#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

السبت، 2 سبتمبر 2017

معنى ضمان التبعات عمن حظي بفضل الوقوف بعرفات:

معنى ضمان التبعات عمن حظي بفضل الوقوف بعرفات: يقول العلماء: حقوق الله عز وجل مبنية في الأصل على المسامحة والعفو إذا تاب الإنسان من تضييعها من باب أولى، ومن لم يتب يطلق عليه العلماء بما دلت عليه نصوص الشرع معرض للوعيد، أو معلق بالمشيئة, إن شاء الله عذبه، وإن شاء تاب عليه، وأما حقوق العباد، فمبنية على المطالبة والمُشاحَّة، ولا تسقط ولا تبرأ الذمة إلا بأدائها، ومما ورد في فضل الوقوف بعرفة والإفاضة إلى المشعر الحرام أن الله يضمن التبعاتعمن وقف بها، فما معنى التبعات المضمونة؟ هل هي في حق الله عز وجل؟ أم في حقوق العباد المبنية على المطالبة والمشاحة؟ ولا شك أن الأمرين كليهما مما لا ينبغي أن يفرط فيهما عاقل فضلا عن أن يكون مؤمنا أواها منيبا، فإن كانت في حق الله عز وجل، ففي الحديث, {رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه}، وطمع المؤمن الذي يتعبد لله على المحبة والخوف والرجاء جميعا في رحمة ربه عظيم، لكن، ماذا لو كانت التبعات المضمونة عن الواقف بعرفة والمفيض للمشعر الحرام حقوق العباد التي عليه، وهي كما علمت مبنية على المطالبة والمشاحة, لا يكاد العباد يسامحون فيها، وبالذات في شدة ذلك الموقف الذي تكون فيه المحاسبة على الحسنات والسيئات، ماذا لو جاءك خصومك يطالبونك بين يدي الله بما لهم عليك، حتى إذا أيقنت بذهاب حسناتك, بعضها أو كلها، حتى إذا فزعت إن فنيت حسناتك أن تطرح سيئات على سيئاتك، أرضى الله خصومك فلم تؤاخذ بما لهم عليك؟ لن تعرف شدة تلك الفرحة بعد ذلك الضيق الذي كدت ترى فيه حسناتك تذهب، أو سيئات تضاف إليك إلا إذا عاينت تلك الفرحة، والسبب حسنة سبقت لك من الله أن أقامك في عرفات حاجا، وأفضت منها مغفورا لك، ولك أن تقرن هذه البشارة العظيمة لو ثبتت بصعوبة الوصول إلى الحج في وقتنا الحاضر، ولا يعرف قيمة الحرمان إلا من عاش بين شوق وطمع في الحج وفي تلك البشارة، وبين صعوبة ظروف الحج في أيامنا هذه، وإذا ما كنت مؤمنا بأن أمرك كله مبني على التوفيق من الله وإن امتنعت عنك الأسباب، حينها ينفتح لك بإذن الله باب الرغبة والرجاء، مع ذلك الحزن الذي ينتابك كل عام قد لا تحيى عاما بعده فتدرك هذه البشارة، في صَحِيحُ مُسْلِمٍ >> كتاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ >> بَابُ الْعَزْمِ بِالدُّعَاءِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ وفي صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ >> بَابُ دَرَجَاتِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا " ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : " إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ - فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ أَبِيهِ : وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ * نعم، سقف الطمع فيما عند الله مرفوهع، فإن الله عز وجل لا يتعاظمه شيء أعطاه، ولعل الله يبلغنا بنياتنا ما عجزنا عن العمل به، في يوم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما يكون فيه حين يقضى بين العباد فيما بينهم, ففي صَحِيحُ مُسْلِمٍ >> كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ >> بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . يكون هذا حال الأقربين والأبعدين فيما بينهم، حينها لا بد من أن نقدر تلك البشارة قدرها. ليس معنى هذا التساهل في حقوق العباد، أو أخذها عدوانا وظلما على نية الحج الذي تضمن فيه عنك التبعات، فالله عز وجل لا يخادع، ولا يستوي الخبيث عنده والطيب، فالله يعطي هذه البشارة من شاء بعلم وحكمة. إليك أيها الأواه المنيب سياق البشارة، جاء في الترغيب والترهيب للمنذري: 1792 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة أيها الناس إن الله عز و جل تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم ووهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى لمحسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله فلما كان بجمع قال إن الله عز و جل قد غفر لصالحيكم وشفع صالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم ثم تفرق المغفرة في الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم فإذا نزلت الرحمة دعا إبليس وجنوده بالويل والثبور رواه الطبراني في الكبير ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيهم رجلا لم يسم 1793 - ورواه أبو يعلى من حديث أنس ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله تعالى فيقول يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني وكفلت عنهم التبعات التي بينهم 1794 - وعن عباس بن مرداس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا لامته عشية عرفة فأجيب أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه قال أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد فأجيب إلى ما سأل قال فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك أضحك الله سنك قال إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لامتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه 1795ورواه البيهقي ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لامته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه أني فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها فقال يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله أني قد غفرت لهم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم قال تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه رواه البيهقي من حديث ابن كنانة بن العباس بن مرداس السلمي ولم يسمه عن أبيه عن جده عباس ثم قال وهذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإن لم يصح فقد قال الله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 84 وظلم بعضهم بعضا دون الشرك انتهى. 1796 - وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال وقف النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال يا بلال أنصت لي الناس فقام بلال فقال أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأنصت الناس فقال معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله عز و جل غفر لاهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله هذا لنا خاصة قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثر خير الله وطاب". قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم, 1624: " - " إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا ، فوهب مسيئكم لمحسنكم ، و أعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله " . أخرجه ابن ماجة ( 3024 ) عن أبي سلمة الحمصي عن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع : " يا بلال أسكت الناس ، أو أنصت الناس " . ثم قال : فذكره . قال البوصيري في " الزوائد " ( 207 / 2 - مصورة المكتب ) : " هذا إسناد ضعيف ، أبو سلمة هذا لا يعرف اسمه ، و هو مجهول " . قلت : لكن الحديث صحيح عندي ، فإن له شواهد من حديث أنس بن مالك و عبادة بن الصامت و عباس بن مرداس . أما حديث أنس فيرويه صالح المري عن يزيد الرقاشي عنه مرفوعا به أتم منه . أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 3 / 1015 ) . و صالح المري و يزيد الرقاشي ضعيفان ، و اقتصر الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 257 ) على إعلاله بالمري فقط ! لكن رواه ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك به نحوه . هكذا ساق إسناده في " الترغيب " ( 2 / 128 ) ، و هو إسناد صحيح لا علة فيه ، و قد أشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه " الأحكام " ( رقم 71 - بتحقيقي ) بسكوته عليه ، و فيه : " إن الله غفر لأهل عرفات و أهل المشعر . .. " . و انظر " صحيح الترغيب " ( 1143 ) . و الحديثان الآخران مخرجان في " الترغيب " ، و إسنادهما و إن كان ضعيفا ، فلا بأس به في الشواهد . و للحديث شاهد آخر رواه البغوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده . ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 143 / 2 )". وللافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله كتاب ماتع بعنوان, قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج، بين فيه طرق هذه الأحاديث، قوة الحجاج, بكسر الحاء وفتح الجيم الأولى بمعنى إقامة الحجة والبرهان، في عموم المغفرة للحجاج، جمع حاج، قال في أوله ص17: "فإني سئلت عن علم الحديث الذي أخرج في بعض السنن عن العباس بن مرداس السلمي في مغفرة الله عز وجل ذنوب الحاج ذي التبعات. هل هو صحيح أو حسن أو ضعيف يعمل في الفضائل بمثله؟ أو هو في حيز المنكرات أو الموضوعات؟ والجواب عن ذلك: أنه جاء من طرق أشهرها حديث العباس بن مرداس السلمي ثم ذكر طرق حديث العباس رضي الله عنه، وختمها بطريق أبي داود في سننه, كِتَاب الْأَدَبِ، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ : أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ، 4622 حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبِرَكِيُّ ، وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، - وَأَنَا لِحَدِيثِ عِيسَى أَضْبَطُ - ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ يَعْنِي السُّلَمِيَّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : " ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ - وَسَاقَ الْحَدِيثَ - " * قال ابن حجر في قوة الحجاج بعد ذكر الحديث ص23: "وسكت عليه أبو داود فهو صالح عنده". وهذا من تسامح الحافظ ابن حجر رحمه الله في الترغيب والترهيب، فلئن لم يتعقب أبو داود هذا الحديث بشيء، فإن ابن حجر قال في التقريب ص319 في ترجمة عبد الله بن كنانة: "3556- عبد الله ابن كنانة ابن العباس ابن مرداس السلمي [أبو كنانة] مجهول من السابعة". وفي التقريب في ترجمة كنانة بن العباسص462: "5667- كنانة ابن العباس ابن مرداس السلمي مجهول من الثالثة". وإسناد يكون فيه مجهولان لا يكون صالحا. ثم قال ابن حجر ص24: "قلت: جاء أيضاً عن عبادة بن الصامت و أنس بن مالك و عبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة و زيد جد عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد". ثم شرع في ذكر الطرق وبيان عللها، ومن أمثلها طريق أنس رضي الله عنه، قال ابن حجر رحمه الله في قوة الحجاج معلقا عليها ص26--29: "وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في (مسنده)، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج -هو السامي البصري- أنبأنا صالح المري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة)) يقول: يا ملائكتي. انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا، يضربون إلي من كل فج عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميعا ما سألوني غير التباعات التي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جمع، ودفعوا، وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله تعالى؛ فيقول الله تعالى: يا ملائكتي عبادي وقوفا فعادوا في الرغبة والطلب؛ فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم)). وهذا السند ضعيف، فإن صالحاً المري وشيخه ضعيفان. وقد أخرجه أحمد بن منيع في (مسنده) من وجه آخر عن صالح المري. وذكره الحافظ المنذري في (الترغيب) من رواية عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تغرب، فقال: ((يا بلال، أنصت الناس)). فقال بلال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فنصت الناس، فقال: ((معاشر الناس، أتاني جبريل آنفاً، وأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل، غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات)). فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله. هذا لنا خاصة؟ قال: ((هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)). فقال عمر: كثر والله خير الله وطاب. قلت: إن ثبت سنده إلى عبد الله بن المبارك فهو على شرط الصحيح. فقد أخرج البخاري من رواية الزبير بن عدي حديثاً ومسلم من روايته حديثاً آخر. وقد أخرج مسدد بن مسرهد في (مسنده) لهذه الطريق شاهداً من وجه آخر مرسل رجاله ثقات، ولكنه ليس بتمامه. 18- وأما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في". وبالبحث القاصر لم أجد هذا السند متصلا إلى ابن المبارك إلا ما جاء في الضعفاء للعقيلي في الكلام عن شبويه المروذي: 802 - حدثنا محمد بن خالد البردعي قال : حدثنا علي بن موفق قال : حدثنا شبويه المروزي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم عرفة ، وكادت الشمس أن تغرب ، فقال : « يا بلال ، أنصت لي الناس » فقام بلال فقال : يا معشر الناس ، أنصتوا ، فقال : « أتاني جبريل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال : إن الله قد غفر لأهل عرفات ما خلا التبعات ، أفيضوا بسم الله » قد روي في ، هذا المعنى بخلاف هذا اللفظ حديث العباس بن مرداس ، وحديث عن ابن عمر وغيره ، وأسانيدها لينة ، وفيه عن عائشة وجابر إسنادان صالحان. علق ابن حجر رحمه الله في لسان الميزان على هذه الطريق (4/231) في ترجمة شبويه هذا فقال: "3762 - شبويه. عنِ ابن المبارك فذكر حديثا منكرا. ذكره العقيلي , انتهى. -[232]-". فوصفه بأنه حديث منكر، وقد مر بك نقل كلام المنذري بتمامه، ولم يسم ما بينه وبين عبد الله بن المبارك، ولم يتعقبه الشيخ الألباني كما مر إلا بأن السند من ابن المبارك إلى أنس سند صحيح، فإن لم يكن إلى ابن المبارك طريق إلا التي ذكرها العقيلي عن شبويه فقد مر بك حكم الحافظ ابن حجر في لسان الميزان أنه منكر. قال ابن حجر في قوة الحجاج ص30 مختتما التعليق على شاهد أنس رضي الله عنه وهي أمثل طريق لهذا الحديث: "وقد أخرج مسدد بن مسرهد في (مسنده) لهذه الطريق شاهداً من وجه آخر مرسل رجاله ثقات، ولكنه ليس بتمامه". ومن أمثلها حديث ابن عمر رضي الله عنه حيث علق الحافظ ابن حجر على حكم ابن الجوزي على طرق الحديث بالوضع ومنها طريق ابن عمر فقال الحافظ ص37—38: "وأما حديث ابن عمر ففيه عبد العزيز بن أبي رواد وثقه يحيى القطان ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والعجلي والدارقطني. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أحمد: كان صالحاً، وليس في الثبت مثل غيره. وتكلم فيه جماعة من أجل الإرجاء. قال القطان: لا يترك حديثه لرأي أخطأ فيه. ومن كان هذا حاله لا يوصف حديثه بالوضع. وأما بشار فلم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وقد توبع. وقد نقله الحافظ عن الطبري وأبي نعيم وهذا لفظ الطبري كما ساقه في تفسير قول الله تعالى, {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}قال الطبري في تفسيره, (4/193-194): "3844 - حدثني مسلم بن حاتم الأنصاري، قال: حدثنا بشار بن بكير الحنفي، قالا حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع، عن ابن عمر، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة، فقال:"أيها الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله. فلما كان غداة جمع قال:"أيها الناس، إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله. فقال أصحابه: يا رسول الله، أفضت بنا بالأمس كئيبا حزينا، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به، سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل قال: إن ربك يقرئك السلام ويقول التبعات ضمنت عوضها من عندي"". وقد توهم عبارة ابن حجر رحمه الله في بشارة الحنفي أنه لم يجد للمتقدمين فيه كلاما أنه تعديل له، بل هي عبارة عن أن هذا الراوي مجهول، قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على تفسير الطبري ما نصه (4/194): بشار بن بكير الحنفي: لم أجد له ترجمة بعد طول البحث والتتبع، حتى لقد ظننته محرفا لولا أن وجدته مذكورا أيضًا في إسناد هذا الحديث في الحلية لأبي نعيم"." وأما متابعه في الرواية عن ابن عمر وهو عبد الرحيم بن هارون الغساني فقد قال ابن حجر عنه في التقريب ص354: "4060- عبد الرحيم ابن هانئ [هارون] الغساني أبو هشام الواسطي نزيل بغداد ضعيف كذبه الدارقطني من التاسعة مات بعد المائتين". وقد ترك نقل كلام الحافظ ابن حجر عن غير هذه الطرق تجنبا للإطالة. والحاصل أنه لا يخلو طريق من طرق هذا الحديث من علة بانفراده، وبعض العلل أقوى من بعض، وعمدة من حسنه أو صححه كثرة طرق الحديث، وهو ما يعبر عنه بعضهم بقوله, (وكثرة طرقه تشعر بأن له أصلا)، قال ابن حجر رحمه الله في مقدمة قوة الحجاج ص19: "فإن المقبول ما اتصل سنده، وعدلت رجاله، أو اعتضد بعض طرقه ببعض حتى تحصل القوة بالصورة المجموعة، ولو كان كل طريق منها لو انفردت لم تكن القوة فيها مشروعة. وبهذا يظهر عذر أهل الحديث في تكثيرهم طرق الحديث الواحد ليعتمد عليه، إذ الإعراض عن ذلك يستلزم ترك الفقيه العمل بكثير من الأحاديث اعتماداً على ضعف الطريق التي اتصلت إليه". وقد مر نقل كلام البيهقي من الترغيب والترهيب للمنذري ونصه: " وهذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإن لم يصح فقد قال الله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 84 وظلم بعضهم بعضا دون الشرك". وقد استشكل فهم هذا النص ونظائره لما يظن من معارضته لتلك النصوص المصرح فيها بأن تكفير الكبائر لا بد فيه من توبة, {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}، وغيرها، فكان ظن هذا التعارض مع ضعف إسناد كل طريق عونا لمن ضعف الحديث، ورد هذا الحديث أيضا بأنه ظني لا يعارض النصوص القطعية المشترطة للتوبة لتكفير الكبائر، ومن أهل العلم من جزم بأن التبعات لا بد فيها من القصاص، وكل هذا له وجهه، ولا تعارض بحمد الله، فإن الذي اشترط فقال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}، هو القائل: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فالشرط على الاستحقاق للمؤاخذة بالعقوبة، ومناط المغفرة بالمشيئة التي هي عن علم وحكمة، فالمرتكب للكبيرة مستحق للمؤاخذة، وهذا ما المخلوق المذنب أهل له، والمغفرة لا تقع لكل مستحق للمؤاخذة، وهذا ليس عدلا فحسب، بل هو محض جود وفضل أيضا، وهذا لا يحيط به إلا من له العلم المطلق، والمربي فينا قد يعاقب أصحاب الخطأ الواحد بدرجات مختلفة في العقوبة تبعا لظروف وملابسات تخص كل فرد، فكيف بمن يربي العالمين بنعمه؟ وقد يسرق سارقان, أحدهما حمله على السرقة حاجة ملحة كما وقع في عام الرمادة، والآخر سرق ظلما وعدوانا، فالعدل ألا يعاملا بنفس الدرجة في العقوبة، وفي هذا قطع لمادة الرجاء المذموم لمن يتساهل في الذنوب والسيئات ويقول كلمة حق أراد بها باطلا، وهي مقولة: (يوم الجحيم ربي رحيم). زد على ذلك أن الله عز وجل بعلمه وحكمته كما أنه لا يساوي بين أهل عقوبته في العقوبة لما يختص به كل مستحق أذن بعقوبته، فكذلك هو أعلم بما يقوم بقلوب عباده المخلصين، فلا تكون المكافءة سواء, {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين، وكان ذلك على الله يسيرا}، وفي صحيح البخاري وغيره: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا ، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ عَجَزُوا ، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ، فَقَالَ : أَهْلُ الكِتَابَيْنِ : أَيْ رَبَّنَا ، أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا ؟ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ " * يزيد هذا بيانا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في معرض حديثه عن الأسباب العشرة التي تزول عقوبات الذنوب بها عن العبد، فحين تعرض للسبب الثالث وهو الحسنات الماحية قال (7/489-491): " وَسُؤَالُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَقُولُوا الْحَسَنَاتُ إنَّمَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ فَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا تُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: " مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ " فَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِوُجُوهِ. أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَاءَ فِي الْفَرَائِضِ. كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فَالْفَرَائِضُ مَعَ تَرْكِ الْكَبَائِرِ مُقْتَضِيَةٌ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الزَّائِدَةُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوَابٌ آخَرُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} . (الثَّانِي) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي {قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ} وَفِي السُّنَنِ {أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ. فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ.} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي {حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.} . (الثَّالِثُ) : أَنَّ {قَوْلَهُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ} إنْ حُمِلَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَوْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ مَعَ التَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ. فَكَمَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّغَائِرِ الْمُكَفَّرَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. (الرَّابِعُ) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ {حَدِيثٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ فَإِنْ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قِيلَ: اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ ثُمَّ يُصْنَعُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ كَذَلِكَ} . وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ. وَهَذَا لَا يُنَافِي مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ مَعَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَأَشْهَرُ وَهَذَا غَرِيبٌ رَفْعُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْر لِعُمَرِ؛ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي " رِسَالَتِهِ فِي الصَّلَاةِ ". وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبُولَ النَّافِلَةِ يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ عَلَيْهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى النَّافِلَةِ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ النَّافِلَةَ مَعَ نَقْصِ الْفَرِيضَةِ كَانَتْ جَبْرًا لَهَا وَإِكْمَالًا لَهَا. فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَوَابُ نَافِلَةٍ". إلى أن قال (7/492): " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ سَبَبٌ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَإِنْ جَازَ مَعَ إخْلَالِهِ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعِقَابُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِيَ مِنْ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَنَاوُلِهِ لَهَا يُمْكِنُ رَفْعُ ضَرَرِهَا بِأَسْبَابِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ. وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ - أَمَرَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ ثُمَّ إذَا وَقَعُوا فِي أَسْبَابِ الْهَلَاكِ لَمْ يؤيسهم مِنْ رَحْمَتِهِ بَلْ جَعَلَ لَهُمْ أَسْبَابًا يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إلَى رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْفَقِيهَ كُلُّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ". فلا مانع من تخصيص الحجاج أصحاب ا لعقيدة السليمة بهذا الفضل العظيم من الحليم الكريم لأنه ملك كريممع فضل الزمان والمكان، وشرف عبادة الحج، وشرف ركنها الأعظم, وهو الوقوف بعرفة. فهذا حديث عظيم قال عنه البيهقي إن صح فبمجموع طرقه، وذكر العقيلي أن له إسنادان صالحان، فأما إسناد عبد الله بن المبارك فلم يذكر له في المنقولات أعلاه مصدر، ولو ثبت من غير إسناد العقيلي لكفى بهذا الطريق في إثبات صحة الحديث، وإسناد العقيلي فيه شبويه المروذي. وقد ذكر السيوطي في تفسيره للآية {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}، طريق ابن المبارك للحديث بصيغة {وروى ابن المبارك} بدون ذكر من رواه عنه ولا الكتاب الوارد فيه, فلعله قلد المنذري في الترغيب والترهيب، كما أن شواهد الحديث المذكورة فيها من نص أهل العلم على أنه لا بأس به في الرقائق، وهذا الحديث منها. ومعنى التبعات ما يكون بين العباد بعضهم مع بعض يضمنها الله عز وجل لمن وقف بعرفة، فاللهم نسألك من فضلك. 14 . وفي عرفاتٍ إن تسل عن كرامة فكم من مدانٍ في المعالي سيسمق 15 . فيا واقفا فيها، لك السعد والهنا سيحبوك ربي بعد ما كدت تُوبقُ 16 . سيحبوك بالغفران إن جئت تائبا ويَضْمَنُ حق الخصم عنك ويرفقُ 17 . أيا قاصدي البيت الحرام، رحلتمُ فمن راعه توديعكم كيف يلحقُ؟ 18 . تمادى بكم سيرٌ، وأزعجنا النوى تَؤُمُّون أفضالا، وبالبين نَشَرقُ 19 . وهَّيجتم الشعر الذي قد وأدتُه وغَّيبته مذ كان بالغي يُلحِقُ 20 . يقولون في الله العزاء، صدقتمُ فهلا عقِلتم ما له النفس تَشهق 21 . (براءةُ) فيها ذكر من فاض دمعهم فما لهمُ مال، ولا الظهر أَوْثقوا 22 . وقد شركوا في الأجر، وهو عزاؤهم ولكنَّ عجز المرء يُدمِي ويُحرِق 23 . وإِشْراكهم في الأجر فضل ومنة ولكنْ، لهم بالبذل قلب معلق 24 . مرادهم الأسنى إطاعة ربهم ولو كان في ذاك الهلاك المحققُ 25 . إذا كان ذا شغل المُحِب فلا تسل فهِمَّتُه في شغله كيف يسبقُ 26 . ونيل رضا محبوبه غاية المنى فيا حزنه إن جاءه ما يُعوِّقُ 27 . وما عندنا إلا دعاوى، فيا ترى إذا حان وقت الجد فيها أنصدقُ؟ 28 . بذاك نمني النفس، وهي هزيلة ولله ألطاف على العبد تُغْدَقُ 29 . إذا هل عشر الحج تهفو نفوسنا فهل شمس حجي عن قريبٍ ستشرقُ؟ 30 . عزائيَ أن الله يجبر فَاَقتي،=يععلم حاجتي، =جابر فاقتي هو المرتجى، والله بالعبد أرفقُ 31> ولست لذا أهلا، فإني مضيع ولكنه بالجود بالرفق أسبقُ 32 . ولست لذا أهلا، ولكنَّ جوده على الضائع الموتور بالرفقِ أسبقُ