#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الثلاثاء، 31 مارس 2020

مقال للشيخ عبد الله البخاري، التاريخ خير شاهد: - شبكة الربانيون العلمية

مقال للشيخ عبد الله البخاري، التاريخ خير شاهد: - شبكة الربانيون العلمية

للشيخ عبد الله البخاري، التاريخ خير شاهد:

#للشيخ_عبد_الله_البخاري_التاريخ_خير_شاهد:
وصف الشيخ عبد الله البخاري في صوتية له كلام الشيخ محمد بن هادي بأنه كذ حين عتب الشيخ محمد عليه وعلى عبد الله الظفيري دفاعه عن الخارجي ابن بريك فقال البخاري:
ورماه‍ بما هو منهُ براء وادعىٰ أن هاني بن بريك نزع يدًا من طاعة وهذا كذب علىٰ هاني اخطأ نعم وانحرف نعم وضل نعم ولكن أن تقول أنه ادعىٰ في ذلك الوقت لا بالعكس قال هو ولي أمري يقصد عبد ربه...إلخ.
رابط الصوتية
https://1.top4top.net/m_1338uobo11.mp3
وفي بيان ضعف هذا التكذيب وقفتان:
الأولى: ما كتبه أحد بلديي هاني في مقال له قبل محاضرة الخروج عن الصمات، فقد كتب أبو عمار علي الحذيفي مقالا بتاريخ, يوم الاثنين - 16 / شوّال / 1438 هـ الموافق 10 يوليو 2017، وهو مقال بعنوان (ما هكذا يا هاني تورد الإبل)، فتاريخ هذا المقال قبل الخروج عن الصمات بأربعة أشهر ونصف، وهو مقال طويل نقتصر منه على المراد وهو قول الحذيفي:
" ـ وبعد مُدّة أراد أخونا هاني أن يستنفر الشباب في عدن لقتال الدواعش، بل وأصرّ على ذلك، وكرّر هذا أكثر من مرة، فاعترضه طلبة العلم بأن هذه مسألة تحتاج إلى استنفار الحاكم أوّلًا، وتحتاج إلى مشاورة مشايخنا الفضلاء ثانيًا، فكما أننا لم نقاتل الحوثيين إلا بفتوى علماء الدعوة السلفية، فكذلك الدواعش لا نقاتلهم إلا بفتوى علمائنا، لكن أخانا هاني أصرّ على ذلك، وحصل بينه وبين إخوانه فجوة.
ـ وبعد مُدّة زادت هذه الأخطاء، ومن ذلك تغريداته، وحديثه على "الفيسبوك" بالنزعة المناطقية، التي تتحدث فيها عن الجنوب وأبناء الجنوب، وكلامه حول الانفصال. ومن ذلك ثناؤه على شخص كان سلفيًّا ثم فُتن بفتنة التكفير ولحق بداعش، ثم قُتل وهو مع داعش، فأثنى عليه هاني حتّى بعد موته، بحجة أنه كان من المجاهدين في كتاف، وأنه تاب أو كان يريد أن يتوب من داعش.
ـ تشاورنا نحن والمشايخ الفضلاء ومنهم ناصر الزيدي، وياسين العدني، وصلاح كنتوش، وزكريا بن شعيب، وعباس الجونة، ومنير السعدي، وعبد الرؤوف عباد وعرفات المحمدي وغيرهم، فاتفقنا على مناصحته، ومواجهته بهذه الأخطاء، وقد وكّلوني أنا بذلك، فرفعت له رسالة شديدة اللهجة في 22 شعبان 1437 هـ. جاء في أوّل هذه الرسالة: (فهناك أمور نجدها في الدعوة في عدن، رأينا أننا لابد أن نتناصح فيها، لأنها مست الدعوة السلفية بضرر بالغ، ولاسيّما في الآونة الأخيرة، ونحن لا نرضى للدعوة بأي ضرر من أي جهة كانت).
وجاء في آخرها: (فاتّقِ الله في الدعوة السلفية، واتق الله في الإخوة المساكين الذين يرتمون إلى أحضان الباطل بسبب افتتانهم ببعض الأمور التي يرونها منك أو من غيرك).
ـ لم أجد فائدة من نصح هاني بن بريك، فقمت بكتابة منشور صغير، ذكرت فيه أن هاني لا يمثّل الدعوة السلفية، وإنما يمثّل نفسه، وقد وجدت أذىً شديدًا من بعض الجّهال - هداهم الله – بسبب هذه النصيحة بحجّة أنه من ولاة الأمور.
ولم أستطع أن أحذّر من هاني بالكليّة، لأن من القواعد التي نسير عليها من بداية طلب أن التحذير من المعروفين بالسلفية إنما يكون للعلماء.
ورفعنا تلك الأخطاء إلى مشايخنا في السعوديّة، فنصحه بعض المشايخ، فانقطع هاني عن تغريداته مُدّة من الزمن.
ـ ومن المواقف المشرّفة للمشايخ في عدن، أن الأخ هاني بن بريك أراد أن يوصل لنا مساعدة ماليّة شهريّة – تُقدّر بألفين ريال سعودي –، وذكر لنا أن المشايخ في عدن يحتاجون لمثل هذه المساعدات للنفقة على زوجاتهم وعيالهم، وأيضًا لمشاويرهم الدعوية، فاجتمعنا لمناقشة هذه المسألة، فخرجنا متّفقين بردّها للأخ هاني بن بريك، وعدم قبولها منه.
ـ ثم جاء خبر إقالته من الوزارة، فقلنا عسى أن يكون ذلك سببًا في رجوعه إلى التدريس والانشغال بالعلم، لكن فوجئنا بخبر صعوده على المنصّة، ومشاركته لعامّة الناس، مع ما تضمّن طلوعه من خروج فاضح على ولاة الأمور، فصُدمنا صدمة شديدة، ولاسيّما أن الصور كانت واضحة.
ـ تكلّم الشيخ عبيد الجابري في هاني بن بريك، وذكر أن طريقته خبيثة، وهذا الموقف من الشيخ عبيد يُضاف إلى قاموس المناقب المشرّفة لمشايخنا، حيث كان دليلًا على أن مشايخنا لا يحابون أحدًا، وأنهم صدّاعون بالحق، وهي مرتبة لا يستطيع أن يصل خواصّ محمد الإمام إلى عُشر معشارها. أضف إلى أن تحذير الشيخ عبيد من هاني كانت صفعة في وجوه الذين ما فتئوا ينشرون عن مشايخنا أن حولهم بطانة سيئة ترفع لهم تقارير تفتقد المصداقية والواقعية.
ـ ثم رُفعت أخطاء هاني بن بريك من جهة بعض الإخوة إلى الشيخ ربيع، ومنها إصراره على المطالبة بالانفصال، وثناؤه على قادة الجنوب السابقين، وأشياء أخرى.
وقبل أكثر من نصف شهر – من تاريخ اليوم – طلب مني الشيخ ربيع أن أنصح الأخ هاني فيما بيني وبينه، وأذكّره بالله، وأقول له: "لماذا تطالب بالانفصال، فإذا انفصلت اليمن، فهل نترك شمال اليمن للحوثيين الرافضة ؟!". وطلب مني أن أنصحه بسبب ثنائه على قادة الجنوب السابقين ؟! فنقلت له النصيحة كما أمرني الشيخ ربيع وحاورته في الواتس، لكني لم أجد جوابًا شافيًا من هاني بن بريك - هداه الله تعالى -.
وأخيرًا راسلني أحد الإخوة – البارحة - قائلًا: "إن الشيخ ربيعًا يقول لك: "أنت ناصحت هاني سرًّا، ولم يقبل النصيحة، فحذّر منه ومن أخطائه بالأدلة". وأضاف الشيخ ربيع: "بلّغ عنّي أني أحذّر من هاني وأفعاله، وما يُشاع عني من سكوتي عنه غير صحيح". وقال الشيخ: "حتّى بقية مشايخ عدن، قل لهم يردوا عليه لا يسكتوا عن أخطائه، هذا يضرّ الدعوة".
وهذا رابط المقال من موقع موثوق عند القوم:
https://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=21193
فهل يا ترى الثناء على من كان خارجيا ولم تظهر توبته من المنهج السلفي؟ وهل رفض قرار الإقالة نزع يد من طاعة أم لا؟
بل مظاهر الخروج كانت عند هاني قبل قرار الإقالة بشهادة الحذيفي نفسه, وذلك حين دعا هاني إلى قتال الخوارج فنصحه من معه أن هذا يحتاج إلى استنفار ولي الأمر! ويحتاج إلى فتاوى العلماء كما ذكر الحذيفي! ومع تذكير إخوانه له بالأصول السلفية أصر. فلماذا لم يعلق البخاري على هذا؟ بل كانت من مسائل مناصحة هؤلاء لهاني مسألة دعوته للانفصال؟ فهل البخاري يوافقه عليه؟ وبداية مناصحتهم له كان أول تاريخ مذكور لها بشكل واضح في 22 شعبان 1437، الموافق 29 مايو 2016 م، تقريبا، أي قبل الخروج عن الصمات بسنة وستة أشهر ونصف تقريبا.
والحق أن كلام الحذيفي يستدعي كثيرا من النقاط التي ليس هذا مجالها، ولكن يكتفى بالإشارة إلى بعذها، فمنها, سبب تغير الفتوى في هاني، والاستدلال منها على كذب عبد الله الظفيري على العلماء، والحجة التي ظلت تتداول من تاريخ المناصحة الكتابية بللحذيفي في شعبان لا أقول إلى كتابة الحذيفي لتحذيره المفصل، بل إلى محاضرة الخروج عن الصمات!
وهل ظل الشيخ البخاري غافلا عن هذا كل هذه المدة؟ طيلة سنة وسبعة أشهر تقريبا؟ مع خروج تحذير الشيخين، وكتابة الحذيفي لمقاله، وعلم عرفات بالملحوظات عن هاني؟
بل ويلزم من تكذيب الشيخ البخاري لكلام الشيخ محمد بن هادي تكذيب الحذيفي أيضا، إذ الحذيفي سبق الشيخ محمد بن هادي في نسبة الخارجية إلى هاني وأفعاله فقال في مقاله: (لكن فوجئنا بخبر صعوده على المنصّة، ومشاركته لعامّة الناس، مع ما تضمّن طلوعه من خروج فاضح على ولاة الأمور، فصُدمنا صدمة شديدة، ولاسيّما أن الصور كانت واضحةـ).
بل وصل الحال بالحذيفي إلى أن قال: (فها أنا ذا أنقل للناس كلام شيخنا الشيخ ربيع في التحذير من هاني، وصفحة هاني انطوت عند طلّاب العلم).
الوقفة الثانية: الرد على تكذيب الشيخ البخاري لكلام الشيخ محمد بن هادي من تغريدات هاني نفسه من تاريخ ظهور حراك الجنوب إلى تاريخ محاضرة الخروج عن الصمات:
هذا التكذيب لا يستقيم مع التسلسل التاريخي للأحداث, فمحاضرة الخروج عن الصمات كانت بتاريخ: ١/ ربيع الثاني/١٤٣٩. الموافق الثلاثاء 19-ديسمبر-٢٠١٧,
والمظاهر الخارجية ظهرت عند هاني بن بريك قبل هذا بستة أشهر أو سبعة، والبداية بالاعتراض على قرار عزله من الوزارة وإحالته إلى التحقيق، وها هو يعرض فيقول:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١٩ يونيو ٢٠١٧
درس سياسي من التاريخ: قيل لحكيم : ماسبب ذهاب دولة بني أمية فقال : بعدوا الصديق و قربوا العدو ، فلم يصر العدو صديقاً وصار الصديق عدواً!
وإليك الأدلة بصدق الشيخ محمد بن هادي على أنه كان خارجيا قبل محاضرة آن لمحمد بن هادي أن يخرج عن صماته،:
أولا: الإعلان عن تشكيل مجلس جنوبي خاص بالجنوب:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١١ مايو ٢٠١٧
سيتبع بإذن الله المجلس العسكري الجنوبي لم نستأذن مخلوقا في تقرير مصيرنا وأرضنا بيدنا وسنموت دونها وخلفنا شعب بإرادة لاتقهر ولن نخضع إلا لله
https://twitter.com/hanibinbrek/status/862783870231556096
فماذا يعني تشكيل مجلس عسكري مستقل بدون إذن ولي الأمر الشرعي؟ وتاريخ هذا الكلام قبل محاضرة الخروج عن الصمات!
ثانيا: إعلان تمسكه بالمجلس الانتقالي الانفصالي الذي كان هو نائبه:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١٢ مايو ٢٠١٧
نشكر رؤساء الجنوب السابقين وكبار القادة التاريخين للجنوب العربي تأييدهم الصادق للمجلس السياسي الجنوبي المفوض الشعبي الوحيد لتمثيل الجنوب
https://twitter.com/hanibinbrek/status/862838960502001666?lang=ar
فما الحاجة إلى تشكيل مجلس انتقالي يدير الجنوب وهو المفوض الوحيد من شعب الجنوب؟ وأين ولاية ولي الأمر على الجنوب؟ وكل هذا قبل ستة أشهر أو سبعة من محاضرة الخروج عن الصمات!
ثالثا: بداية حراك الجنوب الذي انتفض معترضا على عزل عيدروس وهاني كان قبل محاضرة الخروج عن الصمات فكان في شهر إبريل الشهر الرابع من السنة الشمسية 2017، وفي هذا الخبر:
وخرج الآلاف من اليمنيين في مظاهرة في مدينة عدن الجنوبية تنديدا بقرارات هادي، وأعلنت فصائل من الحراك الجنوبي، في "إعلان عدن"، في 4 مايو الجاري، أنها قررت تفويض عيدروس الزبيدي بتشكيل ورئاسة تكتل يتولى إدارة وتمثيل الجنوب.
وقال الزبيدي، في كلمة تلفزيونية، الخميس، واضعا علم دولة اليمن الجنوبي السابقة، إنه بموجب "إعلان عدن التاريخي"، تم إنشاء "قيادة سياسية جنوبية عليا تسمى هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأضاف أن هاني بن بريك سيكون نائبا لرئيس المجلس بالإضافة إلى عضوية 26 شخصا.
وأوضح أن "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي تتولى استكمال إجراءات تأسيس هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي، وإدارة وتمثيل الجنوب داخليا وخارجيا"، مؤكدا أن "الجنوب في الشراكة مع التحالف العربي في مواجهة المد الإيراني في المنطقة والشراكة مع المجتمع الدولي في الحرب ضد الإرهاب كعنصر فعال لهذا التحالف".
وهذا إعلان عيدروس الزبيدي الذي جعل من هاني نائبه:
https://web.facebook.com/قناة-الغد-المشرق-439893976205890/videos/619599198235366/
فماذا يسمى خروج حراك جنوبي ضد قرارات ولي الأمر؟ وماذا يسمى إعلان تفويض من لم يفوضه ولي الأمر بل أمر بعزله؟ وكل هذا قبل محاضرة الخروج عن الصمات!
رابعا: هاني بن بريك يتهكم بولاة أمره الشرعيين فيقول محرضا:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١٧ نوفمبر ٢٠١٧
أقوى حكومة في العالم الحكومة اليمنية لايهزها شي أبدا والعجيب إنها في الخارج  و20% بيد الحوثي وعفاش و80% بيد المقاومة. وتسيطر على كل الدعم الخارجي والموارد المحلية وفسادها بالمليارات وسخط شعبي كل ذلك لايهزها. وكبريات دول العالم اقتصادا وجيوشا يستقيل أو يقال حكامها لمجرد عجز أوفساد
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/931314126592229376?s=20
وقبل هذا قال محرضا ومهددا:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١٠ نوفمبر ٢٠١٧
نحمل الشرعية كل ما يجري لشعبنا في الجنوب من تجويع وتأزيم للحياة في ظل قبضتهم على مواردنا والمساعدات الدولية وعلى التحالف إنقاذ الشعب من تجويع وفساد متعمد وإلا فصبر الشعب لن يطول ولن نكون إلا مع شعبنا ولو كلفنا حياتنا .
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/929106172392755200?s=20
بل ينتقد الرئيس مباشرة في العلن ولا يناصحه سرا فيقول:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١ نوفمبر ٢٠١٧
نجح الإخونج المحيطون بالرئيس هادي أن يستعدوه ضد أبناء بلده الجنوبيين وأن يستخدموه ومن حوله معاول هدم في طريق استعادة دولتهم المسلوبة
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/925504015290519553?s=20
خامسا: أوجب الشارع الحكيم طاعة ولاة الأمر بالمعروف، وها هو هاني بن بريك يضيف إليها قيدا جديدا، بخلاف ما تعلمه من مشايخ السنة فقال:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١ ديسمبر ٢٠١٧
على الحكومة أن تتصرف بمسؤولية ، ولاتمعن في استفزاز الجنوب وشعبه ، ولايركبها الغرور بذريعة الشرعية، هذه الشرعية لاتعطيك الحق في تجاوز إرادة الشعب ، الذي لا يزال يحجبه عن الكثير من الفعل وجود التحالف واحترامه .
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/936622768334000128?s=20
فها هو يهدد بإرادة الشعب الذي يحجبه عن الكثير وجود التحالف كما يقول، ويجعل لطاعة ولي الأمر الشرعي قيدا, هو عدم تجاوز إرادة الشعب!
وقال قبل ذلك:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١٧ نوفمبر ٢٠١٧
مستعدين أن نصطدم مع الآخرين ما داموا يريدون استمرار الباطل وبقاء الجنوب تحت وصاية صنعاء ، ولن نقصي أحدا يحترم إرادة الشعب الجنوبي .
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/931562358056550401?s=20
وهل ظل البخاري غافلا عن هذا طيلة كل هذه الأشهر قبل محاضرة الخروج عن الصمات، وبعد سماعه لمحاضرة الخروج عن الصمات؟!
سادسا: مع حثه للاستقلال أو إن شئت فقل الخروج والانفصال ها هو يحدد مهمة جيش الجنوب فيقول:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
٦ سبتمبر ٢٠١٧
الجيش الجنوبي القادم لن يكون فيه ولاء لحزب ولا لقبيلة ولا لمنطقة ولا لشخص ، ولاؤه سيكون لله ثم الوطن . حامي البلاد وحافظ الجوار من أي عبث
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/905232631788429314?s=20
وهذا تبرير خروجه على ولي أمره، وتشكيل جيش جديد:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
٦ سبتمبر ٢٠١٧
الدستور ينص على أن الجيش مؤسسة وطنية لا تتبع الأحزاب ومنذ قيام الوحلة اليمنية وبالذات بعد حرب94 والجيش كبار قياداته بين مؤتمري وإخونجي
فلو اخترق الإخوان الجيش فهل الصواب الوقوف مع الرئيس والنهوض بالبلاد أم في منازعة الأمر أهله؟
سابعا: ها هو يصرح بالانفصال فيقول:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١ نوفمبر ٢٠١٧ الواقع يقول إن الجنوب جنوب والشمال شمال نحفظ حق الجوار لهم ويحفظونه لنا ويعيشون بمواردهم التي كانوا عليها ويزيدهم ربي ويبارك ونعيش بمواردنا
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/925511980735135744?s=20
وقال أيضا:
هاني بن بريك
حساب موَثَّق
@HaniBinbrek
١ نوفمبر ٢٠١٧
أي حلول قادمة تضع استعادة دولة الجنوب جانبا ستبوء بالفشل ولن يقبلها الجنوبيون مطلقا وستغرق المنطقة في وحل ، فعلينا تقبل الواقع والتعامل معه
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/925507709415378945?s=20
فالجنوبيون مشروعهم دولتهم على حدود مايو 90 م
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/925505471200587778?s=20
ويقول أيضا:
الذين في ساحة العروض من رجال المقاومة وخلص أبناء الجنوب لم يرفعوا غير علم الجنوب ولم يتبنوا سوى مشروع الاستقلال فلتكن كل عدن كلها احتفالات
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/919367495227715585?s=20
ويقول مغردا:
#نحو_الاستقلال_بخطى_ثابته
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/918933240353828864?s=20
ويقول:
خطواتنا نحو الاستقلال وإعادة الدولة الجنوبية ومؤسساتها تسير بثبات وروية مراعية كل الظروف المحيطة بنا ونعمل مع كل الأحرار في العالم لنيل الحق
ويقول:
الدولة الإتحادية بين الجنوب واليمن مشروع يخدم بقاء العصابة الفاسدة لاغير وحرصوا عليه أكثر عندما تبخر حلم حكمهم للجنوب أما الشمال فقد فقدوه
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/918588849596624899?s=20
ويقول:
لن نتعذر بأن الدول الكبرى ليست معنا في استعادة بلادنا وعودتنا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، ولكن نعد العدة ونهيأ البلاد لليوم الموعود
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/912507267345522688?s=20
ويقول:
مالم يفهمه السلامي والمتغافلون أن نضال الجنوبيين انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى ونحن مع التحالف حتى نهاية هدفه من الحرب وبعدها الشأن آخر
https://twitter.com/HaniBinbrek/status/902847384266436609?s=20
ف إذا كان هاني إلى تاريخ محاضرة الخروج عن الصمات ليس خارجيا فيعني هذا أحد أمرين
: إما أن البخاري دلس فتجاهل كل هذا، وإما أن به غفلة طيلة تلك الشهور وهذا بعيد وبالذات بعد مقال الحذيفي المفصل ومحاضرة الخروج عن الصمات التي علق عليها بمقطعه هذا.





الثلاثاء، 18 يونيو 2019

تأملات في القول بتفضيل سلام إبراهيم عليه السلام على سلام الملائكة:

تأملات في القول بتفضيل سلام إبراهيم عليه السلام على سلام الملائكة:
قال الله تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}، وقال أيضا: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما، قال سلام قوم منكرون}، ففي هذين الموضعين جاء ذكر السلام المنسوب إلى الملائكة بالنصب، وسلام إبراهيم عليه السلام مرفوعا على الابتداء أو الخبرية، ويذكرون أن سلام إبراهيم عليه السلام أبلغ, لأنه جاء بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت والدوام، والسلامم المنسوب إلى الملائكة جملة فعلية تفيد الحدوث والتجدد، وهذه المسائل ونظيراتها محل اجتهاد لأهل العلم، وليس القول فيها قولا واحدا، وإليك أيها القارئ ما تيسرر في هذه المسألة في مسائل.
المسألة الأولى: هل التسليم خبر أو إنشاء؟ قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد ج2: وأما السؤال الثالث: وهو أن قول المسلم سلام عليكم هل هو إنشاء أم خبر؟
فجوابه: أن هذا ونحوه من ألفاظ الدعاء متضمن للإنشاء والإخبار فجهة الخبرية فيه لا تناقض جهة الإنشائية. وهذا موضع بديع يحتاج إلى كشف وإيضاح. فنقول: الكلام له نسبتان نسبة إلى المتكلم به نفسه، ونسبة إلى المتكلم فيه إما طلبًا، وإما خبرًا. وله نسبة ثالثة إلى المخاطب لا يتعلق بها هذا الغرض. وإنما يتعلق تحقيقه بالنسبتين الأوليين فباعتبار تينك النسبتين نشأ التقسيم إلى الخبر، والإنشاء ويعلم أين يجتمعان وأين يفترقان. فله بنسبته إلى قصد المتكلم وإرادته لثبوت مضمونه وصف الإنشاء، وله بنسبته إلى المتكلم فيه والإعلام بتحققه في الخارج وصف الأخبار، ثم تجتمع النسبتان في موضع وتفترقان في موضع. فكل موضع كان المعنى فيه حاصلًا بقصد المتكلم وإرادته فقط. فإنه لا يجامع فيه الخبر الإنشاء نحو قوله: بعتك كذا، ووهبتكه وأعتقت وطلقت. فإن هذه المعاني لم يثبت لها وجود خارجي إلا بإرادة المتكلم وقصده. فهي إنشاءات وخبريتها من جهة أخرى وهي تضمنها إخبار المتكلم عن ثبوت هذه النسبة في ذهنه. لكن ليست هذه هي الخبرية التي وضع لها لفظ الخبر وكل موضع كان المعنى حاصلًا فيه من غير جهة المتكلم. وليس للمتكلم إلا دعاؤه بحصوله ومحبته. فالخبر فيه لا يناقض الإنشاء وهذا نحو سلام عليكم. فإن السلامة المطلوبة لم تحصل بفعل المسلم، وليس للمسلم إلا الدعاء بها ومحبتها فإذا قال: سلام عليكم تضمن الإخبار بحصول السلامة والإنشاء للدعاء بها وإرادتها وتمنيها، وكذلك ويل له قال سيبويه: هو دعاء وخبر ولم يفهم كثير من الناس قول سيبويه على وجهه. بل حرفوه عما أراده به. وإنما أراد سيبويه هذا المعنى أنها تتضمن الإخبار بحصول الويل له مع الدعاء به، فتدبر هذه النكتة التي لا تجدها محررة في غير هذا الموضع هكذا. بل تجدهم يطلقون تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء من غير تحرير. وبيان لمواضع اجتماعهما وافتراقهما. وقد عرفت بهذا أن قولهم سلام عليكم وويل له وما أشبه هذا أبلغ من إخراج الكلام في صورة الطلب المجرد نحو اللهم سلمه.
إذن, فالسلام الذي هو تحية، يدخله الخبر من جهة ويدخله الإنشاء من جهة، وقد يدخله الخبر والإنشاء معا في سياق، وقد يفترقان, فيدل سياق على هذا تارة، ويدل على الآخر تارة أخرى.
وبناء على ما تقدم نقله يمكن القول أن لفظة, {سلاما} في التسليم المنسوب للملائكة بعد القول، هل هي خبرية أم إنشائية، فمن قدر, (سلمنا سلاما) فهي عنده على صورة الخبر، ومن قدرها, (اسلم سلاما)، أو (سلمت سلاما)، على صورة الخبر المراد به الدعاء، فهي إنشائية للدعاء، وهم إنما سلموا حال دخولهم، فكيف يخبرون بالماضي؟ ومجيء المصدر منصوبا ومنونا إنما يأتي غالبا نائبا عن فعل أمر وهو الأقرب إن قدر أنه حكاية للفظ الملائكة، والله أعلم.
المسألة الثانية: الفرق بين الرفع والنصب فيما يأتي بعد فعل القول، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ، (قالوا سلاما) ، يقول: فسلموا عليه سلامًا.
* * *
ونصب " سلامًا " بإعمال " قالوا " فيه، كأنه قيل: قالوا قولا وسلَّموا تسليمًا.
* * *
، (قال سلام) ، يقول: قال إبراهيم لهم: سلام ، فرفع " سلامٌ"، بمعنى : عليكم السلام ، أو بمعنى : سلام منكم . ا.ه،
وقال القرطبي رحمه الله: (قالُوا سَلاماً) نُصِبَ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ: قَالُوا خَيْرًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. ... ولو رفعا جميعا أَوْ نُصِبَا جَمِيعًا "قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ" جاز في العربية. وقيل: انْتَصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: "قالُوا سَلاماً" أَيْ فَاتَحُوهُ بِصَوَابٍ مِنَ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ:" وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً أي صو أبا، فَسَلَامًا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا لَفْظُهُ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَارَهُ. قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ ذِكْرَ اللَّفْظِ قَالَهُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ مُخْبِرًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ:" سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ "" سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ ". وَقِيلَ دَعَوْا لَهُ، وَالْمَعْنَى سَلِمْتَ سَلَامًا.
(قالَ سَلامٌ) فِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ هُوَ سَلَامٌ، وَأَمْرِي سَلَامٌ. وَالْآخَرُ بِمَعْنَى سَلَامٌ عَلَيْكُمْ إِذَا جُعِلَ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ، فَأُضْمِرَ الْخَبَرُ. وَجَازَ سَلَامٌ عَلَى التَّنْكِيرِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، فَحُذِفَ الألف والام كما حذفت من لا هم في قولك اللهم. وقرى "سِلْمٌ" قَالَ الْفَرَّاءُ: السِّلْمُ وَالسَّلَامُ بِمَعْنًى، مِثْلُ الْحِلِّ وَالْحَلَالِ. ا.ه.
وتعدد التقديرات، واختلاف وجوه الإعراب يدلك على أن القول بأفضلية سلام إبراهيم على سلام الملائكة قولا محتملا لا مسلما، فالنصب في (سلاما) له ثلاث احتمالات, النصب على أنه مقول القول، أي حكاية قولهم بلفظه منصوبا، الانتصااب على المفعولية من باب الإخبار عنهم أنه خاطبوه مخاطبة مسالمة ومؤانسة، ولم يكن منهم من القول إلا ما يوجب الأنس بهم ومع هذا نكرهم، الانتصاب على المصصدرية باسم مصدر نائب عن فعله أي سلمنا سلاما، أخبارا منهم عن أنفسهم، وقد مر ذكره في المسألة السابقة، الاحتمال الثالث، الدعاء بتقدير, (اسلم سلاما)، أو (سلمت سلاما)، من باب صورة الخبر المراد به الدعاء.
وأما الرفع فليس فيه إلا احتمال حكاية القول، لكنه على معنيين: المتاركة, فإنه أنكرهم وأوجس منهم خيفة، كقول الله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام} {سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}، أو التحية، كقوله تعالى: {سلام عليكم بما صبرتم}.

المسألة الثالثة: الملائكة تعرف الرفع في السلام وتحيي به، ودليله من الكتاب في ابتدائهم السلام قوله تعالى: {سلام عليكم بما صبرتمم} ودليله في رد السلام واستقبالهم له على الرفع الحديث الصحيح في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وطُولُهُ سِتُّونَ ذِراعًا، ثُمَّ قالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ مِنَ المَلائِكَةِ، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقالَ السَّلامُ علَيْكُم، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حتَّى الآنَ. وفي رواية في غير الصحيحين كالترمذي والبيهقي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ ونَفَخَ فيهِ
الرُّوحَ عَطَسَ، فقال: الحمدُ للهِ، فحَمِدَ اللهَ بإذنِ اللهِ، فقال له ربُّهُ: رَحِمَكَ ربُّكَ يا آدَمُ. وقال: اذهَبْ إلى أولئِكَ المَلائكةِ إلى مَلأٍ مِنهُمْ جُلُوسٌ، فقُلْ: السَّلامُ عليكُم، فذَهَبَ، فقالوا: وعليكَ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلى ربِّهِ، فقال: هذهِ تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ بَنِيكَ وبَنِيهِم. وقال اللهُ له ويَداهُ مَقْبوضَتانِ: اختَرْ أيَّهُمَا شِئْتَ، فقال: اختَرْتُ يَمِينَ ربِّي، وكِلْتَا يَدَيْ ربِّي يَمِينٌ مُبارَكةٌ، ثُمَّ بَسَطَها، فإذا فيها آدَمُ وذُرِّيَّتُهُ، فقال: أيْ ربِّ، ما هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فإذا كلُّ إنسانٍ مكتوبٌ عُمُرُهُ بيْن عَينيْهِ، وإذا فيهِم رَجْلٌ أَضْوَؤُهُم، لم يُكتَبْ له إلَّا أربعون سَنَةً، فقال: أيْ ربِّ، زِدْ في عُمُرِهِ، قال: ذاكَ الَّذي كَتَبْتُ له، قال: فإنِّي قد جَعَلْتُ له مِن عُمُري سِتِّينَ، قال: أنتَ وذاكَ، قال: ثُمَّ أُسكِنَ الجَنَّةَ ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ أُهبِطَ منها، وكان آدَمُ يَعُدُّ لنفْسِهِ، فأَتاهُ ملَكُ الموتِ، فقال له آدَمُ: قد عَجِلْتَ، قد كُتِبَ لي ألْفُ سَنَةٍ، قال: بلى، ولكنَّكَ جَعَلْتَ لابنِكَ داودَ منها سِتِّينَ سَنَةً. فجَحَدَ فجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، ونَسِيَ فنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، فيَوْمَئِذٍ أُمِرَ بالكِتابِ والشُّهودِ. قال الذهبي في مهذبه على سنن البيهقي: 8/4149 إسناده صالح وأصل الحديث في الجملة في صحيفة همام. وهي قصة قبل قصة ضيف إبراهيم، فالملائكة تعرف التحية التي هي على الرفع في كلام العرب، فكيف تعدل عنه؟ لا سيما وقد مر من كلام ابن العربي المالكي احتمال أن يكون سلاما على النصب ليس حكاية لقولهم بلفظه، ونحن لا ندري اللغة التي خاطبت بها الملائكة إبراهيم عليه السلام ورد عليهم بها، والقرآن ورد فيه بصريح العبارة أنه: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} وإنما ذكر لنا من أخبارهم حكاية معاني أقوالهم في الغالب لا عين ألفاظها، يدل على ذلك تعدد الألفاظ في الحكاية الواحدة بحسب ما يقتضيه سياق السورة، والمعنى المراد في كل سياق، وبحسب ما يقتضيه السياق من الإيجاز والإطناب، فليس عندنا دليل جازم على أن الملائكة قالت هذا السلام بالنصب باللفظ ذاته، وإنما هو استنباط معارض بغيره، ولمعترض أن يقول الذي حكى لنا الحوار بين الملائكة عالم بما يحكي، فحكى لنا عن ذلك اللسان الذي وقع به التخاطب ما يقتضيه النصب في الجملة الفعلية من التجدد والحدوث في اللسان العربي، يدل عليه تكرر سياق القصة في السلام بالنصب في تسليم الملائكة وبالرفع في سلام إبراهيم عليه السلام، وإنما يستقيم هذا في حال تأكد أن سلاما المنصوب هو عين قول الملائكة من باب التحية، ولا مرجح، وقد تقدم أن الله عز وجل حين ذكر قول الملائكة في تحيتهم لأهل الجنة، وردهم لتحية آدم عليه السلام ذكروها بالرفع، فهم يعرفونها.

المسألة الرابعة: معنى تحية الإسلام: وهي التحية التي تلفظ بها إبراهيم عليه السلام صراحة في رده على الملائكة، قال ابن القيم رحمه الله في البدائع ج2:
وأما السؤال الرابع: وهو ما معنى السلام المطلوب عند التحية ففيه قولان مشهوران:
أحدهما: أن المعنى اسم السلام عليكم والسلام هنا هو الله عز وجل. ومعنى الكلام نزنت بركة اسمه عليكم، وحلت عليكم ونحو هذا واختير في هذا المعنى من أسمائه عز وجل اسم السلام دون غيره من الأسماء لما يأتي في جواب السؤال الذي بعده، واحتج أصحاب هذا القول بحجج منها ما ثبت في الصحيح أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على فلان فقال النبي ﷺ: «لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام». ولكن قولوا: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فنهاهم النبي ﷺ أن يقولوا: السلام على الله، لأن السلام على المسلم عليه دعاء له، وطلب أن يسلم والله تعالى هو المطلوب منه لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له. فيستحيل أن يسلم عليه. بل هو المسلم على عباده كما سلم عليهم في كتابه. حيث يقول: { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين }، . ا.ه.
إلى أن قال:
ومن حججهم ما رواه أبو داود من حديث ابن عمر أن رجلًا سلم على النبي ﷺ فلم يرد عليه حتى استقبل الجدار، ثم تيمم ورد عليه وقال: «إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر»، قالوا: ففي هذا الحديث بيان أن السلام ذكر الله. وإنما يكون ذكرًا إذا تضمن اسمًا من أسمائه. ا.ه.
إلى أن قال:
القول الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة وهو المطلوب المدعو به عند التحية. ومن حجة أصحاب هذا القول أن يذكر بلا ألف ولام. بل يقول المسلم سلام عليكم ولو كان اسمًا من أسماء الله لم يستعمل كذلك. بل كان يطلق عليه معرفًا كما يطلق عليه سائر أسمائه الحسنى فيقال: السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر فإن التنكير لايصرف اللفظ إلى معين فضلًا عن أن يصرفه إلى الله وحده، بخلاف المعرف فإنه ينصرف إليه تعيينًا إذا ذكرت أسماؤه الحسنى. ا.ه.
إلى أن قال:
ومن حججهم أيضا أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى، وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبرًا ودعاء كما يأتي في جواب السؤال الذي بعد هذا. ولهذا كان السلام أمانًا لتضمنه معنى السلامة وأمن كل واحد من المسلم والراد عليه من صاحبه. قالوا: فهذا كله يدل على أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وحذفت تاؤه، لأن المطلوب هذا الجنس لا المرة الواحدة منه، والتاء تفيد التحديد كما تقدم. ا.ه.
فتأمل قوله عن السلام الذي هو تحية أن فيه خبرا ودعاء، وصله بما تقدم.
ثم رجح فقال:
وفصل الخطاب في هذه المسألة أن يقال الحق في مجموع القولين فكل منهما بعض الحق، والصواب في مجموعهما وإنما نبين ذلك بقاعدة قد أشرنا إليها مرارًا وهي أن من دعا الله بأسمائه الحسنى أن يسأل في كل مطلوب ويتوسل إليه بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله. حتى كأن الداعي مستشفع إليه متوسل إليه به. ا.ه.
إلى أن قال:
وإذا ثبت هذا فالمقام لما كان مقام طلب السلامة التي هي أهم ما عند الرجل أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله وهو السلام الذي يطلب منه السلامة. فتضمن لفظ السلام معنيين أحدهما ذكر الله كما في حديث ابن عمر. والثاني طلب السلامة وهو مقصود المسلم. فقد تضمن سلام عليكم اسمًا من أسماء الله، وطلب السلامة منه. فتأمل هذه الفائدة. ا.ه.
وهي عبارة أوضح من الأولى وأجلى في بيان المقصود، ومع الأسف، كم رددناها دون أن نعرفها، فيا لغربة الدين!

وقال في المسألة التي تليها في بيان الفائدة من السلام عند اللقاء:
ومقصود العبد من الحياة إنما يحصل بشيئين؛ بسلامته من الشر وحصول الخير كله، والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير وهي الأصل. ولهذا إنما يهتم الإنسان بل كل حيوان بسلامته أولًا، ثم غنيمته ثانيًا. على أن السلامة المطلقة تضمن حصول الخير. فإنه لو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص والضعف. ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة فتضمنت السلامة نجاته من كل شر وفوزه بالخير. فانتظمت الأصلين الذين لا تتم الحياة إلا بهما مع كونها مشتقة من اسمه السلام ومتضمنة له وحذفت التاء منها لما ذكرنا من إرادة الجنس لا السلامة الواحدة. ولما كانت الجنة دار السلامة من كل عيب وشر وآفة، بل قد سلمت من كل ما ينغص العيش، والحياة كانت تحية أهلها فيها سلام، والرب يحييهم فيها بالسلام، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. فهذا سر التحية بالسلام عند اللقاء. ا.ه رحمه الله.
وإنما أورِدت عليك هذه المسألة لبيان أن السلام فيه معنى الدعاء, لتتبين الفرق بين ورود السلام منصوبا على حذف الفعل فيكون جليا أنه بمعنى الدعاء، وبين السلام المرفوع المنكر الذي كان رفعه لسببين, الدلالة على الدعاء، ولذا, جاز الابتداء بالنكرة, لأنها أفادت معنى الدعاء، ولأن فيه معنى الخبرية, بإثبات حصوله للمخبر بجملة التحية.

المسألة الخامسة: اتحد لفظ سلام إبراهيم عليه السلام مع السلام المنسوب للملائكة في أمر وتباينا في أمر، فاتحدا في التنكير، وفترقا في الرفع والنصب مع أن العامل فيهما هو لفظ صريح القول،قال ابن القيم رحمه الله في البدائع:
فلنرجع إلى المقصود. فنقول: الذي صحح الابتداء بالنكرة في سلام عليكم. إن المسلم لما كان داعيًا وكان الاسم المبتدأ النكرة هو المطلوب بالدعاء صار هو المقصود المهتم به، وينزل منزلة قولك أسأل الله سلامًا عليكم، وأطلب من الله سلامًا عليك. فالسلام نفس مطلوبك ومقصودك. ألا ترى أنك لو قلت: أسأل الله عليك سلامًا لم يجز وهذا في قوته ومعناه. فتأمله فإنه بديع جدًا.
فإن قلت: فإذا كان في قوته فهلا كان منصوبًا مثل سقيًا ورعيًا، لأنه في معنى سقاك الله سقيًا ورعاك رعيًا؟
قلت: سيأتي جواب هذا في جواب السؤال العاشر في الفرق بين سلام إبراهيم، وسلام ضيفه إن شاء الله. وأيضا فالذي حسن الابتداء بالنكرة ههنا. إنها في حكم الموصوفة، لأن المسلم إذا قال: سلام عليكم فإنما مراده سلام مني عليك كما قال تعالى: { اهبط بسلام منا }، ألا ترى أن مقصود المسلم إعلام من سلم عليه بأن التحية والسلام منه نفسه لما في ذلك من حصول مقصود السلام من التحيات والتواد والتعاطف. ا.ه.
وقال في الجواب عن سر ابتداء السلام بالنكرة:
والجواب عنها بذكر أصل نمهده ترجع إليه مواقع التعريف والتنكير في السلام. وهو أن السلام دعاء وطلب وهم في ألفاظ الدعاء والطلب. إنما يأتون بالنكرة إما مرفوعة على الابتداء، أو منصوبة على المصدر، فمن الأول ويل له. ومن الثاني خيبة له وجدعًا وعقرًا وتربًا وجندلًا هذا في الدعاء عليه. وفي الدعاء له سقيًا ورعيًا وكرامة ومسرة فجاء سلام عليكم بلفظ النكرة، كما جاء سائر ألفاظ الدعاء. وسر ذلك أن هذه الألفاظ جرت مجرى النطق بالفعل. ألا ترى أن سقيًا ورعيًا وخيبة جرى مجرى سقاك الله ورعاك وخيبه، وكذلك سلام عليك جار مجرى سلمك الله والفعل نكرة فأحبوا أن يجعلوا اللفظ الذي هو جار مجراه كالبدل منه نكرة مثله. ا.ه.
ولذا اختلف العلماء في تقدير المحذوف في سلام إبراهيم عليه السلام، ولو جاء معرفا لما احتمل السياق الحذف، وإنما احتمل السياق الحذف في سلام إبراهيم عليه السلام مع أنه سياق رد يقتضي التعريف لما سيذكر فيما بعد من اختلاف الحال في التسليم بين الملائكة وبين إبراهيم عليه السلام.
والمقصود وجود معنى متفق بين السلامين دل عليه تنكيرهما، وهو معنى الدعاء الملحوظ فيهما، ووجود معنى مختلف بينهما دل عليه اختلاف الرفع والنصب، فانتصب السلام المنسوب إلى الملائكة في جملة مقول القول بفعل محذوف من مادته وناب منابه على المفعولية, وتقدير الفعل المحذوف, سلمت، أو اسلم، ومعاني النحو إنما تنتظم في الكلام بانتظام المعاني التي يريدها المتكلم، فلو صح أنه عين لفظ الملائكة، فهو إذن كلام مقصود إليه، متين في سياقه، يقصد به التجدد لأنه سياق دعاء كما مر. بينما اختلف سلام إبراهيم عليه السلام فجاء مرفوعا على الابتداء أن له جهتان, جهة الدعاء التي تقتضي محبة ذلك للمسلم عليه وتمنيه له وهو سياق يقتضي تجدد ذلك واستمراره، وجهة الخبرية التي تقتضي ثبوت ذلك للمخاطب به، وقد مر معك أن تحية الإسلام قد تتجرد للخبرية، أو للإنشاء، أو يجتمع فيها الأمران، فإذا صح تحرير ما تقدم بأدلته ونقوله فعندئذ يعلم أن علة دلالة الجملة الاسمية على الثبوت والدوام لا تنهض في تفضيل سلام إبراهيم عليه السلام على السلام المنسوب للملائكة، لأنه ليس جملة خبرية محضة وإن جاء في صورة الجملة الخبرية، وليس هو خبرا بمعنى الإنشاء، بل فيه جهتان مجتمعتان, جهة خبرية، وجهة إنشائية.

المسألة السادسة: يقول الله عز وجل: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين}، وقال: {وهذا لسان عربي مبين}، واعتمادا على القواعد التي قعدت لهذا اللسان العربي المبين أخذ القائلون بالتفضيل بدلالة الجملة الاسمية على الثبوت، وهو أفضل في التعبير عن السلام هنا من الجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث، فهل سيطردون هذا التفضيل في سياقات مشابهة لهذا السياق؟
ومر أن أكثر ما يكون من قصص القرآن إنما هو حكاية معنى لا حكاية ألفاظ بعينها، ولئن فضلت بعض آيات القرآن بعضا، وبعض سوره بعضا، فإنه كله كلام الله بلسان عربي مبين، فإذا فهم هذا مع المسائل الخمس الأول فهل يمكن أن يقال أنه يلزم من مجيء جملتين بعين ألفاظهما أحداهما اسمية والأخرى فعلية تقديم الاسمية منهما في البلاغة على الفعلية لكون الأولى تفيد الثبوت، والثانية تفيد الحدوث والتجدد؟ وهل هذا القول على إطلاقه؟ بمعنى, لو جاءت سياقات مشابهة لقصة سلام إبراهيم عليه السلام مع الملائكة يمكننا اعتبار هذا ضابطا مطردا في التفضيل؟
وفي كلام الله الذي هو وحي بألفاظه ومعانيه، والذي هو بلسان عربي مبين جواب للإشكال، فقد تكلم الله عز وجل في سياق مشابه بالسلام الذي هو التحية بالرفع والنصب، ولا شك أن أهل الجنة في نعيم مقيم، ومن النعيم الذي هو لهم ما قال الله عز وجل: {ويلقون فيها تحية وسلاما}، سلام من الله عز وجل، قال تعالى: {سلام قولا من رب رحيم} على رفع السلام وتنكيره كما في سلام إبراهيم عليه السلام، وسلام من الملائكة، قال الله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم}، الآية، وهو أيضا سلام مرفوع منكر، فهما سلامان مرفوعان منكران ابتدئت بهما جملة اسمية هي عند أهل البيان تفيد الثبوت.
فماذا سيقال عن هذه الآية؟
قال الله عز وجل: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما}، وقد قيل في إعراب {إلا قيلا سلاما سلاما} ما قيل في إعراب {قالوا سلاما} مع شيء من الفارق، فقال الطبري رحمه الله:
وفي نصب قوله: ( سَلامًا سَلامًا ) وجهان: إن شئت جعلته تابعا للقيل، ويكون السلام حينئذ هو القيل؛ فكأنه قيل: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا سلاما سلاما، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما. والثاني: أن يكون نصبه بوقوع القيل عليه، فيكون معناه حينئذ: إلا قيلَ سلامٍ فإن نوّن نصب قوله: ( سَلامًا سَلامًا ) بوقوع قِيلٍ عليه. ا.ه.
وقال القرطبي رحمه الله:
إلا قيلا سلاما سلاما " قيلا " منصوب ب " يسمعون " أو استثناء منقطع أي : لكن يقولون قيلا أو يسمعون . و سلاما سلاما منصوبان بالقول ، أي إلا أنهم يقولون الخير . أو على المصدر أي إلا أن يقول بعضهم لبعض : سلاما . أو يكون وصفا ل " قيلا " ، والسلام الثاني بدل من الأول ، والمعنى : إلا قيلا يسلم فيه من اللغو . ويجوز الرفع على تقدير : سلام عليكم . قال ابن عباس : أي يحيي بعضهم بعضا . وقيل : تحييهم الملائكة أو يحييهم ربهم عز وجل. ا.ه.
فالمكان واحد، وهو دار النعيم، والمسلمو, الله رب العالمين، الملائكة، أهل الجنة يسلم بعضهم على بعض، وذكر التسليم في كتاب الله عز وجل معبرا عنه بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت، وبالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث والتجدد، وهو عين المعبر به في سياق سلام إبراهيم على الملائكة وسلامهم عليه، وتوكيد السلام المنكر المنصوب بالتكرار في قوله تعالى: {إلا قيلا سلاما سلاما} يقوي أن المقصود فيها تجدد السلام، أي, سلام بعد سلام، كقوله تعالى: {دكا دكا} و{صفا صفا}، أو يدل على كثرته وتجدده في كل وقد وحين، ويقوي أن السلام المنكر المنصوب المكرر مقول للقول، فلو قيل بالفرق وتقديم الجملة الاسمية على الفعلية يقال: فكيف يعدل في دار النعيم عن الأفضل إلى الأدنى من المسلمين الذين عرفت أنهم سيسلمون على أهل النعيم في الجنة؟
ولو اعترض على السلام المنصوب المنكر في حال أهل الجنة بالوجوه الإعرابية الأخرى فهي ذاتها الوجوه التي يعترض بها على ما قيل في السلام المنصوب المنكر من الملائكة، فلا فرق يبدو بين المسألتين، وتعرف الأمور بنظائرها.

المسألة السابعة: قاعدة تقديم الجملة الاسمية على الفعلية لإفادة الأولى للثبوت والثانية للحدوث والتجدد ليست على إطلاقها، بل قد تكون البلاغة في الحدوث والتجددوقد تكون في ثبوت المحكوم به وتقريره، وقد تكون في اجتماعهما، فالدعاء مثلا, يكثر فيه ويغلب استعمال الجملة الفعلية، والأمر والنهي أقوى صيغهماا مبنية على الجملة الفعلية، وقد يراد من الخبر الأمر، كما في قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}، وقد يراد من الخبر الأمر، كقوله تعالى: {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: {قوموا فلأصلِ لكم}، وكل هذا لما تقتضيه موافقة الكلام للمقام الذي يقال فيه، وقد يجتمع في الكلام الخبر والإنشاء كما تقدم نقله عن ابن القيم رحمه الله في مسألة السلام، فقد يراد بالسلام الخبر إذا تعلق بإرادة المتكلم، أي, أنت مني في سلام، كتسليم الله على عباده، فالله هو السلام ومنه السلام، وقد يراد به الإنشاء، كما في السلام بالنصب، أي اسلم سلاما، فحذف الفعل وأنيب المصدر منابه، وقد يجتمعان، كما في التحية بين الملتقيين، ومن بدهيات البلاغة موافقة الكلام لمقتضى الحال الذي يقال فيه.

