#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الخميس، 19 يوليو 2018

#تأملات: الفرق بين قول الله تعالى: عن العسل: {فيه شفاء} وقوله تعالىعن القرآن : {وننزل من القرآن ما هو شفاء} الآية.

#تأملات: الفرق بين قول الله تعالى: عن العسل: {فيه شفاء} وقوله تعالىعن القرآن : {وننزل من القرآن ما هو شفاء} الآية. قال ابن كثير في تفسير آية النحل: وقوله : ( فيه شفاء للناس ) أي : في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم . قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه : " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء ، ولكن قال ( فيه شفاء للناس ) أي : يصلح لكل أحد من أدواء باردة ، فإنه حار ، والشيء يداوى بضده . ا.ه رحمه الله. وأما عن آية الإسراء، فقال الشيخ الشنققيطي رحمه الله في أضواء البيان: وقوله في هذه الآية : ما هو شفاء [ 17 \ 82 ] يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه ; كالشك والنفاق وغير ذلك ، وكونه شفاء للأجسام إذا رقي عليها به ، كما تدل له قصة الذي رقى الرجل اللديغ بالفاتحة ، وهي صحيحة مشهورة ، وقرأ أبو عمرو وننزل بإسكان النون وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي ، والعلم عند الله تعالى . ا.ه رحمه الله. فعبارة القرآن عن العسل بتقديم الجار والمجرور المتعلقان بمحذوف خبر، والمبتدأ شفاء نكرة. وعبارة القرآن عن القرآن جاءت بذكر ضمير الشأن وجاءت لفظة شفاء خبرا. وهذا يبين أن القرآن كله شفاء، فمنه ماا هو شفاء للبدن ومنه ما هو شفاء لأمراض القلوب. وكلام الأطباء الذي ذكره ابن كثير له وجه من اللغة، فالعسل سبق بحرف الجر في، وحرف الجر في يفيد الظرفية أي أن العسل يحتوي على شفاء، والجار والمجرور {فيه} شبه جملة خبر مقدم، وتقديم الخبر يفيد التخصيص، وجملة {فيه شفاء} جاءت مبينة لصفة من صفات الشراب، وكلمة شفاء جاءت مبتدأ منكرا في سياق الإخبار، فلا تفيد عمووما، بل تنكيرها ومجيؤها مبتدأ وتقدم ذكر العسل عليها عاملا في ضميره حرف الجر في المفيد للظرفية يقيد هذا الشفاء مع كون الشفاء صفة من صفاته. أما القرآن فقوله تعالى: {من القرآن} من لبيان الجنس، وهي بمعنى أي، وليست من تبعيضية، فالكلام في غير القرآن, وننزل أي القرآن، وليس معنى الكلام, وننزل القرآن الذي بعضه شفاء، والدليل قوله تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالو لولا فصلت آياته أاعجمي وعربي، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، والضمير هو في الآيتين يعود على القرآن كله لا على بعضه، وكلمة شفاء هنا جاءت خبرا عن جميع القرآن، ولا يضر تنكيرها، بل هو الموافق لسوق الكلام, فهي متممة لمعنى الجملة وليست صفة، والفارق أن الخبر فيه إعطاء فائدة، وفيه بيان لأن هذه الفائدة من ماهية المخبر عنه وهو القرآن، أو أنها خصيصة من خصائصه، بخلاف الصفة فإنها يكثر أن تكون في المخلوقات عرضية، وقد يفهم من تعريف كلمة الشفاء في آية الإسراء وآية الزخرف إفادة الحصر الحقيقي للشفاء في القرآن، لأن تعريف المبتدأ والخبر من أساليب الحصر والقصر في لغة العرب، ولكن لما كان المراد بيان أن القرآن كله شفاء وفي غيره شفاء لكن القرآن أععظم ما يتداوى به لأمراض القلوب والأبدان جاءت كلمة الشفاء خبرا منكرا. والله أعلم.

الاثنين، 2 يوليو 2018

من معضلات الإلغاز النحوي في الدربة والمران, إعراب (هو هو) أنموذجا:

من إشكالات التلغيز في الدربة والمران على الإعراب إعراب (هو هو) أنموذجا. أرسل أحد الإخوة ملغزا يطلب إعراب, (هو هو)، ، والحق أن في السؤال إشكالا، وفي الجملة إجمالا،وهو: هل هذه الجملة كما وردت في السؤال تعد كلاما بالمعنى الاصطلاحي النحوي ليعرب ؟ أي, هل يحسن السكوت عليه؟ وهل تعد كما عرضت في الإلغاز كلاما فصيحا؟ وقد يعد بعضم ن يقرأ هذه السطور حول الأثر السلبي للإلغاز من العبث، فإنما هو من باب اللهو والترويح، أو أن كتابة هذه السطور حول كلام من قبيل اللغو من باب تضييع الوقت فيما هو قليل النيل، لكن، يا ترى، لماذا يسود في الوسط العام كراهية النحو والإعراب؟ وما الذي جرأ بعض المتحذلقين فكتب مقالا عنوانه, (الإعراب، هذا الخراب)؟ وقد مرت مرحلة لا يمكن تناسيها ولو على سبيل التاريخ ساد منهج يطمح لتجديد النحو، وذلك باعتبار أن ما شاع عند النحاة من تقاعيد معيارية أوقعت في كثير من الإشكالات، والأولى الاستغناء عن ذلك بالتعامل مع الظواهر بالوصفية، فغيروا أقسام الكلام ووسعوها، وعدوا فرضية أن الإعراب فرع عن المعنى مجرد فرضية ذهنية، لا يمكن إثباتها واقعا، وقد تبنى هذا المنهج أساتذة يشار إليهم بالبنان، ومن هؤلاء د. تمام حسان في كتبه, اللغة العربية معناها ومبناها، واللغة بين المعيارية والوصفية، ومناهج البحث في اللغة، فهو يفترض في كتابه اللغة العربية معناها ومبناها، نصا هرائيا كما يصفه على هيئة شعر فيقول في ص183: "انظر مثلًا إلى ما يأتي: قَاصَ التَّجِينُ شِحَالَه بِتَريسِهِ ... فاخِي فَلَمْ يَسْتَفِ بِطَاسيةِ الْبَرَنْ" ثم يقوم بعد ذلك بإعراب هذا النص الهرائي كما يصفه، منتقدا قاعدة, أن الإعراب فرع عن المعنى. وانظر كيف يتهكم بمن بعج القياس ومد النحو، وهو عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي فيقول في الصفحة نفسها: "إن من حسن الحظ أن ابن إسحاق -رضي الله عنه- لم يتأخر به زمانه حتى يقرأ ما يبدو هنا أنه أريد به أن يكون من قبيل الشعر, ولو قد حدث هذا لعده من شعر الجنّ, أو لزعم أن آدم قاله قبل أن يعلمه الله الأسماء كلها، ربما دون أن يردف ذلك بقوله: والله أعلم". ثم يقول في ص184: "ولو كان الإعراب فرع المعنى الدلالي ما استطعنا كذلك أن نعرب قول المجنون بن جندب: محكوكة العينين معطاء القفا ... كأنما قدت على متن الصفا تمشي على متن شراك أعجفا ... كأنما ينشر فيه مصحفا فإن أبا العلاء العماني لم يستطع تفسير ذلك, ولم يستطع ذلك أبو عبيدة ولا الأصمعي ولا أبو زيد, وقال أبو زيد: إنه كلام مجنون ولا يعرف كلام المجانين إلّا مجنون". فإن كان هذا حال من طالع كتب اللغة وتخصص فيها، فكيف بحال العامة؟! وقد اشتد نكيره على العامل وتأثيره، وعنده أن ما يؤثر في الإعراب هي أمور وظيفية تنشأ من المستويات الثلاثة, الصوتي، الصرفي، التركيبي، وأما الدلالي فلا علاقة له بأمور المبنى ومنه الإعراب. ساد هذا المنهج إلى أن ظهرت نظرية تشومسكي التوليدية والتحويلية، وترجمت إلى العربية، وعاد بعد المدارس المتأثرة بالوصفية للنحو هيبته. فهل كنا بحاجة إلى تشومسكي ليعيد لنا هيبة النحو؟ وقد سبق أهل العربية إلى بيان المقصود بالنظم، وهو معاني النحو التي لم يدقق فيها د. تمام حسان ومن نهج نهجه، ومعاني النحو غير المعنى المعجمي. لكن، ما علاقة هذا كله بالإشكالات في الإلاغز؟ وإعراب, (هو هو)، إن هذه الألاغز التي ساد تداولها في أزمنة ليست بالقصيرة هي التي أتاحت لسلك التغريب التغلغل في نقد اللغة، فبدت عندهم كائنا جامدا، بينما علماؤنا المتقدمون تعاملوا معها على أنها شريان نابض يتدفق بالمعاني، وهي مع هذا لها قداسة وخصوصية لأنها اللغة التي بلغنا بها الوحي، من كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. ولعلك أيها القارئ الكريم حين تطالع كلام شيخ الإسلام الآتي في عود الضمير سترى ذلك جليا. وقد أعرب بعض الإخوة بارك الله فيه هذه الجملة, (هو هو) بدون اعتبار ما فيها من إبهام، على أن الضمير (هو) الأول مبتدأ، والثاني خبر، ولذا وردت الأسئلة التالية: هل تكلمت العرب بهذا الكلام على أنه جملة مؤسسة؟ وهل لهذين الضميرين المبهمين من عائد؟ إن من المسلمات المعلومة عند المبتدئين في دراسة النحو فضلا عن غيرهم أن موضوع علم النحو الكلام المركب المفيد بالوضع، ولا بد من شرط الإفادة، وهذه الجملة كما وردت في السؤال مكونة من ضمير مكرر للغائب، ويقول العلماء: إن الضمائر من الأسماء المبهمة، أي, لا تختص بمعين، فهي لا تدل على شخص بعينه مثلا، فكل شخص يقول أنا، ويصدق على كل مخاطب مذكر أن تقول له أنت، وضمائر الخطاب والتكلم استغني بدلالتهما على الحضور فلا يحتاجان إلى عائد، بينما ضمير الغائب لا بد فيه من عائد يعود عليه، إما مذكور، وإما موصوف في الذهن، كما هو الحال في ضمير الشأن, كما في قول الله تعالى: {قل هو الله أحد}، فليس للضمير ما يعود عليه، ولكن الذهن يقدره بالشأن أو القصة أو الحال، وقوله تعالى: {وهو محرم عليكم إخراجهم}، أي والشأن أو الحال أنه محرم عليكم، فهنا في جملة (هو هو) علام يعود الضمير المكرر؟ فلو قلت لشخص ابتداء: هو هو، فلن يفهم عنك مقالك، زد على ذلك أن العلماء فسروا استعمال العرب لضمير الفصل أو العماد بألا يلتبس المعنى بين ما هو مبتدأ وخبر، وما هو موصوف وصفة، وبين ما هو توكيد في مثل قولك: (العذر هو العذر)، وما أشبهها من التراكيب. وأما ما تكلمت به العرب مما صورته مشابهة لهذه الجملة من تكرار الضمير فيها فإن العرب تكلمت به على وجود عائد، ومثاله ما يعرف بالمسألة الزنبورية، وفيها: كنت أظن أن النحل أشد لسعا من الزنبور، فإذا هو هي. فالمتكلم حين يسمع (فإذا هو هي)، لا يلتبس عليه الفهم, لأن للضميرين عائدا. وكذلك في بيت أبي خراش الهذلي: *رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع* فقلت وأنكرت الوجوه هم هم* فالضمير المكرر في البيت يرجع إلى الذين أمنوه ليقتلوه بقتيلهم، فللضمير مرجع، ويبقى في البيت, هل الضمير المكرر يعرب مبتدأ وخبرا؟ أم هو على سبيل التوكيد اللفظي؟ قال ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة ص /137: " وربّما حَذفت العربُ ألف الاستفهام. ومن ذلك قول الهُذْلِيّ: رَفوْنِي وقالوا يا خويلدُ لم ترَعْ ... فقلت وأنكرتُ الوجوهَ همُ همُ أراد: أهم?". وتبعه القرطبي رحمه الله في تفسيره ج11، ص287 وذلك عند كلامه على قول الله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون}، وغيرهما. وذهب ابن جني في الخصائص إلى أن ما في اللفظ المكرر الثاني من المعنى ما ليس في اللفظ الأول، لكن، كأن سياق الكلام عنده على التقرير لا الاستفهام، جاء في الخصائص ج3، ص340-341: " فإن قلت: فقد قال أبو النجم: أنا أبو النجم وشعري شعري وقال الآخر: إذ الناس ناسٌ والبلاد بغرة ... وإذ أم عمار صديقٌ مساعف "وقال آخر": بلاد بها كنا وكنا نحلها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد وقال الآخر: هذه رجائي