ضوابط استعمال الخداع والكذب من باب النكاية في العدو في الحرب:
يطبق المبتدعة ومن لا علم عندهم بعض النصصوص على هوى أو جهل بدون النظر في كلام أهل العلم وسؤالهم، ومن ذلك استعمال الخداع والكذب في في الحرب بلا ضابط, فتعج وسائل الإعلام بسيل من الأكاذيب بلا ضابط شرعي، وبلا استشارة ولاة الأمر من حكام وعلماء في ذلك.
جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي وغيرها من كتب السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {الحرب خدعة}.
قال الترمذي رحمه الله: وفي الباب عن علي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد بن السكن وكعب بن مالك وأنس وهذا حديث حسن صحيح. ا.ه رحمه الله
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي معلقا على رواية الترمذي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب:
قوله : ( وفي الباب عن علي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد وكعب بن مالك وأنس بن مالك ) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني في الكبير ، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا ابن ماجه ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان ، وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه أحمد والترمذي في باب إصلاح ذات البين من أبواب البر والصلة ، وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه أبو داود ، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه أحمد وابن حبان .
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود .
فهذه الأحغاديث التي ذكرها الترمذي والمباركفوري منها ما هو نص في ذكر الخديعة بعموم، ومنها ما فيه النص على استعمال الكذب في الحرب على أنه وسيلة من وسائل المخادعة والنكاية في العدو.
وقد ضبطت هذه الكلمة على عدة صيغ ، نقل ذلك المباركفوري فقال:
قَوْلُهُ : ( الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْصَحَهُنَّ خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ ، قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ : وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ ، وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ . ا.ه رحمه الله
ثم نقل كلام القاضي عياض فقال:
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بَعْدَ ذِكْرِ أَرْبَعِ لُغَاتٍ فِيهَا وَهِيَ الْخَدْعَةُ وَالْخُدْعَةُ وَالْخُدَعَةُ وَالْخَدَعَةُ. ا.ه رحمه الله
ونقل المباركفوري في تحفة الأحوذي في شرحه للكتاب والباب المذكورين آنفا كلام العلماء فيما يجوز من الكذب على أنه وسيلة من وسائل النكاية والمكيدة في الحرب فقال:
وقد صحح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء أحدها في الحرب ، قال الطبري : إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب ، فإنه لا يحل . قال النووي : والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل . وقال ابن العربي : الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم ، إليه وليس للعقل فيه مجال ، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى . وقال القاضي عياض في المشارق بعد ذكر أربع لغات فيها وهي الخدعة والخدعة والخدعة والخدعة ما لفظه : فالخدعة بمعنى أن أمرها ينقضي بخدعة واحدة يخدع بها المخدوع فتزل قدمه ولا يجد لها تلافيا ولا إقالة ، فكأنه نبه على أخذ الحذر من ذلك ، ومن ضم الخاء وفتح الدال نسب الفعل إليها أي تخدع هي من اطمأن إليها أو أن أهلها يخدعون فيها ، ومن فتحهما جميعا كان جمع خادع ، يعني أن أهلها بهذه الصفة فلا تطمئن إليهم ، كأنه قال أهل الحرب خدعة ، وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه . وقال التوربشتي : روي ذلك من وجوه ثلاثة بفتح الخاء وسكون الدال أي أنها خدعة واحدة من تيسرت له حق له الظفر ، وبضم الخاء وسكون الدال أي معظم ذلك المكر والخديعة ، وبضم الخاء وفتح الدال أي أنها خداعة للإنسان بما تخيل إليه وتمنيه ، ثم إذا لابسها وجد الأمر بخلاف ما خيل إليه انتهى . ا.ه رحمه الله
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الحرب خدعة ، ومعناه: أن الخصم قد يدرك من خصمه بالمكر والخديعة في الحرب ما لا يدركه بالقوة والعدد وذلك مجرب معروف، وذلك من دون إخلال بالعهود والمواثيق. وقد وقع في يوم الأحزاب من الخديعة للمشركين واليهود والكيد لهم على يد نعيم بن مسعود - رضي الله عنه - بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان من أسباب خذلان الكافرين وتفريق شملهم واختلاف كلمتهم وإعزاز المسلمين ونصرهم عليهم. وذلك من فضل الله ونصره لأوليائه ومكره لهم كما قال عز وجل.