الخلاصة: القول بتفضيل سلام إبراهيم على سلام الملائكة لا يستقيم إلا بأربعة أمور لو ثبتت مجتمعة لكان القول به هو الصواب المقطوع به,
أولها: بحمل السلام المنكر المنصوب بعد القول في السلام المنسوب إلى الملائكة على أنه حكاية للفظ الملائكة بعينه، ثانيها: إمكنية الجزم بأن جواب إبراهيم عليه السلام كان تحية، بإثبات أن المحذوف هو الجار والمجرور (عليكم)، وقد مضى أن في تقدير المحذوف وجوه أخرى منها, أمري سلام، هو سلام،
ثالثها: التصريح بالتحية كاملة، والسياق القصة جاء في سورتي على الإيجاز بالحذف، فهو مقصود المتكلم به، فلا مرجح والحالة كما ذكر، والثابت في القرآن أنه كلام بسلام مرفوع منكر مبني على الإيجاز بالحذف في موضعين وثالث مقدر فيه السلام بذكره في الموضعين، وهو قول الله تعالى: {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون}، وهو قول ملائم لحال الوجل المنكر الموجس بعد ذلك خيفة، وهي أوجه ثلاثة فيها أخذ ورد، وبعضها احتمالات متساوية في القوة.
رابعها: أن تفضيل الجملة الاسمية على الفعلية لدلالتها على الثبوت ليست من المسلمات، فكل حال يقتضي كلاما يوافقه، فالأفضلية في البلاغة لا تكون في تفضيل تركيب على تركيب فحسب، بل هناك جهة أخرى في مناسبته للحال الذي يساق له الكلام، بحيث يكون أبلغ من غيره فيه، وليس الاختلاف في السلامين من حيث التركيب فقط بكون إحدى الجملتين اسمية، والأخرى فعلية، بل هما جملتان مختلفتان من حيث الدلالة، فجملة سلام الملائكة إنشائية، وجملة سلام إبراهيم عليه السلام إنشائية من حيث دلالتها على الدعاء، ومن حيث دلالتها على الخبر، فلماذا يترك الوجهالثاني عند النظر إلى التفضيل، وينظر إلى الوجه الأول فقط؟
فالقول بأفضلية سلام إبراهيم عليه السلام على سلام الملائكة لا يؤخذ على أنه مسلمة من مسلمات العلم بها يزول الإشكال في الفرق بين نصب السلام الأول ورفع الثاني.
والأليق بإبراهيم عليه السلام أنه كانن جوابا على كلامهم، فجاء رده للسلام بسلام مرفوع منكر محذوف المتعلق مناسبا لحال من يجهل ضيفه، وجاء سلام الملائكة إن قيل بأنه عين لفظهم سلاما منصوبا منكرا تجرد فيه الكلام إلى الإنشاء دون الخبر، أي, سلمك الله سلاما، أو اسلم سلاما، من باب الدعاء له وإدخال الأنس عليه وقد جاءوه بالبشرى، وعلى هذا فسلامهم أبلغ في سياقه، وسلامه أبلغ في سياقه.
وقد يقال الأليق بإبراهيم عليه السلام رد التحية بأحسن منها، وهذا عمدة عند القائلين بالتفضيل، فيقال: الأفضلية في رد التحية بأحسن منها لم يأت من دلالة الجملة الاسمية على الثبوت، بل في دلالتها على الخبر من جهة ودلالتها على الدعاء من جهة أخرى، كما مضى النقل في تحرير المسألة من كلام ابن القيم في بدائعه، فهي بلاغة اقتضاها سياق الرد، لا على أنها أفضلية بين سلامين مطلقا، بل يمكن أن يقال أن هناك أفضلية لسلام الملائكة على سلام إبراهيم، وهي أفضلية بداءة، قال الشيخ العثيمين رحمه الله في محاضرة له بعنوان آداب السلام:
وإذا لم تأت السنة ممن عليه أن يبدأ بها، فليبدأ بها الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) قال: خيرهما، فدل ذلك على أن من بدأ غيره بالسلام فهو خير، وهو كذلك؛ لأنك أنت إذا سلمت حصلت على عشر حسنات، ثم إذا رد صاحبك حصل على عشر حسنات، وما هو السبب الذي جعله يحصل العشر الحسنات؟ السبب البادئ، لولا أنك سلمت مارد فتكون أنت متسبباً لهذا الذي عمل عملاً صالحاً فلك أجره، ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً، قالوا: أيهما أفضل: ابتداء السلام، أو رد السلام؟ ابتداء السلام، أفضل، ثم أوردوا إشكالاً قالوا: كيف تكون السنة أفضل من الواجب، والقاعدة الشرعية: أن الواجب أفضل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه). أجابوا عن ذلك قالوا: هذا الإشكال جوابه أن هذا الواجب كان مبنياً على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب لمن أتى بها، ثواب أجره الخاص، وثواب أجر الراد الواجب. ا.ه.
فتبين أن كلا من السلامين بليغ في موضعه، ويمكن أن يقال: فضل سلام الملائكة أفضلية ابتدااء، وفضل سلام إبراهيم أفضلية جواب، كذلك يمكن القول أن السلام يطلب فيه الثبوت والتجددكما في ذكر الآيات عن نعيم أهل الجنة أنه ورد بالرف والنصب.
ولعل هذا الكلام له حظ من النظر إن قال به عالم معتبر من أهل العلم، والله أعلم.

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

مسائل حول اسم الله السَتِير:

مسائل حول اسم الله السَتِير:
لا يخفى على من درس عقيدة السلف أن أسماء الله توقيفية, فلا بد من ثبوتها في نص من كتاب أو سنة، ومن العلماء من يشتق من الصفات أسماء, كالمحيي، ومن صفات الله تعالى أنه يحب الستر كما في الحديث.
وأكثر العامة يقولون, ستار كصبار، مع أن الحديث جاء بلفظة’ "ستير"، فما الضبط الصحيح لهذا الاسم؟ وهل يثبت اسم الله الستار لله عز وجل ولو من قبيل الاشتقاق من الصفة؟
مسألة وقع فيها التباحث مع أحد الإخوة المهتمين بالعربية, فسألته عن إثبات اسم الله الستار بفتح السين وتشديد التاء وفتحها، فأجاب أن بعض العلماء ذكروه، وأنكره بعضهم على هذا الوزن، على حسب القاعدة التي تقول بأن أسماء الله توقيفية، فسألته: وهل ثبت سماع بلفظة ستار لغة فضلا عن ثبوتها شرعا؟ ونقلت له من لسان العرب ما يلي:
[ ستر ]

ستر : سَتَرَ الشَّيْءَ يَسْتُرُهُ وَيَسْتِرُهُ سَتْرًا وَسَتَرًا أَخْفَاهُ ؛ أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ :


وَيَسْتُرُونَ النَّاسَ مِنْ غَيْرِ سَتَرْ


وَالسَّتَرُ ، بِالْفَتْحِ : مَصْدَرُ سَتَرْتُ الشَّيْءَ أَسْتُرُهُ إِذَا غَطَّيْتَهُ فَاسْتَتَرَ هُوَ . وَتَسَتَّرَ أَيْ تَغَطَّى . وَجَارِيَةٌ مُسَتَّرَةٌ أَيْ مُخَدَّرَةٌ . وَفِي الْحَدِيثِ : إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ ؛ سَتِيرٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ وَإِرَادَتِهِ حُبُّ السَّتْرِ وَالصَّوْنِ . انتهى من لسان العرب.
وأخبرته أني بحثت في غيره من المعاجم ولم أجد لفظة ستار ثابتة سماعا عن العرب.
فقال لي: إن صيغ المبالغة يدخلها القياس, فمن أثبت لفظة ستار أثبتها قياسا، وقال إن مجامع اللغة العربية أثبتت ألفاظا بالقياس مع أنها لم تكن مسموعة عن العرب.
فسألته: وهل الأصل السماع أو القياس؟
وهي مسألة لا يحسن تناولها في هذه العجالة، لكن سألته:
وهل صيغ المبالغة قياسية في الأوزان أو في المسموعات من العرب؟ وقلت له: لو كانت قياسية في المسموعات لجاز أن نستخرج من كل فعل على الأقل خمسة صيغ مبالغة على الأوزان المشهورة فيقال في خرج مثلا: خَروج، خرَّاج، مخراج، خريج، خَرِج. فلما لم يكنن ذلك تبين أنها قياسية في الأوزان لا في المسموعات.
ومما يؤكد ذلك عبارة سيباويه في الكتاب ححيث قال:
وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل لأنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع الفعل إلا أنه يريد أن يحدث عن المبالغة‏.‏ فما هو الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى‏:‏ فعول وفعال ومفعال وفعل‏.‏ وقد جاء‏:‏ فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير يجوز فيهن ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير والإضمار والإظهار‏.‏ انتهى من الكتاب.
فعبارة سيباويه: "الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى" تدل أن اقياس في الصيغة أو الوزن لا في الكلمات المسموعة،نعم في المسألة خلاف، لكن: المتقدمون لا تحفظ لهم عبارة تنص على أنها قياسية، وإنما هو ذكر قلة وكثرة في الاستعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، والسنة وحي من الله عز وجل، والحديث جاء بلفظة "ستير يحب الستر"، وهنا يبرز السؤال مرة أخرى, هل ثبت سماع بلفظة ستار لغة فضلا عن ثبوتها شرعا؟
هذا باختصار وبتصرف ما دار في النقاش، وقد كانت بيني وبينه نقولات ضاعت مني الآن.
والحاصل أن كتب اللغة لم تنقل لنا في مادة س ت ر للمبالغة سوى لفظة ستير كسمير، وذلك بحسب اطلاع المقل، فإذا صح ما تقدم فيقال: لفظة ستار لم تثبت لغة ولا في نص شرعي لتثبت اسما لله عز وجل، وإنما وردت لفظة ستير ككريم.
وهل ثبت ضبط سَتير على سِتِّير؟
في فتح الباري عند حديث: 3223 حدثني إسحاق بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
قال الحافظ ابن حجر:
حييا " بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله : " ستيرا " بوزنه من الستر ، ويقال ستيرا بالتشديد . انتهى.
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري:
حيياً) بفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء أي ذا حياء (ستيراً) بفتح السين بوزن كريم ويقال ستيراً بكسر السين وتشديد الفوقية المسكورة بوزن سكين أي ذا تستر يستتر في الغسل. انتهى
وفي عون المعبود عند حديث, "إن الله عز وجل حيي ستير"، قال العظيم آبادي:
ستير ) : بالكسر والتشديد تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح قاله المناوي .

وفي النهاية : ستير فعيل بمعنى فاعل ، أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون انتهى .

وفي النيل : ستير بسين مهملة مفتوحة وتاء مثناة من فوق مكسورة وياء تحتية ساكنة ثم راء مهملة انتهى (
فأما حديث "إن الله حيي ستير"المتقدم فمختلف في صحته بين أهل العلم بناء على الخلاف في سماع بعض رواته ممن حدث عنهم, كالخلاف في سماع عطاء عن يعلى بن أمية، لكن, قال الشيخ عبد الرزاق البدر في فقه الأسماء الحسنى:
وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره"، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن، فقال ابن عباس: "إن الله ستير يحبُّ الستر، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حِجال في بيوتهم، فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجْره وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سَمَّى الله، ثم جاء الله بعدُ بالسُّتور، فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا السُّتور واتخذوا الحجال، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أُمروا به". صحح إسناده ابن كثير في "تفسيره"، والسيوطي في "الدر المنثور"
انتهى.
وهذا لا يقوله الصحابي من قبل الرأي، فالاسم إذن ثابت لله عز وجل، وعامة المحققين من أهل العلم على أن الضبط الصحيح هو بزنة فعيل ككريم.

وقال ابن القيم في النونية: وهو الحيي فليس يفضح عبده ... عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... فهو الستير وصاحب الغفران .
٢:٢٥ ص

والوزن لا يستقيم إلا على زنة فعيل ككريم

وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في شرح القواعد المثلى في الدقيقة 22:45 الشريط الخامس الوجه الثاني :

{ من ذلك كلمة (( إِنَّ الْلَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيْرٌ )) أنا ما وجدته بهذا اللفظ (( ستّير )) وإنما الذي وجدته في النهاية في غريب الحديث (( ستير ))1 ((كسميع))

ولهذا نحن نطالب من كان منكم مختصا بالحديث أن يثبت لنا أن اللفظ الوارد (( ستّير ))

قال الطالب : سمعت الشيخ ابن باز يقولها .
قال الشيخ رحمه الله تعالى : أيه ولو قالها ماهو حجة لأن صاحب النهاية عالم في اللغة وفي الحديث وهو قال أنه : (( ستير ))1 أنا لا أنكر أن يكون في اللغة فعّيل

بعنى المبالغة قد يكون - اللغة واسعة – فعّيل بمعنى مبالغة ، لكن كوننا نثبت هذا الأسم لله تعالى بدون يقين – وهذا لايمكن إلا بضبط من يوثق بضبطه أو بالنقل

مشافهة ،فلذلك نرجو منكم وأخص بهذا الذين يعتنون بالحديث أن تحققوا في هذه المسألة هل هي (( ستّير )) أو(( ستير جرى حتى على لساني أنا أقول((

ستّير)) لكن مر علينا قبل أيام في باب الغسل من الجنابة فقرأ القارئ (( ستير ))1 فرجعت إلى كتب الحديث – الغريب – وجدت ماقلنا (( ستير على وزن

فعيل وقال : أنه مبالغة من ساتر (( كسميع )) }

وقال في موضع أخر رحمه الله تعالى من الشريط الثامن في الدقيقة 15:41 الوجه الثاني من نفس المجموعة :


{على كل حال بعض الأخوان آتانى بضبطه في كتب اللغة كاللسان العرب والقاموس كله بضبط (( ستير ))1 على وزن فعيل (( كسميع ))}

https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=110434


ويتحصل من هذا:
--لفظة ستار بتشديد التاء لم تسمع عن العرب فضلا عن أن تكون اسما ثابتا لله عز وجل، وإنما يصح نسبتها اسما لله بسلوك مذهبين:
*المذهب الأول: لغوي, باعتبار زنة فعال و… قراءة المزيد
ولو ثبت ما تقدم لكنا بين أمرين: خطأ العوام باستعمال الستار، وخطأ شائع باستعمال لغة ضعيفة بين الإخوة بلفظة ستير مكسورة السين ومشددة التاء المكسورة أيضا.

الأحد، 30 سبتمبر 2018

هل هي تساؤلات أم إثباتات واقعية لما يقوله الصعافقة؟:

هل هي تساؤلات أم إثباتات واقعية لما يقوله الصعافقة؟:
تجري بين بعض الإخوة في هذا الوقت الذي ظهر فيه أن كثيرا من الفتن الحاصلة في الساحة كانت بسبب تحريشات الصعافقة نقاشات حول مشايخ اليمن الذين تكلم فيهم أهل العلم بسبب الوثيقة التي وقعها الإمام مع الحوثيين، وتطرح بين الفينة والأخرى تساؤلات, هل كان جرح العلماء لهؤلاء المشايخ كان حقا؟ ام إنها كانت تلبيسات بسبب د. عرفات، والخارجي ابن بريك؟ ومن معه؟ وغيرها من التساؤلات. بل عدت بعض التجريحات من بعض العلماء الكبار جرحا مجملا!
فهل هذه التساؤلات دعوى إلى مراجعة الأحكام السابقة للعلماء؟ وهل هو نوع من أنواع حجب لثقة عنهمم؟
الحق أن هذه التساؤلات تعطي الذريعة للصعافقة في إثبات أن طعنك في طلاب العالم طعن فيه!, إذ إنهم قالوا: إن المصعفقة كما يحلوا لهم أن يقولوا جعلوا الطعن في بطانة العالم وسيلة لرد أحكام العالم، ومن هنا توصلوا إلى أن الطعن في الصاحب طعن في المصاحب، وهذه التساؤلات إن خلت مما يعاضدها من براهين تفتح الباب أمام تعديل من لا يستحق التعديل، بل وأهل الأهواء، فالحجوري يستطيع أيضا أن يقول: مكر بي الصعافقة وفتنوا بيني وبين أهل العلم، ويستطيع أن يظهر التراجع والتقيد بالنصيحة وهو يضمر ما يضمر، وقد وقع، لكن الأدلة فضحته.
وهذه التساؤلات نشأت عن عدم التفريق بين أمرين, الأول: قبول حكم الثقة المأمون وبالذات إن كان إماما عالما بأسباب الجرح والتعديل فيمابرهنت الأدلة صدقه فيه، وهو أصل لا محيد عنه. والثاني: أمر عارض، في موقف أو قضية في اجتهاد لذلك الإمام فإن حكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.
فهل يستوجب إن وقع الأمر الثاني وهو أمر عارض مراجعة ما سبق من أحكام لذلك الإمام بحجة أن تلك المواقف كانت بسبب تلك البطانة السيئة؟ وهل كان قبولنا لتلك الأحكام التي كان للبطانة السيئة دور بارز فيها بسبب تلك البطانة أم كان قبولنا لها لأنها من أءمة علماء بأسباب الجرح والتعديل وأنها مدعمة بالدليل؟ وهل كان قبولها من هؤلاء العلماء لمجرد التعصب لهم أم لأن عليها الدلائل والبراهين الواضحة؟ وكيف نسينا مع ظهور سوء الصعافقة الأصل السلفي المتين, وهو التفريق بين طلب الحق الذي لا يكون إلا من أهل الحق، وبين قبول الحق الذي يكون حتى من العدو بدليل: "صدقك وهو كذوب"؟
الإجابة على هذه التساؤلات كاف في وأد هذا الخلط.
نعم، تصدى د. عرفات للكتابة عن تلك الوثيقة التي فيها عين الكفر كما نقل الشيخ أسامة العمري عن الشيخ محمد بن هادي،وقدم له أهل العلم في كتابته لبيان عوار هذه الوثيقة، وعذره علماء آخرون في توقيعه لهذه الوثيقة, إما بأن علماء البلد أعلم بحال البلد بناء على ثقة ذلك العالم بهم، وإما للضعف الذي كانوا فيه حتى يأتيهم من يعينهم. وهذه بنود الوثيقة:
1- التعايش السلمي بين الجانبين وعدم الانجرار والتصادم والاقتتال أو الفتنة مهما كانت الظروف والدواعي وحرية الفكر والثقافة مكفولة للجميع.
2- التوقف عن الخطاب التحريضي والعدائي من الجانبين تجاه بعضهم بعض بشتى الوسائل وفي كل المجالات والعمل على زرع روح الإخاء والتعاون بين الجميع.
3- أن تستمر عملية التواصل المباشر بين الجانبين لمواجهه أي طارئ أو حدث أو مشكلة أو تصرف فردي أو أي محاوله من جهة أخرى مندسة لهدف تفجير الوضع بين الجانبين وتحديد الموقف منها .

وجاء في نص الوثيقة أن جميع مسلمون ربهم واحد وكتابهم واحد ونبيهم واحد وأن عدوهم واحد وأن الإسلام يحرم الدماء والأعراض.
وعنون لهذه الوثيقة بالعنوان التالي, ((وثيقة تعايش وإخاء).
فهل يا ترى الشيخ الإمام يعتقد بكل ما في الوثيقة؟ وهل يجهل أن الروافض لا يقرون بكل ما هو في الوثيقة؟ وخذ مثلا: (وكتابها واحد)؟ وهل تصلح الوثيقة وحدها سببا للجرح؟؟؟؟
اسـتـمـع إلـــ➷ـــى ( محمد الإمام ) وهو يطعن علناً بخطبة جمعة { بولاة أُمور المسلمين وانهم الولاه يطيعون الكفار وقوانينهم بأعلى صوته وقوته }
http://koo.re/6phzK

اسـتـمـع إلـــ➷ـــى ( محمد الإمام ) وهو يقول { أنه لن يُقاتل إلا مع نبي }
http://cutt.us/2iXh

ويحتج بعض الإخوة أن بعض العلماء عذروه، وهذا إنما كان بناء على ثقتهم به، لكن هل كان معذورا حقا؟ وهل نفعته الوثيقة؟
قال بعض طلابه جوابا على السؤال الأول:
" المحور الثالث: المقصود والفحوى من توقيع الوثيقة.
كما سبق أن دعوة أهل السنة والجماعة ليست دعوة اقتتال بين المسلمين، بل يسندون الأمر إلى أهله، وبالضوابط المعتبرة، وهم من أبعد الناس عن الفتن، وممن يحذرون ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً منها، وهم من أورع الناس خصوصاً في باب سفك الدماء أما إذا كانوا كغيرهم فلا خير فيهم، ولذلك حذر علماء أهل السنة والجماعة من الثورات والانقلابات وولى بكلامهم الكثير عرض الحائط، جاءت الأحداث وتسارعت وبحت أصواتهم في النصح للمسلمين، ولكن لا حياة لمن تنادي، فجلبوا الويل والندامة عليهم وعلى غيرهم، وكم رددوا الفتن يعرفها العلماء أول ظهورها والجهلاء لا يعرفونها إلا بعد إدبارها كما هو واقع الآن إلا من عاند وكابر، ومما كتب الشيخ الإمام في باب الاقتتال والتورع فيه الآتي:
1. كتاب تمام المنة في فقه قتال الفتنة.
2. كتاب إتحاف أهل السنة بتوضيح أصل ترك القتال في الفتنة.
3. وكتاب التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن.

ومشى على هذا الأصل متورعاً عاملاً بما قال وكتب - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً - حتى إنه لم يشجع على الذهاب إلى الجبهات التي فتحت حال حصار إخواننا في دماج؛ لأمور عرفها من قبل وعرفها الكثير من بعد!!، وكما تقدم أن من المعلوم أن أعداء الاسلام في غيظ من دور الحديث بسبب الخير الذي انتشر من خلالها بفضل الله عز وجل، ويريدون القضاء عليها من سنوات عدة مضت ولم تسنح لهم الفرصة بذلك فقاموا بتغذية من فتحوا صدورهم لهم شعروا بذلك أم لم يشعروا من أجل تنفيذ مطالبهم مقابل تسهيلات ودعم وما إلى ذلك، وهم يبحثون عن أي مدخل لهم لكي يدخلون الدعوة في الفتنة، فأتوا بالوثيقة التي علمتموها، وفيها ما فيها، إلا أن الغرض منها حفظ مقاصد الشريعة الدين والنفس والعرض والمال والعقل، وبغض النظر عن صيغتها، فشيخنا لم يكن في ذلك تنازل عن عقيدته التي يسير عليها أو أن فيها انضمام مع الحوثيين لا من قريب ولا بعيد ولا بقليل أو كثير، ولكن لدفع الشر قدر المستطاع، ومما يؤيد كلامي ما قاله مجموعة من الإخوة على صفحاتهم في الفيس بوك، كالأخ /عبد الكريم السدعي حيث قال: إلى كل المتسائلين عن الوثيقة لقد اجتمعت اليوم بالشيخ الفاضل العلامة محمد بن عبدالله الإمام حفظه الله وأطال بعمره، وكنت على يقين وثقة من نفسي أني سأقنعه بأن يعترف بأنه أخطأ مهما كانت الأسباب ولكن رد علي بأسباب وأشياء لا يعرفها الجميع من خلالها أقنعني وليس بصالح الجميع نشر تلك الأسباب، إلى أن قال الأخ عبد الكريم: وقال لي أيضاً: الورقة لن تؤثر أوتغير أبداً ولن تنقص في دعوتنا حرفاً واحد على ما نحن عليه وسنواصل نشرها أكثر فنصيحتي ورجائي من الجميع عدم الجرح مهما كانت الأسباب والجميع يعرف بأن لحوم العلماء مسمومة اللهم انصر الحق وارزقنا اتباعه إ.ه.
وما قاله الأخ أبو خطاب الربيعي: - وهو من طلبة الشيخ - أؤكد لكم من معبر صحة الوثيقة وثبوتها، ولم تكتب في لحظة إغفاء أو إغماء إنما كتبت في يقظة وإدراك ومن أجل المصلحة، وليس فيها رضوخ أو تنازل، وليس معناها الركون إلى الحوثي والجزم بأنه سيتعايش مع مخالفيه ولا تعني الاستسلام وعدم المقاومة إن حصل شيء، ولا تنسوا أن الله قال " :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم "، وقال بعدها :"وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله..."

وما قاله الأخ /عبد الرحمن الشيخ: الشيخ الإمام يقول الوثيقة صحيحة ، والغرض منها حقن الدماء وتجنيب البلاد والعباد الفتن ، بغض النظر عن صيغتها .
فالخلاصة: أن الوثيقة فيها مخالفات وبلا شك، ولكن الغرض منها حقن الدماء وتجنيب البلاد والعباد الفتن والمحافظة على الدعوة، بغض النظر عن صيغتها، وهذه العهود والمواثيق واردة حتى بعد وقوع الحروب والفتنة فيتم قطع الطريق من خلالها بإذن الله على مريدي الشغب والفتن، ولا سيما وأن الفتنة كانت شبه متحققة بعدم توقيعها، وكان المراد منها استعطاف بعض الناس في حال عدم التوقيع بأن انظروا من هو صاحب الفتنة وهكذا، ولكن سُد عليهم الباب وقضية نقضها عار وشنار عليهم".

فانظر إلى غرابة قولهم: بغض النظر عن نص الوثيقة فإن الشيخ لم ولم ولم ....إلخ، فهل الإمام كان الإمام مضطرا حتى يوقع على ما فيه عين الكفر؟ وهل ينفعه وهو قدوة للكثيرين في بلده هذا العذر, أن يوقع على خلاف ما يعتقد وإن كان فيه الكفر من أجل حقن الدماء وترك القتال في الفتن ونشر الدعوة؟ وهل له سلف في هذا؟ وهل أخطأ الإمام أحمد حين عرضت عليه رخصة القول بخلق القرآن وهي مقولة كفرية فرفض لأن كثيرا من الناس ينتظرون ما يقول ليقتدوا به؟

وأما صحة الوثيقة فهي عندهم كالتالي:
" المحور الرابع: الأدلة الدالة على صحة ما عمله الشيخ بختم الوثيقة.
سأسرد هذه الأدلة سرداً وباختصار شديد:
أولاً: من القرآن الكريم:
1. قال تعالى: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ..."
2. قال تعالى: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..."
ثانياً: من السنة:
1. أخرج البخاري من حديث المسور ومروان رضي الله عنهما قالا قال الرسول صلى الله عليه وسلم_عن كفار قريش_:(لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها).
2. والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاهد اليهود والمشركين في محطات كثيرة ومن أبرزها صلح الحديبية الذي سماه الله عز وجل فتحاً مبينا مع أن فيه تنزل وليس تنازل كشطب اسم الرحمن وكذا رسول الله وقد كان عمر يقول والله لا نرضى الدنية في ديننا " فصالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشا من أجل أن يؤدي شعيرة واحدة فقط وهي العمرة وكان الطرف الآخر كفار قريش، أفلا نصالح الشيعة من أجل بقاء الدعوة؟
3. عمل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صلحاً مع اليهود القاطنين في المدينة، وليس بمعيب اطلاقاً أن يقوم أهل الإسلام بالصلح وإقامة العهود والمواثيق مع أهل الكفر والشرك والطغيان.
ثالثاً: انطلاقاً من القواعد الشرعية والأصول المرعية:
1. من باب الحكمة.
2. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
3. إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما.
4. مدار الشرع على تحصيل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
5. يقدم عند التزاحم خير الخيرين ويدفع شر الشرين.
6. وكما يقال مكره أخاك لا بطل.
7. أن سنة التدافع في الحياة من سنن الله الكونية.
8. أن التاريخ يؤيد ما فعله شيخنا المفضال فقد تعايش السنة مع الشيعة قرونا ولم تكن بينهم إلا الحروب اللسانية لا السنانية.
9. نهج العلماء في الغابر والحاضر اللقاء مع الطوائف المغايرة لأهل السنة، والذي ينكر هذا لا يعرف العلماء ولا التاريخ.
10. ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما.
11. لأن تبقى وتنفع خير من أن تموت ولا تنفع.
12. ماذا صنعت الفتن ببعض من دخل فيها إلا الندم وذهاب الخير.
13. تجنب المؤامرة الدولية من الشريعة والسياسة وخاصة في حال ضعف الدولة وضعف الشعب وضعف الجماعة".

ولتثكلني أمي إن كان في كثير مما سلف دليل لهم, فالأمر بالجنوح للسلم قبله أمر بالإعداد وهو تبع لجنوح العدو للسلم، وكلام الإمام يخالف الدليل لأنه أخبر عن نفسه أنهم كلما نقضوها جددناها، فهو ليس موقف القوي الممتثل لأمر الله بل موقف الخائف الضعيف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب ما يخالف معتقده أو ما هو الكفر الصراح كما في وثيقة الإمام، فهو قياس لا أركان له، وهل كان صلحه أو معاهدته صلوات ربي وسلاممه عليه مع اليهود على حرية الفكر؟ وأيهما أعلى, مفسدة الدين من القدوة، أم مفسدة الدماء التي قد تنتفي مع تظافر الجهود ودعم الدول الإسلامية التي اتهمها الإمام بالولاء للكفار؟! ومناافحة الإمام وغيره عن الوثيقة دليل على أنه ليس بمكره، وكون سنة التدافع في الحياة من سنن الله الكونية حجة عليه لا له، وقوله: ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما استدلال بنص مبتور، وأي أثم أعظم من كتابة الكفر الصراح من القدوة،
واقرأ هذا الخبر:
(الحوثيون يستفزون طلاب مركز دار الحديث السلفية في معبر ويصفونهم بالمنافقين
- المصدر: المشهد اليمنيالأحد 21 يناير 2018 03:01 صباحاً
بدأ الحوثيون في محافظة ذمار - وسط اليمن - باستفزاز مركز دار الحديث السلفية بمدينة معبر - شمال المحافظة والذي يضم أكثر من 15 ألف طالب سلفي .
وقال مصدر خاص لـ"المشهد اليمني" في المحافظة " أن خطيب مسجد الهادي الحوثي في مدينة معبر هاجم في خطبة جمعة الأمس مركز دار الحديث وشيخه السلفي محمد الإمام وطلابه ووجه لهم اتهامات بالنفاق وتلقي أموال من السعودية .
كما اتهم الخطيب الحوثي المركز السلفي الذي يضم 15 ألف طالب بعد التحريض على الذهاب إلى جبهات القتال مع الحوثيين .
واضاف المصدر ان القيادي الحوثي محمد علي الحوثي جاء قبل فترة للدار وطلب من الشيخ محمد الامام ان يحشد ويحث الناس على مواجهة العدوان , فقال له الشيخ : "انا بعيد من هذه الفتن وعرضت علينا اسلحة نقاتلكم ورفضنا ولن نقاتل معكم ولا ضدكم الا في حالة الدفاع على النفس من اعتدا علينا سنقاتله".
ويعتبر هذا أول هجوم إعلامي علني للحوثيين ضد مركز الحديث في المدينة الذي يضم ألاف الطلاب من مختلف المحافظات وسبق أن عقد الحوثيون صلحا مع محمد الإمام على أن لايتعرض الحوثيون مركزه وكذلك عدم التصعيد الإعلامي والتحريض بين الطرفين مقابل السماح باستمرار التدريس في المركز .
ويبدو أن الحوثيين يرغبون في محاولة إجبار القائمين على المركز إلى الدعوة إلى القتال مع الحوثيين وهو الأمر الذي سيرفضه طلاب المركز كونهم يصفون مايحصل بالفتنة ويوجبون عدم المشاركة فيها بالقول أو الفعل .
ومركز دار الحديث في معبر من أكبر المراكز السلفية في اليمن بعد دار الحديث في دماج الذي قام الحوثيون بتهجير طلابه وأبناء المنطقة بالكامل أوائل العام 2014 قبل أن تتقدم تلك المليشيات الحوثية نحو مدينة عمران والسيطرة على العاصمة صنعاء بعدها ثم الوصول إلى مدينة عدن مع أوائل العام 2015).

وهذا الخبر أيضا بتاريخ 2018/07/10 - الساعة 11:00 صباحاً (صوت اليمن_متابعات:
وفيه: (رفض الشيخ السلفي الكبير محمد الإمام الذي يعد احد اقطاب السلفية في اليمن وصاحب دار الحديث في مدينة معبر بمحافظة ذمار جنوب صنعاء , اصدار فتوى بوجوب القتال مع الحوثيين في الساحل الغربي .
مصادر مطلعة افادت ان قيادات حوثية حاولت الضغط على الشيخ السلفي اصدار فتوى تجيز القتال بجانبهم في الساحل الغربي , غير انه رفض ذلك .

واشارت المصادر ان الشيخ محمد الامام طالب طلاب الدار البالغ عددهم نحو خمسة الالف طالب بالتأهب لمغادرة الدار , وسط مؤشرات على إنهيار الاتفاق الذي ابرمه الشيخ محمد الامام مع الحوثيين نهاية عام 2014م .. والذي قضى بعدم ممارسة أي طرف اعمال عدائية ضد الطرف الاخر ).)

فها هي الأسلحة تعرض عليه فيرفض، وعدد طلابه كثر، ويخلف معه الحوثي الاتفاق، ومع هذا يصر على تسميتها بالفتنى!
فهذه أربع سنوات أثبتت صدق ذلك الجرح وإن كان للصعافقة يد فيه.
وقد جرح الشيخ عبيد حفظه الله محمدا الإمام فعده أخوانيا وإن لم ينتم صراحة لجماعة الإخوان، وقال عنه وعن الشيخ عبد الرحمن العدني:
بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمـعـيـن

بناء على ماتحصل لدي من استقراء محمد الإمام واصراره على الوثيقة ومن الأدلة عليه خطبة العيد فإنه صرح بأنه لا سبيل لأحد عليه كذلك لما رجع وزار بعض المشايخ أما أنا فقد حرمت داري عليه هو ومن على شاكلته وهذا معروف قال انه لم يأتي إلا للحج
وأما قضيتي فلا سبيل لأحد علي !

اقول للمقيمين في مركز معبر فروا إلى حيث تأمنوا وقد ثبت لدي أن محمد الإمام هذا جمع المقاتلين في جبهة كتاف وبلغهم بأن الحوثيين طلبوا تسليمه منه فهو صدق في هذا وهو كذوب لكني كذلك أوصي من لم يطلبهم الحوثيون أن يهربوا لأن الرجل لايصلح للدعوة فمن هذه حاله لا يرتجى منه خير للدعوة .

ثانيا : بالنسبة للأخ عبد الرحمن بن عمر مرعي لا يصلح للدعوة ، أقل مايقال فيه أنه مغفل بناء على كلمات سمعتها منه ومن تلكم الكلمات قوله في الوثيقة الفاجرة الكافرة الظالمة التي وقعها محمد بن عبد الله الريمي ثم المعبري الملقب بالإمام قال في تلك الوثيقة أعني عبد الرحمن قال فيها باطل أقول قائل هذه المقولة كما أسلفت أقل ما يقال فيه أنه مغفل والمغفل لايصلح للدعوة ولايصلح للتدريس أبداً خير له أن يصلي مع المسلمين يحضر الجمعة والجماعة مع المسلمين.
https://soundcloud.com/salafi-sounds/lxktjjofhqtn

فهل لفظة مغفل من ألفاظ الجرح والتعديل؟ وهل هي جرح مجمل؟
جاء في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم تحت عنوان مراتب الرواة أو طبقات الرواة ما نصه:
"ثم احتيج الى
تبيين طبقاتهم، ومقادير حالاتهم، وتباين درجاتهم، ليعرف من كان منهم في منزلة
الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية
والتعديل والجرح.
ا - ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه، من أهل الثبت في الحديث
والحفظ له والإتقان فيه، فهؤلاء هم أهل العدالة.
2 - ومنهم الصدوق في روايته، الورع في دينه، الثبت الذي يهم أحيانا،
وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه أيضا.
3 - ومنهم الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطا والسهو
والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والاداب، ولا يحتج
بحديثه في الحلال والحرام.
4 - ومنهم من قد ألصق نفسه بهم، ودلسها بينهم، ممن قد ظهر للنقاد
العلماء بالرجال، منه الكذب، فهذا يترك حديثه، وتطرح روايته، ويسقط ولا يشتغل
به ". انتهى
ومن المننقولات المقتبسات في قول العلماء عن غفلة الصالحين ما يلي:
قال ابن رجب رحمه الله عن المغفلين في شرح علل الترمذي، (1/130):
المسألة الثانية الرواية عن الضعفاء من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط
وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين :
أحدهما : جواز الرواية عنهم حكاه عن سفيان الثوري ، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث إلا بما يعرف أنه صدق .
والثاني : الامتناع من ذلك ، ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة .
وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي أبي حنيفة ، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية ، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه ، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى ، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعي ، وغيرهما من المجروحين ، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي وأبي العطوف الجزري .
قال : وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة وعبد الله بن محرر وغيرهما من المجروحين .
قال : وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن ، وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا ، لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه المحدثين .
وللأئمة في ذاك غرض ظاهر :
وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه ، والمنفرد به عدل أو مجروح . ثم روى بإسناده عن الأثرم قال : (( رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس ، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ، فقال له أحمد : تكتب صحيفة معمر عن أبان وتعلم أنها موضوعة ! ؟ فلو قال لك قائل : أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه ! ؟ )) .
فقال : (( رحمك الله يا أبا عبد الله ، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنه موضوعة ، حتى لا يجئ بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً ، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ، فأقول له : كذبت ! إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت )) .
وذكر أيضاً من طريق أحمد بن علي الأبار قال : قال يحيى ابن معين : (( كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً )) .
وخرّج العقيلي من طريق أبي غسان قال : (( جاءني علي بن المديني فكتب عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق ابن أبي فروه ، فقلت : أي شئ تصنع بها ؟ قال : أعرفها حتى لا تقلب )) .
قلت : فرق بين كتابة حديث وبين روايته :
فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها ولم يرووها ، كما قال يحيى : سجرنا بها التنور ، وكذلك أحمد ( خرق حديث خلق ممن كتب حديثهم ولم يحدث به ، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين ) لم يخرجه فيه مثل قايد أبي الورقاء وكثير ابن عبد الله المزني وأبان بن أبي عياش وغيرهم ، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف .
قال في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : (( قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق ، وعمرو بن حكام ، ومحمد بن معاوية ، وعلي بن الجعد ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم )) .
وقال في روايته أيضاً - وقد سأله ترى أن تكتب الحديث المنكر ؟ - إليهم في وقت )) ، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأساً .
وقال - في رواية ابن القاسم - : (( ابن ليهعة ما كان حديثه بذاك ، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال ، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد )) .
وقال في رواية المروذي : (( كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي ( ثم كتبته أعتبر به ) .
وقال في - رواية مهنا وسأله لمَ تكتب حديث أبي بكر بن أبي كريم وهو ضعيف - قال : (( أعرفه )) .
وقال محمد بن رافع النيسابوري : (( رأيت أحمد بين يدي يزيد ابن هاترون وفي يده كتاب لزهير عن جابر الجعفي وهو يكتبه ، قلت : يا أبا عبد الله : تنهونا عن جابر وتكتبوه ؟ ! قال : نعرفه )) .
وكذا قال]أحمد [في حديث عبيد الله الوصافي : (( إنما أكتبه للمعرفة )) .
والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين [ والذين غلب عليهم الخطأ ] للغفلة وسوء الحفظ ، ويحدث عمن دونهم في الضعف ، مثل من في حفظه شئ أو يتختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه .
وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل .
وأما الذين كتبوا حديث الكذابين - من أهل المعرفة والحفظ - فإنما كتبوه لمعرفته ، وهذا كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل .
ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم : لا يجوز ذكرها إلا ليبيّن أمرها أو معنى ذلك .
وقد سبق عن أبي حاتم أنه يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام ، وأما رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حاله ، وهذا هو الصحيح ، والله أعلم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ـ رحمنا الله وإياه ـ
لكن كثير من العباد لا يحفظ الأحاديث ولا أسانيدها فكثيرا ما يغلطون في إسناد الحديث أو متنه ولهذا قال يحيى بن سعيد ما رأينا الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث يعني على سبيل الخطأ وقال أيوب السختياني إن من جيراني لمن أرجو بركة دعائهم في السحر ولو شهد عندي على جزرة بقل لما قبلت شهادته ولهذا يميزون في أهل الخير والزهد والعبادة بين ثابت البناني والفضيل ابن عياض ونحوهما وبين مالك بن دينار وفرقد السبخي وحبيب العجمي وطبقتهم وكل هؤلاء أهل خير وفضل ودين والطبقة الأولى يدخل حديثها في الصحيح ، وقال مالك بن أنس رحمه الله أدركت في هذا المسجد ثمانين رجلا لهم خير وفضل وصلاح كل يقول حدثني أبي عن جدي عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نأخذ عن أحد منهم شيئا وكان ابن شهاب يأتينا وهو شاب فنزدحم على بابه لأنه كان يعرف هذا الشأن ، هذا وابن شهاب كان فيه من مداخلة الملوك وقبول جوائزهم ما لا يحبه أهل الزهد والنسك والله يختص كل قوم بما يختاره . ا هـ
الاستقامة (1/ 201ـ202)

فلفظة مغفل من ألفاظ الجرح والتعديل، وفيها مذاهب، وهي من الألفاظ المسقطة للرواة إن كانت الغفلة فاحشة.
وقال ابن رجب أيضا في بيان نوع آخر من الغفلة التي تسمى غفلة الصالحين المسألة الثالثة من ضعف من أهل العبادة لسوء حفظه
ذكر الترمذي : أنه رب رجل صالح مجتهد في العبادة ، ولا يقيم الشهادة ولا يحفظها ، وكذلك الحديث لسوء حفظه وكثرة غفلته ، وقد سبق قول ابن المبارك في عباد بن كثير وعبد الله بن محرر .
وروى مسلم في مقدمة كتابه من طريق محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال : (( لن ترى الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث )) .
قال مسلم : (( يقول : يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون الكذب )) .
وروى أيضاً بإسناد له عن أيوب قال : (( إن لي جاراً ثم ذكر من فضله ، ولو شهد [ عندي ] على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة )) .
وروى ابن عدي بإسناده عن أبي عاصم النبيل قال : (( ما رأيت الصالح يكذب في شئ أكثر من الحديث )) .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي أسامة قال : (( إن الرجل يكون صالحاً ويكون كذاباً )) ، يعني يحدث بما لا يحفظ .
وروى عمرو الناقد سمعت وكيعاً يقول وذكر له حديث يرويه وهب بن إسماعيل فقال : (( ذاك رجل صالح ، وللحديث رجال )) .
وروى أبو نعيم بإسناده عن ابن مهدي قال : (( فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد ، ولا تشبه فتنتة فتنة ، كم من رجل يظن به الخير قد حمله فتنة الحديث على الكذب )) .
يشير إلى أن من حدث من الصالحين من غير إتقان وحفظ ، فإنما حمله على ذلك حب الحديث والتشبه بالحفاظ ، فوقع في الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يعلم ، ولو تورع واتقى الله لكف على ذلك فسلم .
قال أبو قلابه : عن علي بن المديني : سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار ، ومحمد بن واسع ، وحسان بن أبي سنان فقال : (( ما رأيت الصالحين فس شئ أكذب منهم في الحديث ، لأنهم يكتبون عن كل ما يلقون لا تمييز لهم فيه )) .
وقال الجوزجاني : سمعت أبا قدامة يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( رب رجل صالح لو لم يحدث كان خيراً له ، إنما هو أمانة ، تأدية الأمانة في الذهب والفضة أيسر منه في الحديث )) .
ويروي عن أبي عبد الله ابن منده قال : (( إذا رأيت في حديث ثنا فلان الزاهد فاغسل يدك منه )) .
وقال ابن عدي : (( الصالحون قد وسموا بهذا الاسم إن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ، ويتهم جماعة منهم بوضعها )) انتهى .
وهؤلاء المشتغلون بالتعبد الذين يترك حديثهم على قسمين
منهم من شغلته العبادة عن الحفظ :
فكثر الوهم في حديثه ، فرفع الموقوف ، ووصل المرسل . وهؤلاء مثل أبان بن أبي عياش ، ويزيد الرقاشي ، وقد كان شعبة يقول في كل واحد منهما : (( لأن أزني أحب إلىّ من أن أحدث عنه!! ))
ومثل جعفر بن الزبير ، ورشدين بن سعد ، وعباد بن كثير ، وعبد الله بن محرر ، والحسن بن أبي جعفر وغيرهم .
ومنهم من كان يتعمد الوضع ويتعبد بذلك :
كما ذكر عن أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل ، وعن زكريا بن يحيى الوقار المصري .
وقد ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين :
أحدهما : أبان بن أبي عياش :
وذكر حكاية أبي عوانة عنه ، أنه جمع حديث الحسن ثم أتى به إليه فقرأه كله عليه ، يعني أنه رواه له كله عن الحسن ، ولم يتوقف في ذلك .
وقال أحمد قال لي عفان : (( أول من أهلك أبان بن أبي عياش أبو عوانة ، جمع حديث الحسن عامته فجاء به إلى أبان فقرأه عليه )) .
وقال مسلم في أول كتابه (( ثنا الحسن الحلواني سمعت عفان قال : سمعت أبا عوانة يقول : (( ما بلغني عن الحسن إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليّ )) .
ثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر قال : سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث . قال علي : (( فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً : خمسة أو ستة )) .
وذكر العقيلي هذه الحكاية ثم قال : وقال لنا أحمد بن علي الأبار - وكان شيخاً صالحاً - : (( وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله أترضى أبن بن أبي عياش ؟ قال : لا )) .
وذكر له الترمذي حديث القنوت في الوتر فإنه رفعه ، والناس يقفونه علي ابن مسعود ، وربما وقف على إبراهيم ، وقد سبق ذكره في أبواب الوتر من كتاب الصلاة .
وكان أبان لسوء حفظه يفعل ذلك كثيراً : يرفع الموقوف ويصل المرسل . قال أبو زرعة : (( لم يكن يتعمد الكذب كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر بن حوشب ومن الحسن فلا يميز بينهم .
قال ابن عدي : (( قد حدث عنه الثوري ، ومعمر ، وابن جريج ، وإسرائيل ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم ، وأرجو أنه ممن لا يتعمد الكذب إلا أنه يشبه عليه ويغلط ، وعامة ما أتي من جهة الرواة عنه لا من جهته ، لأنه قد روى عنه قوم مجهولون . وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ، كما قال شعبة )) .
وذكر أنه شعبة حدث عنه بحديث قنوت الوتر ، فقيل له : تقول فيه ما قلت ثم تحدث عنه ؟ قال : (( إني لم أجد هذا الحديث إلا عنده )) ذكرها من وجه منقطع . والمعروف أن شعبة قيل له : لم سمعت منه هذا الحديث ؟ قال : ومن يصبر على هذا ؟ ! ، أخرجه العقيلي وغيره .
الرجل الآخر : أبو مقاتل السمرقندي :
واسمه حفص بن سلم الفزاري ، وهو من العباد ، يروي عن الكوفيين كأبي حنيفة ، ومسعر ، والثوري ، وعن البصريين كأيوب ، والتيمي ، وعن الحجازيين كهشام بن عروة ، وعبيد الله ابن عمر ، وسهيل .
قال أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد : (( هو مشهور بالصدق والعلم ، غير مخرج في الصحيح ، وكان ممن يفتي في أيامه ، وله في العلم والفقه محل ، يعتنى بجمع حديثه )) .
وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وقال : (( يروي المناكير )) ، وسئل عنه إبراهيم بن طهمان فقال : خذوا عنه عبادته وحسبكم )) . وقد أفحش قتيبة بن سعيد وغيره القول فيه ، مات سنة ثمان ومائتين
وذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء وقال : (( كان صاحب تقشف وعبادة ولكنه كان يأتي بالأشياء المنكرة التي يعلم من كتب الحديث أنه ليس لها أصل يرجع إليه . سئل ابن المبارك عنه فقال : خذوا عن أبي مقاتل عبادته وحسبكم )) .
وكان قتيبة بن سعيد يحمل عليه شديداً ويضعفه بمرة ، وقال : كان لا يدري ما يحدث به . وكان عبد الرحمن بن مهدي يكذبه .
قال نصر بن حاجب المروزي : (( ذكرت أبا مقاتل لعبد الرحمن ابن مهدي فقال : والله لا تحل الرواية عنه ، فقلت له : عسى أن يكون كذب له في كتابه وجهل ذلك . فقال : يكتب في كتابه الحديث ؟! فكيف بما ذكرت عنه أنه قال : ماتت أمي بمكة فأردت الخروج منها فتكاربت فلقيت عبيد الله بن عمر فأخبرته بذلك ، بذلك فقال : حدثني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من زار قبر أمه كان كعمرة )) .
قال : فقطعت الكري وأقمت ، فكيف يكتب هذا في كتابه . وكذلك وكيع بن الجراح كان يكذبه ، وليس لهذا الحديث أصل يرجع إليه انتهى ما ذكره ابن حبان .
وذكره ابن عدي في كتابه وذكر بإسناده عن قتيبة [ ابن سعيد ] أنه سئل عن حديث كور الزنانير فقال : (( نا أبو مقاتل السمرقندي عن سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان سئل عليٌّ عن كور الزنانير فقال : هم من هذا البحر )) لا بأس به . قال فقلت : يا أبا مقاتل هو موضوع . قال بابا هو في كتابي تقول هو موضوع ؟ قال فقلت : نعم وضعوه في كتابك )) .
وذكر بإسناده عن الجوزجاني قال : (( أبو مقاتل السمرقندي كان فيما حدثت ينشئ للكلام الحسن إسناداً )) ثم خرج له ابن عدي أحاديث منكرة ثم قال : (( أبو مقاتل هذا له أحاديث كثير ويقع في أحاديثه مثل ما ذكرته وأعظم منه ، وليس هو ممن يعتمد على رواياته .
وذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وغير واحد من العلماء .
ووقع لابن أبي حاتم في ذكره غير وهم فإنه قال : (( حفص ابن سليمان أبو مقاتل ، روى عن عون بن أبي شداد ، روى عنه موسى بن إسماعيل الختلي )) . كذا قال . وقوله : (( ابن سليمان )) وهم ، وإنما هو (( ابن سليم )) . ثم قال : (( حفص بن مسلم أبو مقاتل السمرقندي ، روى عن الثوري وجويبر وعمر بن عبيد ، وروى عنه أبو تميلة وإبراهيم بن شماس ، سمعت أبي يقول بعض ذلك )) .
فقوله : (( ابن مسلم )) وهم أيضاً ، ووهم أيضاً حيث جعل الراوي عن عون بن أبي شداد غير هذا ، وهما رجل

وقد بين الشيخ عبيد سبب قوله في العدني أنه مغفل كما مر، فهو فيه جرح مفسر.

فلنحذر من هذه التساؤلات التي قد تسبب زعزعة الثقة في أهل العلم وأحكامهم، ولا يرد منها إلا ما جرى عمل السلف على رده, كالجرح بما ليس بجرح، أو نفي المعدل للجرح من وجه صحيح، ويكون هذا من عالم بأسباب الجرح والتعديل.
وحذار من مسلكين:
--الانجرار من تغليب ما هو عارض للعالم في موقف ما في اجتهاده فيه على أحكامه السابقة.
--عدم التعصب لمن ندافع عنهم أو أحببناهم من قبل ثم جرحوا والتعامي عن أخطائهم، بل نتعامل مع ذلك على وفق الأصول السلفية, فمن كان سلفيا يرد خطأه وتحفظ كرامته، وغيره من أصحاب الأهواء يحذر منه ببيان خطئه ابتغاء وجه الله ونصحا للأمة حتى يتوب ويصلح ويبين، والله أعلم.