#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

السبت، 4 أغسطس 2018

الإبانة في نقض الإبانة عن غلط المستغل لحديث البطانة:

الإبانة في نقض الإبانة عن غلط المستغل لحديث البطانة:
نشر أحد كتاب المواقع السلفية إبانة جديدة، وما أكثر الإبانات في هذه الأيام، إبانات تحاكي إبانة ابن بطة رحمه الله وغيره من أهل العلم، لكن، في العنوان، وهي مع هذا إبانات فيها من المشكلات ما فيها، ومنها هذا المقال الذي هو بعنوان, (الإبانةة عن غلط المستغل لحديث البطانة)، وفرع عليه كاتب آخر مقالا آخر سماه, (المصعفقة مطية الروافض)، وهما مقالان أكثر فيهما صاحباهما من النقولات، وحاولا أن يشبكا خيوط المقالين، وقد استمد المقال الأول قوته من تغريدة نشرت للد. عرفات المحمدي وفقه الله بتاريخ ٢٤ مايو ٢٠١٨، ٥:٥٣ ص – قال فيها:
(مقال جيد نافع لأحد طلاب العلم
فيه وقفات طيبة ونقولات نافعة بإذن الله)، وهذا رابط التغريدةhttps://twitter.com/Arafatbinhassan/status/999634559670083584
وهذا رابط المقال الذي أثنى عليه د. عرفات وفقه الله:
https://t.co/dq2voPNBfo
وقد بدأ صاحب المقالة الأولى مقالته بوقفة طيبة بلا ريب في سياق تبيين منهجه وخطته في مقاله فبين لنا أمرين يكثر فيهما الخلل فقال:
(ينبغي " أن يُفهَم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرادُه من غير غلو ولا تقصير، فلا يُحمَّلَ كلامُه ما لا يحتمله، ولا يُقَصَّرَ به عن مراده وما قصَدَه من الهدى والبيان وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، بل سوءُ الفهم عن الله ورسوله أصلُ كلِّ بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، لا سيَّما إن أضيف إليه سوءُ القصد، فيتفق سوءُ الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حُسْن قَصْده، وسوءُ القصد من التابع، فيا محنةَ الدين وأهلهِ ! والله المستعان " كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الروح (184)).

وهو استهلال طيب ونقل نافع، لكن المحنة ليست في معرفته ونقله، بل في كيفية تطبيقه، ولا شك ما نقله صاحب المقال إلا ليوفي به، فهل وفق لذلك؟ هل نجح في عدم تحميل كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحتمل؟ وهل نجح في تجاوز التقصير به عن مراده؟
لك أن تقرأ المقال أو تقرأ هذه الأسطر وتنظر أيها القارئ المنصف، فأول ما يلزم من أراد بيان غلط المستغل أن يفهم كلام خصمه على مراد خصمه، ولا يحمله ما لا يحتمل، ثم يورد لك أدلته التي استدل بها خصمه، ووجه استدلال الخصم بها، ثم يبين لك صحة الدليل ومدى مخالفة فهم الخصم للدليل، ثم يبين لك القول الصحيح بدليله، ويوقفك على كلام أهل العلم في المسألة.
وأنت تفهم أيها القارئ المنصف من العنوان أن هناك نص استغله مستغل، ففسره على ما يوافق هواه، وعنوان المكتوب دعوى، وبيناته فحوى أسطره، وأول ما تحتاج إلى معرفته كلام ذلك المستغل بنصه وحروفه, لتلزمه الحجة به، وكذلك النص الذي صرفه عن معناه الأصلي إلى معنى يوافق هواه، ولست بعيد عهد أيها القارئ المنصف بأن هذا المقال جيد نافع فيه نقولات نافعة ووقفات طيبة.
أولا--- بيانه للقضية:
وها هو صاحب المقال يشرع في المراد حيث قال:
(وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه ) [ السلسلة الصحيحة 1802]
فيتبع الرجل هواه ويبذل جهده في لي أعناق نصوص يحسب أنها توافق هواه وتنصر ما أراده واشتهاه، ومن ذلك ما تناقله كثير من الناس في هذه الأيام من فهم مغلوط لحديث جليل، مع لزوم هذا الفهم الخاطئ والتنزيل العجيب من الطعن بأئمة أعلام رسخت أقدامهم في السنة وعظمت منزلتهم في الذب عن الدين والجهاد في سبيله، وذلك بالطعن في خواصهم وإطلاق اللسان في وصفهم بأنهم أهل شرّ وباطل وخسة ! ونحو ذلك من التهم الباطلة العرية عن الدليل المعتبر البعيدة عن صحيح النظر.
بل قالوا إن لهذه البطانة الشريرة – بزعمهم – تأثيراً على أهل العلم، وكأن هذه البطانة تزين لهذا العالم – المشهود بعلميته ! المعروف بتحريه ودقته !! المشهور بإنصافه وإصابته – ما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه .
فأسقطوا بهذا التأصيل أهل العلم ولزم منه وصف هؤلاء العلماء بالغفلة والتلقين والضعف، وأسقطوا بذلك أحكامهم ! جرحاً وتعديلاً وشككوا بكل ما يصدر منهم مما ينقله الثقات، على اعتبار أن بطانة الشيخ مجرمة في النقل للشيخ والنقل عنه !).
فالقضية التي يريد أن يعالجها ما تناقله كثير من الناس في هذه الأيام من فهم مغلوط لحديث جليل، مع لزوم هذا الفهم الخاطئ والتنزيل العجيب من الطعن بأئمة أعلام، ..... وذلك بالطعن في خواصهم وإطلاق اللسان في وصفهم بأنهم أهل شرّ وباطل وخسة ! ونحو ذلك من التهم الباطلة العرية عن الدليل المعتبر البعيدة عن صحيح النظر.

فهم مغلوط،يلزم منه الطعن في أئمة أعلام، من خلال الطعن في خاصتهم بتهم باطلة، عارية عن الدليل المعتبر، وهي تهم بعيدة عن صحيح النظر.
وهي إطلاقات لا تكون إلا ممن خبر القضية كلها, فعرف كلام كل طرف، ونظر في أدلة الفريقين، فهل يا ترى وصل كاتب المقال إلى هذه الرتبة؟، أم إنها مجرد دعاوى وإطلاقات؟ أم هو تقليد مجرد؟ والكاتب تصدى للردود، ومعنى ذلك أن له حظ من النظر، فلا ينفعه التقليد المجرد. وعموما لو اكتفى بأن قال: حكم العلماء بكذا وكذا لكان أولى، حتى لا يقع في إشكالات مع إطلاقاته هذه، ولو حصر الأمر في الفهم المغلوط وبيان ما يلزم منه من لوازم باطلة لكان أليق بمقصود المقال، لكنه عني ببيان موقفه من الإشكال الحاصل الذي قضيته في مقاله هذا جزء منهبهذه الإطلاقات، وكأنه حسم الموقف ممليا على القارئ وإن كان له حظ من النظر أن الحق في مقاله هذا فاقرأ وسلم. وتأمل أيها القارئ أنه إلى الآن لم يخبرك بالفهم المغلوط الذي يريد أن يفنده.
ويستمر في بيان دعوى المردود عليهم بمقاله هذا فيذكر تماديهم بأن زعموا أن بطانة الشيخ المذمومة تؤثر عليه بما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه
فهو يستعمل لفظ الزعم منكرا إمكان لتأثير البطانة السيئة على العلماء، وهي دعواه التي ينبغي أن يأتي عليها بالبرهان، فهل سيوفق في ذلك؟
يسوق هذا الكلام عليهم سياق إنكار، فالعالم الذي وصفت بطانته بهذه الأوصاف مشتهر بعلمه وأمانته ودقته وصوابه في أحكامه، ونتيجة الطعن في هذه البطانة إسقاط العالم، ولزم من كلام المردود عليه في مقاله عند صاحب المقال وصف هذا العالم بالغفلة والتلقين والضعف،
وهذا خلاصة الإشكال عنده, مفهوم مغلوط فرّع عليه لوازم ولوازم، فالطعن في بطانة العالم يفضي إلى الطعن في العالم ولزم من ذلك عنده إسقاط العالم بوصفه أنه يلقن، وبوصفه بالضعف، والغفلة، وإسقاط العالم الموصوف بالغفلة والضعف والتلقين إسقاط لأحكامه جرحا وتعديلا.
سلسلة من الإلزامات من صاحب المقال للمردود عليه، نتيجتها اتهام صاحب المقال للمردود عليه بسوء الفهم وسوء القصد، فهو إشكال موهوم متخيل في ذهن صاحب المقال الجيد النافع، وها هو يريد أن يرد على هذا الإشكال الموهوم المتخيل ملصقا إياه بالمردود عليه، وهذه هي البداية، إشكال ليس له وجود إلا في ذهن صاحب المقال جعلها تهمة تلصق بالمردود عليهم بمقاله، فبطل منهج صاحب المقال من أوله، لأنه أساء فهم كلام خصمه فكيف يرد على كلامم ليس لخصمه أصلا؟!


وأول ما يسأل عنه صاحب المقال: هل أنت تتكلم لغة أهل الاصطلاح أم لا؟ فإن كنت تتكلم باصطلاحات أهل العلم، فما تقصد بالتلقين؟ وهل وصف الراوي أو الحافظ أو العالم عند أهل الأثر بالضعف والغفلة والتلقين من المسقطات, بحيث إذا طرأت عليه لا يقبل منه علم هكذا بإطلاق؟ وما الفرق بين التلقين والوشاية؟

ثم أورد صاحب المقال الحديث الذي استغله المردود عليه وأراد أن يفهمه للناس فهما مغلوطا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ}،
وما الفهم المغلوط للحديث يا صاحب المقال؟
قال صاحب المقال:
(بل قالوا إن لهذه البطانة الشريرة – بزعمهم – تأثيراً على أهل العلم، وكأن هذه البطانة تزين لهذا العالم – المشهود بعلميته ! المعروف بتحريه ودقته !! المشهور بإنصافه وإصابته – ما تريد لتخرج منه بما تريد، تلقنه هذه البطانة وتستغفله وتستغل كلامه .
فأسقطوا بهذا التأصيل أهل العلم ولزم منه وصف هؤلاء العلماء بالغفلة والتلقين والضعف، وأسقطوا بذلك أحكامهم ! جرحاً وتعديلاً وشككوا بكل ما يصدر منهم مما ينقله الثقات، على اعتبار أن بطانة الشيخ مجرمة في النقل للشيخ والنقل عنه !
فقال لهم أهل الحق ذباً عن علماء الحق بحق : في قولكم هذا طعن واضح في أهل العلم ! واستنقاص لهم واستصغار لشأنهم ! وسوء أدب معهم.
فقال أهل الظلم : كيف تقولون لنا ذلك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى » [صحيح البخاري – 7198]
بل قال بعضهم من جهله وعماه ولبئس ما ادعاه : إذا جاز هذا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكيف بمن هم دونهم، أم أن عالمكم فوق منزلة النبي ؟ أم له العصمة ؟
وهذا كله من جهل القائل وسوء فهمه وضحالة فكرة وقلة تدبره ، بل كثير منهم تلمس لديه هذا الفهم المعوج وإن لم يصرح لك به ؛ إلا أنك تشم رائحته في طريقته وفي لحن كلامه مما يشعر بوجوده في مكنونات صدره .
فالقالة هذه هي محل البحث والنظر، واستدلالهم على الوجه المذكور هو المقصد من هذه الكتابة).

وأخيرا, هذا هو المفهوم المغلوط، فالمردود عليه في مقاله يقول بإمكان تأثير البطانة السيئة في العالم، فلما قال له أهل الحق كما قال صاحب المقال إن هذا طعن في العالم استدل المردود عليه بالحديث،
ما وجه استدلال المردود عليه؟
لم يذكر لنا صاحب المقال، ، وإنما أردف ذكر الحديث بحرف الإضراب بل، ومفهوم كلامه أن المردود عليه يستدل على إمكان تأثير البطانة السيئة في العالم بهذا الحديث، بل من المردود عليهم من يقول إذا جاز هذا في حق الأنبياء فكيف بمن هو دونهم؟!

واسم الإشارة هذا يرجع إلى أقرب مذكور وهو إمكان وقوع تأثير البطانة السيئة ولكن، في حكايته هو لكلام خصمه لا في نص كلامهم، ولو أورد نص كلام الخصم عازيا له إلى مصدره لاستراح من كتابة هذا المقال أصلا، فلماذا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بطانة السوء إن لم يكن لها تأثير؟، ولماذا جاء ذكر العصمة بعد ذكر بطانة السوء؟، لمذا غيب الكاتب هذه الجزئية؟، لو تأمل كاتب المقال هذه الجزئية لأراح واستراح، وعلى الأقل لأراح القارئ المنصف من مسألة كاملة فرعها في تقرير حماية جناب الأنبياء من تأثير البطانة لأن عامة المردود عليهم يقرون به ولا ينكرونه، بل هم يقولو بإمكان تأثير بطانة السوء في من هم دون الأنبياء بشهادة الكاتب نفسه, فقال: بل قال بعضهم، فكيف يحكم على عامة خصومه بقول بعضهم ثم لا يسمي هذا القائل؟! بل لا يذكر لك نص كلامه؟! وهذه دعوى بلا برهان، فعليه أن يسمي القائل بإمكان تأثير بطانة السوء على الأنبياء ويذكر لنا نص كلامه لنعرفه ونحذره.
وهذه شهادة أخرى من الكاتب على نفسه بأن عامة المردود عليهم لا يقولون بتأثير البطانة السيئة على الأنبياء لعصمة الله لهم، فيقول:
(ثم بعد هذا التأصيل البيّن الواضح المقرر يأتينا من ينقض غزله ! ويهدم بنيانه ويخالف ما كان يقوله من حق! ويقول : ( من هو مثل النبي صلى الله عليه وسلم معصوم ، حتى يكون أصحابه إذا طعن فيهم كان طعناً فيه ) ، ونسي أنه القائل في يوم من الأيام : ( أرادوا الطعن في أحمد بتلاميذه، وهذا الذي نسمع اليوم: [الشيخ فلان يأتيه البلاء من الذي حوله]، هذا تسفيه لهذا العالم، يعني وصل إلى درجة من الجهل والغباء أن ينطلي عليه الكلام؟
كيف صار الآن مصدراً للجرح والتعديل، وهو يضحك عليه طلابه؟ )
فكان ماذا ؟! وما الذي تغير ؟! وأين الدليل على دعوى تخصيص هذا الأمر بالنبي صلى الله عليه وسلم).
فها هو يسوي بين أصحاب أحمد رحمة الله على الجميع، وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أن الطعن في بطانةة البطانة طعن في صاحب البطانة.

بل انظر إليه كيف يدعي على خصمه في المسألة التي فرعها في تقرير حماية جناب النبوة من تأثير البطانة السيئة فقال:
(يصوّر المتعصب القائل بالبهتان بدون حجة أو برهان، أن أثر الشر من بطانة الشر حتم لازم، فحتى الأنبياء لهم بطانة تفعل فعلها ! فلا يستغرب من وجود مثلها عند من هم دونهم!)
فمن يا ترى ممن يعتد بقولهم قرر أنه حتم لازم حتى في جناب الأنبياء؟! ومن يا ترى الذي أساء الفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
والحاصل أن تأثير البطانة ممتنع عنده على العلماء الربانيين, لأن القول بتأثيرها عليهم يقدح فيهم ويسبب في إسقاط أحكامهم، إضافة إلى أن القول بتأثيرها يلزم منه نسبة هذا العالم إلى أي البطانتين تغلب عليه، والمردود عليه نسب هذا إلى علماء ربانيين بأن بطانة السوء تستغله، فمعنى ذلك لمز هذا العالم بأنه سيئ لاستيلاء بطانة السوء عليه! وهذا إنما وقع فيه بسبب تعميم الأحكام, فمن قال إن بطانة فلان كلهم سيئين؟ ومن ذا يحصر بطانة عالم قضى عمره في خدمة السنة في أشخاص معدودين؟!
ومن هنا انخرمت جودة هذا المقال ببنائه على مقدمات غير صائبة, هي حكاية الخصم لقول خصمه بتصرفه هو، فقوله ما لم يقل، وألزمه ما لا يلزمه شاء أم أبى كما صرح في بعض عباراته، وفرع على هذا وفرع، فلا صح عندك أيها المنصف المفهوم المغلوط عند الخصم وبالتالي كل ما سيبنى عليه فهو باطل واه، وتبقى مسألة صحة القاعدة, طعنك في بطانة العالم طعن فيه.
وبإيجاز هذا المقال والمقال الذي فرع عليه عليهما ملحوظات منها:
--النصوص المقتبسة في بعض منها اجتزاء لما أراد الكاتبان توظيفه لتأدية فكرتهما بدون تمام الفكرة التي أرادها العالم المنقول منه.
--الأدلة والنقولات التي استدلا بها لا تخدم ما أرادا تقريره.
--غياب تحرير موطن النزاع عن الكاتبين جعلتههما يقولان من أرادا الرد عليهم ما لم يقولوه، واتهامهم بما هم منه براء.
ولعل النية كانت الذب عن أهل العلم الكبار ، لكن, سمو الغرض لا يحسن معه الخلل في الطريق التي يراد التوصل به إليها ولو حسنت نية الكاتب،
ثانيا-- ما على المقالين من ملحوظات:
وهاك تفصيل ما تقدم من ملحوظات.
ا—عدم تحرير موطن النزاع:
إن مما ظهر مؤخرا على الساحة القول بأن جرحك لطلاب العالم طعن فيه، والطعن في بطانة العالم طعن فيه، فالبطانة خاصة العالم ودخلاءه وأصحاب سره، فأنت حين تقول ذلك فإنه يكون وسيلة للطعن في العالم، وهذا عين قول الروافض لأنهم توصلوا للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الطعن في أصحابه الكرام, فهم لم يستطيعوا الطعن فيه صلوات ربي وسلامه عليه مباشرة، فقالوا له أصحاب سوء، ولهذا الطعن في بطانةة العالم طعن فيه، والقول بغير هذا قول مشابه لقول الروافض، ويفتح الباب لأهل الأهواء للطعن في أئمة السنة من خلال الطعن في بطانتهم،فكان الإلزام لمن جرح بعض بطانة العالم أنه من جنس أفعال الروافض, لأنه عين صنيعهم مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال الطرف الآخر: بل ليس هذا مسلما لكم، وذلك بالنص، وبكلام العلماء خلفا عن سلف، وهو فعلهم أيضا. فأما النص فحديث البطانة الذي رواه البخاري وغيره وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله».
فأما الأنبياء فمعصومون من تلك البطانة السييئة، فمن يثبت لغيرهم العصمة.
قالوا: وهناك شواهد من قصص للسلف في هذا، ومنها ما رواه الذهبي رحمه الله في السير في ترجمة الإمام ابن خزيمة فقال:
قال الحاكم : حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- ، قال : لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا ، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي ، وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان ، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني الصبغي - خليفة ابن خزيمة في الفتوى ، وأحسن الجماعة تصنيفا ، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين ، وأبي بكر بن أبي عثمان ، وهو آدبهم ، وأكثرهم جمعا للعلوم ، وأكثرهم رحلة ، وشيخ المطوعة والمجاهدين ، وأبي محمد يحيى بن منصور ، وكان من أكابر البيوتات ، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء .
قال : فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور ، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه ، وهو معتزلي ، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم ، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا : هذا إمام لا يسرع في الكلام ، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه ، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري ، فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة . ا.ه رحمه الله.

فهذا ابن خزيمةة رحمه الله على جلالته في العلم دخل في بطانته من كان من الكلابية.

وقال الذهبي أيضا:
فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال : لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم ، وجرى ذكر كلام الله : أقديم هو لم يزل ، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به ؟ فوقع بيننا في ذلك خوض ، قال جماعة منا : كلام البارئ قديم لم يزل .
وقال جماعة : كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه . فبكرت إلى أبي علي الثقفي ، وأخبرته بما جرى ، فقال : من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث . وانتشرت هذه المسألة في البلد ، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة ، وأخبروه بذلك حتى قال منصور : ألم أقل للشيخ : إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية ؟ وهذا مذهبهم . قال : فجمع ابن خزيمة أصحابه ، وقال : ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام ؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم. ا.ه رحمه الله

فانظر إلى صنيع من دخل في بطانة ابن خزيمة رحمه الله رمى ببدعته خصومه الذين هم من أهل السنة الخلص.

