#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الأربعاء، 11 أغسطس 2021

الآثار السلفية في أن الدعاء لا يقتصر فيه على الوالدين إذا كانت الجنازة لطفل:

الآثار السلفية في أن الدعاء لا يقتصر فيه على الوالدين إذا كانت الجنازة لطفل: ينقل بعض الإخوة عند الصلاة على السقط إذا نفخت فيه الروح، أو الصبي إذا لم يبلغ الحلم أنه يصلى عليه ويكون الدعاء لوالديه بالمغفرة والرحمة، لحديث المغيرة بن شعبة عند أبي داود وغيره، وهذا لفظ أبي داود: 3180 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَحْسَبُ أَنَّ أَهْلَ زِيَادٍ أَخْبَرُونِي أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ، وَالْمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا، وَأَمَامَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيبًا مِنْهَا، وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. وليس معنى الحديث ترك الدعاء للصبي مطلقا، ولا في الحديث دليل على الاقتصار في الدعاء للصبي والسقط بأن يكون فرطا وذخرا وأجرا لوالديه، فقد وردت أحاديث وآثار فيها الدعاء للصبي. وقد أورد العلماء إشكالا عند تعرضهم للخلاف في الصلاة على السقط، وهي, ما حاجة السقط إلى الصلاة عليه؟ ولا شك في أن العبادة إذا ثبتت بالدليل يتعبد بها لله سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها، لكن نجد مثلا في شروح الرسالة لأبي زيد القيرواني اجتهادا للعلماء في بيان العلة التي من أجلها أفرد ابن أبي زيد الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ بباب مستقل, قال شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي في الفواك الدواني ج1، ص300:: "(بَابٌ فِي) صِفَةِ (الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. (وَ) فِي حُكْمِ (الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ) وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا، وَرَدَّ كَلَامَهُ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ قَدْ تَكُونُ لِمَحْضِ رَفْعِ دَرَجَاتٍ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْمُذْنِبِينَ". ومما يدل على أن صلاة الجنازة شفاعة ما في صحيح مسلم وغيره, (948) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، قَالَ الْوَلِيدُ: حَدَّثَنِي، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ - أَوْ بِعُسْفَانَ - فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ، انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «§مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ»، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَعْرُوفٍ: عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ". فصلاة الجنازة دعاء وشفاعة، ولو كانت لسقط أو صبي، والصبي ولو لم يكن له ذنب فمما يرجى له رفعة الدرجة به صلاة المسلمين عليه، وهذا بعد كوننا متعبدين بهذا وإن لم نعلم الحكمة. ومن الأدعية الثابتة عن السلف في الدعاء للصبي والسقط في الجنازة: {اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده}. ولا شك أنه دعاء عام، لكن الذين مالوا إليه في الدعاء للصبي أو السقط اختاروه لورود الصغير فيه نصا، وقد خرج الحديث الشيخ الألباني في كتابه أحكام الجنائز ص124 فقال: "أخرجه ابن ماجه (1/ 456) والبيهقي (4/ 41) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه، وأبو داود (2/ 68) والترمذي (2/ 141) وابن حبان في صحيحه (757 - موارد) والحاكم (1/ 358) والبيهقي أيضا وأحمد (2/ 368) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به نحوه، دون قوله " اللهم لا تحرمنا ... " فهي عند أبي داود وحده، وصرح يحيى بالتحديث عند الحاكم ثم قال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأعل بما لا يقدح. وليحيى فيه إسنادان آخران، عند أحمد (4/ 170، 308) والبيهقي. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس نحوه. رواه الطبراني في " الكبير ". فهذا حديث له من المتابعات والشواهد كما خرجه الشيخ الألباني رحمه الله، وفيه الدعاء للصغير في ثمانية أصناف تشمل أمة الإسلامجمعاء. وقد مال إلى هذا الدعاء عند الصلاة على السقط أو الصبي جماعة من العلماء, جاء في التلخيص الحبير، ج2، ص290:: " قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ طِفْلًا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُضِيفُ إلَيْهِ "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سَلَفًا وَفَرْطًا لِأَبَوَيْهِ وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ" انتهى". فقدم الدعاء المرفوع عن أبي هريرة على تلك الأدعية التي فيها سؤال الله للطفل أن يكون أجرا وفرطا وذخرا وسلفا وشفيعا. وفي عون المعبود ج8، ص362: "وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الطِّفْلِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فَكَالصَّلَاةِ عَلَى الْكَبِيرِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النبي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ عَلَّمَ أَصْحَابَهُ دُعَاءً آخَرَ لِلْمَيِّتِ الصَّغِيرِ غَيْرَ الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُمْ لِلْمَيِّتِ الْكَبِيرِ بَلْ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا كَمَا عَرَفْتَ". فمن اتخذ التفريق ديدنا بين جنازتي الكبير والصغير فيلزمه الدليل، إلا ما كان من الخلاف في طلب المغفرة للصبي، وفيه أوجه يأتي نقلها، إن شاء الله. والشيخ الألباني رحمه الله استحب هذا الدعاء أيضا فقال في حاشية ص127: "والذي أختاره أن يدعو في الصلاة على الطفل بالنوع (الثاني) لقوله فيه: " وصغيرنا ... اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده "". وفي شرح سنن أبي داود (532/35)سؤل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: ما هو الدعاء الصحيح للطفل الميت؟ فأجاب: " يقول: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، ولجميع موتانا)) يعني: سواء كان الميت صغيراً أو كبيراً، هذا دعاء ورد للصغير وللكبير، ويدعى لوالديه بالرحمة والمغفرة، وقد جاء في الحديث أنه يصلى عليه ويدعى لوالديه بالرحمة والمغفرة". وهذا فيه الجمع في الدعاء للطفل الميت ولوالديه. وقد نص جماعة من فقهاء المذاهب على هذا, قال النووي في الأذكار ص158-159: "قال أصحابنا: فإن كان الميت طفلاً دعا لأبويه فقال: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطاً، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفاً، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخْراً ، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصبر على قُلوبِهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بَعْدَهُ، وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ ". هذا لفظ ما ذكره أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا في كتابه " الكافي "، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا: ويقول معه: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا ... " إلى آخره". فهذا النووي رحمه الله يحكي استحباب الشافعية لهذا الدعاء في الصلاة على الصبي، وأن منهم من استحب جمع هذا الدعاء مع ما اختاروه من صيغ الدعاءء، واستحبوا أيضا الجمع بين الطفل وبين والديه في الدعاء. وفي الفروع لابن مفلح ج3، ص336: "ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَدْعُو سِرًّا "و" قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَوْقِيفَ، اُدْعُ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا يَحْضُرُك، أَنْتَ شَفِيعٌ، يُصَلِّي عَلَى الْمَرْءِ عمله، ويستحب ما روي وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُُ". إلى آخر ما ذكر من دعاءء. ثم قال ص3377: "وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا زَادَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، لِلْخَبَرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِلْخَبَرِ، لكن زادوا: وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ: سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ. وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: فِي الصَّبِيِّ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكَبِيرَ فِي الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ، فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ هُوَ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ، بَلْ "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا وَفَرَطًا، وَشَفِّعْهُ فِينَا" وَنَحْوَهُ. وَعِنْدَنَا: إنْ لَمْ يَعْرِفْ إسْلَامَ وَالِدَيْهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ"، فهو يحكي الخلاف عن الحنابلة، فمنهم من جمع بين الدعاء للطفل وبين الدعاء لوالديه، ومما قدمه في الدعاء على الجنازة حديث أبي هريرة المتقدم الذي فيه الدعاء للأصناف الثمانية، وفي المنقول آنفا عن بعضهم قوله, "لكن زادوا: وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ: سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ"، وهذا الاستحباب منهم لسؤال المغفرة له موافق لحديث أبي هريرة المتقدم، وفيه دلالة على عدم الاكتفاء بأن يسأل العبد الله له أن يكون سلفا وأجرا وذخرا وفرطا لوالديه، فتأمله، وبهذا يتبين أنه لا تعارض بين الحديثين, حديث {ويدعى لوالديه}، وحديث الدعاء للصبي أو السقط، وإنما يستفاد من المنقولات آنفا، أن الشأن في الدعاء للصغير كالكبير، ويزاد في الدعاء للصغير الدعاء لوالديه، والله أعلم. ويبقى الإشكال في سؤال المغفرة للصبي مع أن المغفرة لا تكون إلا لذنب وقع، وللعلماء في تأويل ذلك وجوه، منها, ما حكاه الشيخ ابن عثيمين عن أهل العلم في شرح رياض الصالحين ج4، ص544 أن ذكر الصغير من باب التبع فقال: " أما هذا الدعاء الذي ذكره المؤلف رحمه الله فهو الدعاء العام يقول المصلي على الميت اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا وهذه الجمل تغني عنها جملة واحدة لو قال اللهم اغفر لحينا وميتنا شمل الجميع لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتفصيل لأن الدعاء كل جملة منه عباده لله عز وجل وإذا كررته ازددت بذلك ثوابا فقوله حينا وميتنا يشمل الحي الحاضر والميت القديم والميت في عصره وصغيرنا وكبيرنا كذلك أيضا يشمل الصغير والكبير. الحي والميت وذكر الصغير مع أن الصغير لا ذنب له من باب التبعية وإلا فإن الصغير ليس له ذنب حتى تسأل له المغفرة وذكرنا وأنثانا مثلها عامة وشاهدنا وغائبنا الحاضر والمسافر". فلعل هذا عند الشيخ من باب, (يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا), وعندئذ, لا يدعى للسقط أو الصبي الصغير بالمغفرة بدعوة مستقلة. وفي ذخيرة العقبى للشيخ الإثيوبي ج19، ص312: "وههنا إشكال، وهو أن المغفرة مسبوقة بالذنوب، فكيف تتعلّق بالصغير، ولا ذنب له، وذكروا في دفعه أوجهًا، فقال السنديّ: المقصود في مثله التعميم. وقال ابن حجر الهيتميّ: الدعاء بالمغفرة في حقّ الصغير لرفع الدرجات. وقال القاري: يمكن أن يكون المراد بالصغير والكبير الشابّ والشيخ. وقال التوربشتيّ: سئل أبو جعفر الطحاويّ عن معنى الاستغفار للصبيان، مع أنه لا ذنب لهم، فقال: معناه السؤال من اللَّه أن يغفر لهم ما كتب في اللوح المحفوظ أن يفعلوه بعد البلوغ، من الذنوب حتى إذا كانوا فعلوه كان مغفورًا، وإلا فالصغير غير مكلّف، لا حاجة له إلى الاستغفار انتهى". وقد تقدم كلام جمع من العلماء في أنه يدعى به للصبي، فهو عندهم يشمله، وقد علم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم استحباب الجوامع من الدعاء، وقد أوتي صلوات ربي وسلامه عليه جوامع الكلم، فلما أطنب ههنا وكان قادرا على الإيجاز علمنا أن النص على هذه الأصناف مقصود إليه، ولعل ذلك كما قال الشيخ ابن عثيمين لزيادة الثواب بتكثير الجمل التي كل منها عبادة, إذ المقام مقام دعاء، وكذلك الإطناب ههنا لعل له فوائد أخرى غير تكثير الثواب بجمل الدعاء، ولعل منها الدعاء بهذا للسق\ط أو الصبي، وبهذا يعد دعاء جامعا مع إطنابه، ومجيؤه على هذه الصيغة أفضل من الدعاء بالمغفرة لعموم المسلمين إجمالا، ولذا استحب بعض العلماء تقديمه في الدعاء في جنازة الطفل لكونه لفظ نبوي مرفوع، ويحصل به الغرض بالدعاء للصبي ولوالديه، لدخولهم في الأصناف المنصوص عليها، وذكر الصبي بالنص عليه خاصة، والقول بأن المقصود بالصغير الشباب في مقابل الشيوخ لاشتراك الصنفين في التكليف تقييد يحتاج إلى برهان، ولا تكفي علة عدم التكليف لإخراج الصبي أو السقط، بما سيأتي من أثر أبي هريرة رضي الله عنه الآتي وفيه الدعاء للصبي بأن يعيذه الله من عذاب القبر. هذا، ومما ينبغي التنبيه عليه أنه ينبغي تقييد لفظة (التكليف) في الإشكال الوارد بقولنا, (في الدنيا)، فالسقط إذا نفخت فيه الروح ومات، وكذلك الصبي الذي لم يحتلم فإنه غير مكلف في الدنيا لكن جاء أنه يكلف في الآخرة، كما ذكر ابن القيم رحمه الله عن بعض أهل العلم وانتصر له، وذلك عند ذكره للطبقة الرابعة عشر من طبقات المكلفين، وهي الطبقة التي فيها من لم يصدر منهم إيمان ولا كفر، كالأطفال والمجانين ومن في حكمهم، وبعد أن ذكر المذهب الثامن فيهم وهو الراجح عنده لما دلت عليه النصوص وهو أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، تعرض لمسألة أن التكليف لا ينقطع إلى أن يصل المرء إلى دار القرار، إذ كيف يمتحنهم الله ولا تكليف، فقال في طريق الهجرتين ص400: "الرابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان في الدار الآخرة، وقالوا: لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار ذكره البيهقي عن غير واحد من السلف". ثم قال ص400-401: "فإن قيل: فالآخرة دار جزاءٍ، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون في غير دار التكليف؟ فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، وأما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف. وأما في عرصة القيامة فقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] ، [فهذا] صريح في أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف، بما لا يطاق حينئذ حساً عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به في الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم، ولهذا قال تعالى: {وَقدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43)". وثمرة هذا أن الإشكال في الاستغفار والتعوذ للطفل يكون قويا إذا انقطع التكليف بالموت، فإذا مات من لم يبلغ الحلم كان غير مكلف، فكيف يستغفر له ويستعاذ له من عذاب القبر؟! فأما إن علم أن التكليف لا ينقطع إلا بدخول الجنة أو النار عند من ذهب إليه بالأدلة التي ذكرها ابن القيم وغيره، فلا إشكال، لأنه يتماشى مع ما وجهه بعض أهل العلم من أن الدعاء زيادة، أو سؤال للتثبيت على الحالة التي هو عليها، وكذلك يتماشى مع ما وجهه بعض أهل العلم من أن فتنة القبر وعذاب القبر يعمان الصغير والكبير كما سيأتي ذكره، فمع وجود التكليف لمن ذهب عقله أو مات قبل الحلم في غير هذه الدار تظهر قوة وجوه الدعاء للطفل ومن كان مثله، وأما كون الاستغفار لا يكون إلا بعد ذنب، فتقدم، وكلام ابن القيم في تقرير تلك المسألة طويل، فإن أردت الإلمام به فعليك بكتابه, (طريق الهجرتين). ومن الآثار المروية في الدعاء للصبي إذا مات ما رواه البيهقي في السنن الكبرى 4، ص15، برقم 6794، بسنده عن هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمَنْفُوسِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، وَيَقُولُ: " §اللهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَذُخْرًا " قَالَ نُعَيْمٌ: وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ أَتُصَلِّي عَلَى الْمَنْفُوسِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَغْفُورًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ " وروى البيهقي وغيره أيضا والبخاري تعليقا في صحيحه ج2، ص89-90، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة هذا عن الحسن فقال: "وَقَالَ الحَسَنُ: " يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا "، قال الشيخ الألباني رحمه الله في حاشية أحكام الجنائز ص126-127: "الثانية: قال الشوكاني في " نيل الأوطار " (55 4): " إذا كان المصلي عليه طفلا استحب أن يقول المصلي: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا، روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة، وروى مثله سفيان في " الجامعة " عن الحسن ". قلت: حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن، ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع، وإن كان موقوفا، إذا لم يتخذ سنة، بحيث يؤدي ذلك الى الظن إنه عن النبي صلى الله عليه وسلم". وهذا ما يتمسك به بعض الأئمة عند الصلاة على الطفل ، فلا يذكرون للمصلين غيره، فيأمرونهم بالصلاة عليه، والدعاء لوالديه، فلو أنهم بحثوا أو سألوا. فيا ترى، ماذا لو عرفوا أن لأبي هريرة أثراآخر صحيحا موقوفا عليه أيضا، وفي ديوان من أشهر دواوين السنة، وهو موطأ الإمام مالك، وفيه الاستعاذة من أبي هريرة للصبي من عذاب القبر، ففي الموطأ ج2، ص320 في التبويب الذي عقده الإمام مالك فيما جاء في التكبير على الجنائز فقال: "776 - مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". جاء في مشكاة المصابيح بتحقيق الشيخ الألباني ج1 ص531: "1689 -[44] (صَحِيح)". وقد استشكل هذا كما استشكل الاستغفار للصبي، فقال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ج3، ص39-40: ""وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الصَّبِيِّ اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) الْفَتْحِ 14 وَلَوْ عَذَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَجْمَعِينَ كَانَ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ كَمَا أَنَّهُ إِذَا هَدَى وَوَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَأَضَلَّ وَخَذَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ كَانَ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا الظَّالِمُ مَنْ فَعَلَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَأْمُورٍ لَا شَرِيكَ لَهُ". وفي شرح الزرقاني على الموطأ ج2، ص88: "وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ هُنَا عُقُوبَتَهُ وَلَا السُّؤَالَ بَلْ مُجَرَّدَ الْأَلَمِ بِالْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اعْتَقَدَهُ لِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنَ الْمُصْطَفَى أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ عَامٌّ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَأَنَّ الْفِتْنَةَ فِيهِ لَا تَسْقُطُ عَنِ الصَّغِيرِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي الدُّنْيَا أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ كَبِيرٌ أَوْ دَعَا لَهُ عَلَى مَعْنَى الزِّيَادَةِ كَمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَهَا وَتَسْتَغْفِرُهُ". فأما حمل عذاب القبر على غير الحقيقة الشرعية فأمر يعوزه الدليل، وأذا جاز القول بأنه قال هذا التعوذ على توقيف عنده من النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنع من القول به وجها في الاستغفار للصبي أيضا؟ يزيده وضوحا ما ذكره العيني في نخب الأفكار ج7، ص431: "قوله: "اللهم أعذه من عذاب القبر" يدل على أن عذاب القبر حق ردًّا على من أنكره من المعتزلة، وأنه يعم الصغير والكبير. فإن قيل: المنفوس الذي لم يعمل خطيئة كيف يعذب في القبر؟ قلت: لما لم يَخْل الصغير عن السؤال في القبر حتى عن نظره إلى الدنيا مرة واحدة أطلق على ذلك العذاب؛ لأن في السؤال نوع عذاب في حقه، والأولى أن يحمل هذا على سؤال الثبات والدوام على ما هو عليه من عدم العذاب في حقه، كما كان رسول الله - عليه السلام - يتعوذ من عذاب القبر مع العلم قطعًا أنه لا يعذب أصلًا. فما المانع أن يكون سؤال المغفرة للصبي أو السقط الذي نفخت فيه الروح والتعوذ لهما من عذاب القبر من باب طلب الثبات لهما إذا قيل بعموم فتنة القبر وعذاب القبر للصغير والكبير، وإذا قيل إن الأنبياء يتعوذون وهم معصومون منه ويستغفرون وقد غفر لهم من باب التعبد والاقتداء، فيقال إن في الصحابة من بشر بالجنة، وكان يتعوذ لنفسه، ويفرق فرقا شديدا من العذاب، وإن كان هؤلاء مكلفون، والصبية لم يكلفوا، فهو عمل صحابي، لا يعلم له مخالف، والسند إليه صحيح، واحتمال فعله على توقيف في المسألة وارد، وفعل ذلك اقتداء به عمل بأثر، كما يقتدي به من يدعو للصبي بأن يكون سلفا وفرطا وذخرا أو أجرا، وقبله استغفر النبي صلى الله عليه وسلم للأصناف الثمانية وفيهم الصغير، ويشمل الصغير حيا وميتا إلى ما شاء الله أن تكون بقية باقية من أمته صلوات ربي وسلامه عليه. وقد اختار المالكية صيغة دعاء جمعوا فيها بين سؤال الله أن يكون الصبي سلفا وفرطا وأجرا، وبين الاستغفار والاستعاذة له، كيف وأمامهم هو من روى استعاذة أبي هريرة للطفل من عذاب القبر، جاء في النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني ج1، ص595: "وأما الدعاء للطفل، قال ابن وهب، عن مالك، في (المجموعة): يسأل الله له الجنة: ويستعاذ له من النار، ونحو ذلك من الكلام، كما روي عن أبي هريرة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يكبر الأولى فيقول ما ذكرنا من حمد الله، والصلاة على نبيه فقط، ثم يكبر الثانية ويقول: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته، وأنت قبضته إليك، وأنت عالم بما كان عاملا به وصائرا إليه، اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأفسح له في قبره، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا من داره، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وصيره إلى جنتك برحمتك، وألحقه بصالح سلف المسلمين، في كفالة إبراهيم، واجعله لنا ولأبويه سلفا وذخرا، وفرطا وأجرا. وفي موضع آخر: وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره، ولا يفقتنا وإياهم بعده. تقول ذلك بإثر كل تكبيرة. ويدعو بعد الرابعة بما ذكر، على مذهب من يدعو بعد الرابعة". وفي الرسالة له ص58: "باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله تثني على الله تبارك وتعالى وتصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم تقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم تقول ذلك في كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ثم تسلم". ​​​​​​​مما تقدم يعلم أن المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ويدعى لوالديه}، الجمع لا قصر الدعاء في الجنازة للوالدين، فهي واو لمطلق الجمع لا للمغايرة، والدليل قوله وفعله، وفعل أصحابه من بعده، ونص كثير من أهل العلم عليه، وأن الدعاء له ليس فيه صيغة مخصوصة، بل الدعاء للصغير كالكبير كما قال أهل العلم، إلا أنه يزاد الدعاء لوالديه معه، والله أعلم.