http://www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx?BookID=4&View=Page&PageNo=6&PageID=952
وسئل الشيخ صالح الفوزان:
السؤال:
يسأل عن الكذب هل هناك كذب مباح وكذب غير مباح ؟
الجواب : الكذب حرام، الأصل فيه أنه حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب ( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ولكن يباح للمصلحة - إذا كان فيه مصلحة- وذلك في ثلاث مسائل محصورة : الأول : كذب أحد الزوجين على الآخر من أجل البقاء الزوجية والعشرة . الثاني : الكذب لأجل إصلاح ذات البين، يكذب لأجل أن يصلح بين ذات البين، إذا كان بين اثنين
من المسلمين نزاع أو تشاحن أو تباغض تدخل من يصلح بينهما ولو كذب كأن يقول فلان يحبك، وفلان يريد الالتقاء بك ، وتصالح معك ثم يروح للآخر يقول مثل ذلك ثم يتقاربان ويتصالحان الثالث : الكذب في الحرب ـ الكذب في الحرب على العدو؛ لأن الحرب خدعة .
http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/default/files/al%20kajb_0.mp3
فليت شعري أين المتساهلون في استعمال الكذب بتوسع من هذا الكلام؟
وقد نبه الحافظ ابن حجر على فوائد الحديث في الفتح في شرحه لكتاب الجهاد من صحيح البخاري ومنها قوله:
وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب ، والندب إلى خداع الكفار ، وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه ، قال النووي : واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن ، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز ، قال ابن العربي : الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك .
وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب : بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ، وكذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث ، وهو كقوله " الحج عرفة " ، قال ابن المنير : معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة ، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر .
وأما ما يصنع للحفاظ على الروح المعنوية, كإعلان النصر عندى الهزيمة، أو ادعاء غير الواقع فلم يشمله أحد ممن ذكر أعلاه من أهل العلم في حديث {الحرب خدعة}، وإنما جاء ذكر اللحن أو التورية أو المعاريض، وكتم بعض الأخبار للمصلحة، وذلك فيما رواه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وهو ثقة كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء وغيره وصرح ابن إسحاق بالتحديث عنه لكن عاصما لم يسند الخبر، ورواه عن ابن إسحاق البيهقي في دلائل النبوة في خبر نقض بني قريظة للعهد يوم الأحزاب، قال البيهقي في الدلائل:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ , قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ كَعْبٍ ، وَنَقْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ ، بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَهُوَ سَيِّدُ الأَوْسِ ، وَكَانَ مَعَهُمَا فِيمَا يَذْكُرُونَ وَهُوَ تَبَعٌ لَهُمَا خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالَ : " ائْتُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ ، فَانْظُرُوا ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَأَعْلِنُوهُ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْهُمْ ، فَالْحَنُوا لِي عَنْهُمْ لَحْنًا أَعْرِفُهُ ، وَلا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ الْمُسْلِمِينَ " , فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِمْ وَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ ، وَقَعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : لا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَلا عَهْدَ ، فَبَادَأَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَكَانَ رَجُلا فِيهِ حَدٌّ بِالْمُشَاتَمَةِ ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : دَعْهُمْ عَنْكَ ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ ، ثُمَّ أَقْبَلُوا فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : عَضَلٌ وَالْقَارَةُ ، يُرِيدُونَ مَا فَعَلَ عَضَلٌ وَالْقَارَةُ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ " .
وقد فسر ابن هشام (عضل والقارة)، فقال: أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ، خبيب وأصحابه. ا.ه رحمه الله
ورواه ابن جرير الطبري في تفسير قول الله تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم} الآية بأسانيد عدة وبسياق أطول فقال:
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير ، عن عروة بن الزبير ، وعمن لا أتهم ، عن عبيد الله بن كعب بن مالك ، وعن الزهري ، وعن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعن محمد بن كعب القرظي ، وعن غيرهم......
ثم ذكر الخبر بطوله،
قال السهيلي رحمه الله في الروض الأنف:
وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس اللحن العدول بالكلام على الوجه المعروف عند الناس إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف .
قال السيرافي : ما عرفت حقيقة معنى النحو إلا من معنى اللحن الذي هو ضده فإن اللحن عدول عن طريق الصواب والنحو قصد إلى الصواب وأما اللحن بفتح الحاء فأصله من هذا إلا أنه إذا لحن لك لتفهم عنه ففهمت سمي ذلك الفهم لحنا ، ثم قيل لكل من فهم قد لحن بكسر الحاء وأصله ما ذكرناه من الفهم عن اللاحن.
قال الجاحظ في قول مالك بن أسماء [ بن خارجة الفزاري ] :
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
أراد أن اللحن الذي هو الخطأ قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة السن وخطئ الجاحظ في هذا التأويل وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لامرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها ، اللحن فاحتجت بقول أخيها مالك بن أسماء وخير الحديث ما كان لحنا
فقال لها الحجاج لم يرد أخوك هذا ، إنما أراد اللحن الذي هو التورية والإلغاز فسكتت فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث قال لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب البيان ما قلت في ذلك ما قلت ، فقيل له أفلا تغيره ؟ فقال كيف وقد سارت به البغال الشهب وأنجد في البلاد وغار . وكما قال الجاحظ في معنى تلحن أحيانا قال ابن قتيبة مثله أو قريبا منه . ا.ه رحمه الله
فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإخبار بخلاف الواقع من باب الحيلة بل أمر بالمعاريض أو التورية أو اللحن، وكان الغرض من اللحن لئلا يكون الرعب الداخلي في الصف من تألب الأعداء بالداخل والخارج، قال السهيلي بعد ذلك:
وقوله يفت في أعضاد الناس أي يكسر من قوتهم ويوهنهم وضرب العضد مثلا ، والفت : الكسر وقال في أعضادهم ولم يقل يفت أعضادهم لأنه كناية عن الرعب الداخل في القلب ولم يرد كسرا حقيقيا ، ولا العضد الذي هو العضو وإنما هو عبارة عما يدخل في القلب من الوهن وهو من أفصح الكلام . ا.ه رحمه الله
ولا يخفى أن المعاريض تجوز للحاجة، وفيها سعة تغني عن الكذب، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية في » فصل في إباحة المعاريض ومحلها:
وقد روي { إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب } هذا ثابت عن إبراهيم النخعي . وروي مرفوعا وليس هو في مسند أحمد ولا الكتب الستة ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب المعاريض عن إسماعيل بن إبراهيم بن بسام عن داود بن الزبرقان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب } . ورواه أيضا عن أبي زيد النميري حدثنا الربيع بن محبور حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري عن سعيد فذكره ، وداود والعباس ضعيفان عند المحدثين قال ابن عدي : مع ضعفهما يكتب حديثهما
وقد ذكر في المغني هذا الخبر تعليقا بصيغة الجزم محتجا به ولم يعزه إلى كتاب والله أعلم .
وفي تفسير ابن الجوزي في قوله تعالى { بل فعله كبيرهم هذا } المعاريض لا تذم خصوصا إذا احتيج إليها ثم ذكر خبر عمران بن حصين ولم يعزه قال : وقال عمر بن الخطاب : ما يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي .
وقال النخعي : لهم كلام يتكلمون به إذا خشوا من شيء يدرءون به عن أنفسهم قال ابن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. ا.ه رحمه الله
يتلخص من هذا ما يلي:
--أن ضوابط الكذب في الحرب أن تكون هناك حالة حرب.
--أن يكون الخداع للعدو من باب إعمال الحيلة للنكاية به والوصول للنتيجة المرجوة بأقل خسائر.
--ألا يكون بنقض عهود أو مواثيق, فلا يعطى الأمان ثم يغدر به.
--إن أمكن الاستعاضة عن الكذب بالمعاريض فهو الأولى كما قال بعض أهل العلم.
--أما في إن اشتد الخطب واحتيج للمحافظة على الروح المعنوية فتستعمل المعاريض أو كتمان بعض ما يعلم لئلا تضعف الروح المعنوية.
--وأما التوسع في استعمال الكذب بغير ضوابط في الحرب، أو الكذب على الجيش المقاتل أو على الناس بإعلان ما يخالف غير الواقع فأمر يحتاج إلى صحة دليل، وصحة استدلال بهذا الدليل، وحديث {الحرب خدعة} في الصحيح، لكن الاستدلال به على التوسع في الكذب بلا ضابط ليس عليه العمل كما علمت، والله أعلم.
#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق