#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

السبت، 19 مارس 2022

تنبيهات على منشور, من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له في ليلة النصف من شعبان

تنبيهات على منشور, من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له في ليلة النصف من شعبان . ما أسهل كتابة المنشورات المزينة بالرموز التعبيرية، وما أسهل أن تشيع، وما أسهل أن تنال الثقة حين تنقل ممن نثق به، ويظن الكاتب لها أنه يصحح اعتقادات وأفكارا خاطئة سادت في الأمة، فنعجب بها وننقلها, بحماسة لنصرة الحق، أو لما نظنه أول وهلة أنه حق، نفرح بها على حين غفلة لما يزين المنشور من أسماء لامعة وآثار سلفية، ويركب من لا زاد له مركبا وعرا، ويغالب طريقا حزنا للبحث عن دقة هذه المنشورات، وكم يكون البحث مضنيا، وقد لا يكتب للتصويب الانتشار كما انتشرت هذه المنشورات، وعندئذ يزداد إعجاب المرء بالسلف وعجبه من قوة صبرهم حين حبسوا أنفسهم على تنقية الحديث وسبر صحيحه من سقيمه، وتتبع أحوال الرجال، فجزاهم الله خير الجزاء. نقل أحد الإخوة الأفاضل منشورا حول فضل المغفرة ليلة النصف من شعبان أراد منه صاحبه تصحيح مفهوم خاطئ عن المشاحن الذي لا يغفر الله له تلك الليلة، وقد بناه صاحبه على أمرين, الإيماء إلى ضعف تصحيح الحديث، وغلط مفهوم المشاحن عند الناس. قال صاحب المنشور: "خطأ يقع في تفسير (المشاحن)" أحببت تنبيه إخواني المسلمين على تفسير ومعنى قول النبي (أو مشاحن) في فضيلة النصف من شعبان على من أخذ بتصحيح العلامة الألباني رحمه الله تعالى وعلى من أخذ بتصحيح الألباني للحديث إلا أن تفسير كلمة مشاحن أرى كثير من إخواننا يفسرونهم خطأ بخلاف المراد ▪فهم يفسرون المشاحن بالمخاصم والحاقد والمشاكل وهذا خلاف المراد بل المعنى المبتدع والمخالف للسنة كما سترون في تفسير أهل العلم". ثم استرسل في بيان مقصوده. ومع هذا المنشور وقفتان: الأولى: أقل ما يحتمله هذا الكلام الإشارة إلى الخلاف في التصحيح للحديث، أو أن فضيلة هذه الليلة متوقف على قبول تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله لهذه الأحاديث، ودقة هذا التصحيح، فإن لم يكن تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله للحديث دقيقا سقطت هذه الفضيلة، والحق أن مسائل الحديث في التصحيح والتضعيف فيها مباحث دقيقة، تحتاج إلى دربة ومران، ويحتاج من يريد إثبات عدم دقة التصحيح بإعلال المتقدمين لطرق الحديث إلى أن ينقض كلام الشيخ رحمه الله بعلم، والشيخ رحمه الله لم يغفل علل كل طريق، بل كان تعويله في التصحيح أو التحسين على مجموع الطرق،ففي السلسلة الصحيحة, (3/135) قال الشيخ رحمه الله: "1144 - " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا وهم معاذ ابن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمرو وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة". ثم ذكر هذه الشواهد الثمانية ومنها (3/136): "3 - وأما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. أخرجه أحمد (رقم 6642) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي: " وابن لهيعة لين الحديث وبقية رجاله وثقوا ". وقال الحافظ المنذري: (3 / 283) " وإسناده لين ". قلت: لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به. أخرجه ابن حيويه في " حديثه ". (3 / 10 / 1) فالحديث حسن". إلى أن قال رحمه الله (3/138-139): "وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب والصحة تثبت بأقل منها عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في " إصلاح المساجد " (ص 107) عن أهل التعديل والتجريح أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح، فليس مما ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل التسرع وعدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك. والله تعالى هو الموفق". فلا تلازم بين انفراد أي من المحدثين بتصحيح الحديث أو تحسينه، وبين مخالفة غيره من أهل العلم له، فالعبرة بتطبيق القواعد. على أنه من جهة أخرى لم ينفرد الشيخ الألباني رحمه الله بالتصحيح، ففي لطائف المعارف لابن رجب, ص136 "وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه ومن أمثلها حديث عائشة". وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (1/88): "وَالْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا رَجُلًا مُشْرِكًا أَوْ رَجُلًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ»". ولعل ما قصده من تحسين البزار هو ما جاء في مسنده, (1/206): "حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ لِأَخِيهِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَجَلَالَةُ أَبِي بَكْرٍ تُحَسِّنُهُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَنَقَلُوهُ وَاحْتَمَلُوهُ فَذَكَرْنَاهُ لِذَلِكَ". فمما قوي به الحديث عند البزار روايته عن غير أبي بكر من وجوه أخرى، وإن كان قد ينازع فيما ذكره من وجوه أخرى لتقوية الحديث، وقد قال (1/157): "80 - وَقَدْ رَوَى مُصْعَبُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ لِأَخِيهِ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي بَعْضِ أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ وَهِيَ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَبِيهِ لِصِغَرِهِ وَلَكِنْ حَدَّثَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَذَكَرْنَا وَبَيَّنَا الْعِلَّةَ فِيهَا، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْدَمِهِمْ لَهُ صُحْبَةً وَلَكِنْ إِنَّمَا بَقِيَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَسِيرَ وَكَانَ مَشْغُولًا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قَلَّ حَدِيثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". ففي كلامه هذا رد على بعض كلامه الأول في بعض وجوه التحسين التي ذكرها رحمه الله. وقد قال أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (المتوفى: 1353هـ)، في تحفة الأحوذي, (3/365) عند تعليقه على حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي: "اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا". إلى أن قال (3/367): "فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَجْمُوعِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ". وممن صحح الحديث الشيخ شعيب الأرنؤوط في المسند ط الرسالة، بتحقيقه هو وعادل مرشد، وآخرون، فمثلا جاء في طبعة المسند هذه (11/217)، في التعليق على حديث رقم, 6642: "حديث صحيح بشواهده". وكذلك ذكر في سنن ابن ماجه بتحقيقه (2/400). والمهم أنه لم ينفرد الشيخ الألباني في كل هذه العصور المتعاقبة بتصحيح الحديث أو تحسينه، فأول من نقل عنه التصحيح ابن حبان كما مر نقله عند ابن رجب، إلى آخر من مر عنهم نقل التصحيح أو التحسين. ومن جهة أخرى فالمعول في أحاديث الترغيب والترهيب إذا لم يكن ضعفها ضعفا شديدا هو الرجاء، فكيف بحديث فيه كل هذه الطرق المختلفة الشواهد والمتابعات؟ هذا مختصر ما نص عليه العلماء عند كلامهم عن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. ولذا لما نقل ابن رجب الخلاف المتقدم قال بعد ذلك ص138-139: "ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة وقبول الدعاء في تلك الليلة وقد روي: أنها: الشرك وقتل النفس والزنا وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خسية أن يطعم معك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تعالى ذلك: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الآية". فليت شعري، ماذا يفهم من كلام ابن رجب حين قال: "فيتعين ..." إلا الإشارة إلى أن الحديث في دائرة القبول، ويعول فيه على الرجاء؟! الوقفة الثانية: في تخطئة صاحب المنشور للمفهوم السائد عن الشحناء, حيث قال: "▪فهم يفسرون المشاحن بالمخاصم والحاقد والمشاكل وهذا خلاف المراد بل المعنى المبتدع والمخالف للسنة كما سترون في تفسير أهل العلم". جاء في شرح السنة للبغوي رحمه الله (4/128): "وَأَرَادَ بِالشَّحْنَاءِ: الْعَدَاوَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَاحِبَ الْبِدْعَةِ الْمُفَارِقَ لِلْجَمَاعَةِ". فها هو رحمه الله يفسر معناها على الأصل ويصدر المعنى الثاني بقوله: "وقيل". وفي لطائف المعارف 139: "ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا" وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا وعن الأوزاعي أنه قال المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الطاعن على أمته السافك دماءهم وهذا الشحناء أعني شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم كبدع الخوارج والروافض ونحوهم. فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة وبغضهم والحقد عليهم واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين وإرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "ثلاثة أيام يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فيطلع رجل واحد فاستضافه عبد الله بن عمرو فنام عنده ثلاثا لينظر عمله فلم ير له في بيته كبير عمل فأخبره بالحال فقال له هو ما ترى إلا أني أبيت وليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين فقال عبد الله: "بهذا بلغ ما بلغ" وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس". ففي هذا النص من التجلية، وتفسير الحديث بنظيره من السنة, {أنظروا هذين حتى يصطلحا}، وبيان مراتب الشحناء ودرجاتها، وهو كلام لا يدع مجالا لوجود اختلاف بين مفهوم الناس للشحناء وما ورد من آثار سلفية ظاهرها التعارض. وفي تحفة الأحوذي (3/365-66): "وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حميراء أظننت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ بِك قُلْتُ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ الله ولكني ظننت أنك قبضت طول سجودك فقال أَتَدْرِي أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاءُ أَخَذَهُ مِنْ مَكْحُولٍ" وفي السلسلة الصحيحة "(المشاحن) قال ابن الأثير: " هو المعادي، والشحناء، العداوة، والتشاحن تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة "". فظن صاحب المنشور أن الآثار المروية تخالف فهم الناس لهذا الحديث، وبنى تخطئته على ذلك، وليس كذلك، بل كل مقصود داخل في معنى الشحناء والمشاحنة، وقد ذهل هو نفسه عما نقله عن النهاية لابن الأثير، وإنما تفسير السلف في الآثار المروية من باب تفسير النوع بأحد أفراده، وقد بسط الكلام في هذا النوع من التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في أصول التفسير، ونبه رحمه الله على أن بعض الناس يفهم من تعدد تفسيرات السلف للكلمة أو الآية الواحدة من القرآن التعارض، وإنما هو من التنبيه على النوع بأحد أنواعه، فليراجعه من شاء هنالك، ولا يبعد أن يكون تفسير السلف للشحناء هنا من هذا الباب، فنبه بعض السلف على معنى للشحناء يغفل عنه الناس. وليس هذا من باب الرجم بالغيب، أو تقويل السلف ما لم يقولوه، فقد مضى نقل الرواية المرسلة التي فيها, { وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ}، وكذلك مر النقل عن ابن رجب رحمه الله في بيان عموم مفهوم الشحناء وما يدخل تحته. فلنتنبه لمثل هذه المنشورات وجزاكم الله خيرا.

الخميس، 10 مارس 2022

ومضات حول حديث كفارة المجلس:

​ومضات حول حديث كفارة المجلس: لا ريب أن هذه الأسطر لن تأتي بجديد، غير أن فيها خلاصات يرجى أن تكون نافعة, فيها جمع متفرق، وفوائد عسى أن تكون مستحسنة، على قدر جهد المقل الضعيف، لعله ينتفع بها من يجدها على الشبكة فينتظم كاتب الأسطر في آخر سلك من دلوا على هدى، أو تصادف بقدر الله من لا صبر له على الذهاب للكتب، ومنهم الكاتب، فيجد فيها ضالة منشودة، هدانا الله لاغتنام كل خير، وتجاوز عنا جميعا. ومعلوم ما قاله العلماء في الاستغفار أنه في ختام العمل الصالح كالطابع عليه إن كان تاما، أو جابرا للتقصير فيه، ولذا أمر الله به بعد الحج، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار بع المفروضة، وهذه السنة في كفارة المجلس مما يتأكد بها هذا الأمر. -هل لكفارة المجلس ذكر في القرآن؟!: جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله (7/40 لقول الله تعالى في سورة الطور, {وسبح بحمد ربك حين تقوم{ ما نصه: ".وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ قَالَ: مِنْ كُلّ. وقال الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ قَالَ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا محمد ابن شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرِو الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ يَقُولُ: حِينَ تَقُومُ مِنْ كُلِّ مَجْلِسٍ، إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ ازْدَدْتَ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا كَفَّارَةً لَهُ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَامِعِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَرِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْفَقِيرِ؛ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ مَجْلِسِهِ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهُ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ كَفَّارَةُ الْمَجَالِسِ الْمَجَالِسِ. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ مِنْ طُرُقٍ -يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا-بِذَلِك". ثم ذكر بالأسانيد ما روي من أحاديث مرفوعة. زاد السيوطي في الدر المنثور (7/637) من مراسيل أبي العالية رحمه الله: ".وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ الحُصَيْنِ قالَ: «دَخَلْتُ عَلى أبِي العالِيَةِ، فَلَمّا أرَدْتُ أنْ أخْرُجَ مِن عِنْدِهِ قالَ: ألّا أُزَوِّدُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَهُنَّ جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا ﷺ؟ قُلْتُ: بَلى. قالَ: فَإنَّهُ لَمّا كانَ بِآخِرَةٍ كانَ إذا قامَ مِن مَجْلِسِهِ قالَ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إلَيْكَ. فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما هَؤُلاءِ الكَلِماتُ الَّتِي تَقُولُهُنَّ؟ قالَ: هُنَّ كَلِماتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ، كَفّاراتٌ لِما يَكُونُ في المَجْلِسِ»" وفي سلسلة لقاء الباب المفتوح-163a تفسير سورة الطور الآيات ( 37- الى نهاية السورة ) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "(( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ )) ((سبح بحمد ربك )) أي قل: سبحان الله وبحمده، حين تقوم من أي شيء ؟ حين تقوم من مجلسك، أو حين تقوم من منامك، المهم هي عامة، ولهذا كان كفارة المجلس أن يقول الإنسان: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ) فينبغي للإنسان كلما قام من مجلس أن يختم مجلسه بهذا: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك )". ولا يخفاك أيها القارئ الكريم أن سوق هذا الكلام ليس ترجيحا لهذا القول، وإنما هو تنبيه على أن بعض أهل العلم جعل كفارة المجلس مندرجة ضمن تفسير هذه الآية, للآثار المروية عن السلف في تفسيرها. --ما روي من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها: وفيها أربع مسائل: ولا—الفترة التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على قولها فيها: جاء في سنن أبي داود، تحقيق شعَيب الأرنؤوط - محَمَّد كامِل قره بللي، (7/223-224)، باب في كفارة المجلس، حديث رقم, 4859، بإسناد أبي داود، { عن أبي برْزَةَ الأسلمي، قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بأخَرَةٍ إذا أرادَ أن يقوم مِن المجلس: "سبحانَكَ اللهُمَّ وبِحمدِكَ، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك"، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم -, إنكَ لَتقُولُ قولاً ما كنتَ تقولُه فيما مضَى، فقال: "كفارةٌ لما يكونُ في المجلسِ} . جاء في هامشالتحقيق: " إسناده صحيح. أبو هاشم: هو يحيى بن دينار، وأبو العالية: هو رفيع بن مهران. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (10187) من طريق عيسى، عن الحجاج بن دينار، بهذا الإسناد. وهو في "مسند أحمد" (19812). وانظر ما سلف قبله من حديث أبي هريرة. وأبو بَرْزَةَ: اسمه نضلة بن عُبيد أسلم قديماً وشهد فتح مكة". قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود (552/15): " أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه في كفارة المجلس، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر أمره، ويدل هذا على أن ذلك إنما حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه، أو آخر أمره عليه الصلاة والسلام، وأن على الإنسان أن يحرص على اتباع هذا الأمر، وعلى الإتيان بهذا الذكر ليكون كفارة لما يحصل، ويكون زيادة خير فيما إذا كان ليس هناك شيء مكفر وإنما المجالس مجالس خير مثل مجالس ذكر العلم، فيكون ذلك زيادة خير على خير، ونور على نور". ثانيا—تحديد المواطن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها فيها: عامة الأحاديث والآثار فيها ذكر المجلس بالعموم، لكن، روى النسائي في السنن الكبرى, (9/123) كتاب عمل اليوم والليلة، تفريع, (§مَا تَخْتِمُ بِهِ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ)، حديث رقم, 10067 ، بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: { مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، §مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "} وفي