظروف كل عصر وملابساته وجاهة كبيرة، فاحتمال أن يكون لإنسان ذلك العصر طبيعته الجسمية والعقلية يظل قائما لا يأباه العقل، وإن كانت الحفريات المكتشفة إلى يومنا هذا لا تشبع إشباعا كافيا في قبوله أو نفيه، واحتمال تغير الحقائق بحفريات جديدة يظل قائما.
وهل تشفي غليلك أيها العقل المعاصر المعايير التي تريد أن تطبقها على قصة النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بعائشة رضي الله عنها حين تقتبس من هذه القصة شعبة، وتترك بقية القصة، فالزوجة الأولى التي كان له منها الولد تزوجت قبله، وكانت تكبره على الأقل بعشرين عاما، رضي الله عن آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، وبقية أزواجه ممن سبق لهن الزواج، ولم يكن له منهن ولد، فلماذا عدل عن الأبكار؟ وفي شرعه الذي أنزل عليه: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج إلا ما ملكت يمينك}، إن الصورة التي ترسمها شبهك أيها العقل المعاصر تقتضي أن يكون له كثيرات من بنات التسع أو غيرهن، لكن الواقع بخلافه، إن الفطر البشرية مركوز فيها طلب الأبكار لأسباب عديدة، فلماذا تركت كل هذه الجزئيات واستأثرت في شبهتك بجزئية واحدة؟
إن العرب كانوا أمناء في نقل تاريخهم في معاملة المرأة، فنقلوا لك ما لهم وما عليهم، ذكروا لك كيف كانت المرأة تعامل، ذكر لك الاستثناءات، ذكروا لك الاستبضاع واتخاذ الأخدان الذي يعد شيوعه عنهم وهم أهل الجاهلية لؤما إذا افتضح به أحدهم، ونكاح البدل، والسفاح، وإرث زوجات الأب، والضمد الذي قال فيه الشاعر العربي:
"تريدين كيما تضمديني وخالدا وهل يجمع السيفان ويحك في غمد ؟"
وما أشبه ذلك من الأنكحة.،
ومن المفارقات أن تشهد بعض هذه الأنواع يقرها العقل المعاصر تحت بند الحرية والحقوق، وهو في عرف الشرع الذي ينتقده العقل المعاصر جاهلية،
ولذا أيها العقل المعاصر يبدو نقد الذات في التاريخ العربي ظاهرة صحية، حيث روى المفاسد التي كانت في الجاهلية، وبين كيف عالجها الإسلام، وخير دليل على ذلك أن القرآن نقد هذه المفاسد في غيرما موضع, ففي عبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع جاء في كتاب الله: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}، وفي قتل البنات وهن أحياء قال الله عز وجل: {وإذا الموؤودة سؤلت بأي ذنب قتلت}، ونظم الإسلام مسائل النكاح, فبين ما يحرم نكاحه من النساء, لئلا تختلط الأنساب، وأوجب على الرجل مهرا هو حق للمرأة لا يحل للرجل أن يأخذ منه شيئا إلا إن طابت هي بذلك نفسا، وحرم الرذائل وما يؤدي إليها من أسباب، ليس ذلك في القرآن وحده، بل في السنة أيضا، وأنتم تسمونها أحاديث محمد، نعم أباح الإسلام ملك اليمين، لكن, أمر بالإحسان إليهم, رجالا ونساء، وجعل لهم حقوقا، وفتح باب العتق لعودتهم إلى الحرية، ورتب على ذلك أعظم الثواب، حتى روى تاريخ الإسلام عتق ملك اليمين فيمن يرى يحسن عبادة ربه، والرق الذي كان في عهد الإسلام لم يكن الإسلام الذي أحدثه، وإنما كان موجودا بلا قيود، وبلا حقوق، فقننه الإسلام، وجعل لهم حقوقا، فيطعمون مما يطعم من يملكهم، ويلبسون مما يلبسه، تأمل هذه القصة في أصح كتاب عند المسلمين بعد القرآن, في صحيح البخاري: 30 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ "
بل في عهد ضعف الإسلام، وحاجته إلى الرجال الأقوياء كان أقرب الناس إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر يشتري الضعفاء الذين كانوا يعذبون أشد أنواع العذاب، فنزل فيه أصالة وفيمن يقتدي به قول الله تعالى: {وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى}، ما الذي سيستفيده من رجال ونساء ضعفاء، وبعضهم ليس بعربي، {وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى}، روى هذه الأخبار الذين أخذت بخبرهم في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة.