وهذي مصر عامرةً ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب وأنشد أبو زيد: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هُم هُم قيل: هذا كله وغيره مما هو جار مجراه، محمول عندنا على معناه دون لفظه؛ ألا ترى أن المعنى: وشعري متناهٍ في الجودة، على ما تعرفه وكما بلغك، ، وقوله: إذ الناس ناس أي: إذ الناس أحرار، والبلاد أحرار، وأنت أنت أي: وأنت المعروف بالكرم، وهم هم أي: هم الذين أعرفهم بالشر والنكر لم يستحيلوا ولم يتغيروا". وعلى تقدير الاستفهام فالضميران يعربان مبتدأ وخبرا، ولا إشكال، لتعلقهما بكلام سابق، ولهما عائد. لكن، في ديوان الهذليين وفي شرح أشعار الهذليين، وفي كتاب الأغاني أن لهذه القصيدة قصة، وهذا سوقها بتمامها, لعلنا نستفيد منها المرجح. قال صاحب خزانة الأدب ج1، ص440-442: الشاهد الثاني والسبعون رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم لما تقدم في البيت قبله، أي: هم الذين يطردونني ويطلبون دمي. وهذا البيت لأبي خراش الهذلي، مطلع قصيدة، وهي ستة عشر بيتاً، ذكر فيها تفلته من أعدائه حين صادفهم في الطريق كامنين له، وسرعة عدوه حتى نجا منهم. روى السكري في " شرح أشعار الهذليين " عن الأخفش قال: " خرج أبو خراش وأم خراش يريدان بعض أهلهما، فمرا بخزاعة، فلما رأتهما خزاعة قالوا: هذا أبو خراش وامرأته فلا تهيجوهما حتى يدنوا منا. فقال أبو خراش لأم خراش: فإن سألوك فقولي: تخلف كأنه يقضي حاجة، وهو مار بكم. فمضت حتى إذا علم أبو خراش أنها قد جاوزت الثنية وأمنهم جاء يمشي رويداً حتى مر في وسطهم، فسلم فردوا عليه السلام، فقال: ممن أنتم؟ قالوا: إخوتك وبنو عمك منهم، فهموا به فعدا وعدوا على إثره، فأعجزهم وجعلوا ينظرون إليه ويرمونه، ونجا منهم " وفي " الأغاني " بسنده: " أن أبا خراش الهذلي خرج من أهله هذيل، يريد مكة، فقال لزوجته أم خراش: ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة، وإن بني الديل يطلبونني بترات، فإياك أن تذكريني؟ فخرج بها وكمن لحاجته، وخرجت إلى السوق لتشتري عطراً وما تحتاجه النساء فمر بها فتيان من بني الديل فقال أحدهما لصاحبه: أم خراش ورب الكعبة؟ فسلما عليها فقالت: بأبي أنتما من أنتما؟! فقالا: رجلان من أهلك هذيل. قالت: فإن أبا خراش معي فلا تذكراه لأحد، ونحن رائحون العشية. فجمع الرجلان جماعة وكمنوا في طريقه، فلما نظر إليهم قال لها: قتلتني. قالت: ما ذكرتك ورب الكعبة إلا لفتيين من هذيل. فقال: والله ما هما من هذيل ولكنهما من بني الديل، وقد جلسا لي وجمعا جماعة من قومهما، فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم، فاركضي بعيرك وضعي عليه العصا. فكانت على قعود يسابق الريح. فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمراً على طريقه على كساء فوقف قليلاً كأنه يصلح شيئاً - وجازتهم أم خراش ووضعت العصا على قعودها - وتوثبوا إليه، فوثب العدو، وسبقهم ولم يلحقوه. وقال أبو خراش في ذلك هذه القصيدة " . فهذه القصة على اختلاف رواياتها فيما ذكر من كتب تفيد بجزمه بأنهم أعداؤه، وسياق القصة على هذا يرجح جانب أن الكلام تقرير. وعليه، فإن كان استفهاما فالإعراب على أن الضمير المكرر مبتدأ وخبره، وإن كان الكلام إخبارا فللإعراب وجهان, إما مبتدأ وخبر، وإما أن الضمير الأول مبتدأ والثاني توكيد لفظي والخبر محذوف تقديره الذين أخاف أو أحذر، أو هم هم أعدائي، فكأنه يخاطب نفسه حاثا لها على الحزم في الحذر والفرار، فالحاصل أن للضمير المكرر عائدا. وكذلك الحال في عبارات سيبويه، وهو الذي حصلت معه المسألة الزنبورية، ومنها عن بدل الاشتمال ج1 ص151): "ويكون على الوجه الآخرَ الذي أذكره لك وهو أن يَتكلّمَ فيقولَ رأيتُ قومَك ثم يَبْدوَ له أن يبيَّنَ ما الذى رأى منهم فيقولَ ثُلُثَيْهم أَو ناساً منهم | ولا يجوز أن تقول رأيتُ زيدا أباه والأبُ غيرُ زيد لأنّك لا تبينَّه بغيره ولا بشيء ليس منه | وكذلك لا تثنَّي الاسم توكيداً وليس بالأوَّل ولا شيء منه فإِنَّما تثنَّيه وتُؤكَّدُهُ مُثَنًّى بما هو منه أو هو هو" فللضمير مرجع في بداية الكلام. وأما استعماله هكذا بلا عائد، وبلا سياق يلتحق به فإنه بغض النظر عن سلوك الإلغاز يدخل فيه أمور كثيرة دخلت في الفلسفة والإلهيات، وعلم النفس، ومسائل جدلية لا خير فيها، اقرأ كلام شيخ الإسلام في ج10 ص226-227: ويبين ذلك أن أفضل الذكر " لا إله إلا الله " كما رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله } وفي الموطأ وغيره عن طلحة بن عبد الله بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } . ومن زعم أن هذا ذكر العامة وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد وذكر خاصة الخاصة هو الاسم المضمر فهم ضالون غالطون . واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله : { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } من أبين غلط هؤلاء فإن الاسم هو مذكور في الأمر بجواب الاستفهام . وهو قوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } إلى قوله { قل الله } أي الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى فالاسم مبتدأ وخبره قد دل عليه الاستفهام كما في نظائر ذلك تقول : من جاره فيقول زيد . وأما الاسم المفرد مظهرا أو مضمرا فليس بكلام تام ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة ولا شرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ولا حالا نافعا وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة . والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره . وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد . كما قد بسط في غير هذا الموضع . وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات . حال لا يقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ; إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله وقال : { من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة } ولو كان ما ذكره محذورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتا غير محمود بل كان يلقن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد". فالإخلال بشرط الإفادة التي يحسن السكوت عليها سبب في الوقوع في الإلحاد، والحيدة عن منهج النبوة في الذكر بورع لا حقيقة له، وهو خوف الموت بين النفي والإثبات في كلمة التوحيد، هذا والاسم المفرد له معنى معجمي متعارف عليه، فكيف باستعمال المبهمات معزولة عن سياقها؟ قال شيخ الإسلام بعد ذلك في المصدر نفسه ص227 "والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان فإن من قال : يا هو يا هو أو : هو هو . ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه والقلب قد يهتدي وقد يضل وقد صنف صاحب " الفصوص " كتابا سماه " كتاب الهو " وزعم بعضهم أن قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } معناه وما يعلم تأويل هذا الاسم الذي هو " الهو ". فتأمل قوله, " لَمْ يَكُنْ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَّا إلَى مَا يُصَوِّرُهُ قَلْبُهُ وَالْقَلْبُ قَدْ يَهْتَدِي وَقَدْ يَضِلّ"، فليس كل قلب يوفق إلى معرفة الله بما بأسمائه وصفاته على الوجه الشرعي، وقد يتراءى له وهو ينادي بهذا النداء أو يسمع هاتفا يغره بأنه هو الله، أو ال(هو) الذي يخاطبه، كل ذلك بسبب الإخلال بشرط الكلام، واستعمال الضمير المبهم بلا عود، إلا إلى ما تصوره الذهن، وجال في الخاطر، وكيف لأعرف المعارف أن يعبر عنه بغير ما سمى به نفسه، بل يعبر عنه بالمبهمات؟ إلى أن قال رحمه الله ص233: "والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الله سبحانه هو ذكره " بجملة تامة " وهو المسمى بالكلام والواحد منه بالكلمة وهو الذي ينفع القلوب ويحصل به الثواب والأجر والقرب إلى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وغير ذلك من المطالب العالية والمقاصد السامية . وأما الاقتصار على " الاسم المفرد " مظهرا أو مضمرا فلا أصل له فضلا عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع" وقال أيضا ج10، ص565 "فثبت بما ذكرناه أن ذكر الاسم المجرد ليس مستحبا ; فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة . وأبعد من ذلك ذكر " الاسم المضمر " وهو : " هو " . فإن هذا بنفسه لا يدل على معين وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته ; ولهذا قد يذكر به من يعتقد [ أن ] الحق الوجود المطلق . وقد يقول : " لا هو إلا هو " ويسري قلبه في " وحدة الوجود " ومذهب فرعون والإسماعيلية وزنادقة هؤلاء المتصوفة المتأخرين بحيث يكون قوله " هو " كقوله : " وجوده " . وقد يعني بقوله : " لا هو إلا هو " أي : أنه هو الوجود وأنه ما ثم خلق أصلا ، وأن الرب والعبد والحق والخلق شيء واحد . كما بينته من مذهب " الاتحادية " في غير هذا الموضع". فلإبهام ضمير الغائب وحاجته إلى العائد لم يسعف الصوفية وأهل الباطل استعمال الضمير ولو في جملة لينجوا من الابتداع فضلا عن إلحاد الملحدين، حتى وهم يقولون: يا هو يا من لا هو إلا هو، أو يقولون هو هو زاعمين أنهم يقصدون بذلك الله جل جلاله، فلربما استعمل المبتدعة الإجمال فقال هذه العبارة والضمير فيها يعود على ما أضمره في نفسه، لكن العبارة ب(لا إله إلا الله) لا يرتاب فيها مرتاب، لأنه لا إجمال فيها. الخلاصة: هذه الجملة ولو كانت على سبيل الدربة والمران ليست على سنن العرب في كلامها بل هي على سبيل أصحاب المجملات من حلولية واتحادية وفلاسفة، والواجب التعامل مع اللغة العربية على أنها شريان نابض بالمعاني النفيسة، والدرر الثمينة، فالنحو وسيلة لا غاية، وسيلة لتفهم الوحيين أولا، ولكلام العرب ثانيا، واستخدامه وسيلة يوقف على مكنونات وأسرار تبهر العربي الذي بعدت به الشقة بينه وبين لغته، وتغير نظرته للنحو من ذلك الكائن الجامد ذي القوالب المصنعة سلفا، إلى ذلك الدليل الساطع على حياة لغة العرب, لغة الوحيين. وأما هذه العبارة على سبيل الإلغاز فحالها كما جاءت في السؤال بين أمرين, إما هراء لا معنى له، وإما مجملة يمكن أن يستخدمها أصحاب الأهواء لخدمة أهوائهم، ولكي تكون هذه الجملة على سنن العرب لا بد من عود الضمير على مذكور أو معلوم في الذهن يمنع التصورات الباطلة، واطلاع العربي على شيء من أسرار لغته الحية يبصره بالفارق الدقيق بين معاني النحو التي عناها أهل التصنيف في العربية، وبين ما انتقده المتأثرون بفكر الغرب من تمارين جامدة كانت من أحد أسباب نقدهم للنحو العربي. والله أعلم.