السنن الكبرى (2/98-99)، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ آخر رقم, 1268: { أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنِ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ: «§إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»}. ومن سياق اللفظ يظهر أنه اختصار من بعض الرواة للفظ السابق، ومع اختصاره يستفاد أن لفظ الصلاة فيه محفوظ، ولذا أورده النسائي في تفريع بعنوان, (§نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الذِّكْرِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ). وفي عمل اليوم والليلة له (1/308-309)في تفريع, (مَا يَقُول إِذا جلس فِي مجْلِس كثر فِيهِ لغطه)، حديث رقم, 400، { عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جلس مَجْلِسا أَو صلى صَلَاة تكلم بِكَلِمَات فَسَأَلت عَائِشَة عَن الْكَلِمَات فَقَالَ إِن تكلم بِخَير كَانَ طابعاً عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن تكلم بِغَيْر ذَلِك كَانَ كَفَّارَة لَهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك}. والفائدة من إيراد هذا اللفظ الزيادة التي في الدعاء, "سبحانك اللهم وبحمدك"، بدل, "سبحانك وبحمدك". وفائدة الحديث أنه يشمل المجالس التي يغشاها المرء مع غيره، وإذا جلس يتلو القرآن، أو إذا صلى، فيكون من أوراد ما بعد الصلاة كما فرع النسائي رحمه الله. ثالثا—هل يقال دعاء كفارة المجلس مرة واحدة؟: روى أبو داود في سننه, (7/223-224)، بتحقيق, شعَيب الأرنؤوط - محَمَّد كامِل قره بللي، باب في كفَّارةِ المجلس، حديث رقم, 4857: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كلماتٌ لا يتكلَّمُ بهنَّ أحدٌ في مجلسه عندَ قيامه ثلاثَ مراتٍ إلا كُفِّرَ بهنَّ عنهُ، ولا يقولُهن في مجلِسِ خيرٍ ومجلسِ ذكرِ إلا خُتِمَ له بهنَّ عليه، كما يُختم بالخاتِم على الصحيفةِ: سُبحانَكَ اللهم وبحمدِك، لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك . جاء في هامش التحقيق حول هذا الحديث: " إسناده صحيح. وهو موقوف. ابن وهب: هو عبد الله، وعمرو: هو ابن الحارث بن يعقوب الأنصاري. وأخرجه ابن حبان في "صحيه" (593)، والمزي في "تهذيب الكمال" 17/ 317 من طريق حرملة بن يحيى، بهذا الإسناد". قال الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الترغيب والترهيب ص459: "921 - (3) [منكر موقوف]". وقال في الهامش: "قلت: فيه سعيد بن أبي هلال، وكان اختلط كما قال يحيى وأحمد، وفيه زيادة (ثلاث مرات)، وهي منكرة". قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود (552/10): "وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه). الأحاديث وردت في الإتيان بهذا الذكر مرة واحدة، وهذا الحديث جاء فيه أنه يقولها ثلاث مرات، لكن الأحاديث الكثيرة والروايات المتعددة جاءت بأن الذكر يقال مرة واحدة، وقد صح الحديث بدون ذكر الثلاث، ولم يأت ذكر العدد إلا في هذا الموضع". ثم قال بعد ذلك (552/11): "وما ذكره عبد الله بن عمرو هنا ليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي". وفي سعيد ابن أبي هلال رحمه الله كلام كثير، وتوثيق جليل، وتضعيف يسير، وعلى أي حال فمن اقتصر على الواحدة في نهاية المجلس موافقة لسائر الأحاديث فهو على صراط بين رشيد. رابعا— في نوع المكفر من ذنوب المجلس: في صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الإلباني رحمه الله } (2/216): 1516 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من جلس مجلساً كَثُرَ فيه لَغَطُه؛ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)؛ إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك". رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". وفيه أيضا (2/217): 1519 - (4) [صحيح] وعن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قال: (سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). فقالها في مجلس ذكرٍ كان كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كان كفارة له". رواه النسائي والطبراني ورجالهما رجال "الصحيح"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". ففي هذين الحديثين بيان ما يغفر من الذنوب, فأما الحديث الأول ورد اللفظ بذكر اللغط، وأما في الثاني فورد لفظ اللغو، جاء في تحفة الإحوذي (9/276): " قَوْلُهُ فَكَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ لَغَطُهُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ لِقَوْلِهِ غُفِرَ لَهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ اللَّغَطُ بِالتَّحْرِيكِ الصَّوْتُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهُزْءُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَكَأَنَّهُ مُجَرَّدُ الصَّوْتِ الْعَرِيِّ عَنِ الْمَعْنَى". وعلى هذا المعنى تنص قواميس اللغة. وأما اللغو، فجاء عنه في لسان العرب: " لغا : اللغو واللغا : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا على نفع . التهذيب : اللغو واللغا واللغوى ما كان من الكلام غير معقود عليه". وعلى هذا، فلا تدخل الغيبة ولا النميمة ولا القذف وما أشبهها مما هو في حقوق العباد في هذا الحديث, لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة, فلا بد فيها من استحلال صاحبها أو ما يقوم مقام الاستحلال فيما ليس فيه حد على التفصيلات المعلومة في كتب الأحكام، كذلك ما يناقض التوحيد مما يوجب الردة, فقد اشترط العلماء في كفر الردة أنه لا بد أن يصحبه بيان لما وقع فيه من تلبس بشيء من أمور الردة. في شرح رياض الصالحين-56b، للشيخ ابن عثيمين ورد السؤال التالي: " السائل : شيخ بارك الله فيك اللغط هذا يشمل الغيبة والنميمة؟ الشيخ : اللغط لا يشمل الغيبة، لأن الغيبة حق آدمي لكن قد ينفعه فيما بينه وبين الله، وأما صاحبه الذي اغتابه فلابد أن يستحل منه يقول له مثلًا إني قلت فيك كذا وكذا حللني، هذا إذا وصله العلم وإذا كان لم يصله فإنك تستغفر له وتثني عليه في المكان الذي أنت اغتبته فيه ويكفر الله عنك بذلك".: --هل يشمل هذا الحديث من حضر المجلس ساكتا؟: في فتاوى عبر الهاتف والسيارة-134، للشيخ الألباني: "الشيخ : على كل حال ما دمت كنت حاضرا في المجلس فالكفارة تشمل الجالسين سواء تكلموا أو أنصتوا ، لأنهم في إنصاتهم هم مشاركون في الخير وفي اللغو ، ويأتي هنا الحديث : " أنه إن كان مجلس خير كان كالخاتم ، وإلا كان - إذا كان هناك لغو -كان كفارة له " ، فإذن يقول كل فرد منا ، لكن مش جماعة ، إي هذه الجماعة تدخل بقى في مسألة كنا بدأنا معك وما أتممناها". والحاصل أن كفارة المجلس وإن كانت سنة حري بكل عاقل أن يثبتها في أعماله, ليكفر الله بها كما وعد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من لغوه ولغطه، أشير إليها في القرآن الكريم, {وسبح بحمد ربك حين تقوم}، ووردت فيها أحاديث وآثار كثيرة، أوفى الألفاظ سياقا سياق جبير بن مطعم رضي الله عنه، وتشمل الصلاة واتلاوة القرآن، مع أنهما ليسا لغوا ولا لغطا كما هو معلوم، لكن، تجبر التقصير، أو تكون عليهما كالطابع، وتقال مرة واحدة، وتشمل الجالس المنصت، لأنه كان مشاركا فيه, لتلبسه بسكوت الإقرار، وعدم النصح.ولا تشمل في التكفير للذنوب ما كان في حق العباد، والله أعلم.  ​

الأحد، 6 مارس 2022

#بشائر_ومبشرات: هل فاتنا فضل الهجرة؟؟

#بشائر_ومبشرات: هل فاتنا فضل الهجرة؟؟؟ لا يخفى على من درس أبجديات السيرة النبوية فضلا عمن تعمق فيها فضل الهجرة في الإسلام والثواب الموعود عليها، لكن، من المفاهيم السائدة عند كثير من الناس أن المهاجر صفة كانت لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن الهجرة تتعلق بمجرد الفرار بالدين من دار كفر إلى دار إسلام، أو من بلد بدعة لا يمكن إظهار السنة فيه، أو إذا كان البلد شعائر الإسلام فيه غير ظاهرة، ولا يتمكن المسلم من إظهار شعائر دينه بأريحية، فيهاجر ولو إلى بلد كفر يتمكن فيه من إظهار شعائر دينه بأريحية، وكل هذا بضوابطه الشرعية حق، لكن، ماذا لو حدثتك عن أن لقب المهاجر يمكن أن يشملك؟!، ماذا لو أخبرتك عن أنك يمكن أن تكون مهاجرا، وأنت في بيتك بين أهلك وخلانك، عملك أو سوقك؟! مهلا، مهلا، هذا الكلام ليس من كيسي، بل هو أخبار من لا ينطق عن الهوى، {إن هو إلا وحي يوحى}. هيا أيها المهاجر، أو يا من ترغب في الهجرة وبلدك بلد إسلام تتمتع فيها بإقامة شعائر دينك، إعرني سمعك. --ذكر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: بوب أبو داود في سننه في كِتَاب الْجِهَادِ فقال: "بَابٌ فِي الْهِجْرَةِ هَلِ انْقَطَعَتْ؟"، أورد فيه الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وهو حديث عظيم هو أصل في هذا الباب، وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ "ْ}. ولا تخفى مناسبة الحديث لترجمة أبي داود رحمه الله، فهجران ما نهى الله عنه تشمل جميع النواهي، من كبار الذنوب، وأعلاها الشرك الذي أخبر الله عز وجل أنه لا يغفره إلا لمن تاب منه، إلى أصغر المنهيات من المكروهات. وروى الإمام أحمد من مسند عبد الله بن عمرو هذا الحديث بسياق أتم فقال: 6779 حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ ، سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " ، قَالَ : " تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ " * ورواه أيضا بلفظ مقارب من مسند أنس بن مالك رضي الله عنه حديث رقم, 12366، بلفظ {وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ}. وفي سنن ابن ماجه كِتَابُ الْفِتَنِ >> بَابُ حُرْمَةِ دَمِ الْمُؤْمِنِ وَمَالِهِ(، حديث رقم 3959، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ " ورواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده من مسند فضالة بن عبيد بسياق أتم فقال: 23415 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا لَيْثٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ " وفي السلسلة الصحيحة قال الشيخ الألباني: "551 - " أفضل الساعات جوف الليل الآخر ". أخرجه أحمد (5 / 385) عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد، قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام الطعام، قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: خلق حسن، قال: قلت: أي الصلاة أفضل، قال: طول القنوت، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك عز وجل، قال: قلت: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال: قلت: أي الساعات أفضل، قال: جوف الليل الآخر ... ". قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن ذكوان وهو الطاحي وشهر ضعيفان لكن الحديث ثبت غالبه من طرق أخرى". إلى أن قال (2/92-93): ثانيا: فقرة " أي الجهاد أفضل؟ "، فقد أخرج أحمد (4 / 114) من طريق أبي قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال الهجرة قال: فما الهجرة؟ قال : أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم. قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة. قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان أبو قلابة - واسمه عبد الله بن زيد - سمعه من عمرو فإنه مدلس وعلى كل حال فهذه الفقرة ثابتة بمجموع الطريقين والله أعلم". ثم قال ص93: "ثالثا: فقرة " أي الهجرة أفضل؟ ". قد جاءت في الطريق الآنفة الذكر، فهي حسنة أيضا". ثم قال ص94: "553 - " أفضل الهجرة أن تهجر ما كره ربك عز وجل ". أخرجه أحمد من طريقين عن عمرو بن عبسة مرفوعا في أثناء حديث تقدم ذكره وتخريجه قبل حديث، فهذا القدر منه حسن بمجموع الطريقين أيضا". وهو موافق لحديث عبد الله بن عمرو المتقدم، وقد علمت أنه في الصحيحين. وفي إرواء الغليل, (5/33): "(1208) - (وعن معاوية وغيره مرفوعاً: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه أبو داود (ص 288) . * صحيح. أخرجه أبو داود (2479) وكذا الدارمى (2/239 ـ 240) والنسائى فى " السنن الكبرى " (50/2) والبيهقى (9/17) وأحمد (4/99) عن عبد الرحمن بن أبى عوف عن أبى هند البجلى عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: ورجال إسناده ثقات غير أبى هند فهو مجهول , لكنه لم يتفرد به فأخرجه الإمام أحمد (1/192) من طريق إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد يرده إلى مالك بن يخامر عن ابن السعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل ". فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات , والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله , ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة , ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من الغرب , فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه , وكفى الناس العمل ". قلت: وهذا إسناد شامى حسن , رجاله كلهم ثقات , وفى ضمضم بن زرعة كلام يسير. وابن السعدى اسمه عبد الله واسم أبيه وقدان صحابى معروف , ولحديثه طريق أخرى عنه أخرجه النسائى , وبعضها ابن حبان (1579) والبيهقى وأحمد (5/270) . وله عنده (4/62 , 5/363 , 375) طريقان آخران عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم , والظاهر أنه ابن السعدى نفسه. وأحدهما إسناده صحيح". وفي صحيح الترغيب والترهيب (2/701): 2604 - (4) [صحيح] وعن عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما قال: خطَبَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إيَّاكُمْ والظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظلُماتٌ يومَ القِيامَةِ، وإيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ، وإيَّاكُمْ والشُّحَّ، فإنَّما هلَكَ مَنْ كان قَبْلَكُم بالشُّحِّ، أَمَرهُم بالقَطيعةِ فقَطَّعوا، وأَمَرهُم بالبُخْلِ فبَخِلوا، وأمَرهُمْ بالفُجورِ فَفَجَروا". فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله! أيُّ الإِسْلامِ أفْضَل؟ قال: "أنْ يَسْلَم المسلمونَ مِنْ لِسانِكَ وَيدِكَ". فقال ذلك الرجل أو غَيْرُه: يا رسولَ الله! أيُّ الهِجْرَةِ أفْضَلُ؟ قال: "أنْ تَهْجُرَ ما كَرِهَ ربُّكَ، والهِجْرَة هِجْرتَانِ: هجْرَةُ الحاضِرِ، وهِجْرَةُ البَادِي، فهِجْرَةُ البادِي أنْ يُجيبَ إذا دُعيَ، ويُطيعَ إذا أمِرَ، وهِجْرَةُ الحاضِرِ أعْظَمُها بَلِيَّةً، وأفضَلُها أجراً". رواه أبو داود مختصراً، والحاكم واللفظ له، وقال: "صحيح على شرط مسلم". ومثله ما رواه أحمد رحمه الله بسند ضعيف فقال: 7095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حَنَانُ بْنُ خَارِجَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَوِيٌّ جَرِيءٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنِ الْهِجْرَةِ، إِلَيْكَ أَيْنَمَا كُنْتَ، أَوْ لِقَوْمٍ خَاصَّةً، أَمْ إِلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ، أَمْ إِذَا مُتَّ انْقَطَعَتْ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ؟ " قَالَ: هَا هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " الْهِجْرَةُ أَنْ تَهْجُرَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ أَنْتَ مُهَاجِرٌ وَإِنْ مُتَّ بِالْحَضَرِ ". قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة, (5/405)، تحت رقم 2383: "قلت: وهذا إسناد ضعيف، حنان هذا قال الذهبي: " لا يعرف، تفرد عنه العلاء بن عبد الله بن رافع، أشار ابن القطان إلى تضعيفه للجهل بحاله ". والحديث رواه غير أحمد أيضا، فانظر " ضعيف أبي داود " (434)" . فهذه الأحاديث ذكرت لنا نوعا من الهجرة يسمة من تمسك به مهاجرا وإن كان في بيته، وهو نوع متاح لهذه الأمة بحمد الله ما دام على الأرض مسلم حي. --كلام العلماء حول هذا النوع من الهجرة: إن من الأحاديث المشتهرة عندنا حديث عمر رضي الله عنه الذي افتتح به البخاري رحمه الله صحيحه، وكذلك فعل غيره في كتبهم وهو حديث, {إنما الأعمال بالنيات}، وفيه: {فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله}. قال ابن القيم رحمه الله في الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه ص16-17: "فصل: [في الهجرة إلى الله ورسوله] لما فصل عير السفر واستوطن المسافر دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه، أحدث له ذلك نظراً فأجال فكره في أهم ما يقطع به منازل السفر إلى الله، ويُنفق فيه بقية عمره فأرشده من بيده الرشد إلى أن أهم شيء يقصده إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله، فإنها فرض عين على كل أحد في كل وقت، وأنه لا انفكاك لأحد عن وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من العباد. إذ الهجرة هجرتان: الهجرة الأولى: هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها. والهجرة الثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا. وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية وهي الأصل وهجرة الجسد تابعة لها. وهي هجرة تتضمن (من) و (إلى) فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له، وهذا بعينه معنى الفرار إليه قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} ، والتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه". إلى أن قال ص19 20: "والمقصود أن الهجرة إلى الله تتضمن: هجران ما يكرهه وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحب والبغض، فإن المهاجر من شيء إلى شيء لا بد أن يكون ما هاجر إليه أحب مما هاجر منه، فيؤثر احب الأمرين إليه على الآخر. وإذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه إنما يدعوانه إلى خلاف ما يحبه ويرضاه، وقد بلي بهؤلاء الثلاث، فلا يزالون يدعونه إلى غير مرضاة ربه، وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربه فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله ولا ينفك في هجرته إلى الممات". ثم شرع في بيان قوتها وضعفها فقال ص21: "فصل: [الهجرة بين القوة والضعف]وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب داعي المحبة في قلب العبد، فإن كان الداعي أقوى كانت هذه الهجرة أقوى وأتم وأكمل. وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة حتى لا يكاد يشعر بها علماً، ولا يتحرك لها إرادة. والذي يقضي منه العجب: أن المرء يوسع الكلام ويفرغ المسائل في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح، وهذه هجرة عارضة، ربما لا تتعلق به في العمر أصلاً. وأما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الأنفاس فإنه لا يحصل فيها علما ولا إرادة وما ذاك إلا للإعراض عما خلق له، والاشتغال بما لا ينجيه وحده عما لا ينجيه غيره. وهذا حال من عشت بصيرته وضعفت معرفته بمراتب العلوم والأعمال. والله المستعان، وبالله التوفيق، لا اله غيره ولا رب سواه". وأما الهجرة إلى رسول الله فقال في تبيين غربة صاحبها حين يستمسك بالسنة: "فسالكها غريب بين العباد، فريد بين كل حي وناد، بعيد على قرب المكان، وحيد على كثرة الجيران، مستوحش مما به يستأنسون، مستأنس مما به يستوحشون، مقيم إذا ظعنوا، ظاعن إذا قطنوا، منفرد في طريق طلبة، لا يقر قراره حتى يظفر بأربه، فهو الكائن معهم بجسده، البائن منهم بمقصده، نامت في طلب الهدى أعينهم، وما ليل مطيته بنائم، وقعدوا عن الهجرة النبوية، وهو في طلبها مشمر قائم، يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويزرون عليه ازراءه على جهالاتهم وأهوائهم، ... ". إلى آخر ما قاله رحمه الله، والكتاب نافع لمن أراد الفائدة. وفي شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين (1/21): "الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل، وتكون للمكان. القسم الأول: هجرة المكان: فأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي، ويكثر فيه الفسوق، وربما يكون بلد كفر إلي بلد لا يوجد فيه ذلك. وأعظمه الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وقد ذكر أهل العلم إنه يجب على الإنسان أن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إذا كان غير قادر على إظهار دينه. وأما إذا كان قادراً على إظهار دينه، ولا يعارض إذا أقام شعائر الإسلام؛ فإن الهجرة لا تجب عليه، ولكنها تستحب، وبناء على ذلك يكون السفر إلى بلد الكف أعظم من البقاء فيه، فإذا كان بلد الكفر الذي كان وطن الإنسان؛ إذا لم يستطع إقامة دينه فيه؛ وجب عليه مغادرته، والهجرة منه. فذلك إذا كان الإنسان من أهل الإسلام، ومن بلاد المسلمين؛ فإنه لا يجوز له أن يسافر إلى بلد الكفر؛ لما في ذلك من الخطر على دينه، وعلى أخلاقه، ولما في ذلك من الخطر على دينه، وعلى أخلاقه، ولما في ذلك من إضاعة ماله، ولما في ذلك من تقوية اقتصاد الكفار، ونحن مأمورون بأن نغيظ الكفار بكل ما نستطيع". إلى أن قال (1/27-27): "القسم الثاني: هجرة العمل، وهي أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) فتهجر كل ما حرم الله عليك، سواء كان مما يتعلق بحقوق الله، أو ما يتعلق بحقوق عباد الله؛ فتجهر السبب والشتم والقتل والغش وأكل المال بالباطل وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وكل شيء حرم الله تهجره، حتى لو أن نفسك دعتك إلى هذا وألحت عليك، فاذكر أن الله حرم ذلك حتى تهجره وتبعد عنه. القسم الثالث: هجرة العامل، فإن العامل قد تجب هجرته أحياناً، قال أهل العلم: مثل الرجل المجاهر بالمعصية؛ الذي لا يبالي بها؛ فإنه يشرع هجره إذا كان في هجره فائدة ومصلحة. والمصلحة والفائدة إنه إذا هجر عرف قدر نفسه، ورجع عن المعصية. ومثال ذلك: رجل معروف بالغش بالبيع والشراء؛ فيهجره الناس، فإذا هجروه تاب من هذا ورجع وندم، ورجل ثان يتعامل بالربا، فيهجره الناس، ولا يسلمون عليه، ولا يكلمونه؛ فإذا عرف هذا خجل من نفسه وعاد إلى صوابه، ورجل ثالث-وهو أعظمهم-لا يصلي؛ فهذا مرتد كافر - والعياذ بالله -؛ يجب أن يهجر؛ فلا يرد عليه السلام، ولا يسلم عليه، ولا تجاب دعوته حتى إذا عرف نفسه ورجع إلى الله وعاد إلى الإسلام انتفع بذلك. أما إذا كان الهجر لا يفيد ولا ينفعن وهو من أجل معصية، لا من أجل كفر، لأن الهجر إذا كان للكفر فإنه يهجر. والكافر المرتد يهجر على كل حال - أفاد أم لم يفد - لكن صاحب المعصية التي دون الكفر إذا لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يحل هجره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. ومن المعلوم أن المعاصي التي دون الكفر عند أهل السنة والجماعة لا تخرج من الإيمان. فيبقى النظر بعد ذلك؛ هل الهجر مفيد أو لا؟ فإن أفاد، وأوجب أن يدع الإنسان معصيته فإنه يهجر، ودليل ذلك قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم - الذين تختلفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين بهجرهم، لكنهم انتفعوا في ذلك انتفاعا عظيماً ولجأوا إلى الله، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتابوا وتاب الله عليهم. هذه أنواع الهجرة: هجرة المكان، وهجرة العمل، وهجرة العامل". وينسب للشيخ صالح الفوزان حفظه الله مقال بعنوان أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب، جاء فيه: "من أنواع الهجرة هجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]، الرجز: الأصنام. وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها. ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه. ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية، حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله، وكذلك الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به. وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة. فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي: هجر أمكنة الكفر... وهجر الأشخاص الضالين... وهجر الأعمال والأقوال الباطلة.. وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة. فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي، أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛ فهم يتحدثون عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان، وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!! يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة، بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم، فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟ فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74]. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. صالح بن فوزان الفوزان". دار القاسم والحاصل أن هناك هجرة لم يغلق بابها بحمد الله بعد، وهي هجرة السوء مما كرهه الله ونهى عنه من الذنوب والخطايا، يسمى صاحبها مهاجرا بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي هجرة بالقلب، ولولا هذه الهجرة ما وقعت هجرة البدن، وهي هجرة متجددة دائما، تقوى بقوة محبة المهاجر إليه وهو الله ورسوله، أما هجرة الأبدان فعلى فضلها فقد لا تتهيأ للمرء إلا مرة واحدة، أو لا تتهيأ له أصلا, لسكناه في بلد إسلام، شعائر الإسلام فيها ظاهرة، والغلبة للسنة لا للبدعة، ولا يفهم من هذا الكلام التقليل من هجرة السابقين الأولين، أو الاستنقاص من هجرة البدن، فالسابقون الأولون جمع الله لهم بين الهجرتين، فكانوا هم المهاجرون حقا، ولذا قال الله فيهم: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}". وهكذا أخي الكريم، فلئن فاتتك هجرة الأبدان بإنعام الله عليك أن تعيش في بلد إسلام فلا يفوتنك فضل هجرة القلوب وبقية أنواع الهجرة كما مضى تفصيله، والله الموفق.

الجمعة، 4 مارس 2022

تنبيه على رسالة منتشرة في فضل شهر شعبان:

تنبيه على رسالة منتشرة في فضل شهر شعبان: يتناقل الإخوة الكرام رسالة في فضل شهر شعبان وفيها: "شهــــــــر شعبان 🍃قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله 🍃 كان المسلمون اذا دخل شهر شعبان اكبوا على المصاحف وأخرجوا الزكاة 📚فتح الباري ٣١٠/٣١١/١٣”. 🍃ماذا كان يصنع السلف في شعبان🍃 🌸 قال سلمة بن كهيل : كان يقال شهر شعبان شهر القراء 🌸و كان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال : هذا شهر القراء 🌸وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته و تفرغ لقراءة القرآن. 📚لطائف المعارف 138" وعلى هذا النقل ملحوظتان: الأولى: نسبة هذا القول للحافظ ابن حجر توهم أنه القائل له، وليس كذلك كما ستراه، ويوهم هذا أنه كان هذا على زمانه، أو أنه كان من الزمان الأول إلى زمانه، فكأن الناس تواتروا على أفضلية إخراج الزكاة في شعبان، والحافظ ابن حجر رحمه الله كانت وفاته رحمه الله أواخر ذي الحجة 852 هـ، فلو كان هذا على زمانه لم يكن في أهل زمانه حجة على أفضلية الزكاة في شعبان. الثانية: أن اختصار كاتب الرسالة أوقع في هذا الوهم، فنص ابن حجر رحمه الله كما في الفتح (13/310)، كما يلي: "[7338] قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ وَتَقَدَّمَ لَهُ الحَدِيث التَّاسِع قَوْلُهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا اقْتَصَرَ مِنَ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ ... ". إلى أن قال (13/310-311): "وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَزَادَ فِيهِ يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي أَوَاخِرِ الرُّبْعِ الرَّابِعِ مِنْهُ وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَرَادَ شَهْرَ رَمَضَانَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ قُلْتُ وَقَعَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي جُزْءِ الْفَلَكِيِّ بِلَفْظِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ وَأَخْرَجُوا الزَّكَاةَ وَدَعَا الْوُلَاةُ أهل السجون الحَدِيث مَوْقُوف". فالحكاية عن ابن حجر في الرسالة المنتشرة غير دقيقة, فهو حديث ضعيف موقوف على أنس رضي الله عنه، فلا تثبت فضيلة للزكاة في شهر شعبان بمثله، وسبقه نقل لحديث خطبة عثمان رضي الله عنه الذي فيه ذكر شهر الزكاة، ولم يثبت في رواية أبي عبيد عن الصحابي السائب بن يزيد رضي الله عنه هذا الشهر، غير ما ذكره بعض رواة الحديث أنه شهر رمضان، ونقل ابن حجر عن أبي عبيد أنه جاء من وجه آخر أنه شهر الله المحرم، والإجمال الذي ورد في تلك الرسالة ضيع كل هذا، والزكاة كما هو معلوم في أحكامها وشروطها أنه ينبغي أن يمر على ما بلغ النصاب فيها حول، فكل نصاب وحوله، وعلى هذا فالزكاة تكون سائر العام بحسب حول كل ما فيه زكاة مما يبلغ نصابا. والعجب من صاحب هذه الرسالة كيف أنه نقل بعد هذا الكلام الذي نسبه لابن حجر عن ابن رجب آثارا في فضل الانكباب على المصحف في شهر شعبان عن السلف، وقد ذكر ابن رجب في لطائف المعارف هذا الأثر الضعيف عن أنس قبل منقول صاحب الرسالة مباشرة وبين الحكم فيه صراحة، فكيف غفل عنه ولم يلتفت إليه؟ ففي لطائف المعارف (1/135): "روينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن". فهذا ابن رجب رحمه الله نص على ضعف الرواية عن أنس رضي الله عنه لئلا يقول قائل إن إخراج الزكاة سنة مستحبة كان يفعلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل كاتب الرسالة أراد الاختصار لكراهية الناس للرسائل الطوال، ومع هذا، فالحذر من أسالي الإجمال هذه التي قد تؤدي إلى هذه الأوهام أو أكبر منها، والله أعلم