لا أريد أن أذكرك بالعصور المظلمة في معاملة الرق، لكن إلى وقت قريب في عهود استبداد الرجل الأبيض المنتمي للإنجلو سكسونية كيف كانت معاملة السود في بلدانهم حينما اغتصبت أراضيهم وبيوتهم، وعملوا فيها عبيدا للرجل الأبيض لا على أنهم أجراء؟
ماذا لو حدثتك أيها العقل المعاصر عن بيع الزوجات في بريطانيا؟
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7
حرم الإسلام السفاح الذي هو حرية في هذا العصر، فبعد بيان المحرمات من النساء جاء في كتاب الله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم}، أي بالمهور، {محصنين غير مسافحين}، لا عشيقات في الإسلام، قال عن الرجال, {محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان}، وعن النساء, {محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان}، بينما السفاح واتخاذ الأخدان عندك أيها العقل المعاصر حرية شخصية، يكبر الولد، وربما عند كبر سنه بالكاد يعرف أباه أو أمه، زعمت أنك تقنن ذلك، فلديك سن قانونية يمكن للقاصر أن يمارس فيها رغباته، لكن، هل هذا يحمي من اختلاط النسب؟
لقد كان من شروط الزواج عند الرومان سن البلوغ وهو في الغالب أربعة عشر عاما للذكر واثنا عشر عاما للمرأة
https://www.britannica.com/topic/Roman-law/The-law-of-Justinian
بينما في وقتك أيها العقل المعاصر ففعل المنكر في سن الرابعة عشر أو الخامسة عشر يعتبر قانونيا ويسمى اغتصابا قانونيا!!!
https://www.britannica.com/topic/statutory-rape
علاقات غير شرعية في العصر القديم من مظاهر الجاهلية، وعند العقل المعاصر من الحرية!
مصطلح قاصر, اختلاف في تحديد السن له، إعطاؤه صبغة قانونية محددة للسماح له بممارسة الرذيلة، لا يسمح له بالزواج لعدم النضج، وبالمقابل, يحاسب على أفعاله إذا أضر بالآخرين، ماذا لو جاء عصر أمامك وزاد عقله الذي سيكون في ذلك الوقت معاصرا، وتكون أنت من الماضي، فعرف القاصر بتعريف يخالفك، وانتقدك في تحديد السن فزاد أو نقص، هل توافق أن يخطئك في معاييرك التي تبدو لك اليوم معايير موضوعية؟
بينما في الشريعة الإسلامية تعتبر سن البلوغ سن التكليف، يحاسب فيها المرء على أفعاله، ويمكن للبالغ الزواج إذا ما ظهرت عليه علامات البلوغ، فإن لم تظهر عليه علامات البلوغ يكتفى بسن خمس عشرة سنة، وقد ندب الإسلام إلى الزواج المبكر من غير أن يأمر فيه بعزيمة، وجعل الإسلام الزواج قربة إلى الله إضافة إلى أنه فطرة وجبلة في الإنسان، والزواج كما يقول العلماء تعتريه الأحكام الخمسة, فتارة يكون واجبا، وتارة مستحبا، وتارة مباحا، وتارة مكروها، وتارة محرما، وله خمسة شروط لصحته, تعيين الزوجين بالاسم أو الصفة، رضى الأطراف، وجود الولي، الشهادان، والخلو من الموانع.
وقد ربط الزواج بالاستطاعة، ففي الحديث الصحيح, {" مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ "}.
والباءة مؤن النكاح، واشترط في الخاطب الدين والخلق, ففي الحديث: " " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ}.
فالزواج ليس مجرد اختيار جزافي أو خبط عشواء، وإنما تراعى فيه مصالح كثيرة للطرفين, وهو مربوط بالبلوغ، ولرضى الأطراف، فلو وجد طرفان بينهما توافق ولو مع فارق سن فالزواج صحيح، ولو لم يوجد توافق مع تقارب السن فمسؤولية الفشل تقع على الأطراف المتراضية، ولذا عاشت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنوات انتهت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ما كان في بيت النبوة مما يكون في أي بيت من إشكاليات بين الزوجين، إلا أنها كانت أحب الناس إليه، لا النساء فقط، بل أحب الناس إليه، وكان هو بالنسبة لها كذلك، تأمل الأخبار التالية:
ففي سنن الترمذي، أبواب المناقب، بَابُ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، 3981 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّهُ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : " " عَائِشَةُ " " . قَالَ : مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : " " أَبُوهَا "}.
وفي صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ النِّكَاحِ >> بَابُ غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ(، 4950 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى " قَالَتْ : فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى ، قُلْتِ : لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ : قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ}
لا أضرار طبية، ولا ضرب، ولا إهانات, ففي مسند الإمام أحمد وغيره عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ ، وَلَا امْرَأَةً لَهُ قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ انْتَقَمَ لَهُ "
نعم، هي أخبار، أعلم أنك أيها العقل القاصر مهما كان تحضرك ترفضها، لكنها أخبار من جنس الخبر الذي أثرت به سراب شبهتك، طريقة النقل هي طريقة النقل، فأخذ شيء منها دون باقيها خلاف التجرد والإنصاف، وتركها جميعا يسقط سراب شبهتك من أساسها، لم يبقَ إلا الأخذ بها جميعا، لا تقل إنما من كتبكم أحتج عليكم، فها أنت ترانا نفعل الشيء نفسه معك، وبينا لك أن جذور واقعنا تشترك مع جذور واقعك، حتى ا=بعض الأديان الوضعية على خوائها ترتضي الزواج المبكر لا السن القانوني الذي يسمح فيه بممارسة الرذيلة تحت بند الحرية، هذا تفريع قننته أنت، حين رفعت سقف سن الزواج بالعموم، وجعلت تحته قانونا لسن مبكرة يسمح فيها بممارسة الرذيلة تحت سقف الحرية، كل مشيمة عبر التسلسل النسبي لهذه المليارات من الناس تحتج عليك من كونها واقعا أثمر إلى يومنا هذا، وإلا فعليك أن تستكنه الجينات عن المخاطر الطبية التي مرت بها جداتك، وعن العقم المبكر الذي أنجب هذه المليارات، وحالات الفشل التي غزت أعلامك من المسلمين فضلا عن غيرهم لا تصلح أن تكون حكما عاما يبرر فعلك، إذا كانت أصغر مطلقة في اليمن وعمرها عشر سنوات تبنت الدفاع عن رأيك يها العق المعاصر فهذا لا يخدم توجها عاما ينتقد به الإسلام، لكنه يمثل على اقصى تقدير حالة فردية هي ومن على شاكلتها تحتاج لتدخل شخصي، استغلال الظروف المادية لتزويج القاصرات وغير القاصرات مرفوض من الإسلام قبل غيره, {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تتفكرون}، ولهذا كان هناك فرق شاسع بين زواج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة، وبين زواج أصغر مطلقة من اليمن وعمرها عشر سنوات، وهذا الفرق من جهات عديدة، لا من جهة النضج الفكري أو العمري فقط، والآية خير دليل.
إن التربية الجنسية التي ارتضيتها بديلا عن الحياء والحشمة برهنت نسب إحصائياتك على أنها زادت من أوار الشهوات، تماما كأفلامك التي تنتجها للتوعية بشيء من الخير، حيث تمثل نسبة ممارسة الشر فيها مدة الفلم بأسرها، ولا يمثل الخير أو الفكرة التي تريد التعبير عنها إلا الدقائق الأخيرة من الفلم، ولا ندري، هل غاب عمدا أو سهوا عن إحصاءاتك التحليلية ما الذي سيكون في البؤرة عند المتلقي، وما الذي سيكون في الهامش؟!
بينما يقول الشرع الذي نبزته بهذه الشبهة أن البهائم تعرف، فكيف بالبشر؟ {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، هدى كل مخلوق إلى مصالحه، وهل يعني ذلك ترك التوعية بمخاطر الأمراض مثل الإيدز؟ هذه حجتك في تدريس هذه المادة، رفع مستوى الوعي بالعفة، والتوعية بمخاطر الأمراض، لكن العكس هو الذي حصل بإحصاءاتك، فما الحل؟ الحل أن تعلم أن العبادة ليست مجرد حركة بدن كما قد يتوهم في الصلاة وما أشبهها، ولا هي مجرد إتعاب وتجويع وتعطيش للجسد كما قد يتوهم في الصيام، العبادات تربية روحية لا يمكن أن ينوب عنها شيء في العناية بالنفس وزرع القيم والمثل والطهارة فيها، ولأنك تنظر بعين واحدة في جهة واحدة طالت أبحاثك دراسة هذا الأمر في الهندوسية التي فيها مزيج من الشعبذة والأساطير، وعرفت هذا في التدريبات العسكرية والرياضية، أما حين وقفت أمامم الإسلام فرفضت أن ترى ذلك فيه.
إن الحل لا يكمن في استبدال فساد بفساد تحت سقف الحرية، بل الحل في معالجة الفساد باجتثاثه، توعية الأسر، وضع أسس سليمة للتربية، تعويد الجنسين على تحمل المسؤولية بحسب كل سن يصل إليها، وترك الأطراف المعنية بالتزويج يتحملون مسؤولياتهم الشرعية قبل القانونية, العروسان، والأهل، وتكمن حرية الفرد في أبهى صورها حين يقرر مستعينا بالله مصير الزواج، يرفض أو يقبل، يتنازل ويضحي عن بعض شروطه إن تحمل الأمر ذلك، بلا ضغوط، بلا استغلال، فكم من امرأة ضحت بملء إرادتها لخدمة إنسان مشلول، وكم من رجل احتمل العيش مع امرأة لها مشكلة في الإنجاب، كم من فتاة فضلت الزواج بمن هو أكبر منها سنا لأنها كانت تبحث عن عاطفتين, عاطفة الأب، وعاطفة الزوج، بسبب أنها عاشت يتيمة، أو مع أب قاس، أو مهمل، وربما لم يكن لشاب في مثل سنها أو أكبر منها بقليل أن يلبي لها هذا الطموح، قد يبدو لك هذا نوعا من إقناع الخصم بتراجيديا مؤثرة، أو يكون بالنسبة لك مثارا للسخرية، لكنه واقع تشهد به حالات كثيرة وكما تسوغ الاستدلال بحالات الطلاق ومنها حالة أصغر مطلقة في اليمن، يسوغ لنا الاستشهاد بهذه الحالات،ومن هنا يكتسب زواج النبي صلى الله عليه وسلم قيمة أخرى على قيمته الأصيلة, وهي قيمة القدوة والأسوة، فمن زواجه بالأرامل تعرف قيمة الإحسان إلى الآخرين، ومن الزواج بالبكر الصغيرة يؤخذ الحكم العام لتلك الحالات التي آثرت وجود فارق السن في زيجاتها، بالضوابط التي ذكرت آنفا،
قسونا عليك أيها العقل المعاصر القاصر, لأنك أولى بوصف القاصر من جداتك اللاتي تزوجن وأنجبنك في سن صغيرة، نعم، غابت النسب الطبية حتى لا يتلاعب بها من تعود التلاعب بأي شيء في عالم يغلب عليه منطق النفعية، لكن، من المؤكد أن الطب المدون الذي وصلت إلينا كتبه يمكن أن تبين شيئا من الحقيقة عن ذلك النزيف والعقم المبكر الذي أحصاءاته تجسدت في عالمك اليوم، قسونا عليك نخاطب فيك ذلك الوعي الذي تتجاهله تبعا لمواقف أو أجندات فضحتك بالسيناريو البديل الذي ارتضيته مكان ما تنتقده، أو بجذور واقعك الذي أول ما تنصب معايير انتقاداتك فيه على خلايا جسدك، والله الموفق.
الأحد، 19 يونيو 2022
إشكال وجواب عنه، زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة: الحلقة الأولى
إشكال وجواب عنه، زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة:
تمهيد:
إن مما أحدثته وسائل الاتصال الحديثة تصيير العالم كما قالو قرية صغيرة، وعلى الرغم من الإيجابيات لهذا الأمر فلم يخلُ من سلبيات شديدة الخطورة، فمن المزايا, تسهيل الأبحاث والدراسة عن بعد، وتسهيل التواصل العلمي، ومن العيوب الخطيرة رواج الأكاذيب والشائعات والشبهات، والتغلغل في المجتمعات لمحاولة العبث بثوابتها، وبالذات إن كانت تتعلق بالمعتقداتالإسلامية في مجتمعنا، وتتضاعف الخطورة من حيث شيوع الجهل بالدين لدى العوام، وتعرضهم لشبهات قوية في أسلوبها، هشة من داخلها، ومن دخل في معركة بلا سلاح لا شك أن الهزيمة من نصيبه، وخسارته تكمن في تزلزل أثمن ما لديه، دينه.
ومن تلك الشبهات التي تثار كل وقت زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي بما يسمى في القانون اليوم قاصرة حيث خطبت وهي بنت ست أو سبع وبنى بها وهي بنت تسع، وقد تجددت من بعض أحزاب الحزب الحاكم في الهند، وهي شبهة بدون تعصب باهتى تافهة، يتهمون فيها شخص النبي صلى الله عليه وسلم بالشهوانية، ذلك لأنهم لم يستطيعوا إيجاد أمور جوهرية ينتقدون بها دين المسلمين، فصاروا يتعلقون بأهون خيط، وإن كان مثل خيوط العنكبوت.
ومن المؤسف أن تروج الشبهة عند بعض المسلمين، فلئن كان غير المسلم تغيب عنه كثير من حقائق الإسلام، أو أنه لا يتمكن من الوصول لمعرفة الإسلام لغياب أدوات التعرف، كاللغة مثلا، ف كيف يقبلها المسلم الذي قضى عمره في الإسلام، يستمع لكتاب الله وسنةرسوله صلى الله عليه وسلم؟ لكنها الهداية والثبات، وهما بيد الله عز وجل.
قالوا قديما: الذي بيته من زجاج، لا يرمي بيوت الناس بالحجارة، وإذا علم أن لهذه التصريحات من بعض أفراد الحزب الحاكم في الهند ليست لبيان حق أو إبطال باطل، بل هي متزامنة مع أحداث البطش بالمسلمين في كشمير وغيرها، فهي تصريحات سياسية قبل كل شيء، نظرا لأن المسلمين مهما كثر عددهم في شبه القارة الهندية فهم يمثلون أقلية تهدد الديانات الهندية، ومن عرف ثقافة الهند، علم أنها مبنية على خرافات وأساطير وتشيع فيها أمور مخالفة للفطر الإنسانية، على الرغم من براعة مشهودة في العالم للعقليات الهندية في التقنية الحديثة، فلماذا في معتقدات بعض طوائفهم مثلا تحرق المرأة مع زوجها؟ لماذا تكون البقرة التي ريحها بول وروث إلها يعبد، والبقر يتناكح، يلد ويولد ويموت؟ كيف يصدق المسلم تلك التصريحات الهندية التي أديانها وطوائفها أساطير في الجملة؟
وعلى أي حال، فهي شبهة يمكن الجواب عنها بجوابين, جواب للمسلم المرتاب بما عنده من إيمان، وجواب لغير المسلمين.
الحلقة الأولى, جواب الشبهة بتوفيق الله للمسلم
يقال للمسلم: أنت بحمد الله تؤمن بإله أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أول ليس قبله شيء، آخر ليس بعده شيء، ظىاهر ليس فوقه شيء، باطن ليس دونه شيء، أرسل رسلا يدلون الخلق عليه من أقرب الطرق بالوحي، ولم يترك الناس لعقولهم يتخبطون، ولا يعقل أيها المسلم أن يكون اختيار الرسل خبط عشواء، بل لا بد أن تكون لهم مواصفات خاصة تليق بالأمر العظيم الذي يدعون إليه، ويكونون مؤيدين بالآيات والبراهين التي تثبت صدقهم، وصدق ما يدعون إليه، فإن أي مطعن عليهم قد يكون سببا في الإعراض عما يدعون إليه، تأمل هذه القصة أيها المسلم، وهي من صحيح البخاري الذي أطبقت الأمة على أنه أصح كتاب في الإسلام بعد كتاب الله عز وجل، شهد بذلك أهل الاختصاص فضلا عن غيرهم، هذه القصة لهرقل عظيم الروم مع أبي سفيان رضي الله عنه، وكان إذ ذاك كافرا, ففي صحيح البخاري باب بدء الوحي ما نصه:
" عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا ، فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي ، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ . فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ".
تأمل إلى هذه الإجراءات التثبتية الشديدة من ملك متدين بدينه عالم به، وتأمل كلام أبي سفيان في وصفه لحاله حين كان كافرا يحرص على أن يطعن على النبي صلى الله عليه وسلم بأي مطعن لدرجة أنه قال: " فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ"، مستعد للطعن على النبي صلى الله عليه وسلم ولو بالكذب، وما منعه من ذلك إلا خوف أن يؤثر عنه كذب، وكان سيد قومه.
قال ابن عباس يحدث عن أبو سفيان رضي الله عنهما:
" ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ قُلْتُ : لاَ قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قُلْتُ : لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا ، قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ"، هنا بيان شدة حرصه على أنه كان يحاول بأقصى جهده الطعن، وأذكر نفسي وأذكرك أنه كان كافرا مبغضا للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم وحسن إسلامه، ما تمكن إلا من الطعن بهذه الكلمة، " قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قُلْتُ : لاَ ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا".
عودة إلى القصة: " قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلْتُ : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ".
أحد عشر سؤالا دقيقا من ملك متدين عالم بدينه، ترى، ما الفائدة من هذه الإسئلة؟
عودة إلى القصة:
" فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا . وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ . وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ . وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ . وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ . وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ . ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ : سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ " وَ { يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ".
لم يتمكن أبو سفيان رضي الله عنه في ذلك الوقت أن يطعن إلا بفكرة أنهم والنبي صلى الله عليه وسلم في هدنة لا يدري ما هو صانع فيها، على ذكره لحسن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، أما كان يستطيع أن يقول: (لكنه يتزوج القصر)، وما يستتبع ذلك من لوازم ابتدعتها العقول المعاصرة القاصرة بفهمها القاصر؟ هذه إذن شهادة ضمنية من رجل كان يعادي النبي صلى الله عليه وسلم على طبيعة ذلك المجتمع، وما كان متعارفا عليه في سن الزواج بما يتلاءم مع طبيعة الأجساد.
والمقصود إثباته أن الله عز وجل لم يرسل رسلا إلا بمواصفات خاصة مؤيدين بآيات تثبت صدقهم، وصدق ما يدعون إليه، من مثل: شرف النسب، حسن الخلق، وما أشبهها مما اجتهد هرقل عظيم الروم في التثبت منه بدقة متناهية تتناسب مع معايير التثبت في ذلك العصر، فلو كان الزواج ببنت التسع من المطاعن في ذلك العصر لذكرها الأعداء، ولوصل ذكرها لهرقل.
زكى الله لسان نبيه صلوات ربي وسلامه عليه فقال: {وما ينطق عن الهوى}، وزكى فؤاده فقال: {ما كذب الفؤاد ما رأى}، وزكى أخلاقه فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}، زكاه في معاملاته المالية فقال: {وما كان لنبي أن يغل}، زكى معاملته لأتباعه المؤمنين فقال: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم}، زكى أمانته في النقل فقال: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين}، دفع عنه الشبهات التي أثيرت حوله ومنها, {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}، {وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين}، ومع علو منزلته عند الله كان الله عز وجل يعاتبه على بعض ما اجتهد فيه صلوات ربي وسلامه عليه، {عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى}، كان انشغال النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة رؤساء القوم، فبإسلامهم سيسلم خلق كثير، كما وقع ذلك للأوس والخزرج, فبإسلام سادتهم أسلم كثير منهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مطمئن لإيمان ابن أم مكتوم، ومع هذا فعاتبه الله عز وجل على ذلك.
ومما عاتبه الله عز وجل فيه, {عفا الله عنك، لمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}، {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}، بل قال الله عز وجل عن أنبيائه بعد أن ذكر إنعامه عليهم: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}، فلو كان الزواج من بنت تسع سنين مما يخدش مقام النبوة، بما أنه يعد في زمننا هذا زواجا من قاصر فكرها محدود، لكان أول من نهى عنه الله عز وجل، وبالذات أن الله عز وجل بين أن الأصل في أفعال نبيه القدوة، إلا ما خصه به، تأمل هذه الآيات بالنسبة لموضوع الزواج, {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}، إذن فمن الذي أحل له الزواج بمن نسميها نحن بمقاييس عصرنا قاصرا؟ قال الله عز وجل بعد ذلك: {وما أفاء الله عليك مما ملكت يمينك، وبنات عمك، وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك}، تأمل قيد الهجرة معه، ثم قال الله عز وجل: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}، خصه الله عز وجل بهذا الحكم الأخير، ومع هذا لم يعلم عنه أنه تزوج امرأة وهبت نفسها له، لم يعرف في الإسلام إلا واقعة واحدة تأمل كيف تصرف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري وغيره، وهذا لفظ البخاري 2214 "عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ رَجُلٌ : زَوِّجْنِيهَا ، قَالَ : " قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ""
وفي رواية أخرى أكثر تفصيلا في البخاري, 4760 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ " ، فَقَالَ رَجُلٌ : زَوِّجْنِيهَا ، قَالَ : " أَعْطِهَا ثَوْبًا " ، قَالَ : لاَ أَجِدُ ، قَالَ : " أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " ، فَاعْتَلَّ لَهُ ، فَقَالَ : " مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ؟ " قَالَ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : " فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ "".
فتأمل قوله" مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ "، ولو كانت التهمة وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها لكثرت الهبات والزيجات.
ثم قال الله عز وجل: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينكوكان الله على كل شيء رقيبا}، وهل يقصد بهذا الأزواج التسعة اللاتي توفي عنهن، أو الأصناف المذكورة في الآية السالفة من قوله تعالى: {يا أيها النبي إنا إحللنا}، إلى قوله: {خالصة لك من دون المؤمنين}، قولان.
ولك أن تتصور أيها المسلم حال الشهواني، وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عن تسع زوجات، وعرف أنه تسرى اثنتين, مارية القبطية، وامرأة تسمى ريحانة، وجميع النسوة اللاتي تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيبات، ما فيهن بكر إلا عائشة رضي الله عنها وعن سائر أمهات المؤمنين، والمسلك الشهواني الذي النبي صلى الله عليه وسلم منزه عنه يقتضي العكس, أن تكون الأزواج أو أكثرهن أبكارا.
ثم أيها المسلم، قصة تزويج عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم كان لها ملابسات، وثمرات، فمن ملابساتها ما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه الكبير واللفظ لأحمد في مسنده بتحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون, 25769, "حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَيَحْيَى، قَالَا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ، جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: «مَنْ؟» قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا؟ قَالَ: «فَمَنِ الْبِكْرُ؟» قَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «وَمَنِ الثَّيِّبُ؟» قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، آَمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا تَقُولُ "، قَالَ: «فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ» ، فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟ إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: " ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: «§أَنَا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الْإِسْلَامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي» ، فَرَجَعَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: انْتَظِرِي وَخَرَجَ، قَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ مُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، فَوَاللَّهِ مَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ، فَأَخْلَفَهُ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ الْفَتَى، فَقَالَتْ يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ لَعَلَّكَ مُصْبِئُ صَاحِبَنَا مُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، إِنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَقَوْلُ هَذِهِ تَقُولُ، قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ الَّتِي وَعَدَهُ فَرَجَعَ، فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ: مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: مَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبُكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: وَدِدْتُ ادْخُلِي إِلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَاكَ لَهُ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ، قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْحَجِّ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْطُبُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ، قَالَ: كُفْءٌ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَاكَ، قَالَ: ادْعُهَا لِي فَدَعَتْهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ، وَهُوَ كُفْءٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ بِهِ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ادْعِيهِ لِي، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَجَاءَهَا أَخُوهَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحَجِّ، فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثِي فِي رَأْسِي التُّرَابَ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ مِنَ الْخَزْرَجِ فِي السُّنْحِ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بَيْتَنَا وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَنِسَاءٌ فَجَاءَتْ بِي أُمِّي وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ تَرْجَحُ بِي، فَأَنْزَلَتْنِي مِنَ الْأُرْجُوحَةِ، وَلِي جُمَيْمَةٌ فَفَرَقَتْهَا، وَمَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَقُودُنِي حَتَّى وَقَفَتْ بِي عِنْدَ الْبَابِ، وَإِنِّي لَأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ مِنْ نَفْسِي، ثُمَّ دَخَلَتْ بِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ فِي بَيْتِنَا، وَعِنْدَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَجْلَسَتْنِي فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُكِ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكِ فِيهِمْ، وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكِ، فَوَثَبَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَخَرَجُوا وَبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا، مَا نُحِرَتْ عَلَيَّ جَزُورٌ، وَلَا ذُبِحَتْ عَلَيَّ شَاةٌ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ كَانَ يُرْسِلُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَارَ إِلَى نِسَائِهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ"، وسياق الطبراني مختصر.
قال ابن حجر في فتح الباري (7/225):
"وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ..."، ثم ذكر لفظ الطبراني.
ففي هذا الحديث أن الأمر كان اقتراحا من خولة بنت حكيم رضي الله عنها، وأنه خطب سودة رضي الله عنها، وفي السير وكتب الأحاديث أنه بنى بسودة أولا، ثم بنى بعائشة رضي الله عنها في المدينة، ولعل قائل يقول: هذا أمر طبيعي, إذ عائشة رضي الله عنها لم تكن تطيق البناء بها قبل ذلك، وهذا حق، لكن اختياره لثيب معها لا بكر تطيق البناء بها يفند شبهة الشهوانية المدعاة، زد على ذلك شهادة صريحة من خولة بنت حكيم تضاف إلى شهادة أبي سفيان رضي الله عنه الضمنية أن الدخول ببنت التسع كان مألوفا في ذلك الوقت، وإلا لطعن أبو سفيان بهذا على النبي صلى الله عليه وسلم عند هرقل، ولما كانت اقترحت خولة رضي الله عنها ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وشهادة أبيها, أبي بكر من الشهادات القوية على العصر، حيث لم يكن لديه ولدى أمها أي تحفظ على موضوع السن، لم يكن إلا ظن أبي بكر أن العلاقة التي كانت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم تمنع، وشهادة أخرى, خطبة المطعم بن عدي للسيدة عائشة رضي الله عنها لابنه، كان هذا هو الحرج الكبير عند أبي بكر رضي الله عنه، حيث كان في نفسه الوفاء للمطعم بن عدي.
ونظير ذلك أيضا ما روي في ترجمة عبد الله بن عمرو بن العاص, حيث جاء في ترجمته في سير أعلام النبلاء ج3، ص80-9=81 ما نصه:
" عبد الله بن عمرو بن العاص ( ع )
ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب الإمام الحبر العابد ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه ، أبو محمد ، وقيل : أبو عبد الرحمن . وقيل : أبو نصير القرشي السهمي .
وأمه هي رائطة بنت الحجاج بنت منبه السهمية ، وليس أبوه أكبر منه إلا بإحدى عشرة سنة أو نحوها".
هذا يدلك على طبيعة الأجساد ذلك الزمن، فلئن كان عمرو بن العاص ولد له عبد الله وكان عمره أحدى عشرة سنة أو اثنتا عشرة، فيا ترى، كم كان سنه حين تزوج؟
وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري 3326 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " §خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلاَئِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ "
وهو خبر غيب يؤمن به المسلم، يدل على تغير الخلق من لدن آدم، وقد وقع التغير في فترة العمر، فنوح عليه السلام كما في القرآن لبث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، هذا وقت الدعوة، ماذا لو حسبنا وقت ما قبل التكليف بالنبوة، وفترة الطوفان، وفترة ما بعد الطوفان، نقرن هذا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهد به الواقع بأن أعمار أمته من الستين إلى السبعين، وقليل من يجاوز ذلك.
لو كان الزواج من بنت تسع ذلك الوقت جريمة شنعاء، وطعنا في الأخلاق لكانت سببا في ردة بعض الناس، كما كانت واقعة الإسراء والمعراج التي لم تتحملها عقول بعض أهل ذلك الزمان سببا في شيء من ذلك، ولقد رد الله في كتابه شبه الطاعنين على كتابه ونبيه صلوات ربي وسلامه عليه، فلما لم يجر ذكر لهذه الشبهة علمنا أنها هباء من عقول هذا الزمان الذي يريد أن يحكم معاييره في زمن غيره، بينما هو يرى ما يرد عليه من إبطال لتهتكه أنه تخلف وعودة إلى الوراء.
وفي صحيح البخاري »كتاب مناقب الأنصار »باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، 3681 عن عائشة رضي الله عنها قالت تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين
في الحديث إقرار الأنصار لعمر البناء بعائشة رضي الله عن الجميع، فأمر لم ينتقده الأعداء، ولا الأتباع هل يصح أن ننتقده بمعايير زماننا؟
وفي الحديث ذكر لعب عائشة رضي الله عنها، وهذا عند أقوام ينافي نضجها، وهوأمر لا يستنكر لمن كان قريب عهد بشيء يحبه.
وأما نظرها للعب الأحباش في المسجد يوم العيد فقد بينت رضي الله عنها ذلك بأوضح عبارة حيث جاء في السنن الكبرى للنسائي وغيره وهذا لفظ النسائي, 8902 عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: §دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: «نَعَمْ، فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ» قَالَتْ: «وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبُكِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ، فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكِ» فَقُلْتُ: «لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ» قَالَتْ: «وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ»
حكم عليه ابن القطان في أحكام النظر 360 بالصحة،وحيث ثبت ذلك فلا إشكال، بل هو دليل على نضج عقلها، حيث أحبت ما تحب الزوجة من الحظوة عند زوجها، حتى ولو كان على سبيل الغيرة، فالغيرة جبلة في النساء.
ومن أجل ثمرات هذا الزواج الذي امتد لتسع سنوات تقريبا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أن حلت في الترتيب الرابع بين السبعة المكثرين من رواية الحديث فيما أحصاه العلماء، فبلغت مروياتها 2110 حديثا، وبالذات في أبواب لا ينازعها فيها غيرها من خصوصيات في البيت التي يحتاج المسلم للاقتداء فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، امتثالا لقول الله عز وجل: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من من آيات الله والحكمة}، من سيكشف حال تعبده وتلاوته في بيته إذا خلا مع أهله؟ من سيبين أحكام خاصة بالطهارة والغسل غير أهل النبي صلى الله عليه وسلم؟
وبالجملة فقد تبين بما تقدم أنه لا إشكال في زواج النبي صلى الله عليه وسلم ببكر ذات تسع سنين، ولا علاقة لهذا بما ينزه عنه جناب النبوة من الشهوانية ، حيث دخل بثيب قبلها، ولو شاء لاختار بكرا مثلها تصلح للبناء بها، بل كانت زوجاته ثيبات لا بكر بينهن إلا عائشة رضي الله عنها، وحيث لم ينتقد ذلك عدو شانئ، ولا صديق موافق يظهر أنه طبيعة ذلك العصر، بحيث لم يكن هناك إشكال، وبنات التسع يمكن البناء بهن، بل وثبت أنه كان بين عمرو بن العاص وولده عبد الله ما يقارب إحدى عشرة سنة أو ما قاربها، فدل ذلك على وجود النضج المبكر لدى الرجال أيضا، بل ثبت في صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب تزويج عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم المتقدم الذكر ما نصه, 3682 عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه.
وفي صحيح مسلم أن تلك الرؤيا ثلاث ليال، فإذا أضفت هذا الحديث لقول الله عز وجل: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}، علمت أنه قدر من الله عز وجل، ومن أسمائه العليم الحكيم، فهل كان الله عز وجل الذي عاتب نبيه فيما مر بك ليقر هذا الأمر لو كان فيه محظور صحي أو اجتماعي أو شرعي؟
إن المضي مع هذه الشبهة ليس استنقاصا من النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هو طعن في علم الله عز وجل وحكمته، فكأن الله عز وجل وحاشاه غاب عنه مفاسد زواج بنات التسع في عهد النبوة لنستدرك عليه نحن بمعايير زماننا فنسحب وضع بنات التسع القاصرات غير مكتملات النضج في عهدنا على عهد النبوة مع ثبوت تغير الخلق غيبا، وبالحفريات التي في كل فترة تأتي بالجديد، والغيب عند المسلم يكفي لليقين، أهذا مكان الله من نفسك ومكانة رسولك أن ترتاب بسبب هندوسي يعبد البقر، أو نصراني ادعى احتواء مخلوق على خالقه، أو علماني أو ملحد قصر عقله عن الإيمان بحقيقة الوجود، فلنتق الله، ولا نجعل ديننا عرضة للشبه، والله الموفق.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)