#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الاثنين، 14 نوفمبر 2022

حكم ما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية أو الاتجار في السلع على المباع:

حكم ما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية أو الاتجار في السلع على المباع: من المشاكل التي تعتري من يتعامل في باب المعاملات المالية أنه حين يبحث عن حكم مسألة فيها قد لا يجدها، بسبب اختلاف اصطلاحات السوق عن المصطلحات الشرعية، وقد توحي مصطلحات السوق أول وهلة أن المسألة لا حرج فيها، فأما المتكاسل من مجرد بحث ضئيل لا يظفر فيه بمراده يتواكل على ظاهر توحي به مصطلحات السوق، كأن يحدث نفسه بأن المهم وجود التراضي، وقد يوقعه الجهل بالمصطلحات الشرعية في باب عظيم من أبواب الحرام ولا يعذر بجهله، لتفريطه أو تقصيره في باب البحث والسؤال، أو لتعويله على ذلك الظاهر البراق لمصطلحات السوق، ومن هنا تبرز قيمة كلام أهل العلم, أنه يحرم على المسلم الإقدام على عمل بدون أن يعرف حكمه، والأمانة في نقل الصورة للمفتي مطلوبة من المستفتي، وهذا يتطلب من المستفتي فهم الصورة بجزئياتها قبل الاستفتاء كما هي في التعامل. كانت هذه مقدمة لا بد منها في بيان المسألة التي في العنوان، ففي الأسواق يتبادل الناس التعامل بما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية، وصورتها, أن تقوم شركة ما بعرض بضاعتها على موزعي الأفراد بأحد نوعي ضمان,: الأول: أنه لو شارفت صلاحية المنتج على الانتهاء فإن الشركة تضمن للموزع إبدال السلعة القديمة بسلعة صلاحيتها أطول. الثاني: أن السلعة لو قل سعرها فإن الشركة تعوضه عن خسارته. تكمن فائدة الشركة في الترويج لسلعتها في سوق المنافسة بحيث يقبل موزعو الأفراد على شراء سلعتها، وسحب كميات كبيرة من المنتج، والشركة تراقب وضعية السوق لأي احتمالات للمخاطرة. وتكمن فائدة موزع الفرد وغيره في تأمينه على نفسه من أي مخاطر للخسارة. وسيأتي أن القاعدة الشرعية أن الخراج أو الربح بالضمان. وهل الشركة المنتجة تقدر في أرباحها المخاطرة المحتملة حين تحديد هامش الربح أو لا، هذا يحكمه سوق المنافسة. ولا شك أن الشركة المنتجة راضية بهذا، ولولا هذا ما أقدمت على هذه المعاملة. وموزع الفرد راض بهذا لأنه يتاجر بسلعة محمية من منتجها، فالطرفان متراضيان، لكن، هل هذه المسألة جائزة؟ وهل يعتبر الشرع هذا التراضي ويقره؟ وهناك صورة تشبه هذه الصورة تسمى الاتجار بالسلعة على المباع، بحيث يعطي المورد بكسر الراء وتشديدها لأي بائع أو فرد كمية من سلعة معينة، ويقول له هذه السلعة مني لك بكذا، وزد أنت هامش ربحك، أو يحدد له هامشا مقدرا من الربح، فيقول هذه السلعة مني لك بخمسة، وأنت بعها على ستة، ولكن، كمية السلعة التي لا تباع يرجعها البائع للمورد أو المنتج. وفي الحالتين العقد على البضاعة غير واضح, لأن الذي اشتراه الوسيط لا يتحدد إلا بعد بيعه للبضاعة، فما باعه يقر بشرائه له مقابل الربح الذي أخذه عليه، وما لم يبعه يعتبر نفسه غير مشتر له، وهذه جهالة، لأن الكمية المشتراة لا تعرف ابتداء، وما بقي لا يعرف ابتداء، وإنما يعرف هذا بين الوسيط وبين البائع الأول بعد تصريف البضاعة؟ ومع هذا كله فالمورد أو المنتج راض، والبائع أيضا راض، فما حكم هذه المسألة؟ وهل يقر الشرع هذا التراضي هذه الصورة ينتشر التعبير عنها في فتاوى أهل العلم ببيع التصريف، أو البيع على التصريف، أو البيع بالتصريف، وهي مبحوثة في كتب القدامى في مباحث الشروط المنافية للعقد، بحيث يشترط البيع بلا خسارة، أو يشترط نفوق السلعة، أي رواجها وتصريفها في السوق، فإن لم ترج ردت لصاحبها، وفي هتين الصورتين: --سقوط الضمان عن البائع الوسيط بين المورد أو المنتج الأصلي وبين المالك, فإذا سقطت الصلاحية ترد السلعة للمورد أو المنتج، وإذا نقص الثمن تكون الخسارة على المنتج الأصلي أو المورد، والقاعدة الشرعية,(الخراج بالضمان)، أي, الفائدة من السلعة بالربح فيها كما تحب أن يكون لك مقابل ذلك عدلا أنك أنت الذي تخسر فيها إذا أصابها تلف أو عيب وهي في ملكك وحيازتك، هذا هو العدل، لا أن تربح أن في شيء وإذا تلف تكون خسارته على غيرك، ما لم يكن الضمان عقوبة, بأن يبيع أو يتصرف في مغصوب مثلا، فالمغصوب ما كان في حيازته فتعرض للتلف أو العيب فهو ملزم بالتعويض، ولكن ربح المغصوب إن باعه ليس له حق فيه، فما يحصل في بيع التصريف من المشارطة على أن الخسارة يتحملها المورد أو المنتج لا يجوز وإن كان بالتراضي عند التعاقد, لما نصت عليه هذه القاعدة الشرعية، ولكن، يمكن تصحيح هذه المعاملة لتكون شرعية. --تمكث السلعة المتاجر فيها على المباع وقتا طويلا عند الوسيط، فيكون هناك جهالة في الثمن، وفي الكمية المباعة، ولا بد في البيع من تحديد السعر، ويكون البيعان عالمان بمقدار ما يباع، بالسعر الذي بيع به، حتى تنتفي الجهالة: وفيما يلي بيان لكلام أهل العلم في هذه المسألة، وبيان كيفية تصحيح المعاملة. --كلام الشيخ ابن عثيمين: أولا—"السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم: ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟ الشيخ : التصريف وش هو ؟ السائل : التصريف مثلاً أن يعطي آخر بضاعة يقول ما تصرف منها تدفع لي ثمنها والي يتصرف تعيدها إلي الي ما تصرف تعيدها . الشيخ : هذان سؤالان في سؤال واحد: السؤال: الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إليَّ، وهذه المعاملة حرام؛ وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولابد، إذ أن كلاً من البائع والمشتري لا يدري ماذا يتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه: «نهى عن بيع الغرر» وهذا لا شك أنه من الغرر. ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليقل من له السلعة: خذ هذه وبعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته، فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك". لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(54) https://fatawapedia.com/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84-28876 وفي كتاب, الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين ص121: "السؤال (538): كان شيخنا ابن عثيمين يمنع ما يسمى ببيع التصريف ومنه بيع الجرايد والألبان ومشتقاته حيث تحاسب الشركة صاحب الدكان على ما تصرف منها وتأخذ الباقي ويرى أن الأسلم والأبرأ أن يجعله وكيلاً له في البيع فكل جريدة يبيعها فله كذا فإن بقي شيء من الجرايد أخذه ويرى أن هذا توكيل جائز". وفي الشرح الممتع, (10/28): "وننتقل من هذا إلى مسألة بدأ الناس يتعاملون بها الآن وهي البيع على التصريف، مثال ذلك قال: هذه خمسة كراتين حليب أو خمس سلات خبز يبيعها على البقال على التصريف، يعني يأتي إليه في آخر النهار ويقول: كم صرفت؟ يقول كذا وكذا، فيقول له: هو عليك بكذا والباقي رُدَّهُ ويسقط من الثمن، فهذا على المذهب لا يجوز، لكن على القول الذي قلنا: إنه لا بأس به في مسألة التمر المأكول، نقول: يجوز بشرط أن يُقَدِّر لكل شيء ثمناً، أما أن يقول: على ما تصرف ولم يقل له: كل كرتون بكذا، أو كل سلة من سلات الخبز بكذا، فهذا يؤدي إلى الجهالة. فمسألة التصريف لها طريقان: إما أن يوكله يعني الذي أتى بالخبز أو اللبن يوكل البقال، فيقول: خذ هذا بعه ولك على كل كرتون كذا وكذا فهذا جائز قولاً واحداً؛ لأنه توكيل بعوض فليس فيه إشكالأو يقول على القول الراجح: هذه ـ مثلاً ـ عشرة صناديق هي عليك بمائة، كل صندوق بعشرة وما لم تصرفه يرد بقسطه من الثمن، فهذا نرى أنه جائز؛ لأنه ليس على أحد الطرفين ضرر وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى".. فلا بد عند الشيخ من تحديد ثمن المباع قبل الشروع في البيع, فيحدد قيمة كل قطعة، فإن انتفى تحديد الثمن قبل الشروع في البيع فغير جائز، أو يمكن تصحيح البيع على عقد الوكالة، فتوضع البضاعة عند الوسيط بين صاحب السلعة والمستهلك، ويقال له وكلتك في بيعها على أجرة معلومة يتفقان عليها، والوكالة بأجرة جائزة. --أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ: تعرض في كتابه, المُعَامَلَاتُ المَالِيَّةُ أَصَالَة وَمُعَاصَرَة، لهذه المسألة، وهو كتاب بتقديم ثلة من المشايخ الكرام, الشيخ: د. عَبْدُ اللهِ بْن عَبد المُحْسِن التّركيّ الشيخ: د. صَالِحُ بن عَبد الله بْن حَميد الشيخ: مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِر العَبُّودِي الشيخ: صَالِحُ بْن عَبْد العَزِيزِ آلَ الشَّيْخِ جاء في الكتاب المذكور في المبحث الثاني حكم البيع مع وجود شرط يخالف مقتضى العقد: قوله (5/357-358): "الفرع الثاني إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده [م - 416] إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه. فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن يكون له الغنم كما يكون عليه الغرم. وأكثر من توجه لهذا الشرط بالبحث الشافعية والحنابلة. فإذا اشترط المشتري على البائع بأنه لا خسارة عليه، أو شرط عليه: إن نفق المبيع وإلا رده عليه، فما حكم التزام مثل هذا الشرط، وما حكم العقد إذا اقترن به؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: البيع صحيح، والشرط باطل، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة القول الثاني: البيع فاسد، يجب فسخه فإن فات بعد القبض وجبت القيمة، وهذا مذهب المالكية، القول الثالث: البيع باطل، وهذا مذهب الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة، اختارها القاضي وأصحابه". إلى أن قال (5/359-360): "وقد انتشرت في عصرنا مسألة البيع بالتصريف، فيأتي المنتج والمورد إلى البقال والصيدلي وغيرهما فيضع عنده بضاعته، من خبز وحليب ودواء وغيرها ويبيعها عليه، فما باعه المشتري من البضاعة في وقت صلاحيتها فهي على المشتري، وما بقي منها فهي رد على البائع، وبعض البضائع قد تمتد مدة صلاحيتها الفترة الطويلة كالدواء مثلًا فلا يدري المنتج كمية ما باعه منها، ولا يدري المشتري مقدار ما اشتراه منها، فهل مثل هذا البيع يمكن تصحيحه مع الابتلاء فيه؟ والجواب على هذا نقول: بيع التصريف يقع على طريقتين: الأولى: أن يكون صاحب المحل وكيلًا للمنتج، بأن يقول صاحب البضاعة لصاحب المحل: خذ هذا بعه لي، ولك على كل سلعة تبيعها كذا وكذا، فهذا جائز قولًا واحدًا؛ لأن هذا العمل من قبيل الوكالة بأجرة. وإذا كان صاحب المحل وكيلًا انطبقت عليه أحكام الوكالة، فتكون يده يد أمانة، فلا ضمان عليه إلا بتعد أو تفريط. الثاني: أن يقوم صاحب البضاعة سلعًا معلومة، ويقول البائع: ما بعته منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إلى بقسطه من الثمن. وهذا العقد من عقود البيع، ويكون المشتري ضامنًا لكامل