ثم قال الذهبي رحمه الله:
قال الحاكم : وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال : لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه ، وكان أبو بكر بن إسحاقوأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه ، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي ، فيقرءون ذلك على الملأ ، حتى استحكمت الوحشة . ا.ه رحمه الله.

فانظر ماذا صنع من كان من بطانة السوء مذا صنع؟ اتهم غيره من جلساء الشيخ ببدعته التي هو متلبس بها ويخفيها عن الشيخ.

بل بلغ من تأثير البطانة أن ابن خزيمة رحمه الله وصف تلاميذهالأئمة الثقات بأنهم كذبة وكلابية، فقال الذهبي أيضا:
سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ ، سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، ومن قال : شيء منه مخلوق . أو يقول : إن القرآن محدث ، فهو جهمي ، ومن نظر في كتبي ، بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي ، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي ، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي ، والصبغي ، ويحيى بن منصور - كذبة ، قد كذبوا علي في حياتي ، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني ، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي ، وأقولهم علي ما لم أقله . ا.ه رحمه الله.

فرد الذهبي رحمه الله قائلا:
قلت : ما هؤلاء بكذبة ; بل أئمة أثبات ، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم . فقبح الله من ينقل البهتان ، ومن يمشي بالنميمة . ا.ه رحمه الله.

بل حتى بعد الصلح قد تسعى بطانة السوء في فساد الحال بين العالم وبين من من كان من أصفيائه، وهذا تمام النقل من السير، قال الذهبي رحمه الله:
قال الحاكم : سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : لما وقع من أمرنا ما وقع ، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم ، واغتنم أبو القاسم ، وأبو بكر بن علي ، والبردعي السعي في فساد الحال ، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة ، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم ، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال ، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده ، فدخلت أنا ، وأبو علي ، وأبو بكر بن أبي عثمان ، فقال له أبو علي الثقفي : ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه ؟ قال : ميلكم إلى مذهب الكلابية ، فقد كان أحمد بن حنبلمن أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره . حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب ، فقلت : قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق ، فأخرجت إليه الطبق ، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه ، ثم قال : لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به . فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه ، فكتب آخر تلك الأحرف ، فقلت لأبي عمرو الحيري : احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام ، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه . ثم تفرقنا ، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا : إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط ، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال .
فقبل منهم ، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه ، فامتنع عليه أبو عمرو ، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة ، وقد أوصيت أن يدفن معي ، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه. ا.ه رحمه الله.

فانظر كيف تسربت الشحناء بين العالم السني السلفي وبين تلامذته حتى وصل الأمر إلى المحاجة بين يدي الله، ومات العالم السني رحمه الله وهو يثق في تلك البطانة.
لا يقال, واقعة عين قل نظيرها، بل لعله لو تتبعت السير لوجد غيرها، والله أعلم، وقد كنت أستفدتها من مقال قرأته لأخ سلفي، وها هي مسوقة لك بأكثرها أيها القارئ من السير، ويكفي أنها شاهد واقعي للحديث النبوي.
ومن كلام المعاصرين ما هو مشتهر عن عالمين كبيرين من أهل السنة, الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله، والشيخ عبيد الجابري حفظه الله.
قال الشيخ الجامي رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله في مقدمة شرحه على قرة عيون الموحدين:
امْتُحِنَ - كما يعلم الجميع- الإمَامُ أَحْمَدُ -رحمه الله- عندما تأثّر الخليفةُ السابعُ من خلفاءِ بني العبّاس ، وهو منْ أعْقلِ الخلفاءِ وأنْبَلِهِمْ كما قال المُؤرّخونَ ولكن مع ذلكَ أثّرت فيهِ بِطَانَةُ السُوءِ، وهذه نقطةٌ مهمةٌ ينْبَغِي أنْ يَنْتَبِهَ لَهَا العَاقِلُ؛ الإنسانُ مهما يكُون عَالماً وعَاقلاً ولبيباً البطانةُ تؤثِّر فِيهِ لأنّه يثقُ في البِطَانَةِ ، يجعَلُ فيهم الثّقة، فتؤثّر؛ كانت بِطَانَتُهُ المُعْتَزِلَةُ - أتباع وَاصِل بنِ عَطَاءمازالوا بِهِ يُوَسْوِسُونَ إليهِ إلى أنْ أقْنَعُوهُ بالقوْلِ بخلْقِ القُرآنِ وبنَفْي صِفاتِ اللهِ تَعَالى، بدَعْوى أنَّ إثْباتَ الصفاتِ - إذا أثْبتْنَا للهِ صفاتٍ كثيرةٍ أثْبتنَا قُدماءَ - قالُوا نحنُ لا نُؤْمنُ إلّا بقديمٍ وَاحدٍ وهُو اللهُ، وأوْهَمُوهُ بأنَّ إثباتَ الصفاتِ يؤدّي إلى إثْباتِ قدماءَ مع اللهِ. قديمٌ مع الله، القدْرةُ قديمةٌ والإرادةُ قديمةٌ والعلْمُ قديمٌ والسمْعُ قديمٌ ... كمْ قديم؟ بلا حساب. تأثّرَ الرجلُ وزيّنُوا لهُ أكثرَ فأكثرَ، قالوا لهُ لوْ قلتَ هذه الصفات ليْست قديمةً حادثةٌ جعلتَ اللهَ محلاًّ للحوادثِ ووقعتَ في ورْطةٍ؛ إذا ما السلامةُ وما التنْزيهُ؟ أنْ تنفيَ هذه الصفاتِ كلُّها، نؤْمنُ بقديمٍ لا يتّصفُ بأية صفة. ا.ه رحمه الله.

وفي هذا الصدد تصب فتوى الشيخ عبيد حفظه الله، أن العالم يطرأ عليه ما يطرأ على البشر, ينسى، يذهل.

فقال أصحاب طعنك في بطانة العالم طعن فيه:
إن الطعن في خاصة الرجل اتهام له بأنه اتخذ أصحاب سوء، وإذا قيلت هذه الكلمة في عالم رباني فهي تهمة له بأمور منها: الخرف، عدم تقدير الأمور، سقوط أهليته، أنه لا يعرف أصحابه، وهذا إن لم تقولوه صراحة فما يدرينا أنه مستخف في السطور، ومستور في الصدور؟ وهذا يقوله عامة أهل الأهواء في أئمة السنة اليوم.

قال المنازعون لهم: فرعتم على كلامنا لوازم، وأخذتمونا بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم والصحابة رضوان الله عليهم عدول، والفرق واضح بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وبين من هو دونهم.


فأنت ترى أيها القارئ المنصف إصرار من يرى بهذه القاعدة على تعميم الحكم باستصحاب العلة في الموقفين، موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وموقف البطانة مع من هم دون النبي صلى الله عليه وسلم, لكي تطرد القاعدة، فالمؤتسي بالأسوة يسير على نهجه، والعلماء ورثة الأنبياء، يستنون بسنتهم، ويهتدون بهديهم، فما دام اتهام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء طعن في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه اتخذ أصحاب سوء، فكذلك الطعن في بطانة العلماء الربانيين طعن فيهم بأنهم اتخذوا أصحاب سوء، وكيف يقع النبي صلى الله عليه وسلم فيما نهاه الله عنه من اتخاذ البطانة السيئة، فهذا القول فيه بهتان عظيم على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قولكم في العالم السني السلفي كيف يتخذ لنفسه بطانة سيئة؟
وهذا الكلام لا يصدر إلا عمن لم يفهم الفرق بين وجود البطانة السيئة بالقرب من العالم وبين الاتخاذ للبطانة السيئة، وفي هذا جلاء الإشكال، وبيانه في ذكر أدلة أصحاب هذه القاعدة.
فهو قياس مع الفارق.


ب-- عدم صحة المقدمات يؤدي إلى بطلان النتاءج: وتفرع عن عدم التفريق بطلان القاعدة, فإن اتخاذ أصحاب سوء تدل عليه قرائن الحال للناظر، ولذا يثرب على صاحبه، أما وجود البطانة السيئة مع حرص أصحابها على خفاء الحال فهذا الذي لا يذم صاحبه حين يخفى عليه الحال، وقد أثنى الذهبي وغيره من الأئمة على ابن خزيمة رحمة الله عليهم جميعا مع وقوع القصة المتقدمة معه لخفاء حال بطانة السوء عليه رحمه الله.

ج-- الأخذ بلازم الكلام غير الملزم:
قال صاحب المقال في أواخر مقاله:
(فانظر إلى سوء صنيع القوم ! وكيف قد بالغوا جداً بالتهويل والمجازفة في تقبيح صورة بطانة العلماء وخواصهم المصاحبين لهم، فأوقعهم غلوهم هذا في الطعن بأهل العلم وعيبهم شاءوا أم أبوا).

فهم ألزموا من طعن في بعض بطانة العالم أنه بذا يطعن في العالم نفسه، بل زاد صاحب المقال عبارة, (شاءوا أم أبوا)، فأي إنصاف وأي فهم للدليل، وأي قواعد للسلف جرى عليها مثل هذا المقال الجيد النافع؟! قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى ج29، »فصل استأجر الأرض التي فيها شجر أو مساكن:
وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان : أحدهما : لازم قوله الحق ، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ; فإن لازم الحق حق ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره ، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة : من هذا الباب .
والثاني : لازم قوله الذي ليس بحق . فهذا لا يجب التزامه ; إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض . وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين . ثم إن عرف من حاله : أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه ; وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه ; لكونه قد قال ما يلزمه وهو لا يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه .
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب : هل هو مذهب أو ليس بمذهب ؟ هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله ، وما لا يرضاه فليس قوله . وإن كان متناقضا . وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع ملزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه . فإذا عرف هذا عرف الفرق بين الواجب من المقالات والواقع منها . وهذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها .
فأما إذا نفى هو اللزوم لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال ; وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ; لكونه ملتزما لرسالته فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول ; وإن كان لازما له : ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه واللازم الذي نفاه . ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه قد يكون عن اجتهادين في وقتين .
وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما : - أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله وإن لم يكن مطابقا ; لكن اعتقادا ليس بيقيني كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط أو باتباع الظاهر ، فيعتقد ما دل عليه ذلك وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا . فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد وإن كان قد يكون غير مطابق وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط .
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة : عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا ; بخلاف أصحاب الأهواء . فإنهم { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض مع عدم العلم بجزمه ، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطنا ولا ظاهرا . ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به ، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه فكانوا ظالمين شبيها بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيها بالضالين. ا.ه رحمه الله.


ولخص ذلك الكلام الشيخ فركوس حفظه الله في فتوى له فقال:
فالذي عليه أهلُ التحقيقِ أنّ لازمَ المذهبِ إن صرَّح به صاحبُهُ، أو أشار إليه، أو التزمه أو عُلم من حاله أنّه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره؛ فهو مذهبٌ له.
فإن كان لازمُ قوله حقا، فإنّه يضاف إليه؛ لأنّ لازمَ الحقِّ حقٌّ، وكذلك لازمُ الباطل باطلٌ؛ ذلك لأنّ لوازمَ الأقوالِ من جُملة الأدلّة في الحكم على صحّتها أو فسادها، حيث يُستَدَلُّ بصحّة اللازم على صحّة الملزوم، وبفساد اللازم على فساد الملزوم. لذلك كان اللاّزم من قول الله تعالى وقولِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يثبت ويحكم به؛ لأنّ كلامَ الله ورسولِه حقٌّ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ؛ ولأنّ الله تعالى عالِمٌ بما يكون لازمًا من كلامه وكلامِ رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فيكون مرادًا.
أمّا إذا كان لازمُ قولِه الذي لم يصرّح به، أو لم يُشِرْ إليه، ولم يلتزمه، أو سكت عنه، ولم يذكره بالتزام ولا منعٍ، أو صرّح بمنع التلازم بينه وبين قوله. فالصحيح أنّ نسبة القول إليه تقويلٌ له ما لم يقل، ولا يُلزَم بما لم يَلْتَزِمه، ولا يؤاخذ به، إذ «لاَ يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ»؛ لأنّه قد يصدر منه ما يلزمه، وهو ذاهلٌ عن فساد اللاّزم، ولو كان قريبًا، لقصور علم المخلوق وعدم عصمته.
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-758

فهذه أحوال لازم المذهب كما فصلها شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا الفرق بين المجتهد وأهل الأهواء، فكيف تأخذون من جرح بعض بطاانة العالم أنه طعن في العالم وتلزمون به خصمكم وقد نص صراحة على أنه لا يلتزم هذا المذهب؟!
فإن كانت قاعدة إلزام الخصم بلازم كلامه الذي لم يلتزمه من المستحدث عند هؤلاء فليعلموا أنه يمكن أن يتجاوز أهل الأهواء الحد بهذه القاعدة تقويل القائل ما لم يقل إلى التكفير بالمآل، وقد أنكر هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله, فإن القائل قد يجهل بعض ما يؤول إليه كلامه فلا يؤاخذ به، بل يستدل به على فساد القول.
فإن كنتم تريدون التوصل إلى توقير الأكابر بسد الذرائع للطعن فيه بسد باب الطعن في بطانته بإطلاق حتى تنقطع حجة أهل الأهواء فإنكم فتحتم لهم بابا آخر على مصراعيه وهو إلزام الخصم بلازم قوله وإن لم يلتزمه، وسيكون رد التكفيري عليك حين تنكر عليه التكفير بدون وجود الشروط وانتفاء الموانع أنكم تلتزمون هذا المسلك, وهو الأخذ بلازم القول.
فعلى من يتصدى لتبني الجواب على هذا السؤال: هل طعنك في بطانة العالم طعن فيه؟ أن يفرق بين ثلاثة أمور:
--اتخاذ بطانة سوء، ويدخل فيه الجلوس مع أهل البدع للمءانسة.
--وجود بطانة السوء، وهذا يكون بالدس والتلبيس، والتخفي.
--التأثر بتلك البطانة، ولا يعصم من هذا إلا علام الغيوب.

ثالثا-- أدلة من قال طعنك في بطانة العالم طعن فيه:
استدل مقررو هذه القاعدة بأدلة، منها: أدلة ذم المصاحب لمصاحبته لصاحب السوء، واستشهدوا بكلام أئمة من السلف في تقرير ذلك، وجعلوها أدلة على أن الطعن في بطانة العالم طعن فيه، فكيف تقولون على عالم سلفي سني أنه يتخذ أصحاب سوء؟
وهاك ما ذكره صاحب المقال من ذلك حيث ذكر ما نصه:
(فهل الطعن في خاصة المرء يكون طعناً فيه ؟

من المعلوم الذي لا مرية فيه أن الصاحب بصاحبه وأن المرء بخدنه:
قال صلى الله عليه وسلم : { المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل } [الصحيحة : 927]
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : [ إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله ] وقال : [ اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن الرجل لا يخادن إلا من يعجبه ]
وقال قتادة رحمه الله : [ إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله ]
وقال شعبة بن الحجاج : [ وجدت مكتوباً عندي : إنما يصاحب الرجل من يحب ]).

فهذه النصوص والآثار إنما تنسجم مع الاتخاذ, ففيها النهي عن اتخاذ صحبة السوء، وأن هذا يغضي من شأن الرجل، ويزيد على شينه به بأن يضر بدنياه وأخراه، وهو الذي صرح به قول الله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} الآية، وهي عامة في كل من يشملهم القيد, {من دونكم لا يألونكم خبالا}، وهذا ما نص عليه الحديث صراحة, {فلينظر أحدكم من يخالل}، وهذه العبارة تزيد فائدتها على مجرد الاستدلال على القرين بقرينه.
وهذا فهم السلف منها, فقد أخرج أبو داود الحديث في كتاب الأدب، وترجم له بقوله: (باب من يؤمر أن يجالس)، قال صاحب عون المعبود:
الرجل ) : يعني الإنسان ( على دين خليله ) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ( فلينظر ) : أي يتأمل ويتدبر ( من يخالل ) : فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة. ا.ه رحمه الله.

وللتنبيه فهو حكم أغلبي، قال صاحب مرقاة المفاتيح:
5019 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرء على دين خليله ) أي : غالبا ، والخلة الحقيقية لا تتصور إلا في الموافقة الدينية ، أو الخلة الظاهرة قد تفضي إلى حصول ما غلب على خليله من الخصلة الدينية ، ويؤيده قوله : ( فلينظر أحدكم من يخالل ) : قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. ا.ه رحمه الله.

وما دام أنه حكم أغلبي فهو ليس مطرد، وإذ إنه ليس بمطرد فهذا يؤكد أنه لا يلزم من الطعن في بعض بطانة الأخيار طعن في العلماء الأخيار، فليبحث القوم عن دليل غيره، فإن قالوا: القواعد أغلبية، ولكل حكم استثناء بطل إلزامكم من أساسه.
وعلى هذا المحمل تحمل النصوص التي يقتبسونها من الشيخ العثيمين وفيها أن الطعن في الصاحب طعن في المصاحب, لأنه اتخذ لنفسه أصحاب سوء، هذا ما كان من نصوص وآثار استدل بها صاحب المقال، فهي نقولات لا تصلح دليلا له، ففيها استحقاق الذم من جهة اتخاذ صحبة السوء.
وها هو يستطرد في نقل الآثار والوقائع وكلام أهل العلم مستدلا بها فيقول:
(جاء في سير أعلام النبلاء [13/ 174] : قيل لعبد الوهاب الوراق: إن تكلم أحد في أبي طالب، والمروذي، أما البعد منه أفضل؟
قال: نعم، من تكلم في أصحاب أحمد فاتهمه ثم اتهمه، فإن له خبئة سوء، وإنما يريد أحمد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
( إذا مات مقيما على صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مزنون بنفاق فأذاه أذى مصحوبه قال عبد الله بن مسعود: "اعتبروا الناس بأخدانهم" وقالوا:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال مالك رضي الله عنه: "إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحا كان أصحابه صالحين أو كما قال: وذلك أنه ما منهم رجل إلا كان ينصر الله ورسوله ويذب عن رسول الله بنفسه وماله ويعينه على إظهار دين الله وإعلاء كلمة الله وتبليغ رسالات الله وقت الحاجة وهو حينئذ لم يستقر أمره ولم تنتشر دعوته ولم تطمئن قلوب أكثر الناس بدينه ومعلوم أن رجلا لو عمل به بعض الناس نحو هذا ثم آذاه أحد لغضب له صاحبه وعد ذلك أذى له ) [ الصارم المسلول 580 ]
فانظر إلى فقه شيخ الإسلام رحمه الله وانظر إلى عبارته وما فيها من وفاء وخلق رفيع
ومثله ما جاء عن عبد الله بن مصعب بن ثابت ، قال: قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر، ما تقول فيمن يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: زنادقة.
قال: ما سمعت أحدا قال هذا قبلك؟ قال: قلت: هم قوم أرادوا رسول الله بنقص، فلم يجدوا أحدا من الأمة يتابعهم على ذلك، فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، وهؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم تصحبه صحابة السوء، وما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء. فقال: ما أراه إلا كما قلت. [ تاريخ بغداد : 10/174]
فمصاحبة أهل السوء والركون إليهم، خيبة وفشل يستحق صاحبه الطعن والتوبيخ
والآن يأتي الظالم يرمي خواص العلماء بالشر والسوء والخسة وغير ذلك من أوصاف الباطل، ثم يأتي العالم يدافع عن بطانته وأصحابه ويرد الظلم عنهم، فكيف يستقيم بعد هذا أن يقال أن الطعن فيهم لا يعد طعناً فيه ؟!
أما سمع هذا القائل قول الثوري رحمه الله ؟ فقد قال يحيى بن سعيد القطان لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس سأل أي شيء مذهبه ؟ قالوا ما مذهبه إلا السنة قال من بطانته ، قالوا أهل القدر قال هو قدري ) [الإبانة / 421]
بل إن الطعن في بطانة العالم قد يكون أول خطوات الطعن فيه :
روى الطبري في تاريخه [4/365] : عن عامر بن سعد، قال:
[ كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ جبله ابن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في نَدِيِّ قومه، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلما مر عثمان سلم، فرد القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا! قال: ثم أقبل على عثمان، فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه ، قال عثمان: أي بطانة! فو الله إني لأتخير الناس...
قال: فانصرف عثمان، فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم ]
قلت : فما أشبه اليوم بالبارحة ! وهذا أول الطعن على العلماء، وهذا أول الاجتراء عليهم .

ومن نصوص العلماء التي تؤكد هذا الأمر وتشهد له :
• قال الإمام السجزي رحمه الله عند ذكره لأحد الأشاعرة من رسالته لأهل زبيد [232] :
( وكلما ذُكر بين يديه شيخ من شيوخ الحنابلة وقع فيه، وقال: أحمد نبيل لكنه بُلي بمن يكذب. وهذا مكر منه لا يحيق إلا به، ولو جاز أن يقال: إن أصحاب أحمد كذبوا عليه في الظاهر من مذهبه، والمنصوص له لساغ أن يقال إن أصحاب مالك والشافعي وغيرهما كذبوا عليهم فيما نقلوا عنهم، وهذا لا يقوله إلا جاهل رقيق الدين قليل الحياء )

• وقال العلامة المعلمي رحمه الله عن طريقة الكوثري :
( يتتبع أصحاب الإمام أحمد طاعناً في اعتقادهم يُسِرُّ حَسْواً في ارتغاء، يقصد الطعن في الإمام أحمد ) التنكيل من مجموعة آثار المعلمي رحمه الله [11/335]

• قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى [شرح رياض الصالحين 3/246] :
(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)) يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخلق؛ على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإن صاحب سواهم؛ صار مثلهم )

• وقال فيه أيضاً في [2/311] : (القرين على دين قرينه، وكل إنسان يعاب بقرينه إذا
كان قرينه سيئاً؛ يقال: فلان ليس فيه خير؛ لأن قرناءه فلان وفلان وفلانٌ من أهل الشر. فالطعن في الأصحاب طعن بالمصاحب )
• وقال كذلك في القول المفيد [2/275] : ( المرء على دين خليله، والإنسان يُستدل على
صلاحه أو فساده أو سوء أخلاقه، أو صلاحها بالقرين ))

فها أنت ترى أيها القارئ تصريحه بما ذكر لك في أول هذه الأسطر من استعماله للقياس مع الفارق, فيتجاهل الفرق بين مسألة الطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين الطعن في بعض بطانة العالم، وينص صراحة على أنه لا يوجد دليل على التخصيص، فشتان ما بين مقام العصمة ومقام الاجتهاد، وشتان ما بين من عدلهم الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات وهو عالم الغيب والشهادة وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين من يزكيهم العالم الرباني الذي يزكي على ما يظهر له من أحوال، وشتان بين عدالة مستندة على توقيف واعتقادها قربة إلى الله عز وجل، واعتقادها علامة فارقة بين السنة والبدعة، وبين الإيمان والنفاق، وبين عدالة مستندة على الاجتهاد، وهل الطاعن في بطانة أي عالم ولو بالهوى يعتبر رافضيا؟! بل هل يدخل صاحبه في البدعة هكذا بإطلاق؟! وأين يندرج كلام الأقران بعضهم في بعض مع دعوى العموم هذه وقد يكون بين عالمين بالكلام الصريح لا بالطعن في بطانة أحدهما؟! فيا نفس اقطعي رجاءك من وقفات طيبة بعد هذا.
ومع دعوى العموم هذه نقض صاحب المقال قسما من أدلته، فما كان بخصوص الصحابة ليس فيه دليل له.
فماذا بخصوص الكلام في أصحاب أحمد والقول بأن من تكلم فيهم فإنما يريد أحمد رحمة الله عليهم جميعا؟
أما أثر الوراق المنقول من سير أعلام النبلاء فليس فيه إشكال، ولا يمت للمسألة بصلة إلا عند من لم يتدبره، فمن المتكلم أو الطاعن المسؤول عنه، هل هو عالم سني سلفي أمضى عمره في الذب عن السنة؟، أم كانوا مبتدعة؟، أم مجاهيل لا يعلم حالهم جعل كلامهم في أصحاب أحمد علامة على معتقدهم؟
والمستحضر للبيئة التي خرج فيها هذا الكلام يعلم أن العلماء عندهم أن أصحاب أحمد المذكورين أئمة أعلام، والخصومة شديدة بينهم وبين أهل البدع، فلا ينبغي نزع النص عن واقعه.
ولو فرض جدلا أن عالما سنيا تكلم بجرح مفسر في أحدهم وبين ذلك للوراق رحمه الله فهل سيستعمل الوراق رحمه الله الأصول السلفية المقررة فيقبل جرح الجارح بدليله؟، أم سيقول لهذا المتكلم بعلم إنه طعن في أحمد رحمه الله بالطعن في أحد أصحابه؟
وأما أثر الربيع بن صبيح فهو أبعد من الأول,, فإنه في مجالسة أهل الأهواء.

وتبين من كل ما تقدم:
*عموم وجود البطانتين في حق الأنبياء ومنن دونهم, سئل الشيخ ابن باز السؤال التالي:
هل كانت للرسول ﷺ بطانةٌ تأمره بالسُّوء؟
فأجاب رحمه الله:
ظاهر الحديث العموم، وأنه يُبتلى الأنبياء وغيرهم، لكن الله يعصمهم ويكفيهم: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[المائدة:67]، فقد يُبتلون ويكفيهم الله.
https://binbaz.org.sa/fatwas/22416/%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%87-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%A1

رابعا-- لماذا ليس في الحديث حجة للمردود عليه؟:
قال صاحب المقال:
(قلنا لهم أنتم تطعنون في أهل العلم بكلامكم السيء السابق، فأوردوا هذا الحديث يحسبون أن فيه حجة لهم، بل الذي فيه عارهم وشنارهم وتأكيد طعنهم في أهل العلم، وهاك بيان ذلك:

جاء في روايات هذا الحديث الشريف ، قوله صلى الله عليه وسلم : « ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما » [ انظر السلسلة الصحيحة برقم 2270]
ومحل الشاهد في آخر الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وهو من التي تغلب عليه منهما )

قال الحافظ في الفتح [13/191] :
( من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما وهذا اللائق بالنبي، ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظة العصمة .
وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا .
وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر) ا.هـ
ففي هذا الحديث بيان لأقسام الناس مع هذه البطانة :
فمنهم من يقبل من بطانة الخير دائماً ، ومنهم من يقبل من بطانة الشر دائماً
ومنهم من يقبل من هذه تارة ، ومن تلك تارة أخرى ، فإما أن يتساوى أخذه وإما أن تغلب إحدى الطائفتين عليه، فهو ملحق بالطائفة الغالبة عليه، إن غلب عليه قبول الخير من أهل الخير فهو منهم ، وإن غلب عليه قبول الشر من أهل الشر فهو منهم.
الآن وقد اتضح لك أقسام الناس مع هاتين البطانتين، انظر في أي قسم وضع المشغبة العلماء ! ومن حالهم تعرف جوابهم :
فإنهم الآن لا يقبلون أحكام العلماء المأمونين المشهود لهم بالعدل والإصابة بحجة أنها أحكام خارجة تحت تأثير بطانة الشر! أو أحكام نقلتها لنا بطانة الشر، فأسقطوا كلام العلماء وردوه بكل برود وجفاء، وما عادت في قلوبهم أية قيمة لكلام أهل العلم بحجة بطانة الشر! فمن أي الأقسام جعلتم العلماء ؟! الجواب بيّن واضح من القسم الذي غلب عليه بطانة السوء والشر بزعمهم .
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي [7/159] :
( فَإِن غلبت عَلَيْهِ بطانة الْخَيْر يكون خيرا وان غلبت عَلَيْهِ بطانة السوء يكون سَيِّئًا ]

قال الشيخ محمد بن علي الأثيوبي في ذخيرة العقبى [32/315] :
( (وَهُوَ) أي ذلك الوالي الذي له بطانتان موصوفتان بالوصفين المذكورين (مِن) الطائفة (الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) يعني أنه منْ جنس الطائفة التي تغلب عليه، فإن غلبت عليه بطانة الخير، فهو منْ أهل الخير، وإن غلبت عليه بطانة الشرّ، فهو منْ أهل الشرّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان) .
وقال فيه أيضاً [32/317] :
[ إن كَانَ الأغْلب عَلَيْهِ القبُول منْ أحَدهمَا، فهُو مُلحق بِهِ، إن خيرًا فَخَير، وإِن شرًّا فَشَرّ ]
وقال فيه أيضاً [32/320] :
( الإِمام له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ، وتحضّه عليه، فينبغي له أن يكون عَلَى حَذَر فِي أموره، حتى لا يوافق بطانة السوء، فيقع فِي السوء، ويكون منْ حزبه )
فانظر إلى سوء صنيع القوم ! وكيف قد بالغوا جداً بالتهويل والمجازفة في تقبيح صورة بطانة العلماء وخواصهم المصاحبين لهم، فأوقعهم غلوهم هذا في الطعن بأهل العلم وعيبهم شاءوا أم أبوا، فانظر نظر المتأني إلى الحديث الشريف؛ ماذا تجد فيه ؟ ألا تجد أن النبي e أخبر بوجود بطانتين الأولى أهل خير والثانية أهل شر، وكل بطانة تأمر بما تأمر به، والموفق يقرب أهل الخير ويباعد أهل الشر، ولكن انظر إلى صنيع القوم ! كأنهم يقولون لا بطانة حول العالم إلا أهل الشر ! والعالم أذن لهم ! ثم بعد هذا يقولون لا نطعن بالعلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون .).

لا شك أيها القارئ المنصف أن كلامم المعصوم يحمل مطلقه على مقيده، ومجمله على مفصله، وروايات الحديث يفسر بعضها بعضا، لكن، هل غيرت رواية تبيين مراتب الإمام مع البطانة من معنى الحديث الذي أكثر رواياته منتهية ببيان أن المعصوم من عصم الله؟! وهل كان الحديث في معظم رواياته مبهما يحتاج إلى هذه الزيادة؟ وهل معنى هذه الرواية ثبوت الذم للإمام وإن لم يعلم بسوء حال بعض بطانته؟، أم هو كلام سيق للتحذير؟، أم هل الرواية مسوقة للإخبار عن سوء ذلك القابل من بطانة السوء مع علمه بهم؟ وهل يلزم من وصف عالم بأنه تأثر في موقف ما ببطانة السوء كونهاا غالبة عليه ومن ثم استحق الذم بذلك؟
قصة الحافظ ابن خزيمة وتعامل العلماء معها خير شاهد على فهم السلف مع النصوص، النصوص التي نقلها صاحب المقال خير رد عليه, وقد أشار الحافظ ابن حجر في النص الذي نقله عنه صاحب المقال، وفيه:
وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا . ا.ه رحمه الله.
ففي عبارة ولا سيما إذا كان كافرا إشارة إلى سوء هذا الذي غلبت عليه بطانة السوء، وبسبب ذلك قبل قولهم.
وقال الحافظ أيضا:
وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر) ا.هـ

فمن أين لصاحب المقال إلزام المردود عليه بأنه نسب إلى العلماء أنهم من القسم الذي غلبت عليه بطانة السوء؟ وأين نص كلامهم في هذا؟ وهكذا يسير مع الإلزام بما لا يلزم، وتقويل المردود عليه ما لم يقل من أول مقاله إلى آخره، وها هو يصرح بأنه ليس لديه نص كلامه في هذا فيقول:
(الآن وقد اتضح لك أقسام الناس مع هاتين البطانتين، انظر في أي قسم وضع المشغبة العلماء ! ومن حالهم تعرف جوابهم :)
وقال أيضا:
(فمن أي الأقسام جعلتم العلماء ؟! الجواب بيّن واضح من القسم الذي غلب عليه بطانة السوء والشر بزعمهم .)
فهل رد خصومك يا صاحب المقال أحكام العلماء كلها؟

وها هو مرة ثالثة يقر بأنه ليس عنده نص ثابت من كلام خصومه يؤيد ما ادعاه فيقول:
(كأنهم يقولون لا بطانة حول العالم إلا أهل الشر ! والعالم أذن لهم ! ثم بعد هذا يقولون لا نطعن بالعلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون .)
وهذا تفسير الشيخ الإثيوبي للرواية كما ذكرته يا صاحب المقال حيث يقول:
( الإِمام له بطانتان: بطانة تأمره بالخير، وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ، وتحضّه عليه، فينبغي له أن يكون عَلَى حَذَر فِي أموره، حتى لا يوافق بطانة السوء، فيقع فِي السوء، ويكون منْ حزبه )
ويتبين لك أيها القارئ المنصف ما يلي:
*وجود بطانة السوء لا يلزم منه ذم صاحبها إلا إن كان اتخذهم اتخاذا وهو يعلم حالهم ولم تدع مصلحة إلى مداراتهم، وفرق بين وجود البطانة وبين اتخاذ البطانة.
*فرق بين الطعن للتنقص أو كان للوقيعة في أهل الأثر وبين ما سيق من الكلام نصحا للمسلمين، وفرق بين أن يكون الكلام من عالم سني سلفي وبين أن يكون من مبتدع، وفرق بين ما كان لحظ النفس، وبين ما كان مبنيا على الدليل.
*الجمع بين مسألتي لزوم الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم من الطعن في صحابته، وبين لزوم الطعن في العالم من خلال الطعن في بطانته، جمع بين مختلفين، ومن زعم غير هذا لزم
من كلامه رفع العلماء إلى منزلة الأنبياء.
ثم بعد هذا فرع الثاني مقاله, المصعفقة مطية لروافض، فغرب وشرق حول هذا المفهوم, أنه لا دليل على تخصيص الأنبياء دون العلماء، ونقل كلام الروافض، وقرن بينهم وبين إخوانه، وهذه خاتمة اللوازم التي بدأت في المقال الجيد النافع ذي الوقفات الطيبة والنقولات النافعة، فهل أصاب د. عرفات المحمدي يا ترى في هذه الأوصاف؟