#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

مسائل حول اسم الله السَتِير:

مسائل حول اسم الله السَتِير:
لا يخفى على من درس عقيدة السلف أن أسماء الله توقيفية, فلا بد من ثبوتها في نص من كتاب أو سنة، ومن العلماء من يشتق من الصفات أسماء, كالمحيي، ومن صفات الله تعالى أنه يحب الستر كما في الحديث.
وأكثر العامة يقولون, ستار كصبار، مع أن الحديث جاء بلفظة’ "ستير"، فما الضبط الصحيح لهذا الاسم؟ وهل يثبت اسم الله الستار لله عز وجل ولو من قبيل الاشتقاق من الصفة؟
مسألة وقع فيها التباحث مع أحد الإخوة المهتمين بالعربية, فسألته عن إثبات اسم الله الستار بفتح السين وتشديد التاء وفتحها، فأجاب أن بعض العلماء ذكروه، وأنكره بعضهم على هذا الوزن، على حسب القاعدة التي تقول بأن أسماء الله توقيفية، فسألته: وهل ثبت سماع بلفظة ستار لغة فضلا عن ثبوتها شرعا؟ ونقلت له من لسان العرب ما يلي:
[ ستر ]

ستر : سَتَرَ الشَّيْءَ يَسْتُرُهُ وَيَسْتِرُهُ سَتْرًا وَسَتَرًا أَخْفَاهُ ؛ أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ :


وَيَسْتُرُونَ النَّاسَ مِنْ غَيْرِ سَتَرْ


وَالسَّتَرُ ، بِالْفَتْحِ : مَصْدَرُ سَتَرْتُ الشَّيْءَ أَسْتُرُهُ إِذَا غَطَّيْتَهُ فَاسْتَتَرَ هُوَ . وَتَسَتَّرَ أَيْ تَغَطَّى . وَجَارِيَةٌ مُسَتَّرَةٌ أَيْ مُخَدَّرَةٌ . وَفِي الْحَدِيثِ : إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ ؛ سَتِيرٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ وَإِرَادَتِهِ حُبُّ السَّتْرِ وَالصَّوْنِ . انتهى من لسان العرب.
وأخبرته أني بحثت في غيره من المعاجم ولم أجد لفظة ستار ثابتة سماعا عن العرب.
فقال لي: إن صيغ المبالغة يدخلها القياس, فمن أثبت لفظة ستار أثبتها قياسا، وقال إن مجامع اللغة العربية أثبتت ألفاظا بالقياس مع أنها لم تكن مسموعة عن العرب.
فسألته: وهل الأصل السماع أو القياس؟
وهي مسألة لا يحسن تناولها في هذه العجالة، لكن سألته:
وهل صيغ المبالغة قياسية في الأوزان أو في المسموعات من العرب؟ وقلت له: لو كانت قياسية في المسموعات لجاز أن نستخرج من كل فعل على الأقل خمسة صيغ مبالغة على الأوزان المشهورة فيقال في خرج مثلا: خَروج، خرَّاج، مخراج، خريج، خَرِج. فلما لم يكنن ذلك تبين أنها قياسية في الأوزان لا في المسموعات.
ومما يؤكد ذلك عبارة سيباويه في الكتاب ححيث قال:
وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل لأنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع الفعل إلا أنه يريد أن يحدث عن المبالغة‏.‏ فما هو الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى‏:‏ فعول وفعال ومفعال وفعل‏.‏ وقد جاء‏:‏ فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير يجوز فيهن ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير والإضمار والإظهار‏.‏ انتهى من الكتاب.
فعبارة سيباويه: "الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى" تدل أن اقياس في الصيغة أو الوزن لا في الكلمات المسموعة،نعم في المسألة خلاف، لكن: المتقدمون لا تحفظ لهم عبارة تنص على أنها قياسية، وإنما هو ذكر قلة وكثرة في الاستعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، والسنة وحي من الله عز وجل، والحديث جاء بلفظة "ستير يحب الستر"، وهنا يبرز السؤال مرة أخرى, هل ثبت سماع بلفظة ستار لغة فضلا عن ثبوتها شرعا؟
هذا باختصار وبتصرف ما دار في النقاش، وقد كانت بيني وبينه نقولات ضاعت مني الآن.
والحاصل أن كتب اللغة لم تنقل لنا في مادة س ت ر للمبالغة سوى لفظة ستير كسمير، وذلك بحسب اطلاع المقل، فإذا صح ما تقدم فيقال: لفظة ستار لم تثبت لغة ولا في نص شرعي لتثبت اسما لله عز وجل، وإنما وردت لفظة ستير ككريم.
وهل ثبت ضبط سَتير على سِتِّير؟
في فتح الباري عند حديث: 3223 حدثني إسحاق بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
قال الحافظ ابن حجر:
حييا " بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله : " ستيرا " بوزنه من الستر ، ويقال ستيرا بالتشديد . انتهى.
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري:
حيياً) بفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء أي ذا حياء (ستيراً) بفتح السين بوزن كريم ويقال ستيراً بكسر السين وتشديد الفوقية المسكورة بوزن سكين أي ذا تستر يستتر في الغسل. انتهى
وفي عون المعبود عند حديث, "إن الله عز وجل حيي ستير"، قال العظيم آبادي:
ستير ) : بالكسر والتشديد تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح قاله المناوي .

وفي النهاية : ستير فعيل بمعنى فاعل ، أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون انتهى .

وفي النيل : ستير بسين مهملة مفتوحة وتاء مثناة من فوق مكسورة وياء تحتية ساكنة ثم راء مهملة انتهى (
فأما حديث "إن الله حيي ستير"المتقدم فمختلف في صحته بين أهل العلم بناء على الخلاف في سماع بعض رواته ممن حدث عنهم, كالخلاف في سماع عطاء عن يعلى بن أمية، لكن, قال الشيخ عبد الرزاق البدر في فقه الأسماء الحسنى:
وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره"، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن، فقال ابن عباس: "إن الله ستير يحبُّ الستر، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حِجال في بيوتهم، فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجْره وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سَمَّى الله، ثم جاء الله بعدُ بالسُّتور، فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا السُّتور واتخذوا الحجال، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أُمروا به". صحح إسناده ابن كثير في "تفسيره"، والسيوطي في "الدر المنثور"
انتهى.
وهذا لا يقوله الصحابي من قبل الرأي، فالاسم إذن ثابت لله عز وجل، وعامة المحققين من أهل العلم على أن الضبط الصحيح هو بزنة فعيل ككريم.

وقال ابن القيم في النونية: وهو الحيي فليس يفضح عبده ... عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... فهو الستير وصاحب الغفران .
٢:٢٥ ص

والوزن لا يستقيم إلا على زنة فعيل ككريم

وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في شرح القواعد المثلى في الدقيقة 22:45 الشريط الخامس الوجه الثاني :

{ من ذلك كلمة (( إِنَّ الْلَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيْرٌ )) أنا ما وجدته بهذا اللفظ (( ستّير )) وإنما الذي وجدته في النهاية في غريب الحديث (( ستير ))1 ((كسميع))

ولهذا نحن نطالب من كان منكم مختصا بالحديث أن يثبت لنا أن اللفظ الوارد (( ستّير ))

قال الطالب : سمعت الشيخ ابن باز يقولها .
قال الشيخ رحمه الله تعالى : أيه ولو قالها ماهو حجة لأن صاحب النهاية عالم في اللغة وفي الحديث وهو قال أنه : (( ستير ))1 أنا لا أنكر أن يكون في اللغة فعّيل

بعنى المبالغة قد يكون - اللغة واسعة – فعّيل بمعنى مبالغة ، لكن كوننا نثبت هذا الأسم لله تعالى بدون يقين – وهذا لايمكن إلا بضبط من يوثق بضبطه أو بالنقل

مشافهة ،فلذلك نرجو منكم وأخص بهذا الذين يعتنون بالحديث أن تحققوا في هذه المسألة هل هي (( ستّير )) أو(( ستير جرى حتى على لساني أنا أقول((

ستّير)) لكن مر علينا قبل أيام في باب الغسل من الجنابة فقرأ القارئ (( ستير ))1 فرجعت إلى كتب الحديث – الغريب – وجدت ماقلنا (( ستير على وزن

فعيل وقال : أنه مبالغة من ساتر (( كسميع )) }

وقال في موضع أخر رحمه الله تعالى من الشريط الثامن في الدقيقة 15:41 الوجه الثاني من نفس المجموعة :


{على كل حال بعض الأخوان آتانى بضبطه في كتب اللغة كاللسان العرب والقاموس كله بضبط (( ستير ))1 على وزن فعيل (( كسميع ))}

https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=110434


ويتحصل من هذا:
--لفظة ستار بتشديد التاء لم تسمع عن العرب فضلا عن أن تكون اسما ثابتا لله عز وجل، وإنما يصح نسبتها اسما لله بسلوك مذهبين:
*المذهب الأول: لغوي, باعتبار زنة فعال و… قراءة المزيد
ولو ثبت ما تقدم لكنا بين أمرين: خطأ العوام باستعمال الستار، وخطأ شائع باستعمال لغة ضعيفة بين الإخوة بلفظة ستير مكسورة السين ومشددة التاء المكسورة أيضا.

الأحد، 30 سبتمبر 2018

هل هي تساؤلات أم إثباتات واقعية لما يقوله الصعافقة؟:

هل هي تساؤلات أم إثباتات واقعية لما يقوله الصعافقة؟:
تجري بين بعض الإخوة في هذا الوقت الذي ظهر فيه أن كثيرا من الفتن الحاصلة في الساحة كانت بسبب تحريشات الصعافقة نقاشات حول مشايخ اليمن الذين تكلم فيهم أهل العلم بسبب الوثيقة التي وقعها الإمام مع الحوثيين، وتطرح بين الفينة والأخرى تساؤلات, هل كان جرح العلماء لهؤلاء المشايخ كان حقا؟ ام إنها كانت تلبيسات بسبب د. عرفات، والخارجي ابن بريك؟ ومن معه؟ وغيرها من التساؤلات. بل عدت بعض التجريحات من بعض العلماء الكبار جرحا مجملا!
فهل هذه التساؤلات دعوى إلى مراجعة الأحكام السابقة للعلماء؟ وهل هو نوع من أنواع حجب لثقة عنهمم؟
الحق أن هذه التساؤلات تعطي الذريعة للصعافقة في إثبات أن طعنك في طلاب العالم طعن فيه!, إذ إنهم قالوا: إن المصعفقة كما يحلوا لهم أن يقولوا جعلوا الطعن في بطانة العالم وسيلة لرد أحكام العالم، ومن هنا توصلوا إلى أن الطعن في الصاحب طعن في المصاحب، وهذه التساؤلات إن خلت مما يعاضدها من براهين تفتح الباب أمام تعديل من لا يستحق التعديل، بل وأهل الأهواء، فالحجوري يستطيع أيضا أن يقول: مكر بي الصعافقة وفتنوا بيني وبين أهل العلم، ويستطيع أن يظهر التراجع والتقيد بالنصيحة وهو يضمر ما يضمر، وقد وقع، لكن الأدلة فضحته.
وهذه التساؤلات نشأت عن عدم التفريق بين أمرين, الأول: قبول حكم الثقة المأمون وبالذات إن كان إماما عالما بأسباب الجرح والتعديل فيمابرهنت الأدلة صدقه فيه، وهو أصل لا محيد عنه. والثاني: أمر عارض، في موقف أو قضية في اجتهاد لذلك الإمام فإن حكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.
فهل يستوجب إن وقع الأمر الثاني وهو أمر عارض مراجعة ما سبق من أحكام لذلك الإمام بحجة أن تلك المواقف كانت بسبب تلك البطانة السيئة؟ وهل كان قبولنا لتلك الأحكام التي كان للبطانة السيئة دور بارز فيها بسبب تلك البطانة أم كان قبولنا لها لأنها من أءمة علماء بأسباب الجرح والتعديل وأنها مدعمة بالدليل؟ وهل كان قبولها من هؤلاء العلماء لمجرد التعصب لهم أم لأن عليها الدلائل والبراهين الواضحة؟ وكيف نسينا مع ظهور سوء الصعافقة الأصل السلفي المتين, وهو التفريق بين طلب الحق الذي لا يكون إلا من أهل الحق، وبين قبول الحق الذي يكون حتى من العدو بدليل: "صدقك وهو كذوب"؟
الإجابة على هذه التساؤلات كاف في وأد هذا الخلط.
نعم، تصدى د. عرفات للكتابة عن تلك الوثيقة التي فيها عين الكفر كما نقل الشيخ أسامة العمري عن الشيخ محمد بن هادي،وقدم له أهل العلم في كتابته لبيان عوار هذه الوثيقة، وعذره علماء آخرون في توقيعه لهذه الوثيقة, إما بأن علماء البلد أعلم بحال البلد بناء على ثقة ذلك العالم بهم، وإما للضعف الذي كانوا فيه حتى يأتيهم من يعينهم. وهذه بنود الوثيقة:
1- التعايش السلمي بين الجانبين وعدم الانجرار والتصادم والاقتتال أو الفتنة مهما كانت الظروف والدواعي وحرية الفكر والثقافة مكفولة للجميع.
2- التوقف عن الخطاب التحريضي والعدائي من الجانبين تجاه بعضهم بعض بشتى الوسائل وفي كل المجالات والعمل على زرع روح الإخاء والتعاون بين الجميع.
3- أن تستمر عملية التواصل المباشر بين الجانبين لمواجهه أي طارئ أو حدث أو مشكلة أو تصرف فردي أو أي محاوله من جهة أخرى مندسة لهدف تفجير الوضع بين الجانبين وتحديد الموقف منها .

وجاء في نص الوثيقة أن جميع مسلمون ربهم واحد وكتابهم واحد ونبيهم واحد وأن عدوهم واحد وأن الإسلام يحرم الدماء والأعراض.
وعنون لهذه الوثيقة بالعنوان التالي, ((وثيقة تعايش وإخاء).
فهل يا ترى الشيخ الإمام يعتقد بكل ما في الوثيقة؟ وهل يجهل أن الروافض لا يقرون بكل ما هو في الوثيقة؟ وخذ مثلا: (وكتابها واحد)؟ وهل تصلح الوثيقة وحدها سببا للجرح؟؟؟؟
اسـتـمـع إلـــ➷ـــى ( محمد الإمام ) وهو يطعن علناً بخطبة جمعة { بولاة أُمور المسلمين وانهم الولاه يطيعون الكفار وقوانينهم بأعلى صوته وقوته }
http://koo.re/6phzK

اسـتـمـع إلـــ➷ـــى ( محمد الإمام ) وهو يقول { أنه لن يُقاتل إلا مع نبي }
http://cutt.us/2iXh

ويحتج بعض الإخوة أن بعض العلماء عذروه، وهذا إنما كان بناء على ثقتهم به، لكن هل كان معذورا حقا؟ وهل نفعته الوثيقة؟
قال بعض طلابه جوابا على السؤال الأول:
" المحور الثالث: المقصود والفحوى من توقيع الوثيقة.
كما سبق أن دعوة أهل السنة والجماعة ليست دعوة اقتتال بين المسلمين، بل يسندون الأمر إلى أهله، وبالضوابط المعتبرة، وهم من أبعد الناس عن الفتن، وممن يحذرون ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً منها، وهم من أورع الناس خصوصاً في باب سفك الدماء أما إذا كانوا كغيرهم فلا خير فيهم، ولذلك حذر علماء أهل السنة والجماعة من الثورات والانقلابات وولى بكلامهم الكثير عرض الحائط، جاءت الأحداث وتسارعت وبحت أصواتهم في النصح للمسلمين، ولكن لا حياة لمن تنادي، فجلبوا الويل والندامة عليهم وعلى غيرهم، وكم رددوا الفتن يعرفها العلماء أول ظهورها والجهلاء لا يعرفونها إلا بعد إدبارها كما هو واقع الآن إلا من عاند وكابر، ومما كتب الشيخ الإمام في باب الاقتتال والتورع فيه الآتي:
1. كتاب تمام المنة في فقه قتال الفتنة.
2. كتاب إتحاف أهل السنة بتوضيح أصل ترك القتال في الفتنة.
3. وكتاب التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن.

ومشى على هذا الأصل متورعاً عاملاً بما قال وكتب - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً - حتى إنه لم يشجع على الذهاب إلى الجبهات التي فتحت حال حصار إخواننا في دماج؛ لأمور عرفها من قبل وعرفها الكثير من بعد!!، وكما تقدم أن من المعلوم أن أعداء الاسلام في غيظ من دور الحديث بسبب الخير الذي انتشر من خلالها بفضل الله عز وجل، ويريدون القضاء عليها من سنوات عدة مضت ولم تسنح لهم الفرصة بذلك فقاموا بتغذية من فتحوا صدورهم لهم شعروا بذلك أم لم يشعروا من أجل تنفيذ مطالبهم مقابل تسهيلات ودعم وما إلى ذلك، وهم يبحثون عن أي مدخل لهم لكي يدخلون الدعوة في الفتنة، فأتوا بالوثيقة التي علمتموها، وفيها ما فيها، إلا أن الغرض منها حفظ مقاصد الشريعة الدين والنفس والعرض والمال والعقل، وبغض النظر عن صيغتها، فشيخنا لم يكن في ذلك تنازل عن عقيدته التي يسير عليها أو أن فيها انضمام مع الحوثيين لا من قريب ولا بعيد ولا بقليل أو كثير، ولكن لدفع الشر قدر المستطاع، ومما يؤيد كلامي ما قاله مجموعة من الإخوة على صفحاتهم في الفيس بوك، كالأخ /عبد الكريم السدعي حيث قال: إلى كل المتسائلين عن الوثيقة لقد اجتمعت اليوم بالشيخ الفاضل العلامة محمد بن عبدالله الإمام حفظه الله وأطال بعمره، وكنت على يقين وثقة من نفسي أني سأقنعه بأن يعترف بأنه أخطأ مهما كانت الأسباب ولكن رد علي بأسباب وأشياء لا يعرفها الجميع من خلالها أقنعني وليس بصالح الجميع نشر تلك الأسباب، إلى أن قال الأخ عبد الكريم: وقال لي أيضاً: الورقة لن تؤثر أوتغير أبداً ولن تنقص في دعوتنا حرفاً واحد على ما نحن عليه وسنواصل نشرها أكثر فنصيحتي ورجائي من الجميع عدم الجرح مهما كانت الأسباب والجميع يعرف بأن لحوم العلماء مسمومة اللهم انصر الحق وارزقنا اتباعه إ.ه.
وما قاله الأخ أبو خطاب الربيعي: - وهو من طلبة الشيخ - أؤكد لكم من معبر صحة الوثيقة وثبوتها، ولم تكتب في لحظة إغفاء أو إغماء إنما كتبت في يقظة وإدراك ومن أجل المصلحة، وليس فيها رضوخ أو تنازل، وليس معناها الركون إلى الحوثي والجزم بأنه سيتعايش مع مخالفيه ولا تعني الاستسلام وعدم المقاومة إن حصل شيء، ولا تنسوا أن الله قال " :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم "، وقال بعدها :"وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله..."

وما قاله الأخ /عبد الرحمن الشيخ: الشيخ الإمام يقول الوثيقة صحيحة ، والغرض منها حقن الدماء وتجنيب البلاد والعباد الفتن ، بغض النظر عن صيغتها .
فالخلاصة: أن الوثيقة فيها مخالفات وبلا شك، ولكن الغرض منها حقن الدماء وتجنيب البلاد والعباد الفتن والمحافظة على الدعوة، بغض النظر عن صيغتها، وهذه العهود والمواثيق واردة حتى بعد وقوع الحروب والفتنة فيتم قطع الطريق من خلالها بإذن الله على مريدي الشغب والفتن، ولا سيما وأن الفتنة كانت شبه متحققة بعدم توقيعها، وكان المراد منها استعطاف بعض الناس في حال عدم التوقيع بأن انظروا من هو صاحب الفتنة وهكذا، ولكن سُد عليهم الباب وقضية نقضها عار وشنار عليهم".

فانظر إلى غرابة قولهم: بغض النظر عن نص الوثيقة فإن الشيخ لم ولم ولم ....إلخ، فهل الإمام كان الإمام مضطرا حتى يوقع على ما فيه عين الكفر؟ وهل ينفعه وهو قدوة للكثيرين في بلده هذا العذر, أن يوقع على خلاف ما يعتقد وإن كان فيه الكفر من أجل حقن الدماء وترك القتال في الفتن ونشر الدعوة؟ وهل له سلف في هذا؟ وهل أخطأ الإمام أحمد حين عرضت عليه رخصة القول بخلق القرآن وهي مقولة كفرية فرفض لأن كثيرا من الناس ينتظرون ما يقول ليقتدوا به؟

وأما صحة الوثيقة فهي عندهم كالتالي:
" المحور الرابع: الأدلة الدالة على صحة ما عمله الشيخ بختم الوثيقة.
سأسرد هذه الأدلة سرداً وباختصار شديد:
أولاً: من القرآن الكريم:
1. قال تعالى: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ..."
2. قال تعالى: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..."
ثانياً: من السنة:
1. أخرج البخاري من حديث المسور ومروان رضي الله عنهما قالا قال الرسول صلى الله عليه وسلم_عن كفار قريش_:(لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها).
2. والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاهد اليهود والمشركين في محطات كثيرة ومن أبرزها صلح الحديبية الذي سماه الله عز وجل فتحاً مبينا مع أن فيه تنزل وليس تنازل كشطب اسم الرحمن وكذا رسول الله وقد كان عمر يقول والله لا نرضى الدنية في ديننا " فصالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشا من أجل أن يؤدي شعيرة واحدة فقط وهي العمرة وكان الطرف الآخر كفار قريش، أفلا نصالح الشيعة من أجل بقاء الدعوة؟
3. عمل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صلحاً مع اليهود القاطنين في المدينة، وليس بمعيب اطلاقاً أن يقوم أهل الإسلام بالصلح وإقامة العهود والمواثيق مع أهل الكفر والشرك والطغيان.
ثالثاً: انطلاقاً من القواعد الشرعية والأصول المرعية:
1. من باب الحكمة.
2. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
3. إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما.
4. مدار الشرع على تحصيل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
5. يقدم عند التزاحم خير الخيرين ويدفع شر الشرين.
6. وكما يقال مكره أخاك لا بطل.
7. أن سنة التدافع في الحياة من سنن الله الكونية.
8. أن التاريخ يؤيد ما فعله شيخنا المفضال فقد تعايش السنة مع الشيعة قرونا ولم تكن بينهم إلا الحروب اللسانية لا السنانية.
9. نهج العلماء في الغابر والحاضر اللقاء مع الطوائف المغايرة لأهل السنة، والذي ينكر هذا لا يعرف العلماء ولا التاريخ.
10. ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما.
11. لأن تبقى وتنفع خير من أن تموت ولا تنفع.
12. ماذا صنعت الفتن ببعض من دخل فيها إلا الندم وذهاب الخير.
13. تجنب المؤامرة الدولية من الشريعة والسياسة وخاصة في حال ضعف الدولة وضعف الشعب وضعف الجماعة".

ولتثكلني أمي إن كان في كثير مما سلف دليل لهم, فالأمر بالجنوح للسلم قبله أمر بالإعداد وهو تبع لجنوح العدو للسلم، وكلام الإمام يخالف الدليل لأنه أخبر عن نفسه أنهم كلما نقضوها جددناها، فهو ليس موقف القوي الممتثل لأمر الله بل موقف الخائف الضعيف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب ما يخالف معتقده أو ما هو الكفر الصراح كما في وثيقة الإمام، فهو قياس لا أركان له، وهل كان صلحه أو معاهدته صلوات ربي وسلاممه عليه مع اليهود على حرية الفكر؟ وأيهما أعلى, مفسدة الدين من القدوة، أم مفسدة الدماء التي قد تنتفي مع تظافر الجهود ودعم الدول الإسلامية التي اتهمها الإمام بالولاء للكفار؟! ومناافحة الإمام وغيره عن الوثيقة دليل على أنه ليس بمكره، وكون سنة التدافع في الحياة من سنن الله الكونية حجة عليه لا له، وقوله: ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما استدلال بنص مبتور، وأي أثم أعظم من كتابة الكفر الصراح من القدوة،
واقرأ هذا الخبر:
(الحوثيون يستفزون طلاب مركز دار الحديث السلفية في معبر ويصفونهم بالمنافقين
- المصدر: المشهد اليمنيالأحد 21 يناير 2018 03:01 صباحاً
بدأ الحوثيون في محافظة ذمار - وسط اليمن - باستفزاز مركز دار الحديث السلفية بمدينة معبر - شمال المحافظة والذي يضم أكثر من 15 ألف طالب سلفي .
وقال مصدر خاص لـ"المشهد اليمني" في المحافظة " أن خطيب مسجد الهادي الحوثي في مدينة معبر هاجم في خطبة جمعة الأمس مركز دار الحديث وشيخه السلفي محمد الإمام وطلابه ووجه لهم اتهامات بالنفاق وتلقي أموال من السعودية .
كما اتهم الخطيب الحوثي المركز السلفي الذي يضم 15 ألف طالب بعد التحريض على الذهاب إلى جبهات القتال مع الحوثيين .
واضاف المصدر ان القيادي الحوثي محمد علي الحوثي جاء قبل فترة للدار وطلب من الشيخ محمد الامام ان يحشد ويحث الناس على مواجهة العدوان , فقال له الشيخ : "انا بعيد من هذه الفتن وعرضت علينا اسلحة نقاتلكم ورفضنا ولن نقاتل معكم ولا ضدكم الا في حالة الدفاع على النفس من اعتدا علينا سنقاتله".
ويعتبر هذا أول هجوم إعلامي علني للحوثيين ضد مركز الحديث في المدينة الذي يضم ألاف الطلاب من مختلف المحافظات وسبق أن عقد الحوثيون صلحا مع محمد الإمام على أن لايتعرض الحوثيون مركزه وكذلك عدم التصعيد الإعلامي والتحريض بين الطرفين مقابل السماح باستمرار التدريس في المركز .
ويبدو أن الحوثيين يرغبون في محاولة إجبار القائمين على المركز إلى الدعوة إلى القتال مع الحوثيين وهو الأمر الذي سيرفضه طلاب المركز كونهم يصفون مايحصل بالفتنة ويوجبون عدم المشاركة فيها بالقول أو الفعل .
ومركز دار الحديث في معبر من أكبر المراكز السلفية في اليمن بعد دار الحديث في دماج الذي قام الحوثيون بتهجير طلابه وأبناء المنطقة بالكامل أوائل العام 2014 قبل أن تتقدم تلك المليشيات الحوثية نحو مدينة عمران والسيطرة على العاصمة صنعاء بعدها ثم الوصول إلى مدينة عدن مع أوائل العام 2015).

وهذا الخبر أيضا بتاريخ 2018/07/10 - الساعة 11:00 صباحاً (صوت اليمن_متابعات:
وفيه: (رفض الشيخ السلفي الكبير محمد الإمام الذي يعد احد اقطاب السلفية في اليمن وصاحب دار الحديث في مدينة معبر بمحافظة ذمار جنوب صنعاء , اصدار فتوى بوجوب القتال مع الحوثيين في الساحل الغربي .
مصادر مطلعة افادت ان قيادات حوثية حاولت الضغط على الشيخ السلفي اصدار فتوى تجيز القتال بجانبهم في الساحل الغربي , غير انه رفض ذلك .

واشارت المصادر ان الشيخ محمد الامام طالب طلاب الدار البالغ عددهم نحو خمسة الالف طالب بالتأهب لمغادرة الدار , وسط مؤشرات على إنهيار الاتفاق الذي ابرمه الشيخ محمد الامام مع الحوثيين نهاية عام 2014م .. والذي قضى بعدم ممارسة أي طرف اعمال عدائية ضد الطرف الاخر ).)

فها هي الأسلحة تعرض عليه فيرفض، وعدد طلابه كثر، ويخلف معه الحوثي الاتفاق، ومع هذا يصر على تسميتها بالفتنى!
فهذه أربع سنوات أثبتت صدق ذلك الجرح وإن كان للصعافقة يد فيه.
وقد جرح الشيخ عبيد حفظه الله محمدا الإمام فعده أخوانيا وإن لم ينتم صراحة لجماعة الإخوان، وقال عنه وعن الشيخ عبد الرحمن العدني:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمـعـيـن

بناء على ماتحصل لدي من استقراء محمد الإمام واصراره على الوثيقة ومن الأدلة عليه خطبة العيد فإنه صرح بأنه لا سبيل لأحد عليه كذلك لما رجع وزار بعض المشايخ أما أنا فقد حرمت داري عليه هو ومن على شاكلته وهذا معروف قال انه لم يأتي إلا للحج
وأما قضيتي فلا سبيل لأحد علي !

اقول للمقيمين في مركز معبر فروا إلى حيث تأمنوا وقد ثبت لدي أن محمد الإمام هذا جمع المقاتلين في جبهة كتاف وبلغهم بأن الحوثيين طلبوا تسليمه منه فهو صدق في هذا وهو كذوب لكني كذلك أوصي من لم يطلبهم الحوثيون أن يهربوا لأن الرجل لايصلح للدعوة فمن هذه حاله لا يرتجى منه خير للدعوة .

ثانيا : بالنسبة للأخ عبد الرحمن بن عمر مرعي لا يصلح للدعوة ، أقل مايقال فيه أنه مغفل بناء على كلمات سمعتها منه ومن تلكم الكلمات قوله في الوثيقة الفاجرة الكافرة الظالمة التي وقعها محمد بن عبد الله الريمي ثم المعبري الملقب بالإمام قال في تلك الوثيقة أعني عبد الرحمن قال فيها باطل أقول قائل هذه المقولة كما أسلفت أقل ما يقال فيه أنه مغفل والمغفل لايصلح للدعوة ولايصلح للتدريس أبداً خير له أن يصلي مع المسلمين يحضر الجمعة والجماعة مع المسلمين.
https://soundcloud.com/salafi-sounds/lxktjjofhqtn

فهل لفظة مغفل من ألفاظ الجرح والتعديل؟ وهل هي جرح مجمل؟
جاء في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم تحت عنوان مراتب الرواة أو طبقات الرواة ما نصه:
"ثم احتيج الى
تبيين طبقاتهم، ومقادير حالاتهم، وتباين درجاتهم، ليعرف من كان منهم في منزلة
الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية
والتعديل والجرح.
ا - ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه، من أهل الثبت في الحديث
والحفظ له والإتقان فيه، فهؤلاء هم أهل العدالة.
2 - ومنهم الصدوق في روايته، الورع في دينه، الثبت الذي يهم أحيانا،
وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه أيضا.
3 - ومنهم الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطا والسهو
والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والاداب، ولا يحتج
بحديثه في الحلال والحرام.
4 - ومنهم من قد ألصق نفسه بهم، ودلسها بينهم، ممن قد ظهر للنقاد
العلماء بالرجال، منه الكذب، فهذا يترك حديثه، وتطرح روايته، ويسقط ولا يشتغل
به ". انتهى
ومن المننقولات المقتبسات في قول العلماء عن غفلة الصالحين ما يلي:
قال ابن رجب رحمه الله عن المغفلين في شرح علل الترمذي، (1/130):
المسألة الثانية الرواية عن الضعفاء من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط
وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين :
أحدهما : جواز الرواية عنهم حكاه عن سفيان الثوري ، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث إلا بما يعرف أنه صدق .
والثاني : الامتناع من ذلك ، ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة .
وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي أبي حنيفة ، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية ، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه ، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى ، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعي ، وغيرهما من المجروحين ، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي وأبي العطوف الجزري .
قال : وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة وعبد الله بن محرر وغيرهما من المجروحين .
قال : وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن ، وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا ، لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه المحدثين .
وللأئمة في ذاك غرض ظاهر :
وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه ، والمنفرد به عدل أو مجروح . ثم روى بإسناده عن الأثرم قال : (( رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس ، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ، فقال له أحمد : تكتب صحيفة معمر عن أبان وتعلم أنها موضوعة ! ؟ فلو قال لك قائل : أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه ! ؟ )) .
فقال : (( رحمك الله يا أبا عبد الله ، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنه موضوعة ، حتى لا يجئ بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً ، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ، فأقول له : كذبت ! إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت )) .
وذكر أيضاً من طريق أحمد بن علي الأبار قال : قال يحيى ابن معين : (( كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً )) .
وخرّج العقيلي من طريق أبي غسان قال : (( جاءني علي بن المديني فكتب عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق ابن أبي فروه ، فقلت : أي شئ تصنع بها ؟ قال : أعرفها حتى لا تقلب )) .
قلت : فرق بين كتابة حديث وبين روايته :
فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها ولم يرووها ، كما قال يحيى : سجرنا بها التنور ، وكذلك أحمد ( خرق حديث خلق ممن كتب حديثهم ولم يحدث به ، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين ) لم يخرجه فيه مثل قايد أبي الورقاء وكثير ابن عبد الله المزني وأبان بن أبي عياش وغيرهم ، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف .
قال في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : (( قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق ، وعمرو بن حكام ، ومحمد بن معاوية ، وعلي بن الجعد ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم )) .
وقال في روايته أيضاً - وقد سأله ترى أن تكتب الحديث المنكر ؟ - إليهم في وقت )) ، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأساً .
وقال - في رواية ابن القاسم - : (( ابن ليهعة ما كان حديثه بذاك ، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال ، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد )) .
وقال في رواية المروذي : (( كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي ( ثم كتبته أعتبر به ) .
وقال في - رواية مهنا وسأله لمَ تكتب حديث أبي بكر بن أبي كريم وهو ضعيف - قال : (( أعرفه )) .
وقال محمد بن رافع النيسابوري : (( رأيت أحمد بين يدي يزيد ابن هاترون وفي يده كتاب لزهير عن جابر الجعفي وهو يكتبه ، قلت : يا أبا عبد الله : تنهونا عن جابر وتكتبوه ؟ ! قال : نعرفه )) .
وكذا قال]أحمد [في حديث عبيد الله الوصافي : (( إنما أكتبه للمعرفة )) .
والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين [ والذين غلب عليهم الخطأ ] للغفلة وسوء الحفظ ، ويحدث عمن دونهم في الضعف ، مثل من في حفظه شئ أو يتختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه .
وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل .
وأما الذين كتبوا حديث الكذابين - من أهل المعرفة والحفظ - فإنما كتبوه لمعرفته ، وهذا كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل .
ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم : لا يجوز ذكرها إلا ليبيّن أمرها أو معنى ذلك .
وقد سبق عن أبي حاتم أنه يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام ، وأما رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حاله ، وهذا هو الصحيح ، والله أعلم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ـ رحمنا الله وإياه ـ
لكن كثير من العباد لا يحفظ الأحاديث ولا أسانيدها فكثيرا ما يغلطون في إسناد الحديث أو متنه ولهذا قال يحيى بن سعيد ما رأينا الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث يعني على سبيل الخطأ وقال أيوب السختياني إن من جيراني لمن أرجو بركة دعائهم في السحر ولو شهد عندي على جزرة بقل لما قبلت شهادته ولهذا يميزون في أهل الخير والزهد والعبادة بين ثابت البناني والفضيل ابن عياض ونحوهما وبين مالك بن دينار وفرقد السبخي وحبيب العجمي وطبقتهم وكل هؤلاء أهل خير وفضل ودين والطبقة الأولى يدخل حديثها في الصحيح ، وقال مالك بن أنس رحمه الله أدركت في هذا المسجد ثمانين رجلا لهم خير وفضل وصلاح كل يقول حدثني أبي عن جدي عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نأخذ عن أحد منهم شيئا وكان ابن شهاب يأتينا وهو شاب فنزدحم على بابه لأنه كان يعرف هذا الشأن ، هذا وابن شهاب كان فيه من مداخلة الملوك وقبول جوائزهم ما لا يحبه أهل الزهد والنسك والله يختص كل قوم بما يختاره . ا هـ
الاستقامة (1/ 201ـ202)

فلفظة مغفل من ألفاظ الجرح والتعديل، وفيها مذاهب، وهي من الألفاظ المسقطة للرواة إن كانت الغفلة فاحشة.
وقال ابن رجب أيضا في بيان نوع آخر من الغفلة التي تسمى غفلة الصالحين المسألة الثالثة من ضعف من أهل العبادة لسوء حفظه
ذكر الترمذي : أنه رب رجل صالح مجتهد في العبادة ، ولا يقيم الشهادة ولا يحفظها ، وكذلك الحديث لسوء حفظه وكثرة غفلته ، وقد سبق قول ابن المبارك في عباد بن كثير وعبد الله بن محرر .
وروى مسلم في مقدمة كتابه من طريق محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال : (( لن ترى الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث )) .
قال مسلم : (( يقول : يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون الكذب )) .
وروى أيضاً بإسناد له عن أيوب قال : (( إن لي جاراً ثم ذكر من فضله ، ولو شهد [ عندي ] على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة )) .
وروى ابن عدي بإسناده عن أبي عاصم النبيل قال : (( ما رأيت الصالح يكذب في شئ أكثر من الحديث )) .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي أسامة قال : (( إن الرجل يكون صالحاً ويكون كذاباً )) ، يعني يحدث بما لا يحفظ .
وروى عمرو الناقد سمعت وكيعاً يقول وذكر له حديث يرويه وهب بن إسماعيل فقال : (( ذاك رجل صالح ، وللحديث رجال )) .
وروى أبو نعيم بإسناده عن ابن مهدي قال : (( فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد ، ولا تشبه فتنتة فتنة ، كم من رجل يظن به الخير قد حمله فتنة الحديث على الكذب )) .
يشير إلى أن من حدث من الصالحين من غير إتقان وحفظ ، فإنما حمله على ذلك حب الحديث والتشبه بالحفاظ ، فوقع في الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يعلم ، ولو تورع واتقى الله لكف على ذلك فسلم .
قال أبو قلابه : عن علي بن المديني : سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار ، ومحمد بن واسع ، وحسان بن أبي سنان فقال : (( ما رأيت الصالحين فس شئ أكذب منهم في الحديث ، لأنهم يكتبون عن كل ما يلقون لا تمييز لهم فيه )) .
وقال الجوزجاني : سمعت أبا قدامة يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( رب رجل صالح لو لم يحدث كان خيراً له ، إنما هو أمانة ، تأدية الأمانة في الذهب والفضة أيسر منه في الحديث )) .
ويروي عن أبي عبد الله ابن منده قال : (( إذا رأيت في حديث ثنا فلان الزاهد فاغسل يدك منه )) .
وقال ابن عدي : (( الصالحون قد وسموا بهذا الاسم إن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ، ويتهم جماعة منهم بوضعها )) انتهى .
وهؤلاء المشتغلون بالتعبد الذين يترك حديثهم على قسمين
منهم من شغلته العبادة عن الحفظ :
فكثر الوهم في حديثه ، فرفع الموقوف ، ووصل المرسل . وهؤلاء مثل أبان بن أبي عياش ، ويزيد الرقاشي ، وقد كان شعبة يقول في كل واحد منهما : (( لأن أزني أحب إلىّ من أن أحدث عنه!! ))
ومثل جعفر بن الزبير ، ورشدين بن سعد ، وعباد بن كثير ، وعبد الله بن محرر ، والحسن بن أبي جعفر وغيرهم .
ومنهم من كان يتعمد الوضع ويتعبد بذلك :
كما ذكر عن أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل ، وعن زكريا بن يحيى الوقار المصري .
وقد ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين :
أحدهما : أبان بن أبي عياش :
وذكر حكاية أبي عوانة عنه ، أنه جمع حديث الحسن ثم أتى به إليه فقرأه كله عليه ، يعني أنه رواه له كله عن الحسن ، ولم يتوقف في ذلك .
وقال أحمد قال لي عفان : (( أول من أهلك أبان بن أبي عياش أبو عوانة ، جمع حديث الحسن عامته فجاء به إلى أبان فقرأه عليه )) .
وقال مسلم في أول كتابه (( ثنا الحسن الحلواني سمعت عفان قال : سمعت أبا عوانة يقول : (( ما بلغني عن الحسن إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليّ )) .
ثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر قال : سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث . قال علي : (( فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً : خمسة أو ستة )) .
وذكر العقيلي هذه الحكاية ثم قال : وقال لنا أحمد بن علي الأبار - وكان شيخاً صالحاً - : (( وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله أترضى أبن بن أبي عياش ؟ قال : لا )) .
وذكر له الترمذي حديث القنوت في الوتر فإنه رفعه ، والناس يقفونه علي ابن مسعود ، وربما وقف على إبراهيم ، وقد سبق ذكره في أبواب الوتر من كتاب الصلاة .
وكان أبان لسوء حفظه يفعل ذلك كثيراً : يرفع الموقوف ويصل المرسل . قال أبو زرعة : (( لم يكن يتعمد الكذب كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر بن حوشب ومن الحسن فلا يميز بينهم .
قال ابن عدي : (( قد حدث عنه الثوري ، ومعمر ، وابن جريج ، وإسرائيل ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم ، وأرجو أنه ممن لا يتعمد الكذب إلا أنه يشبه عليه ويغلط ، وعامة ما أتي من جهة الرواة عنه لا من جهته ، لأنه قد روى عنه قوم مجهولون . وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ، كما قال شعبة )) .
وذكر أنه شعبة حدث عنه بحديث قنوت الوتر ، فقيل له : تقول فيه ما قلت ثم تحدث عنه ؟ قال : (( إني لم أجد هذا الحديث إلا عنده )) ذكرها من وجه منقطع . والمعروف أن شعبة قيل له : لم سمعت منه هذا الحديث ؟ قال : ومن يصبر على هذا ؟ ! ، أخرجه العقيلي وغيره .
الرجل الآخر : أبو مقاتل السمرقندي :
واسمه حفص بن سلم الفزاري ، وهو من العباد ، يروي عن الكوفيين كأبي حنيفة ، ومسعر ، والثوري ، وعن البصريين كأيوب ، والتيمي ، وعن الحجازيين كهشام بن عروة ، وعبيد الله ابن عمر ، وسهيل .
قال أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد : (( هو مشهور بالصدق والعلم ، غير مخرج في الصحيح ، وكان ممن يفتي في أيامه ، وله في العلم والفقه محل ، يعتنى بجمع حديثه )) .
وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وقال : (( يروي المناكير )) ، وسئل عنه إبراهيم بن طهمان فقال : خذوا عنه عبادته وحسبكم )) . وقد أفحش قتيبة بن سعيد وغيره القول فيه ، مات سنة ثمان ومائتين
وذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء وقال : (( كان صاحب تقشف وعبادة ولكنه كان يأتي بالأشياء المنكرة التي يعلم من كتب الحديث أنه ليس لها أصل يرجع إليه . سئل ابن المبارك عنه فقال : خذوا عن أبي مقاتل عبادته وحسبكم )) .
وكان قتيبة بن سعيد يحمل عليه شديداً ويضعفه بمرة ، وقال : كان لا يدري ما يحدث به . وكان عبد الرحمن بن مهدي يكذبه .
قال نصر بن حاجب المروزي : (( ذكرت أبا مقاتل لعبد الرحمن ابن مهدي فقال : والله لا تحل الرواية عنه ، فقلت له : عسى أن يكون كذب له في كتابه وجهل ذلك . فقال : يكتب في كتابه الحديث ؟! فكيف بما ذكرت عنه أنه قال : ماتت أمي بمكة فأردت الخروج منها فتكاربت فلقيت عبيد الله بن عمر فأخبرته بذلك ، بذلك فقال : حدثني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من زار قبر أمه كان كعمرة )) .
قال : فقطعت الكري وأقمت ، فكيف يكتب هذا في كتابه . وكذلك وكيع بن الجراح كان يكذبه ، وليس لهذا الحديث أصل يرجع إليه انتهى ما ذكره ابن حبان .
وذكره ابن عدي في كتابه وذكر بإسناده عن قتيبة [ ابن سعيد ] أنه سئل عن حديث كور الزنانير فقال : (( نا أبو مقاتل السمرقندي عن سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان سئل عليٌّ عن كور الزنانير فقال : هم من هذا البحر )) لا بأس به . قال فقلت : يا أبا مقاتل هو موضوع . قال بابا هو في كتابي تقول هو موضوع ؟ قال فقلت : نعم وضعوه في كتابك )) .
وذكر بإسناده عن الجوزجاني قال : (( أبو مقاتل السمرقندي كان فيما حدثت ينشئ للكلام الحسن إسناداً )) ثم خرج له ابن عدي أحاديث منكرة ثم قال : (( أبو مقاتل هذا له أحاديث كثير ويقع في أحاديثه مثل ما ذكرته وأعظم منه ، وليس هو ممن يعتمد على رواياته .
وذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وغير واحد من العلماء .
ووقع لابن أبي حاتم في ذكره غير وهم فإنه قال : (( حفص ابن سليمان أبو مقاتل ، روى عن عون بن أبي شداد ، روى عنه موسى بن إسماعيل الختلي )) . كذا قال . وقوله : (( ابن سليمان )) وهم ، وإنما هو (( ابن سليم )) . ثم قال : (( حفص بن مسلم أبو مقاتل السمرقندي ، روى عن الثوري وجويبر وعمر بن عبيد ، وروى عنه أبو تميلة وإبراهيم بن شماس ، سمعت أبي يقول بعض ذلك )) .
فقوله : (( ابن مسلم )) وهم أيضاً ، ووهم أيضاً حيث جعل الراوي عن عون بن أبي شداد غير هذا ، وهما رجل

وقد بين الشيخ عبيد سبب قوله في العدني أنه مغفل كما مر، فهو فيه جرح مفسر.

فلنحذر من هذه التساؤلات التي قد تسبب زعزعة الثقة في أهل العلم وأحكامهم، ولا يرد منها إلا ما جرى عمل السلف على رده, كالجرح بما ليس بجرح، أو نفي المعدل للجرح من وجه صحيح، ويكون هذا من عالم بأسباب الجرح والتعديل.
وحذار من مسلكين:
--الانجرار من تغليب ما هو عارض للعالم في موقف ما في اجتهاده فيه على أحكامه السابقة.
--عدم التعصب لمن ندافع عنهم أو أحببناهم من قبل ثم جرحوا والتعامي عن أخطائهم، بل نتعامل مع ذلك على وفق الأصول السلفية, فمن كان سلفيا يرد خطأه وتحفظ كرامته، وغيره من أصحاب الأهواء يحذر منه ببيان خطئه ابتغاء وجه الله ونصحا للأمة حتى يتوب ويصلح ويبين، والله أعلم.

السبت، 4 أغسطس 2018

الإبانة في نقض الإبانة عن غلط المستغل لحديث البطانة:

الإبانة في نقض الإبانة عن غلط المستغل لحديث البطانة:
نشر أحد كتاب المواقع السلفية إبانة جديدة، وما أكثر الإبانات في هذه الأيام، إبانات تحاكي إبانة ابن بطة رحمه الله وغيره من أهل العلم، لكن، في العنوان، وهي مع هذا إبانات فيها من المشكلات ما فيها، ومنها هذا المقال الذي هو بعنوان, (الإبانةة عن غلط المستغل لحديث البطانة)، وفرع عليه كاتب آخر مقالا آخر سماه, (المصعفقة مطية الروافض)، وهما مقالان أكثر فيهما صاحباهما من النقولات، وحاولا أن يشبكا خيوط المقالين، وقد استمد المقال الأول قوته من تغريدة نشرت للد. عرفات المحمدي وفقه الله بتاريخ ٢٤ مايو ٢٠١٨، ٥:٥٣ ص – قال فيها:
(مقال جيد نافع لأحد طلاب العلم
فيه وقفات طيبة ونقولات نافعة بإذن الله)، وهذا رابط التغريدةhttps://twitter.com/Arafatbinhassan/status/999634559670083584
وهذا رابط المقال الذي أثنى عليه د. عرفات وفقه الله:
https://t.co/dq2voPNBfo
وقد بدأ صاحب المقالة الأولى مقالته بوقفة طيبة بلا ريب في سياق تبيين منهجه وخطته في مقاله فبين لنا أمرين يكثر فيهما الخلل فقال:
(ينبغي " أن يُفهَم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرادُه من غير غلو ولا تقصير، فلا يُحمَّلَ كلامُه ما لا يحتمله، ولا يُقَصَّرَ به عن مراده وما قصَدَه من الهدى والبيان وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، بل سوءُ الفهم عن الله ورسوله أصلُ كلِّ بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، لا سيَّما إن أضيف إليه سوءُ القصد، فيتفق سوءُ الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حُسْن قَصْده، وسوءُ القصد من التابع، فيا محنةَ الدين وأهلهِ ! والله المستعان " كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح (184)).

وهو استهلال طيب ونقل نافع، لكن المحنة ليست في معرفته ونقله، بل في كيفية تطبيقه، ولا شك ما نقله صاحب المقال إلا ليوفي به، فهل وفق لذلك؟ هل نجح في عدم تحميل كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحتمل؟ وهل نجح في تجاوز التقصير به عن مراده؟
لك أن تقرأ المقال أو تقرأ هذه الأسطر وتنظر أيها القارئ المنصف، فأول ما يلزم من أراد بيان غلط المستغل أن يفهم كلام خصمه على مراد خصمه، ولا يحمله ما لا يحتمل، ثم يورد لك أدلته التي استدل بها خصمه، ووجه استدلال الخصم بها، ثم يبين لك صحة الدليل ومدى مخالفة فهم الخصم للدليل، ثم يبين لك القول الصحيح بدليله، ويوقفك على كلام أهل العلم في المسألة.
وأنت تفهم أيها القارئ المنصف من العنوان أن هناك نص استغله مستغل، ففسره على ما يوافق هواه، وعنوان المكتوب دعوى، وبيناته فحوى أسطره، وأول ما تحتاج إلى معرفته كلام ذلك المستغل بنصه وحروفه, لتلزمه الحجة به، وكذلك النص الذي صرفه عن معناه الأصلي إلى معنى يوافق هواه، ولست بعيد عهد أيها القارئ المنصف بأن هذا المقال جيد نافع فيه نقولات نافعة ووقفات طيبة.
أولا--- بيانه للقضية:
وها هو صاحب المقال يشرع في المراد حيث قال:
(وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه ) [ السلسلة الصحيحة 1802]
فيتبع الرجل هواه ويبذل جهده في لي أعناق نصوص يحسب أنها توافق هواه وتنصر ما أراده واشتهاه، ومن ذلك ما تناقله كثير من الناس في هذه الأيام من فهم مغلوط لحديث جليل، مع لزوم هذا الفهم الخاطئ والتنزيل العجيب من الطعن بأئمة أعلام رسخت أقدامهم في السنة وعظمت منزلتهم في الذب عن الدين والجهاد في سبيله، وذلك بالطعن في خواصهم وإطلاق اللسان في وصفهم بأنهم أهل شرّ وباطل وخسة ! ونحو ذلك من التهم الباطلة العرية عن الدليل المعتبر البعيدة عن صحيح النظر.
بل قالوا إن لهذه البطانة الشريرة – بزعمهم – تأثيراً على أهل العلم، وكأن هذه البطانة تزين لهذا العالم – المشهود بعلميته ! المعروف بتحريه ودقته !! المشهور بإنصافه وإصابته – ما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه .
فأسقطوا بهذا التأصيل أهل العلم ولزم منه وصف هؤلاء العلماء بالغفلة والتلقين والضعف، وأسقطوا بذلك أحكامهم ! جرحاً وتعديلاً وشككوا بكل ما يصدر منهم مما ينقله الثقات، على اعتبار أن بطانة الشيخ مجرمة في النقل للشيخ والنقل عنه !).
فالقضية التي يريد أن يعالجها ما تناقله كثير من الناس في هذه الأيام من فهم مغلوط لحديث جليل، مع لزوم هذا الفهم الخاطئ والتنزيل العجيب من الطعن بأئمة أعلام، ..... وذلك بالطعن في خواصهم وإطلاق اللسان في وصفهم بأنهم أهل شرّ وباطل وخسة ! ونحو ذلك من التهم الباطلة العرية عن الدليل المعتبر البعيدة عن صحيح النظر.

فهم مغلوط،يلزم منه الطعن في أئمة أعلام، من خلال الطعن في خاصتهم بتهم باطلة، عارية عن الدليل المعتبر، وهي تهم بعيدة عن صحيح النظر.
وهي إطلاقات لا تكون إلا ممن خبر القضية كلها, فعرف كلام كل طرف، ونظر في أدلة الفريقين، فهل يا ترى وصل كاتب المقال إلى هذه الرتبة؟، أم إنها مجرد دعاوى وإطلاقات؟ أم هو تقليد مجرد؟ والكاتب تصدى للردود، ومعنى ذلك أن له حظ من النظر، فلا ينفعه التقليد المجرد. وعموما لو اكتفى بأن قال: حكم العلماء بكذا وكذا لكان أولى، حتى لا يقع في إشكالات مع إطلاقاته هذه، ولو حصر الأمر في الفهم المغلوط وبيان ما يلزم منه من لوازم باطلة لكان أليق بمقصود المقال، لكنه عني ببيان موقفه من الإشكال الحاصل الذي قضيته في مقاله هذا جزء منهبهذه الإطلاقات، وكأنه حسم الموقف ممليا على القارئ وإن كان له حظ من النظر أن الحق في مقاله هذا فاقرأ وسلم. وتأمل أيها القارئ أنه إلى الآن لم يخبرك بالفهم المغلوط الذي يريد أن يفنده.
ويستمر في بيان دعوى المردود عليهم بمقاله هذا فيذكر تماديهم بأن زعموا أن بطانة الشيخ المذمومة تؤثر عليه بما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه
فهو يستعمل لفظ الزعم منكرا إمكان لتأثير البطانة السيئة على العلماء، وهي دعواه التي ينبغي أن يأتي عليها بالبرهان، فهل سيوفق في ذلك؟
يسوق هذا الكلام عليهم سياق إنكار، فالعالم الذي وصفت بطانته بهذه الأوصاف مشتهر بعلمه وأمانته ودقته وصوابه في أحكامه، ونتيجة الطعن في هذه البطانة إسقاط العالم، ولزم من كلام المردود عليه في مقاله عند صاحب المقال وصف هذا العالم بالغفلة والتلقين والضعف،
وهذا خلاصة الإشكال عنده, مفهوم مغلوط فرّع عليه لوازم ولوازم، فالطعن في بطانة العالم يفضي إلى الطعن في العالم ولزم من ذلك عنده إسقاط العالم بوصفه أنه يلقن، وبوصفه بالضعف، والغفلة، وإسقاط العالم الموصوف بالغفلة والضعف والتلقين إسقاط لأحكامه جرحا وتعديلا.
سلسلة من الإلزامات من صاحب المقال للمردود عليه، نتيجتها اتهام صاحب المقال للمردود عليه بسوء الفهم وسوء القصد، فهو إشكال موهوم متخيل في ذهن صاحب المقال الجيد النافع، وها هو يريد أن يرد على هذا الإشكال الموهوم المتخيل ملصقا إياه بالمردود عليه، وهذه هي البداية، إشكال ليس له وجود إلا في ذهن صاحب المقال جعلها تهمة تلصق بالمردود عليهم بمقاله، فبطل منهج صاحب المقال من أوله، لأنه أساء فهم كلام خصمه فكيف يرد على كلامم ليس لخصمه أصلا؟!


وأول ما يسأل عنه صاحب المقال: هل أنت تتكلم لغة أهل الاصطلاح أم لا؟ فإن كنت تتكلم باصطلاحات أهل العلم، فما تقصد بالتلقين؟ وهل وصف الراوي أو الحافظ أو العالم عند أهل الأثر بالضعف والغفلة والتلقين من المسقطات, بحيث إذا طرأت عليه لا يقبل منه علم هكذا بإطلاق؟ وما الفرق بين التلقين والوشاية؟

ثم أورد صاحب المقال الحديث الذي استغله المردود عليه وأراد أن يفهمه للناس فهما مغلوطا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ}،
وما الفهم المغلوط للحديث يا صاحب المقال؟
قال صاحب المقال:
(بل قالوا إن لهذه البطانة الشريرة – بزعمهم – تأثيراً على أهل العلم، وكأن هذه البطانة تزين لهذا العالم – المشهود بعلميته ! المعروف بتحريه ودقته !! المشهور بإنصافه وإصابته – ما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه .
فأسقطوا بهذا التأصيل أهل العلم ولزم منه وصف هؤلاء العلماء بالغفلة والتلقين والضعف، وأسقطوا بذلك أحكامهم ! جرحاً وتعديلاً وشككوا بكل ما يصدر منهم مما ينقله الثقات، على اعتبار أن بطانة الشيخ مجرمة في النقل للشيخ والنقل عنه !
فقال لهم أهل الحق ذباً عن علماء الحق بحق : في قولكم هذا طعن واضح في أهل العلم ! واستنقاص لهم واستصغار لشأنهم ! وسوء أدب معهم.
فقال أهل الظلم : كيف تقولون لنا ذلك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى » [صحيح البخاري – 7198]
بل قال بعضهم من جهله وعماه ولبئس ما ادعاه : إذا جاز هذا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكيف بمن هم دونهم، أم أن عالمكم فوق منزلة النبي ؟ أم له العصمة ؟
وهذا كله من جهل القائل وسوء فهمه وضحالة فكرة وقلة تدبره ، بل كثير منهم تلمس لديه هذا الفهم المعوج وإن لم يصرح لك به ؛ إلا أنك تشم رائحته في طريقته وفي لحن كلامه مما يشعر بوجوده في مكنونات صدره .
فالقالة هذه هي محل البحث والنظر، واستدلالهم على الوجه المذكور هو المقصد من هذه الكتابة).

وأخيرا, هذا هو المفهوم المغلوط، فالمردود عليه في مقاله يقول بإمكان تأثير البطانة السيئة في العالم، فلما قال له أهل الحق كما قال صاحب المقال إن هذا طعن في العالم استدل المردود عليه بالحديث،
ما وجه استدلال المردود عليه؟
لم يذكر لنا صاحب المقال، ، وإنما أردف ذكر الحديث بحرف الإضراب بل، ومفهوم كلامه أن المردود عليه يستدل على إمكان تأثير البطانة السيئة في العالم بهذا الحديث، بل من المردود عليهم من يقول إذا جاز هذا في حق الأنبياء فكيف بمن هو دونهم؟!

واسم الإشارة هذا يرجع إلى أقرب مذكور وهو إمكان وقوع تأثير البطانة السيئة ولكن، في حكايته هو لكلام خصمه لا في نص كلامهم، ولو أورد نص كلام الخصم عازيا له إلى مصدره لاستراح من كتابة هذا المقال أصلا، فلماذا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بطانة السوء إن لم يكن لها تأثير؟، ولماذا جاء ذكر العصمة بعد ذكر بطانة السوء؟، لمذا غيب الكاتب هذه الجزئية؟، لو تأمل كاتب المقال هذه الجزئية لأراح واستراح، وعلى الأقل لأراح القارئ المنصف من مسألة كاملة فرعها في تقرير حماية جناب الأنبياء من تأثير البطانة لأن عامة المردود عليهم يقرون به ولا ينكرونه، بل هم يقولو بإمكان تأثير بطانة السوء في من هم دون الأنبياء بشهادة الكاتب نفسه, فقال: بل قال بعضهم، فكيف يحكم على عامة خصومه بقول بعضهم ثم لا يسمي هذا القائل؟! بل لا يذكر لك نص كلامه؟! وهذه دعوى بلا برهان، فعليه أن يسمي القائل بإمكان تأثير بطانة السوء على الأنبياء ويذكر لنا نص كلامه لنعرفه ونحذره.
وهذه شهادة أخرى من الكاتب على نفسه بأن عامة المردود عليهم لا يقولون بتأثير البطانة السيئة على الأنبياء لعصمة الله لهم، فيقول:
(ثم بعد هذا التأصيل البيّن الواضح المقرر يأتينا من ينقض غزله ! ويهدم بنيانه ويخالف ما كان يقوله من حق! ويقول : ( من هو مثل النبي صلى الله عليه وسلم معصوم ، حتى يكون أصحابه إذا طعن فيهم كان طعناً فيه ) ، ونسي أنه القائل في يوم من الأيام : ( أرادوا الطعن في أحمد بتلاميذه، وهذا الذي نسمع اليوم: [الشيخ فلان يأتيه البلاء من الذي حوله]، هذا تسفيه لهذا العالم، يعني وصل إلى درجة من الجهل والغباء أن ينطلي عليه الكلام؟
كيف صار الآن مصدراً للجرح والتعديل، وهو يضحك عليه طلابه؟ )
فكان ماذا ؟! وما الذي تغير ؟! وأين الدليل على دعوى تخصيص هذا الأمر بالنبي صلى الله عليه وسلم).
فها هو يسوي بين أصحاب أحمد رحمة الله على الجميع، وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أن الطعن في بطانةة البطانة طعن في صاحب البطانة.

بل انظر إليه كيف يدعي على خصمه في المسألة التي فرعها في تقرير حماية جناب النبوة من تأثير البطانة السيئة فقال:
(يصوّر المتعصب القائل بالبهتان بدون حجة أو برهان، أن أثر الشر من بطانة الشر حتم لازم، فحتى الأنبياء لهم بطانة تفعل فعلها ! فلا يستغرب من وجود مثلها عند من هم دونهم!)
فمن يا ترى ممن يعتد بقولهم قرر أنه حتم لازم حتى في جناب الأنبياء؟! ومن يا ترى الذي أساء الفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
والحاصل أن تأثير البطانة ممتنع عنده على العلماء الربانيين, لأن القول بتأثيرها عليهم يقدح فيهم ويسبب في إسقاط أحكامهم، إضافة إلى أن القول بتأثيرها يلزم منه نسبة هذا العالم إلى أي البطانتين تغلب عليه، والمردود عليه نسب هذا إلى علماء ربانيين بأن بطانة السوء تستغله، فمعنى ذلك لمز هذا العالم بأنه سيئ لاستيلاء بطانة السوء عليه! وهذا إنما وقع فيه بسبب تعميم الأحكام, فمن قال إن بطانة فلان كلهم سيئين؟ ومن ذا يحصر بطانة عالم قضى عمره في خدمة السنة في أشخاص معدودين؟!
ومن هنا انخرمت جودة هذا المقال ببنائه على مقدمات غير صائبة, هي حكاية الخصم لقول خصمه بتصرفه هو، فقوله ما لم يقل، وألزمه ما لا يلزمه شاء أم أبى كما صرح في بعض عباراته، وفرع على هذا وفرع، فلا صح عندك أيها المنصف المفهوم المغلوط عند الخصم وبالتالي كل ما سيبنى عليه فهو باطل واه، وتبقى مسألة صحة القاعدة, طعنك في بطانة العالم طعن فيه.
وبإيجاز هذا المقال والمقال الذي فرع عليه عليهما ملحوظات منها:
--النصوص المقتبسة في بعض منها اجتزاء لما أراد الكاتبان توظيفه لتأدية فكرتهما بدون تمام الفكرة التي أرادها العالم المنقول منه.
--الأدلة والنقولات التي استدلا بها لا تخدم ما أرادا تقريره.
--غياب تحرير موطن النزاع عن الكاتبين جعلتههما يقولان من أرادا الرد عليهم ما لم يقولوه، واتهامهم بما هم منه براء.
ولعل النية كانت الذب عن أهل العلم الكبار ، لكن, سمو الغرض لا يحسن معه الخلل في الطريق التي يراد التوصل به إليها ولو حسنت نية الكاتب،
ثانيا-- ما على المقالين من ملحوظات:
وهاك تفصيل ما تقدم من ملحوظات.
ا—عدم تحرير موطن النزاع:
إن مما ظهر مؤخرا على الساحة القول بأن جرحك لطلاب العالم طعن فيه، والطعن في بطانة العالم طعن فيه، فالبطانة خاصة العالم ودخلاءه وأصحاب سره، فأنت حين تقول ذلك فإنه يكون وسيلة للطعن في العالم، وهذا عين قول الروافض لأنهم توصلوا للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الطعن في أصحابه الكرام, فهم لم يستطيعوا الطعن فيه صلوات ربي وسلامه عليه مباشرة، فقالوا له أصحاب سوء، ولهذا الطعن في بطانةة العالم طعن فيه، والقول بغير هذا قول مشابه لقول الروافض، ويفتح الباب لأهل الأهواء للطعن في أئمة السنة من خلال الطعن في بطانتهم،فكان الإلزام لمن جرح بعض بطانة العالم أنه من جنس أفعال الروافض, لأنه عين صنيعهم مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال الطرف الآخر: بل ليس هذا مسلما لكم، وذلك بالنص، وبكلام العلماء خلفا عن سلف، وهو فعلهم أيضا. فأما النص فحديث البطانة الذي رواه البخاري وغيره وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله».
فأما الأنبياء فمعصومون من تلك البطانة السييئة، فمن يثبت لغيرهم العصمة.
قالوا: وهناك شواهد من قصص للسلف في هذا، ومنها ما رواه الذهبي رحمه الله في السير في ترجمة الإمام ابن خزيمة فقال:
قال الحاكم : حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- ، قال : لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا ، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي ، وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان ، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني الصبغي - خليفة ابن خزيمة في الفتوى ، وأحسن الجماعة تصنيفا ، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين ، وأبي بكر بن أبي عثمان ، وهو آدبهم ، وأكثرهم جمعا للعلوم ، وأكثرهم رحلة ، وشيخ المطوعة والمجاهدين ، وأبي محمد يحيى بن منصور ، وكان من أكابر البيوتات ، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء .
قال : فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور ، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه ، وهو معتزلي ، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم ، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا : هذا إمام لا يسرع في الكلام ، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه ، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري ، فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة . ا.ه رحمه الله.

فهذا ابن خزيمةة رحمه الله على جلالته في العلم دخل في بطانته من كان من الكلابية.

وقال الذهبي أيضا:
فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال : لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم ، وجرى ذكر كلام الله : أقديم هو لم يزل ، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به ؟ فوقع بيننا في ذلك خوض ، قال جماعة منا : كلام البارئ قديم لم يزل .
وقال جماعة : كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه . فبكرت إلى أبي علي الثقفي ، وأخبرته بما جرى ، فقال : من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث . وانتشرت هذه المسألة في البلد ، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة ، وأخبروه بذلك حتى قال منصور : ألم أقل للشيخ : إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية ؟ وهذا مذهبهم . قال : فجمع ابن خزيمة أصحابه ، وقال : ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام ؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم. ا.ه رحمه الله

فانظر إلى صنيع من دخل في بطانة ابن خزيمة رحمه الله رمى ببدعته خصومه الذين هم من أهل السنة الخلص.

ثم قال الذهبي رحمه الله:
قال الحاكم : وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال : لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه ، وكان أبو بكر بن إسحاقوأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه ، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي ، فيقرءون ذلك على الملأ ، حتى استحكمت الوحشة . ا.ه رحمه الله.

فانظر ماذا صنع من كان من بطانة السوء مذا صنع؟ اتهم غيره من جلساء الشيخ ببدعته التي هو متلبس بها ويخفيها عن الشيخ.

بل بلغ من تأثير البطانة أن ابن خزيمة رحمه الله وصف تلاميذهالأئمة الثقات بأنهم كذبة وكلابية، فقال الذهبي أيضا:
سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ ، سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، ومن قال : شيء منه مخلوق . أو يقول : إن القرآن محدث ، فهو جهمي ، ومن نظر في كتبي ، بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي ، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي ، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي ، والصبغي ، ويحيى بن منصور - كذبة ، قد كذبوا علي في حياتي ، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني ، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي ، وأقولهم علي ما لم أقله . ا.ه رحمه الله.

فرد الذهبي رحمه الله قائلا:
قلت : ما هؤلاء بكذبة ; بل أئمة أثبات ، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم . فقبح الله من ينقل البهتان ، ومن يمشي بالنميمة . ا.ه رحمه الله.

بل حتى بعد الصلح قد تسعى بطانة السوء في فساد الحال بين العالم وبين من من كان من أصفيائه، وهذا تمام النقل من السير، قال الذهبي رحمه الله:
قال الحاكم : سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : لما وقع من أمرنا ما وقع ، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم ، واغتنم أبو القاسم ، وأبو بكر بن علي ، والبردعي السعي في فساد الحال ، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة ، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم ، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال ، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده ، فدخلت أنا ، وأبو علي ، وأبو بكر بن أبي عثمان ، فقال له أبو علي الثقفي : ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه ؟ قال : ميلكم إلى مذهب الكلابية ، فقد كان أحمد بن حنبلمن أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره . حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب ، فقلت : قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق ، فأخرجت إليه الطبق ، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه ، ثم قال : لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به . فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه ، فكتب آخر تلك الأحرف ، فقلت لأبي عمرو الحيري : احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام ، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه . ثم تفرقنا ، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا : إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط ، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال .
فقبل منهم ، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه ، فامتنع عليه أبو عمرو ، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة ، وقد أوصيت أن يدفن معي ، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه. ا.ه رحمه الله.

فانظر كيف تسربت الشحناء بين العالم السني السلفي وبين تلامذته حتى وصل الأمر إلى المحاجة بين يدي الله، ومات العالم السني رحمه الله وهو يثق في تلك البطانة.
لا يقال, واقعة عين قل نظيرها، بل لعله لو تتبعت السير لوجد غيرها، والله أعلم، وقد كنت أستفدتها من مقال قرأته لأخ سلفي، وها هي مسوقة لك بأكثرها أيها القارئ من السير، ويكفي أنها شاهد واقعي للحديث النبوي.
ومن كلام المعاصرين ما هو مشتهر عن عالمين كبيرين من أهل السنة, الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله، والشيخ عبيد الجابري حفظه الله.
قال الشيخ الجامي رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله في مقدمة شرحه على قرة عيون الموحدين:
امْتُحِنَ - كما يعلم الجميع- الإمَامُ أَحْمَدُ -رحمه الله- عندما تأثّر الخليفةُ السابعُ من خلفاءِ بني العبّاس ، وهو منْ أعْقلِ الخلفاءِ وأنْبَلِهِمْ كما قال المُؤرّخونَ ولكن مع ذلكَ أثّرت فيهِ بِطَانَةُ السُوءِ، وهذه نقطةٌ مهمةٌ ينْبَغِي أنْ يَنْتَبِهَ لَهَا العَاقِلُ؛ الإنسانُ مهما يكُون عَالماً وعَاقلاً ولبيباً البطانةُ تؤثِّر فِيهِ لأنّه يثقُ في البِطَانَةِ ، يجعَلُ فيهم الثّقة، فتؤثّر؛ كانت بِطَانَتُهُ المُعْتَزِلَةُ - أتباع وَاصِل بنِ عَطَاءمازالوا بِهِ يُوَسْوِسُونَ إليهِ إلى أنْ أقْنَعُوهُ بالقوْلِ بخلْقِ القُرآنِ وبنَفْي صِفاتِ اللهِ تَعَالى، بدَعْوى أنَّ إثْباتَ الصفاتِ - إذا أثْبتْنَا للهِ صفاتٍ كثيرةٍ أثْبتنَا قُدماءَ - قالُوا نحنُ لا نُؤْمنُ إلّا بقديمٍ وَاحدٍ وهُو اللهُ، وأوْهَمُوهُ بأنَّ إثباتَ الصفاتِ يؤدّي إلى إثْباتِ قدماءَ مع اللهِ. قديمٌ مع الله، القدْرةُ قديمةٌ والإرادةُ قديمةٌ والعلْمُ قديمٌ والسمْعُ قديمٌ ... كمْ قديم؟ بلا حساب. تأثّرَ الرجلُ وزيّنُوا لهُ أكثرَ فأكثرَ، قالوا لهُ لوْ قلتَ هذه الصفات ليْست قديمةً حادثةٌ جعلتَ اللهَ محلاًّ للحوادثِ ووقعتَ في ورْطةٍ؛ إذا ما السلامةُ وما التنْزيهُ؟ أنْ تنفيَ هذه الصفاتِ كلُّها، نؤْمنُ بقديمٍ لا يتّصفُ بأية صفة. ا.ه رحمه الله.

وفي هذا الصدد تصب فتوى الشيخ عبيد حفظه الله، أن العالم يطرأ عليه ما يطرأ على البشر, ينسى، يذهل.

فقال أصحاب طعنك في بطانة العالم طعن فيه:
إن الطعن في خاصة الرجل اتهام له بأنه اتخذ أصحاب سوء، وإذا قيلت هذه الكلمة في عالم رباني فهي تهمة له بأمور منها: الخرف، عدم تقدير الأمور، سقوط أهليته، أنه لا يعرف أصحابه، وهذا إن لم تقولوه صراحة فما يدرينا أنه مستخف في السطور، ومستور في الصدور؟ وهذا يقوله عامة أهل الأهواء في أئمة السنة اليوم.

قال المنازعون لهم: فرعتم على كلامنا لوازم، وأخذتمونا بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم والصحابة رضوان الله عليهم عدول، والفرق واضح بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وبين من هو دونهم.


فأنت ترى أيها القارئ المنصف إصرار من يرى بهذه القاعدة على تعميم الحكم باستصحاب العلة في الموقفين، موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وموقف البطانة مع من هم دون النبي صلى الله عليه وسلم, لكي تطرد القاعدة، فالمؤتسي بالأسوة يسير على نهجه، والعلماء ورثة الأنبياء، يستنون بسنتهم، ويهتدون بهديهم، فما دام اتهام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء طعن في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه اتخذ أصحاب سوء، فكذلك الطعن في بطانة العلماء الربانيين طعن فيهم بأنهم اتخذوا أصحاب سوء، وكيف يقع النبي صلى الله عليه وسلم فيما نهاه الله عنه من اتخاذ البطانة السيئة، فهذا القول فيه بهتان عظيم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قولكم في العالم السني السلفي كيف يتخذ لنفسه بطانة سيئة؟
وهذا الكلام لا يصدر إلا عمن لم يفهم الفرق بين وجود البطانة السيئة بالقرب من العالم وبين الاتخاذ للبطانة السيئة، وفي هذا جلاء الإشكال، وبيانه في ذكر أدلة أصحاب هذه القاعدة.
فهو قياس مع الفارق.


ب-- عدم صحة المقدمات يؤدي إلى بطلان النتاءج: وتفرع عن عدم التفريق بطلان القاعدة, فإن اتخاذ أصحاب سوء تدل عليه قرائن الحال للناظر، ولذا يثرب على صاحبه، أما وجود البطانة السيئة مع حرص أصحابها على خفاء الحال فهذا الذي لا يذم صاحبه حين يخفى عليه الحال، وقد أثنى الذهبي وغيره من الأئمة على ابن خزيمة رحمة الله عليهم جميعا مع وقوع القصة المتقدمة معه لخفاء حال بطانة السوء عليه رحمه الله.

ج-- الأخذ بلازم الكلام غير الملزم:
قال صاحب المقال في أواخر مقاله:
(فانظر إلى سوء صنيع القوم ! وكيف قد بالغوا جداً بالتهويل والمجازفة في تقبيح صورة بطانة العلماء وخواصهم المصاحبين لهم، فأوقعهم غلوهم هذا في الطعن بأهل العلم وعيبهم شاءوا أم أبوا).

فهم ألزموا من طعن في بعض بطانة العالم أنه بذا يطعن في العالم نفسه، بل زاد صاحب المقال عبارة, (شاءوا أم أبوا)، فأي إنصاف وأي فهم للدليل، وأي قواعد للسلف جرى عليها مثل هذا المقال الجيد النافع؟! قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج29، »فصل استأجر الأرض التي فيها شجر أو مساكن:
وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان : أحدهما : لازم قوله الحق ، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ; فإن لازم الحق حق ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره ، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة : من هذا الباب .
والثاني : لازم قوله الذي ليس بحق . فهذا لا يجب التزامه ; إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض . وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين . ثم إن عرف من حاله : أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه ; وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه ; لكونه قد قال ما يلزمه وهو لا يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه .
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب : هل هو مذهب أو ليس بمذهب ؟ هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله ، وما لا يرضاه فليس قوله . وإن كان متناقضا . وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع ملزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه . فإذا عرف هذا عرف الفرق بين الواجب من المقالات والواقع منها . وهذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها .
فأما إذا نفى هو اللزوم لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال ; وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ; لكونه ملتزما لرسالته فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول ; وإن كان لازما له : ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه واللازم الذي نفاه . ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه قد يكون عن اجتهادين في وقتين .
وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما : - أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله وإن لم يكن مطابقا ; لكن اعتقادا ليس بيقيني كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط أو باتباع الظاهر ، فيعتقد ما دل عليه ذلك وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا . فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد وإن كان قد يكون غير مطابق وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط .
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة : عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا ; بخلاف أصحاب الأهواء . فإنهم { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض مع عدم العلم بجزمه ، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطنا ولا ظاهرا . ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به ، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه فكانوا ظالمين شبيها بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيها بالضالين. ا.ه رحمه الله.


ولخص ذلك الكلام الشيخ فركوس حفظه الله في فتوى له فقال:
فالذي عليه أهلُ التحقيقِ أنّ لازمَ المذهبِ إن صرَّح به صاحبُهُ، أو أشار إليه، أو التزمه أو عُلم من حاله أنّه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره؛ فهو مذهبٌ له.
فإن كان لازمُ قوله حقا، فإنّه يضاف إليه؛ لأنّ لازمَ الحقِّ حقٌّ، وكذلك لازمُ الباطل باطلٌ؛ ذلك لأنّ لوازمَ الأقوالِ من جُملة الأدلّة في الحكم على صحّتها أو فسادها، حيث يُستَدَلُّ بصحّة اللازم على صحّة الملزوم، وبفساد اللازم على فساد الملزوم. لذلك كان اللاّزم من قول الله تعالى وقولِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يثبت ويحكم به؛ لأنّ كلامَ الله ورسولِه حقٌّ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ؛ ولأنّ الله تعالى عالِمٌ بما يكون لازمًا من كلامه وكلامِ رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فيكون مرادًا.
أمّا إذا كان لازمُ قولِه الذي لم يصرّح به، أو لم يُشِرْ إليه، ولم يلتزمه، أو سكت عنه، ولم يذكره بالتزام ولا منعٍ، أو صرّح بمنع التلازم بينه وبين قوله. فالصحيح أنّ نسبة القول إليه تقويلٌ له ما لم يقل، ولا يُلزَم بما لم يَلْتَزِمه، ولا يؤاخذ به، إذ «لاَ يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ»؛ لأنّه قد يصدر منه ما يلزمه، وهو ذاهلٌ عن فساد اللاّزم، ولو كان قريبًا، لقصور علم المخلوق وعدم عصمته.
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-758

فهذه أحوال لازم المذهب كما فصلها شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا الفرق بين المجتهد وأهل الأهواء، فكيف تأخذون من جرح بعض بطاانة العالم أنه طعن في العالم وتلزمون به خصمكم وقد نص صراحة على أنه لا يلتزم هذا المذهب؟!
فإن كانت قاعدة إلزام الخصم بلازم كلامه الذي لم يلتزمه من المستحدث عند هؤلاء فليعلموا أنه يمكن أن يتجاوز أهل الأهواء الحد بهذه القاعدة تقويل القائل ما لم يقل إلى التكفير بالمآل، وقد أنكر هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله, فإن القائل قد يجهل بعض ما يؤول إليه كلامه فلا يؤاخذ به، بل يستدل به على فساد القول.
فإن كنتم تريدون التوصل إلى توقير الأكابر بسد الذرائع للطعن فيه بسد باب الطعن في بطانته بإطلاق حتى تنقطع حجة أهل الأهواء فإنكم فتحتم لهم بابا آخر على مصراعيه وهو إلزام الخصم بلازم قوله وإن لم يلتزمه، وسيكون رد التكفيري عليك حين تنكر عليه التكفير بدون وجود الشروط وانتفاء الموانع أنكم تلتزمون هذا المسلك, وهو الأخذ بلازم القول.
فعلى من يتصدى لتبني الجواب على هذا السؤال: هل طعنك في بطانة العالم طعن فيه؟ أن يفرق بين ثلاثة أمور:
--اتخاذ بطانة سوء، ويدخل فيه الجلوس مع أهل البدع للمءانسة.
--وجود بطانة السوء، وهذا يكون بالدس والتلبيس، والتخفي.
--التأثر بتلك البطانة، ولا يعصم من هذا إلا علام الغيوب.

ثالثا-- أدلة من قال طعنك في بطانة العالم طعن فيه:
استدل مقررو هذه القاعدة بأدلة، منها: أدلة ذم المصاحب لمصاحبته لصاحب السوء، واستشهدوا بكلام أئمة من السلف في تقرير ذلك، وجعلوها أدلة على أن الطعن في بطانة العالم طعن فيه، فكيف تقولون على عالم سلفي سني أنه يتخذ أصحاب سوء؟
وهاك ما ذكره صاحب المقال من ذلك حيث ذكر ما نصه:
(فهل الطعن في خاصة المرء يكون طعناً فيه ؟

من المعلوم الذي لا مرية فيه أن الصاحب بصاحبه وأن المرء بخدنه:
قال صلى الله عليه وسلم : { المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل } [الصحيحة : 927]
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : [ إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله ] وقال : [ اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن الرجل لا يخادن إلا من يعجبه ]
وقال قتادة رحمه الله : [ إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله ]
وقال شعبة بن الحجاج : [ وجدت مكتوباً عندي : إنما يصاحب الرجل من يحب ]).

فهذه النصوص والآثار إنما تنسجم مع الاتخاذ, ففيها النهي عن اتخاذ صحبة السوء، وأن هذا يغضي من شأن الرجل، ويزيد على شينه به بأن يضر بدنياه وأخراه، وهو الذي صرح به قول الله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} الآية، وهي عامة في كل من يشملهم القيد, {من دونكم لا يألونكم خبالا}، وهذا ما نص عليه الحديث صراحة, {فلينظر أحدكم من يخالل}، وهذه العبارة تزيد فائدتها على مجرد الاستدلال على القرين بقرينه.
وهذا فهم السلف منها, فقد أخرج أبو داود الحديث في كتاب الأدب، وترجم له بقوله: (باب من يؤمر أن يجالس)، قال صاحب عون المعبود:
الرجل ) : يعني الإنسان ( على دين خليله ) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ( فلينظر ) : أي يتأمل ويتدبر ( من يخالل ) : فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة. ا.ه رحمه الله.

وللتنبيه فهو حكم أغلبي، قال صاحب مرقاة المفاتيح:
5019 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرء على دين خليله ) أي : غالبا ، والخلة الحقيقية لا تتصور إلا في الموافقة الدينية ، أو الخلة الظاهرة قد تفضي إلى حصول ما غلب على خليله من الخصلة الدينية ، ويؤيده قوله : ( فلينظر أحدكم من يخالل ) : قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. ا.ه رحمه الله.

وما دام أنه حكم أغلبي فهو ليس مطرد، وإذ إنه ليس بمطرد فهذا يؤكد أنه لا يلزم من الطعن في بعض بطانة الأخيار طعن في العلماء الأخيار، فليبحث القوم عن دليل غيره، فإن قالوا: القواعد أغلبية، ولكل حكم استثناء بطل إلزامكم من أساسه.
وعلى هذا المحمل تحمل النصوص التي يقتبسونها من الشيخ العثيمين وفيها أن الطعن في الصاحب طعن في المصاحب, لأنه اتخذ لنفسه أصحاب سوء، هذا ما كان من نصوص وآثار استدل بها صاحب المقال، فهي نقولات لا تصلح دليلا له، ففيها استحقاق الذم من جهة اتخاذ صحبة السوء.
وها هو يستطرد في نقل الآثار والوقائع وكلام أهل العلم مستدلا بها فيقول:
(جاء في سير أعلام النبلاء [13/ 174] : قيل لعبد الوهاب الوراق: إن تكلم أحد في أبي طالب، والمروذي، أما البعد منه أفضل؟
قال: نعم، من تكلم في أصحاب أحمد فاتهمه ثم اتهمه، فإن له خبئة سوء، وإنما يريد أحمد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
( إذا مات مقيما على صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مزنون بنفاق فأذاه أذى مصحوبه قال عبد الله بن مسعود: "اعتبروا الناس بأخدانهم" وقالوا:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال مالك رضي الله عنه: "إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحا كان أصحابه صالحين أو كما قال: وذلك أنه ما منهم رجل إلا كان ينصر الله ورسوله ويذب عن رسول الله بنفسه وماله ويعينه على إظهار دين الله وإعلاء كلمة الله وتبليغ رسالات الله وقت الحاجة وهو حينئذ لم يستقر أمره ولم تنتشر دعوته ولم تطمئن قلوب أكثر الناس بدينه ومعلوم أن رجلا لو عمل به بعض الناس نحو هذا ثم آذاه أحد لغضب له صاحبه وعد ذلك أذى له ) [ الصارم المسلول 580 ]
فانظر إلى فقه شيخ الإسلام رحمه الله وانظر إلى عبارته وما فيها من وفاء وخلق رفيع
ومثله ما جاء عن عبد الله بن مصعب بن ثابت ، قال: قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر، ما تقول فيمن يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: زنادقة.
قال: ما سمعت أحدا قال هذا قبلك؟ قال: قلت: هم قوم أرادوا رسول الله بنقص، فلم يجدوا أحدا من الأمة يتابعهم على ذلك، فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، وهؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم تصحبه صحابة السوء، وما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء. فقال: ما أراه إلا كما قلت. [ تاريخ بغداد : 10/174]
فمصاحبة أهل السوء والركون إليهم، خيبة وفشل يستحق صاحبه الطعن والتوبيخ
والآن يأتي الظالم يرمي خواص العلماء بالشر والسوء والخسة وغير ذلك من أوصاف الباطل، ثم يأتي العالم يدافع عن بطانته وأصحابه ويرد الظلم عنهم، فكيف يستقيم بعد هذا أن يقال أن الطعن فيهم لا يعد طعناً فيه ؟!
أما سمع هذا القائل قول الثوري رحمه الله ؟ فقد قال يحيى بن سعيد القطان لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس سأل أي شيء مذهبه ؟ قالوا ما مذهبه إلا السنة قال من بطانته ، قالوا أهل القدر قال هو قدري ) [الإبانة / 421]
بل إن الطعن في بطانة العالم قد يكون أول خطوات الطعن فيه :
روى الطبري في تاريخه [4/365] : عن عامر بن سعد، قال:
[ كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ جبله ابن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في نَدِيِّ قومه، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلما مر عثمان سلم، فرد القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا! قال: ثم أقبل على عثمان، فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه ، قال عثمان: أي بطانة! فو الله إني لأتخير الناس...
قال: فانصرف عثمان، فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم ]
قلت : فما أشبه اليوم بالبارحة ! وهذا أول الطعن على العلماء، وهذا أول الاجتراء عليهم .

ومن نصوص العلماء التي تؤكد هذا الأمر وتشهد له :
• قال الإمام السجزي رحمه الله عند ذكره لأحد الأشاعرة من رسالته لأهل زبيد [232] :
( وكلما ذُكر بين يديه شيخ من شيوخ الحنابلة وقع فيه، وقال: أحمد نبيل لكنه بُلي بمن يكذب. وهذا مكر منه لا يحيق إلا به، ولو جاز أن يقال: إن أصحاب أحمد كذبوا عليه في الظاهر من مذهبه، والمنصوص له لساغ أن يقال إن أصحاب مالك والشافعي وغيرهما كذبوا عليهم فيما نقلوا عنهم، وهذا لا يقوله إلا جاهل رقيق الدين قليل الحياء )

• وقال العلامة المعلمي رحمه الله عن طريقة الكوثري :
( يتتبع أصحاب الإمام أحمد طاعناً في اعتقادهم يُسِرُّ حَسْواً في ارتغاء، يقصد الطعن في الإمام أحمد ) التنكيل من مجموعة آثار المعلمي رحمه الله [11/335]

• قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى [شرح رياض الصالحين 3/246] :
(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)) يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخلق؛ على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإن صاحب سواهم؛ صار مثلهم )

• وقال فيه أيضاً في [2/311] : (القرين على دين قرينه، وكل إنسان يعاب بقرينه إذا
كان قرينه سيئاً؛ يقال: فلان ليس فيه خير؛ لأن قرناءه فلان وفلان وفلانٌ من أهل الشر. فالطعن في الأصحاب طعن بالمصاحب )
• وقال كذلك في القول المفيد [2/275] : ( المرء على دين خليله، والإنسان يُستدل على
صلاحه أو فساده أو سوء أخلاقه، أو صلاحها بالقرين ))

فها أنت ترى أيها القارئ تصريحه بما ذكر لك في أول هذه الأسطر من استعماله للقياس مع الفارق, فيتجاهل الفرق بين مسألة الطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين الطعن في بعض بطانة العالم، وينص صراحة على أنه لا يوجد دليل على التخصيص، فشتان ما بين مقام العصمة ومقام الاجتهاد، وشتان ما بين من عدلهم الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات وهو عالم الغيب والشهادة وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين من يزكيهم العالم الرباني الذي يزكي على ما يظهر له من أحوال، وشتان بين عدالة مستندة على توقيف واعتقادها قربة إلى الله عز وجل، واعتقادها علامة فارقة بين السنة والبدعة، وبين الإيمان والنفاق، وبين عدالة مستندة على الاجتهاد، وهل الطاعن في بطانة أي عالم ولو بالهوى يعتبر رافضيا؟! بل هل يدخل صاحبه في البدعة هكذا بإطلاق؟! وأين يندرج كلام الأقران بعضهم في بعض مع دعوى العموم هذه وقد يكون بين عالمين بالكلام الصريح لا بالطعن في بطانة أحدهما؟! فيا نفس اقطعي رجاءك من وقفات طيبة بعد هذا.
ومع دعوى العموم هذه نقض صاحب المقال قسما من أدلته، فما كان بخصوص الصحابة ليس فيه دليل له.
فماذا بخصوص الكلام في أصحاب أحمد والقول بأن من تكلم فيهم فإنما يريد أحمد رحمة الله عليهم جميعا؟
أما أثر الوراق المنقول من سير أعلام النبلاء فليس فيه إشكال، ولا يمت للمسألة بصلة إلا عند من لم يتدبره، فمن المتكلم أو الطاعن المسؤول عنه، هل هو عالم سني سلفي أمضى عمره في الذب عن السنة؟، أم كانوا مبتدعة؟، أم مجاهيل لا يعلم حالهم جعل كلامهم في أصحاب أحمد علامة على معتقدهم؟
والمستحضر للبيئة التي خرج فيها هذا الكلام يعلم أن العلماء عندهم أن أصحاب أحمد المذكورين أئمة أعلام، والخصومة شديدة بينهم وبين أهل البدع، فلا ينبغي نزع النص عن واقعه.
ولو فرض جدلا أن عالما سنيا تكلم بجرح مفسر في أحدهم وبين ذلك للوراق رحمه الله فهل سيستعمل الوراق رحمه الله الأصول السلفية المقررة فيقبل جرح الجارح بدليله؟، أم سيقول لهذا المتكلم بعلم إنه طعن في أحمد رحمه الله بالطعن في أحد أصحابه؟
وأما أثر الربيع بن صبيح فهو أبعد من الأول,, فإنه في مجالسة أهل الأهواء.

وتبين من كل ما تقدم:
*عموم وجود البطانتين في حق الأنبياء ومنن دونهم, سئل الشيخ ابن باز السؤال التالي:
هل كانت للرسول ﷺ بطانةٌ تأمره بالسُّوء؟
فأجاب رحمه الله:
ظاهر الحديث العموم، وأنه يُبتلى الأنبياء وغيرهم، لكن الله يعصمهم ويكفيهم: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[المائدة:67]، فقد يُبتلون ويكفيهم الله.
https://binbaz.org.sa/fatwas/22416/%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%87-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%A1

رابعا-- لماذا ليس في الحديث حجة للمردود عليه؟:
قال صاحب المقال:
(قلنا لهم أنتم تطعنون في أهل العلم بكلامكم السيء السابق، فأوردوا هذا الحديث يحسبون أن فيه حجة لهم، بل الذي فيه عارهم وشنارهم وتأكيد طعنهم في أهل العلم، وهاك بيان ذلك:

جاء في روايات هذا الحديث الشريف ، قوله صلى الله عليه وسلم : « ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما » [ انظر السلسلة الصحيحة برقم 2270]
ومحل الشاهد في آخر الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وهو من التي تغلب عليه منهما )

قال الحافظ في الفتح [13/191] :
( من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما وهذا اللائق بالنبي، ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظة العصمة .
وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا .
وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر) ا.هـ
ففي هذا الحديث بيان لأقسام الناس مع هذه البطانة :
فمنهم من يقبل من بطانة الخير دائماً ، ومنهم من يقبل من بطانة الشر دائماً
ومنهم من يقبل من هذه تارة ، ومن تلك تارة أخرى ، فإما أن يتساوى أخذه وإما أن تغلب إحدى الطائفتين عليه، فهو ملحق بالطائفة الغالبة عليه، إن غلب عليه قبول الخير من أهل الخير فهو منهم ، وإن غلب عليه قبول الشر من أهل الشر فهو منهم.
الآن وقد اتضح لك أقسام الناس مع هاتين البطانتين، انظر في أي قسم وضع المشغبة العلماء ! ومن حالهم تعرف جوابهم :
فإنهم الآن لا يقبلون أحكام العلماء المأمونين المشهود لهم بالعدل والإصابة بحجة أنها أحكام خارجة تحت تأثير بطانة الشر! أو أحكام نقلتها لنا بطانة الشر، فأسقطوا كلام العلماء وردوه بكل برود وجفاء، وما عادت في قلوبهم أية قيمة لكلام أهل العلم بحجة بطانة الشر! فمن أي الأقسام جعلتم العلماء ؟! الجواب بيّن واضح من القسم الذي غلب عليه بطانة السوء والشر بزعمهم .
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي [7/159] :
( فَإِن غلبت عَلَيْهِ بطانة الْخَيْر يكون خيرا وان غلبت عَلَيْهِ بطانة السوء يكون سَيِّئًا ]

قال الشيخ محمد بن علي الأثيوبي في ذخيرة العقبى [32/315] :
( (وَهُوَ) أي ذلك الوالي الذي له بطانتان موصوفتان بالوصفين المذكورين (مِن) الطائفة (الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) يعني أنه منْ جنس الطائفة التي تغلب عليه، فإن غلبت عليه بطانة الخير، فهو منْ أهل الخير، وإن غلبت عليه بطانة الشرّ، فهو منْ أهل الشرّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان) .
وقال فيه أيضاً [32/317] :
[ إن كَانَ الأغْلب عَلَيْهِ القبُول منْ أحَدهمَا، فهُو مُلحق بِهِ، إن خيرًا فَخَير، وإِن شرًّا فَشَرّ ]
وقال فيه أيضاً [32/320] :
( الإِمام له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ، وتحضّه عليه، فينبغي له أن يكون عَلَى حَذَر فِي أموره، حتى لا يوافق بطانة السوء، فيقع فِي السوء، ويكون منْ حزبه )
فانظر إلى سوء صنيع القوم ! وكيف قد بالغوا جداً بالتهويل والمجازفة في تقبيح صورة بطانة العلماء وخواصهم المصاحبين لهم، فأوقعهم غلوهم هذا في الطعن بأهل العلم وعيبهم شاءوا أم أبوا، فانظر نظر المتأني إلى الحديث الشريف؛ ماذا تجد فيه ؟ ألا تجد أن النبي e أخبر بوجود بطانتين الأولى أهل خير والثانية أهل شر، وكل بطانة تأمر بما تأمر به، والموفق يقرب أهل الخير ويباعد أهل الشر، ولكن انظر إلى صنيع القوم ! كأنهم يقولون لا بطانة حول العالم إلا أهل الشر ! والعالم أذن لهم ! ثم بعد هذا يقولون لا نطعن بالعلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون .).

لا شك أيها القارئ المنصف أن كلامم المعصوم يحمل مطلقه على مقيده، ومجمله على مفصله، وروايات الحديث يفسر بعضها بعضا، لكن، هل غيرت رواية تبيين مراتب الإمام مع البطانة من معنى الحديث الذي أكثر رواياته منتهية ببيان أن المعصوم من عصم الله؟! وهل كان الحديث في معظم رواياته مبهما يحتاج إلى هذه الزيادة؟ وهل معنى هذه الرواية ثبوت الذم للإمام وإن لم يعلم بسوء حال بعض بطانته؟، أم هو كلام سيق للتحذير؟، أم هل الرواية مسوقة للإخبار عن سوء ذلك القابل من بطانة السوء مع علمه بهم؟ وهل يلزم من وصف عالم بأنه تأثر في موقف ما ببطانة السوء كونهاا غالبة عليه ومن ثم استحق الذم بذلك؟
قصة الحافظ ابن خزيمة وتعامل العلماء معها خير شاهد على فهم السلف مع النصوص، النصوص التي نقلها صاحب المقال خير رد عليه, وقد أشار الحافظ ابن حجر في النص الذي نقله عنه صاحب المقال، وفيه:
وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا . ا.ه رحمه الله.
ففي عبارة ولا سيما إذا كان كافرا إشارة إلى سوء هذا الذي غلبت عليه بطانة السوء، وبسبب ذلك قبل قولهم.
وقال الحافظ أيضا:
وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر) ا.هـ

فمن أين لصاحب المقال إلزام المردود عليه بأنه نسب إلى العلماء أنهم من القسم الذي غلبت عليه بطانة السوء؟ وأين نص كلامهم في هذا؟ وهكذا يسير مع الإلزام بما لا يلزم، وتقويل المردود عليه ما لم يقل من أول مقاله إلى آخره، وها هو يصرح بأنه ليس لديه نص كلامه في هذا فيقول:
(الآن وقد اتضح لك أقسام الناس مع هاتين البطانتين، انظر في أي قسم وضع المشغبة العلماء ! ومن حالهم تعرف جوابهم :)
وقال أيضا:
(فمن أي الأقسام جعلتم العلماء ؟! الجواب بيّن واضح من القسم الذي غلب عليه بطانة السوء والشر بزعمهم .)
فهل رد خصومك يا صاحب المقال أحكام العلماء كلها؟

وها هو مرة ثالثة يقر بأنه ليس عنده نص ثابت من كلام خصومه يؤيد ما ادعاه فيقول:
(كأنهم يقولون لا بطانة حول العالم إلا أهل الشر ! والعالم أذن لهم ! ثم بعد هذا يقولون لا نطعن بالعلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون .)
وهذا تفسير الشيخ الإثيوبي للرواية كما ذكرته يا صاحب المقال حيث يقول:
( الإِمام له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ، وتحضّه عليه، فينبغي له أن يكون عَلَى حَذَر فِي أموره، حتى لا يوافق بطانة السوء، فيقع فِي السوء، ويكون منْ حزبه )
ويتبين لك أيها القارئ المنصف ما يلي:
*وجود بطانة السوء لا يلزم منه ذم صاحبها إلا إن كان اتخذهم اتخاذا وهو يعلم حالهم ولم تدع مصلحة إلى مداراتهم، وفرق بين وجود البطانة وبين اتخاذ البطانة.
*فرق بين الطعن للتنقص أو كان للوقيعة في أهل الأثر وبين ما سيق من الكلام نصحا للمسلمين، وفرق بين أن يكون الكلام من عالم سني سلفي وبين أن يكون من مبتدع، وفرق بين ما كان لحظ النفس، وبين ما كان مبنيا على الدليل.
*الجمع بين مسألتي لزوم الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم من الطعن في صحابته، وبين لزوم الطعن في العالم من خلال الطعن في بطانته، جمع بين مختلفين، ومن زعم غير هذا لزم
من كلامه رفع العلماء إلى منزلة الأنبياء.
ثم بعد هذا فرع الثاني مقاله, المصعفقة مطية لروافض، فغرب وشرق حول هذا المفهوم, أنه لا دليل على تخصيص الأنبياء دون العلماء، ونقل كلام الروافض، وقرن بينهم وبين إخوانه، وهذه خاتمة اللوازم التي بدأت في المقال الجيد النافع ذي الوقفات الطيبة والنقولات النافعة، فهل أصاب د. عرفات المحمدي يا ترى في هذه الأوصاف؟

الخميس، 19 يوليو 2018

#تأملات: الفرق بين قول الله تعالى: عن العسل: {فيه شفاء} وقوله تعالىعن القرآن : {وننزل من القرآن ما هو شفاء} الآية.

#تأملات: الفرق بين قول الله تعالى: عن العسل: {فيه شفاء} وقوله تعالىعن القرآن : {وننزل من القرآن ما هو شفاء} الآية. قال ابن كثير في تفسير آية النحل: وقوله : ( فيه شفاء للناس ) أي : في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم . قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه : " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء ، ولكن قال ( فيه شفاء للناس ) أي : يصلح لكل أحد من أدواء باردة ، فإنه حار ، والشيء يداوى بضده . ا.ه رحمه الله. وأما عن آية الإسراء، فقال الشيخ الشنققيطي رحمه الله في أضواء البيان: وقوله في هذه الآية : ما هو شفاء [ 17 \ 82 ] يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه ; كالشك والنفاق وغير ذلك ، وكونه شفاء للأجسام إذا رقي عليها به ، كما تدل له قصة الذي رقى الرجل اللديغ بالفاتحة ، وهي صحيحة مشهورة ، وقرأ أبو عمرو وننزل بإسكان النون وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ، والعلم عند الله تعالى . ا.ه رحمه الله. فعبارة القرآن عن العسل بتقديم الجار والمجرور المتعلقان بمحذوف خبر، والمبتدأ شفاء نكرة. وعبارة القرآن عن القرآن جاءت بذكر ضمير الشأن وجاءت لفظة شفاء خبرا. وهذا يبين أن القرآن كله شفاء، فمنه ماا هو شفاء للبدن ومنه ما هو شفاء لأمراض القلوب. وكلام الأطباء الذي ذكره ابن كثير له وجه من اللغة، فالعسل سبق بحرف الجر في، وحرف الجر في يفيد الظرفية أي أن العسل يحتوي على شفاء، والجار والمجرور {فيه} شبه جملة خبر مقدم، وتقديم الخبر يفيد التخصيص، وجملة {فيه شفاء} جاءت مبينة لصفة من صفات الشراب، وكلمة شفاء جاءت مبتدأ منكرا في سياق الإخبار، فلا تفيد عمووما، بل تنكيرها ومجيؤها مبتدأ وتقدم ذكر العسل عليها عاملا في ضميره حرف الجر في المفيد للظرفية يقيد هذا الشفاء مع كون الشفاء صفة من صفاته. أما القرآن فقوله تعالى: {من القرآن} من لبيان الجنس، وهي بمعنى أي، وليست من تبعيضية، فالكلام في غير القرآن, وننزل أي القرآن، وليس معنى الكلام, وننزل القرآن الذي بعضه شفاء، والدليل قوله تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالو لولا فصلت آياته أاعجمي وعربي، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، والضمير هو في الآيتين يعود على القرآن كله لا على بعضه، وكلمة شفاء هنا جاءت خبرا عن جميع القرآن، ولا يضر تنكيرها، بل هو الموافق لسوق الكلام, فهي متممة لمعنى الجملة وليست صفة، والفارق أن الخبر فيه إعطاء فائدة، وفيه بيان لأن هذه الفائدة من ماهية المخبر عنه وهو القرآن، أو أنها خصيصة من خصائصه، بخلاف الصفة فإنها يكثر أن تكون في المخلوقات عرضية، وقد يفهم من تعريف كلمة الشفاء في آية الإسراء وآية الزخرف إفادة الحصر الحقيقي للشفاء في القرآن، لأن تعريف المبتدأ والخبر من أساليب الحصر والقصر في لغة العرب، ولكن لما كان المراد بيان أن القرآن كله شفاء وفي غيره شفاء لكن القرآن أععظم ما يتداوى به لأمراض القلوب والأبدان جاءت كلمة الشفاء خبرا منكرا. والله أعلم.

الاثنين، 2 يوليو 2018

من معضلات الإلغاز النحوي في الدربة والمران, إعراب (هو هو) أنموذجا:

من إشكالات التلغيز في الدربة والمران على الإعراب إعراب (هو هو) أنموذجا. أرسل أحد الإخوة ملغزا يطلب إعراب, (هو هو)، ، والحق أن في السؤال إشكالا، وفي الجملة إجمالا،وهو: هل هذه الجملة كما وردت في السؤال تعد كلاما بالمعنى الاصطلاحي النحوي ليعرب ؟ أي, هل يحسن السكوت عليه؟ وهل تعد كما عرضت في الإلغاز كلاما فصيحا؟ وقد يعد بعضم ن يقرأ هذه السطور حول الأثر السلبي للإلغاز من العبث، فإنما هو من باب اللهو والترويح، أو أن كتابة هذه السطور حول كلام من قبيل اللغو من باب تضييع الوقت فيما هو قليل النيل، لكن، يا ترى، لماذا يسود في الوسط العام كراهية النحو والإعراب؟ وما الذي جرأ بعض المتحذلقين فكتب مقالا عنوانه, (الإعراب، هذا الخراب)؟ وقد مرت مرحلة لا يمكن تناسيها ولو على سبيل التاريخ ساد منهج يطمح لتجديد النحو، وذلك باعتبار أن ما شاع عند النحاة من تقاعيد معيارية أوقعت في كثير من الإشكالات، والأولى الاستغناء عن ذلك بالتعامل مع الظواهر بالوصفية، فغيروا أقسام الكلام ووسعوها، وعدوا فرضية أن الإعراب فرع عن المعنى مجرد فرضية ذهنية، لا يمكن إثباتها واقعا، وقد تبنى هذا المنهج أساتذة يشار إليهم بالبنان، ومن هؤلاء د. تمام حسان في كتبه, اللغة العربية معناها ومبناها، واللغة بين المعيارية والوصفية، ومناهج البحث في اللغة، فهو يفترض في كتابه اللغة العربية معناها ومبناها، نصا هرائيا كما يصفه على هيئة شعر فيقول في ص183: "انظر مثلًا إلى ما يأتي: قَاصَ التَّجِينُ شِحَالَه بِتَريسِهِ ... فاخِي فَلَمْ يَسْتَفِ بِطَاسيةِ الْبَرَنْ" ثم يقوم بعد ذلك بإعراب هذا النص الهرائي كما يصفه، منتقدا قاعدة, أن الإعراب فرع عن المعنى. وانظر كيف يتهكم بمن بعج القياس ومد النحو، وهو عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي فيقول في الصفحة نفسها: "إن من حسن الحظ أن ابن إسحاق -رضي الله عنه- لم يتأخر به زمانه حتى يقرأ ما يبدو هنا أنه أريد به أن يكون من قبيل الشعر, ولو قد حدث هذا لعده من شعر الجنّ, أو لزعم أن آدم قاله قبل أن يعلمه الله الأسماء كلها، ربما دون أن يردف ذلك بقوله: والله أعلم". ثم يقول في ص184: "ولو كان الإعراب فرع المعنى الدلالي ما استطعنا كذلك أن نعرب قول المجنون بن جندب: محكوكة العينين معطاء القفا ... كأنما قدت على متن الصفا تمشي على متن شراك أعجفا ... كأنما ينشر فيه مصحفا فإن أبا العلاء العماني لم يستطع تفسير ذلك, ولم يستطع ذلك أبو عبيدة ولا الأصمعي ولا أبو زيد, وقال أبو زيد: إنه كلام مجنون ولا يعرف كلام المجانين إلّا مجنون". فإن كان هذا حال من طالع كتب اللغة وتخصص فيها، فكيف بحال العامة؟! وقد اشتد نكيره على العامل وتأثيره، وعنده أن ما يؤثر في الإعراب هي أمور وظيفية تنشأ من المستويات الثلاثة, الصوتي، الصرفي، التركيبي، وأما الدلالي فلا علاقة له بأمور المبنى ومنه الإعراب. ساد هذا المنهج إلى أن ظهرت نظرية تشومسكي التوليدية والتحويلية، وترجمت إلى العربية، وعاد بعد المدارس المتأثرة بالوصفية للنحو هيبته. فهل كنا بحاجة إلى تشومسكي ليعيد لنا هيبة النحو؟ وقد سبق أهل العربية إلى بيان المقصود بالنظم، وهو معاني النحو التي لم يدقق فيها د. تمام حسان ومن نهج نهجه، ومعاني النحو غير المعنى المعجمي. لكن، ما علاقة هذا كله بالإشكالات في الإلاغز؟ وإعراب, (هو هو)، إن هذه الألاغز التي ساد تداولها في أزمنة ليست بالقصيرة هي التي أتاحت لسلك التغريب التغلغل في نقد اللغة، فبدت عندهم كائنا جامدا، بينما علماؤنا المتقدمون تعاملوا معها على أنها شريان نابض يتدفق بالمعاني، وهي مع هذا لها قداسة وخصوصية لأنها اللغة التي بلغنا بها الوحي، من كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. ولعلك أيها القارئ الكريم حين تطالع كلام شيخ الإسلام الآتي في عود الضمير سترى ذلك جليا. وقد أعرب بعض الإخوة بارك الله فيه هذه الجملة, (هو هو) بدون اعتبار ما فيها من إبهام، على أن الضمير (هو) الأول مبتدأ، والثاني خبر، ولذا وردت الأسئلة التالية: هل تكلمت العرب بهذا الكلام على أنه جملة مؤسسة؟ وهل لهذين الضميرين المبهمين من عائد؟ إن من المسلمات المعلومة عند المبتدئين في دراسة النحو فضلا عن غيرهم أن موضوع علم النحو الكلام المركب المفيد بالوضع، ولا بد من شرط الإفادة، وهذه الجملة كما وردت في السؤال مكونة من ضمير مكرر للغائب، ويقول العلماء: إن الضمائر من الأسماء المبهمة، أي, لا تختص بمعين، فهي لا تدل على شخص بعينه مثلا، فكل شخص يقول أنا، ويصدق على كل مخاطب مذكر أن تقول له أنت، وضمائر الخطاب والتكلم استغني بدلالتهما على الحضور فلا يحتاجان إلى عائد، بينما ضمير الغائب لا بد فيه من عائد يعود عليه، إما مذكور، وإما موصوف في الذهن، كما هو الحال في ضمير الشأن, كما في قول الله تعالى: {قل هو الله أحد}، فليس للضمير ما يعود عليه، ولكن الذهن يقدره بالشأن أو القصة أو الحال، وقوله تعالى: {وهو محرم عليكم إخراجهم}، أي والشأن أو الحال أنه محرم عليكم، فهنا في جملة (هو هو) علام يعود الضمير المكرر؟ فلو قلت لشخص ابتداء: هو هو، فلن يفهم عنك مقالك، زد على ذلك أن العلماء فسروا استعمال العرب لضمير الفصل أو العماد بألا يلتبس المعنى بين ما هو مبتدأ وخبر، وما هو موصوف وصفة، وبين ما هو توكيد في مثل قولك: (العذر هو العذر)، وما أشبهها من التراكيب. وأما ما تكلمت به العرب مما صورته مشابهة لهذه الجملة من تكرار الضمير فيها فإن العرب تكلمت به على وجود عائد، ومثاله ما يعرف بالمسألة الزنبورية، وفيها: كنت أظن أن النحل أشد لسعا من الزنبور، فإذا هو هي. فالمتكلم حين يسمع (فإذا هو هي)، لا يلتبس عليه الفهم, لأن للضميرين عائدا. وكذلك في بيت أبي خراش الهذلي: *رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع* فقلت وأنكرت الوجوه هم هم* فالضمير المكرر في البيت يرجع إلى الذين أمنوه ليقتلوه بقتيلهم، فللضمير مرجع، ويبقى في البيت, هل الضمير المكرر يعرب مبتدأ وخبرا؟ أم هو على سبيل التوكيد اللفظي؟ قال ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة ص /137: " وربّما حَذفت العربُ ألف الاستفهام. ومن ذلك قول الهُذْلِيّ: رَفوْنِي وقالوا يا خويلدُ لم ترَعْ ... فقلت وأنكرتُ الوجوهَ همُ همُ أراد: أهم?". وتبعه القرطبي رحمه الله في تفسيره ج11، ص287 وذلك عند كلامه على قول الله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون}، وغيرهما. وذهب ابن جني في الخصائص إلى أن ما في اللفظ المكرر الثاني من المعنى ما ليس في اللفظ الأول، لكن، كأن سياق الكلام عنده على التقرير لا الاستفهام، جاء في الخصائص ج3، ص340-341: " فإن قلت: فقد قال أبو النجم: أنا أبو النجم وشعري شعري وقال الآخر: إذ الناس ناسٌ والبلاد بغرة ... وإذ أم عمار صديقٌ مساعف "وقال آخر": بلاد بها كنا وكنا نحلها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد وقال الآخر: هذه رجائي وهذي مصر عامرةً ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب وأنشد أبو زيد: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هُم هُم قيل: هذا كله وغيره مما هو جار مجراه، محمول عندنا على معناه دون لفظه؛ ألا ترى أن المعنى: وشعري متناهٍ في الجودة، على ما تعرفه وكما بلغك، ، وقوله: إذ الناس ناس أي: إذ الناس أحرار، والبلاد أحرار، وأنت أنت أي: وأنت المعروف بالكرم، وهم هم أي: هم الذين أعرفهم بالشر والنكر لم يستحيلوا ولم يتغيروا". وعلى تقدير الاستفهام فالضميران يعربان مبتدأ وخبرا، ولا إشكال، لتعلقهما بكلام سابق، ولهما عائد. لكن، في ديوان الهذليين وفي شرح أشعار الهذليين، وفي كتاب الأغاني أن لهذه القصيدة قصة، وهذا سوقها بتمامها, لعلنا نستفيد منها المرجح. قال صاحب خزانة الأدب ج1، ص440-442: الشاهد الثاني والسبعون رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم لما تقدم في البيت قبله، أي: هم الذين يطردونني ويطلبون دمي. وهذا البيت لأبي خراش الهذلي، مطلع قصيدة، وهي ستة عشر بيتاً، ذكر فيها تفلته من أعدائه حين صادفهم في الطريق كامنين له، وسرعة عدوه حتى نجا منهم. روى السكري في " شرح أشعار الهذليين " عن الأخفش قال: " خرج أبو خراش وأم خراش يريدان بعض أهلهما، فمرا بخزاعة، فلما رأتهما خزاعة قالوا: هذا أبو خراش وامرأته فلا تهيجوهما حتى يدنوا منا. فقال أبو خراش لأم خراش: فإن سألوك فقولي: تخلف كأنه يقضي حاجة، وهو مار بكم. فمضت حتى إذا علم أبو خراش أنها قد جاوزت الثنية وأمنهم جاء يمشي رويداً حتى مر في وسطهم، فسلم فردوا عليه السلام، فقال: ممن أنتم؟ قالوا: إخوتك وبنو عمك منهم، فهموا به فعدا وعدوا على إثره، فأعجزهم وجعلوا ينظرون إليه ويرمونه، ونجا منهم " وفي " الأغاني " بسنده: " أن أبا خراش الهذلي خرج من أهله هذيل، يريد مكة، فقال لزوجته أم خراش: ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة، وإن بني الديل يطلبونني بترات، فإياك أن تذكريني؟ فخرج بها وكمن لحاجته، وخرجت إلى السوق لتشتري عطراً وما تحتاجه النساء فمر بها فتيان من بني الديل فقال أحدهما لصاحبه: أم خراش ورب الكعبة؟ فسلما عليها فقالت: بأبي أنتما من أنتما؟! فقالا: رجلان من أهلك هذيل. قالت: فإن أبا خراش معي فلا تذكراه لأحد، ونحن رائحون العشية. فجمع الرجلان جماعة وكمنوا في طريقه، فلما نظر إليهم قال لها: قتلتني. قالت: ما ذكرتك ورب الكعبة إلا لفتيين من هذيل. فقال: والله ما هما من هذيل ولكنهما من بني الديل، وقد جلسا لي وجمعا جماعة من قومهما، فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم، فاركضي بعيرك وضعي عليه العصا. فكانت على قعود يسابق الريح. فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمراً على طريقه على كساء فوقف قليلاً كأنه يصلح شيئاً - وجازتهم أم خراش ووضعت العصا على قعودها - وتوثبوا إليه، فوثب العدو، وسبقهم ولم يلحقوه. وقال أبو خراش في ذلك هذه القصيدة " . فهذه القصة على اختلاف رواياتها فيما ذكر من كتب تفيد بجزمه بأنهم أعداؤه، وسياق القصة على هذا يرجح جانب أن الكلام تقرير. وعليه، فإن كان استفهاما فالإعراب على أن الضمير المكرر مبتدأ وخبره، وإن كان الكلام إخبارا فللإعراب وجهان, إما مبتدأ وخبر، وإما أن الضمير الأول مبتدأ والثاني توكيد لفظي والخبر محذوف تقديره الذين أخاف أو أحذر، أو هم هم أعدائي، فكأنه يخاطب نفسه حاثا لها على الحزم في الحذر والفرار، فالحاصل أن للضمير المكرر عائدا. وكذلك الحال في عبارات سيبويه، وهو الذي حصلت معه المسألة الزنبورية، ومنها عن بدل الاشتمال ج1 ص151): "ويكون على الوجه الآخرَ الذي أذكره لك وهو أن يَتكلّمَ فيقولَ رأيتُ قومَك ثم يَبْدوَ له أن يبيَّنَ ما الذى رأى منهم فيقولَ ثُلُثَيْهم أَو ناساً منهم | ولا يجوز أن تقول رأيتُ زيدا أباه والأبُ غيرُ زيد لأنّك لا تبينَّه بغيره ولا بشيء ليس منه | وكذلك لا تثنَّي الاسم توكيداً وليس بالأوَّل ولا شيء منه فإِنَّما تثنَّيه وتُؤكَّدُهُ مُثَنًّى بما هو منه أو هو هو" فللضمير مرجع في بداية الكلام. وأما استعماله هكذا بلا عائد، وبلا سياق يلتحق به فإنه بغض النظر عن سلوك الإلغاز يدخل فيه أمور كثيرة دخلت في الفلسفة والإلهيات، وعلم النفس، ومسائل جدلية لا خير فيها، اقرأ كلام شيخ الإسلام في ج10 ص226-227: ويبين ذلك أن أفضل الذكر " لا إله إلا الله " كما رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله } وفي الموطأ وغيره عن طلحة بن عبد الله بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } . ومن زعم أن هذا ذكر العامة وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد وذكر خاصة الخاصة هو الاسم المضمر فهم ضالون غالطون . واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله : { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } من أبين غلط هؤلاء فإن الاسم هو مذكور في الأمر بجواب الاستفهام . وهو قوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } إلى قوله { قل الله } أي الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى فالاسم مبتدأ وخبره قد دل عليه الاستفهام كما في نظائر ذلك تقول : من جاره فيقول زيد . وأما الاسم المفرد مظهرا أو مضمرا فليس بكلام تام ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة ولا شرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ولا حالا نافعا وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة . والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره . وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد . كما قد بسط في غير هذا الموضع . وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات . حال لا يقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ; إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله وقال : { من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة } ولو كان ما ذكره محذورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتا غير محمود بل كان يلقن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد". فالإخلال بشرط الإفادة التي يحسن السكوت عليها سبب في الوقوع في الإلحاد، والحيدة عن منهج النبوة في الذكر بورع لا حقيقة له، وهو خوف الموت بين النفي والإثبات في كلمة التوحيد، هذا والاسم المفرد له معنى معجمي متعارف عليه، فكيف باستعمال المبهمات معزولة عن سياقها؟ قال شيخ الإسلام بعد ذلك في المصدر نفسه ص227 "والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان فإن من قال : يا هو يا هو أو : هو هو . ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه والقلب قد يهتدي وقد يضل وقد صنف صاحب " الفصوص " كتابا سماه " كتاب الهو " وزعم بعضهم أن قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } معناه وما يعلم تأويل هذا الاسم الذي هو " الهو ". فتأمل قوله, " لَمْ يَكُنْ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَّا إلَى مَا يُصَوِّرُهُ قَلْبُهُ وَالْقَلْبُ قَدْ يَهْتَدِي وَقَدْ يَضِلّ"، فليس كل قلب يوفق إلى معرفة الله بما بأسمائه وصفاته على الوجه الشرعي، وقد يتراءى له وهو ينادي بهذا النداء أو يسمع هاتفا يغره بأنه هو الله، أو ال(هو) الذي يخاطبه، كل ذلك بسبب الإخلال بشرط الكلام، واستعمال الضمير المبهم بلا عود، إلا إلى ما تصوره الذهن، وجال في الخاطر، وكيف لأعرف المعارف أن يعبر عنه بغير ما سمى به نفسه، بل يعبر عنه بالمبهمات؟ إلى أن قال رحمه الله ص233: "والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الله سبحانه هو ذكره " بجملة تامة " وهو المسمى بالكلام والواحد منه بالكلمة وهو الذي ينفع القلوب ويحصل به الثواب والأجر والقرب إلى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وغير ذلك من المطالب العالية والمقاصد السامية . وأما الاقتصار على " الاسم المفرد " مظهرا أو مضمرا فلا أصل له فضلا عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع" وقال أيضا ج10، ص565 "فثبت بما ذكرناه أن ذكر الاسم المجرد ليس مستحبا ; فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة . وأبعد من ذلك ذكر " الاسم المضمر " وهو : " هو " . فإن هذا بنفسه لا يدل على معين وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته ; ولهذا قد يذكر به من يعتقد [ أن ] الحق الوجود المطلق . وقد يقول : " لا هو إلا هو " ويسري قلبه في " وحدة الوجود " ومذهب فرعون والإسماعيلية وزنادقة هؤلاء المتصوفة المتأخرين بحيث يكون قوله " هو " كقوله : " وجوده " . وقد يعني بقوله : " لا هو إلا هو " أي : أنه هو الوجود وأنه ما ثم خلق أصلا ، وأن الرب والعبد والحق والخلق شيء واحد . كما بينته من مذهب " الاتحادية " في غير هذا الموضع". فلإبهام ضمير الغائب وحاجته إلى العائد لم يسعف الصوفية وأهل الباطل استعمال الضمير ولو في جملة لينجوا من الابتداع فضلا عن إلحاد الملحدين، حتى وهم يقولون: يا هو يا من لا هو إلا هو، أو يقولون هو هو زاعمين أنهم يقصدون بذلك الله جل جلاله، فلربما استعمل المبتدعة الإجمال فقال هذه العبارة والضمير فيها يعود على ما أضمره في نفسه، لكن العبارة ب(لا إله إلا الله) لا يرتاب فيها مرتاب، لأنه لا إجمال فيها. الخلاصة: هذه الجملة ولو كانت على سبيل الدربة والمران ليست على سنن العرب في كلامها بل هي على سبيل أصحاب المجملات من حلولية واتحادية وفلاسفة، والواجب التعامل مع اللغة العربية على أنها شريان نابض بالمعاني النفيسة، والدرر الثمينة، فالنحو وسيلة لا غاية، وسيلة لتفهم الوحيين أولا، ولكلام العرب ثانيا، واستخدامه وسيلة يوقف على مكنونات وأسرار تبهر العربي الذي بعدت به الشقة بينه وبين لغته، وتغير نظرته للنحو من ذلك الكائن الجامد ذي القوالب المصنعة سلفا، إلى ذلك الدليل الساطع على حياة لغة العرب, لغة الوحيين. وأما هذه العبارة على سبيل الإلغاز فحالها كما جاءت في السؤال بين أمرين, إما هراء لا معنى له، وإما مجملة يمكن أن يستخدمها أصحاب الأهواء لخدمة أهوائهم، ولكي تكون هذه الجملة على سنن العرب لا بد من عود الضمير على مذكور أو معلوم في الذهن يمنع التصورات الباطلة، واطلاع العربي على شيء من أسرار لغته الحية يبصره بالفارق الدقيق بين معاني النحو التي عناها أهل التصنيف في العربية، وبين ما انتقده المتأثرون بفكر الغرب من تمارين جامدة كانت من أحد أسباب نقدهم للنحو العربي. والله أعلم.

الثلاثاء، 13 مارس 2018

نسبة القول بالقدر للحسن البصري رحمه الله:

نسبة القول بالقدر للحسن البصري رحمه الله:
لست من العلماء ولا من طلبة العلم الناصحين المخلصين، ولا أنا ممن له خبرة بالأسانيد، ولكن لما كثر الجدل حول مسألة الشكاية إلى السلطان ذكرت قصة الحسن البصري رحمه الله مع أيوب السختياني في تخويف أيوب له بالسلطان في مسألة القول بالقدر، ولما كتب الشيخ علي الشرفي الحذيفي مقاله الأخير في الذب عن الشيخ عبد الله البخاري والرد على الشيخ عبد الله الأحمد وعلى ناصر زكريا ذكر مسألة نسبة القدر للحسن رحمه الله وأحال فيها إلى كتب الحافظ الذهبي رحمه الله، وهذه خلاصة من مطالعة في ترجمة الحسن البصري رحمه الله في كتاب سير أعلام النبلاء.

فيقال:
المروي في مسألة نسبة القدر إلى الحسن عن السلف في الكتاب المذكور على أضر:
بالأول: مرويات تنسب له الخوض فيه يسيرا وتبرئه منه: ومنها الرواية التي فيها ذككر تخويفه بالسلطان, جاء في سير أعلام النبلاء طبعة مءسسة الرسالة ج4 ص579، 580:
حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : كذب على الحسن ضربان من الناس : قوم القدر رأيهم لينفقوه في الناس بالحسن ، وقوم في صدورهم شنآن وبغض للحسن . وأنا نازلته غير مرة في القدر حتى خوفته بالسلطان ، فقال : لا أعود فيه بعد اليوم . وقد أدركت الحسن - والله - وما يقوله . ا.ه رحمه الله.
الثانيي: مرويات مجملة: وهي مرويات تلت الرواية السابقة تلت ونصها من الكتاب المذكور:

قال الحمادان ، عن يونس قال : ما استخف الحسن شيء ما استخفه القدر .

حماد بن زيد ، أن أيوب وحميدا خوفا الحسن بالسلطان ، فقال لهما : ولا تريان ذاك ؟ قالا : لا . قال : لا أعود .

قال حماد : لا أعلم أحدا يستطيع أن يعيب الحسن إلا به .

وروى أبو معشر ، عن إبراهيم ، أن الحسن تكلم في القدر . رواه مغيرة بن مقسم ، عنه . ا.ه رحمه الله.

الثالث: ينسب للحسن رحمه الله الرجوع عن قوله في القدر, وهي رواية تلت المرويات المجملة السابقة، ونصها:
وقال سليمان التيمي : رجع الحسن عن قوله في القدر . ا.ه رحمه الله.
الرابع: مرويات فيها موافقة الحسن رحمه الله لعقيدة السلف في القدر: وهي مرويات عقبت رواية سليمان التيمي السابقة، ونصها:
حماد بن سلمة ، عن حميد ، سمعت الحسن يقول : خلق الله الشيطان ، وخلق الخير ، وخلق الشر . فقال رجل : قاتلهم الله ، يكذبون على هذا الشيخ .

أبو الأشهب : سمعت الحسن يقول في قوله : وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال : حيل بينهم وبين الإيمان .

وقال حماد ، عن حميد ، قال : قرأت القرآن كله على الحسن ، ففسره لي أجمع على الإثبات ، فسألته عن قوله : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين قال : الشرك سلكه الله في قلوبهم .
حماد بن زيد ، عن خالد الحذاء ، قال : سأل الرجل الحسن فقال : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ؟ قال : أهل رحمته لا يختلفون ، ولذلك خلقهم ، خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره . فقلت : يا أبا سعيد ، آدم خلق للسماء أم للأرض ؟ قال : للأرض خلق . قلت : أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة ؟ قال : لم يكن بد من أن يأكل منها ; لأنه خلق للأرض . فقلت : ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ؟ قال : نعم ، الشياطين لا يضلون إلا من أحب الله له أن يصلى الجحيم .

أبو هلال محمد بن سليم : دخلت على الحسن يوم الجمعة ولم يكن جمع ، فقلت : يا أبا سعيد ، أما جمعت ؟ قال : أردت ذلك ، ولكن منعني قضاء الله .

منصور بن زاذان : سألنا الحسن عن القرآن ، ففسره كله على الإثبات .

ضمرة بن ربيعة ، عن رجاء ، عن ابن عون ، عن الحسن ، قال : من كذب بالقدر فقد كفر . ا.ه رحمه الله.
الخامس: روايات تبرئ الحسن مما نحل عليه في القول بالقدر, ونص الرواية:
رجاء بن سلمة ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين - وقيل له في الحسن : وما كان ينحل إليه أهل القدر ؟ قال : كانوا يأتون الشيخ بكلام مجمل ، لو فسروه لهم لساءهم . ا.ه رحمه الله:
وفي رواية ص582، 583
وقال أبو سعيد بن الأعرابي : كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء ، فيتكلم في الخصوص ، حتى نسبته القدرية إلى الجبر ، وتكلم في الاكتساب حتى نسبته السنة إلى القدر ; كل ذلك لافتنانه وتفاوت الناس عنده ، وتفاوتهم في الأخذ عنه ، وهو بريء من القدر ومن كل بدعة . ا.ه رحمه الله.
السادس: إشارة إلى سبب نسبة بعض الأقوال البدعية إلى الحسن رحمه الله: ويدخل فيها رواية أبي سعيد ابن الأعرابي السابقة، ورواية تقدمت الكلام عن نسبة القدر إليه في السير وهي أيضا عن أبي سعيد ابن الأعرابي أيضا، ونصها وما بعدها فيه بيان العلة، قال الذهبي رحمه الله في ص580:
وقال أبو سعيد بن الأعرابي في " طبقات النساك " : كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ، ويسمعون كلامه ، ويذعنون له بالفقه ، في هذه المعاني خاصة .

وكان عمرو بن عبيد ، وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له ، وكان له مجلس خاص في منزله ، لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن ، فإن سأله إنسان غيرها ، تبرم به وقال : إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر .

فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث ، والفقه ، وعلم القرآن ، واللغة ، وسائر العلوم ; وكان ربما يسأل عن التصوف فيجيب ، وكان منهم من يصحبه للحديث ، ومنهم من يصحبه للقرآن والبيان ، ومنهم من يصحبه للبلاغة ، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم الخصوص ، كعمرو بن عبيد وأبي جهير ، وعبد الواحد بن زيد ، وصالح المري ، وشميط ، وأبي عبيدة الناجي ; وكل واحد من هؤلاء اشتهر بحال - يعني في العبادة . ا.ه رحمه الله.
فعمرو بن عبيد من الطبقة الرابعة أشهر من أن يذكر في باب البدعة بالقدر قال الذهبي في ترجمته:

الزاهد ، العابد ، القدري ، كبير المعتزلة ، وأولهم ، أبو عثمان البصري. ا.ه رحمه الله.
وعبد الواحد بن زيد من السادسة قال فيه الذهبي: قلت : فارق عمرو بن عبيد لاعتزاله ، وقال بصحة الاكتساب ، وقد نسب إلى شيء من القدر ، ولم يشهر ; بل نصب نفسه للكلام في مذاهب النساك ، وتبعه خلق . وقد كان ثابت البناني ، ومالك بن دينار يعظان أيضا ، ولكنهما كانا من أهل السنة .

وكان عبد الواحد صاحب فنون ، داخلا في معاني المحبة والخصوص ، قد بقي عليه شيء من رؤية الاكتساب ، وفي ذلك شيء من أصول أهل القدر ، فإن عندهم : لا نجاة إلا بعمل . فأما أهل السنة فيحضون على الاجتهاد في العمل ، وليس به النجاة وحده دون رحمة الله .

وكان عبد الواحد لا يطلق : إن الله يضل العباد ، تنزيها له . وهذه بدعة . وفي الجملة ، عبد الواحد من كبار العباد ، والكمال عزيز . وقد سقت من أخباره في " تاريخ الإسلام " ولكن ابن عون ومسعرا وهؤلاء أرفع وأجل . ا.ه رحمه الله.
ويقال بعد هذا تعليقا على ما تقدم:
أصرح الروايات التي يفهم منها نسبة القدر للحسن رواية أيوب عنه، وهي وإن كان فيها ذكر تلبس الحسن رحمه الله بشيء من المقالات في القدر إلا أنها صريحة في كونها تنفي أنه على مذهب القدرية، ولكن لم يذكر لنا أيوب رحمه الله شيئا من تلك المقالات التي نازل فيها الحسن، ولكنه رحمه الله نفى كونه منسوبا إلى القدر، وأنه ترك القول بالقدر، وهي رواية أصرح من الروايات المجملة التي قد يفهم منها نسبة القول بالقدر بإطلاق للحسن رحمه الله.
ولعلها مقالات وقف عليها أيوب رحمه الله وكانت من أثر مجالسة بعض القدرية كعمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد، وكان سببها كما ذكر ابن سيرين رحمه الله إيراد الألفاظ المجملة التي لو فصلوها لساءهم الحسن رحمه الله.وقد أثبت العلماء رحمهم الله توبة الحسن رحمه الله من مقالاته هذه، ووردت آثار في أنه كان يفسر النصوص الشرعية بإثبات القدر، وآثار من كلامه فيها موافقة عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر.
ويبقى الاستدلال بهذه الواقعة في أمر الشكاية إلى السلطان، فيقال: إن أيوب رحمه الله نص على أنه نازله في مسألة القدر مرارا، وكانت هذه المرحلة الأولى، ثم بعد ذلك نص على أنه خوفه، وفي هذا من الفوائد:
--الصبر على من وقعت منه المخالفة من أهل السنة وعدم التعجل في إصدار الأحكام عليه.
--تكرار المناصحة مرة بعد مرة بالحجة والبرهان مع بيان الخطأ.
-- التدرج في الانتقال من أسلوب لآخر في علاج الخطأ.
--بدأ أيوب رحمه الله بمرحلة التخويف بالسلطان ولم يباشر ذلك, إذ إن المقصد هداية الخلق وعدم إعانة الشيطان عليهم، ولو فرض أن المخطئ من أهل السنة كابر وعاند مع استنفاد الوسائل المتاحة معه فحينئذ يكون رفع أمره إلى السلطان من باب أن آخر الدواء الكي، ولكي لا يفتتن به غيره.
وفي ختام المسألة هذا ختام كلام الذهبي رحمه الله على مسألة نسبة القول بالقدر للحسن رحمه الله حيث قال في ص584: قلت : وقد مر إثبات الحسن للأقدار من غير وجه عنه سوى حكاية أيوب عنه ، فلعلها هفوة منه ورجع عنها ولله الحمد .ا.ه رحمه الله.
فلا يصح بعد هذا نسبة القول القدر إليه بإطلاق، ولا يبقى في الاستدلال بعد هذا الكلام إلا استنباط العبرة من القصة مع تبرئة الإمام من مذهب القدرية فيما يلي: خطر مجالسة أهل الأهواء، ثبوت الصبر على من وقع في هفوة من أهل السنة عن السلف،اللجوء إلى السلطان يكون عند ترجح المصلحة بعد استنفاد الوسائل، وبذا تجتمع آراء العلماء في مسألة اللجوء إلى السلاطين.
والله أعلم.