السلعة لو تلفت حتى لو كان التلف بلا تعد ولا تفريط؛ لأنه ماله تلف تحت يده، فضمانه عليه. وهذا الصورة هو الذي وقع فيها إشكال في جوازها، وسوف أقيد كل ما وقفت عليه من الأقوال والنصوص القديمة والمعاصرة زيادة على ما تقدم لعلها تعين القارئ على فهم حكم هذه المسألة". إلى أن نقل فتاوى المعاصرين في المسألة فقال (5/360-363): "وقد سجلت أربعة أقوال في المسألة للعلماء المعاصرين وتكلم عليها شيخنا محمَّد بن عثيمين، وكان له أكثر من رأي مما يعبر عن تردده في حكم هذه المسألة نظرًا لانتشارها، وعمل الناس بها. القول الأول: يرى شيخنا أن العقد صحيح والشرط باطل، وعلل ذلك في الشرح الممتع بأنه يخالف مقتضى العقد، إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشتري سواء نفق المبيع أو لا. وهذا القول من شيخنا يتفق مع ما هو معروف من مذهب الحنابلة. وقال شيخنا أيضًا: "البيع بالتصريف عقد محرم لحصول الجهالة والغرر، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر". وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: قالت اللجنة: "إذا شرط المشتري أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده عليه، أو شرط البائع ذلك فقال: اشتر هذه البضاعة مني، وإذا خسرت فأنا أدفع مقابل الخسارة، فإن الشرط يبطل وحده، ويصح البيع؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. متفق عليه. ولأن مقتضى العقد انتقال المبيع للبائع بعد دفع الثمن، والتصرف المطلق فيه، وأن له ربحه وعليه خسارته وحده، ولدفع الضرر المتوقع إذا تهاون المشتري في ترويج السلعة فباعها بخسارة ورجع على البائع، ولأن قوله البائع: إن خسرت البضاعة فأنا أدفع الخسارة فيه تغرير من ناحية إيهام المشتري بأن السلعة رائجة، وأنها تساوي هذا المبلغ". القول الثاني: أن العقد والشرط صحيحان. ذكره شيخنا في الشرح الممتع، ورجحه، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم، وعلل الجواز بأنه ليس على أحد الطرفين ضرر، وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى"، القول الثالث: ذكر شيخنا قولًا ثالثًا بأنه إن كان رد المشتري للسلعة بدون شرط وعقد مسبق بينه وبين البائع فلا بأس، لأنه إذا رده بدون شرط، ورضي البائع فهو إقالة من البائع للمشتري، والإقالة جائزة". ويشكل على هذا التخريج: أن التعامل اليوم أصبح عرفًا بين الناس، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، ... القول الرابع: أن العقد والشرط باطلان. وهذا قول في مذهب الحنابلة. جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: "شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده ... فهذا الشرط باطل في نفسه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) نص على بطلان هذا الشرط، وقسنا عليه سائر الشروط؛ لأنها في معناه. وهل يبطل بها البيع؟ على روايتين: قال القاضي: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي، والحكم وابن أبي ليلى، وأبو ثور. والثانية: البيع فاسد، وهو قول أبي حنفية، والشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد البيع كما لو اشترط فيه عقدًا آخر، ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا، ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه، والمشتري كذلك إذا كان الشرط له، فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع من شرطه التراضي، ولأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع وشرط، ووجه الأولى: ما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي ... وذكر حديث عائشة في قصة عتق بريرة ... فأبطل -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرط ولم يبطل العقد. وجاء في بحوث هيئة كبار العلماء في البلاد السعودية: "من الشروط الفاسدة: شرط ينافي مقتضى العقد، كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع، ولا يهب، ولا يعتق، فهذه الشروط باطلة، وهل تبطل العقود المشتملة عليها؟ قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد" واشتراط ألا خسارة عليه كاشتراط متى نفق المبيع وإلا رده، فإن المحصلة واحدة، لأن المبيع متى كان نافقًا فالمشتري رابح، ومتى كان المبيع غير نافق فإن المشتري سيخسر، فالشرطان بمعنى واحد، وهما شرطان مخالفان لمقتضى العقد وبينهما فرق يسير سوف أشير إليه عند التعرض للترجيح". فالمتفق عليه في هذه الأقوال الأربعة بطلان هذا العرف الذي أصبح في حكم الشرط في مسألة بيع البضاعة المحمية، أو الاتجار في السلعة على المباع، هذا العرف الذي حكمه حكم الشرط هو أن الخسارة والتلف على المنتج الأصلي أو المروج أو المورد للبضاعة. الخلاصة: لتصحيح هذه المعاملة شرعيا: --إذا لم يرد الوسيط تملك البضاعة حتى لا تقع الخسارة عليه فيعقد مع البائع الأول عقد وكالة بأجرة معلومة، فيكون ربحه تلك الأجرة المعلومة، وهو عندئذ مؤتمن، إذا تلفت البضاعة عنده أو انتهت صلاحيتها ولم يكن منه تفريط ولا تعد فالخسارة على البائع الأول صاحب البضاعة الأصلية, يسترد البضاعة منتهية الصلاحية، ولا علاقة للوسيط بزيادة السعر أو نقصانه لأن العقد كان معه على أجرة معلومة. --إذا أراد الوسيط بين البائع الأول أو المستهلك هامشا أكبر من الربح فإنه يتفق مع البائع الأول مهما اختلفت صفته من مورد أو مروج أو منتج على قدر معلوم وسعر معلوم بحيث يتحاسبان في نهاية اليوم مثلا ويكون العقد على جميع البضاعة عقد بيع وشراء بحيث لو تلفت وهي في ذمة الوسيط تكون عليه الخسارة لا على البائع الأول للقاعدة, الخراج بالضمان، فإن فضل شيء من البضاعة وقبل البائع الأول ردها بدون شرط جاز هذا، وعلى هذا, فلو انتهت صلاحية المنتج وهي في ذمة الوسيط فلا علاقة للبائع الأول بذلك، ولو فضلت بضاعة ورفض البائع الأول ردها ليس للوسيط مطالبته بأي شيء. --سبب حرمة المعاملة في واقعها الحالي، الجهل في كمية المباع والثمن، والغرر الذي يقع فيها وتحمل البائع الأول الخسارة عن الوسيط سواء أكان في انتهاء الصلاحية أو في انخفاض السعر ولو كانا متراضيين، وعندها يحوي العقد شرطا فاسدا يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين ولو على سبيل الاحتمال وقبول المخاطرة، وهذا ينافي العدالة التي جاءت الشريعة بإرسائها، وعندئذ لا اعتبار للتراضي، وتكافؤ الفرص يقضي بأن صاحب الربح كما أنه يحب الربح لنفسه فينبغي عليه ألا يضر بالآخرين, {وليؤد للناس الذي يحب أن يؤتى إليه}. تنبيهات: --يختلف حال الوسيط عن حال السمسار، فالسمسار مجرد دلال يدلل ببضاعة معينة يطلب منه المشتري أن يشتري له سلعة في حدود مبلغ معين مقابل زيادة يعطيها له متفق عليها، ويتفق معه البائع على بيع تلك السلعة بمبلغ معين فما زاد فهو له أو يتفقان على أجرة معينة، فالسمسار لا يبيع ولا يشتري، ولكنه وسيط بأجرة. --أجاز الشيخ عبد السلام الشويعر حفظه الله ما إذا حدد تاريخ معين بأن يأتي الوسيط ويقول اشتري منك هذه البضاعة إلى شهر فإن انتهت المدة ولم تبع يعتبر من خيار الشرط بمدة معلومة، https://www.youtube.com/watch?v=bN4fTwaKWqs والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق