#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله

#تلبيسات_نادر_العمراني_في_سفك_الدماء_باسم_الجهاد_والشهادة_في_سبيل_الله
يركز أهل الضلال من إخوان ومن خرج من تحت عباءتهم على قضية الجهاد والشهادة, لأنه بهما يقدم الشباب أرواحهم طمعا في نيل الشهادة التي رتب عليها في شرعنا المطهر أجورا عظيمة، ولكنهم لا يؤصلون في الشباب معنى الجهاد الحقيقي في سبيل الله والفرق بين قتال الكفار وقتال غيرهم، والفرق بين الجهاد وبين غيره من أنواع القتال الجائزة والممنوعة، ولا يهتمون ببيان شروطه الواجب توافرها ليكون الجهاد مشروعا، ولا تكون الراية المرفوعة فيه راية عمية نهي عن القتال تحتها, تجاهل الإخوان كل ذلك لأن أغراضهم الحزبية تتنافى مع بيان ذلك.
ولما كان الشعار الذي رفعوه ليغطوا به أغراضهم السلطوية هو تحكيم الشريعة أولوا نصوص الشرع فأفهموا الأغرار الأغمار من الشباب أن خصومهم على اختلاف توجهاتهم لا يريدون تحكيم الشريعة, فهم إما أعداء للدين، وإما موالون لأعداء الدين، وزرعوا في عقولهم أنهم على حق وأن قتالهم يستمد شرعيته من نصوص الشريعة، ومنها قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وهذا نادر العمراني يوظف حديث {القتلى ثلاثة} توظيفا حزبيا بعيدا عن التأصيل العلمي للشباب.
*رد الصحابة لشبهة الجهاد المزعوم عند الإخوان:
وهذا عبد الله بن عمر وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين يردان على هذه الشبهة.
جاء في صحيح البخاري، باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
4243 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي فقالا ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه قال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت قال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه وإما يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون
قال ابن حجر في الفتح في شرح الحديث: " قوله : ( ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ) أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وإن كان الصواب عند غيره خلافه ، وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار ، بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ، ولا سيما إن كان الحامل إيثار الدنيا .
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رحمه الله قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَة}.
فانظر يا رعاك الله إلى فقه الصحابة كيف فرقوا بين قتال وقتال, قاتل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة وهي الشرك، وكان الدين كله لله، واعتزل من اعتزل منهم القتال حيث قدر أن القتال بين المسلمين سيترتب عنه عواقب غير محمودة، ومما هو معلوم أن القتال, سواء أكان للكفار، أو قتال لفئة باغية لا بد أن يكون تحت راية إمام شرعي استتب له الأمر واستقر على إمامته المسلمون, إما بيعة، وإما تغلبا، وفي غير هذا يسمى القتال قتال فتنة يترتب عليه مفاسد عظيمة, من كثرة لسفك الدماء في غير طائل، ومن استباحة العدو للمسلمين بضعفهم وتفككهم، إلى غير ذلك. وغاب فقه الصحابة لهذه الأمور عن الإخوان ومن خرج من تحت عباءتهم, ففي عصرنا هذا عمد شيوخ الإخوان والمقاتلة إلى تجميع أكبر عدد من الشباب للقتال بهذه الشبهة التي ردها الصحابة رضوان الله عليهم من قبل من أجل تحقيق الأغراض الحزبية ولكي تعلم أن قتالهم على غير أساس شرعي انظر إلى تحالفهم أول الأمر مع الدواعش والقاعدة، مكونين ما يعرف بمجالس الشورى. ثم اقتضت مصالحهم التخلص منهم لإرضاء رغبات داخلية وخارجية لكن طال نفس الحرب وفتح الإخوان والمقاتلة على أنفسهم جبهات كثيرة للقتال استهلكت فيها كثير من طاقاتهم البشرية حيث صار أصدقاء الأمس من قاعدة ودواعش أعداء اليوم وتغير المواقف بهذه الدرجة يدل على عدم ثبات الأصول والمبادئ، وحيث إنه لا بد من استمرارهم في حربهم لئلا يخسروا الداعمين للوصول إلى الحكم، أو يدرجوا ضمن قوائم الأرهاب، سعى نادر العمراني ومن لف لفه إلى استجلاب مزيد من الوقود البشري للاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة.
وذلك بما جرت به مع الأسف الشديد عادة الإخوان والمقاتلة إلى توظيف الحماسة الدينية للشباب بتوظيف نصوص الشريعة وتأويلها على حسب أغراضهم بدون أن يكون غرضهم التأصيل العلمي الصحيح، بل بالتلبيس والتضليل, ومن تلك القضايا التي وظفوها قضية الجهاد و(الشهادة في سبيل الله).
*العمراني يخفي عن الشباب شرط من شرطي قبول العمل وهو المتابعة لأغراض حزبية:
أقام الإخوان والمقاتلة الدنيا ولم يقعدوها عندما شاع نبأ اغتيال العمراني متهمين بذلك السلفيين وهم ومنهجهم براء من سفك الدماء بهذه الطريقة، ومتناسين أن العمراني ذاته مارس هذه الطريقة بتوظيف نصوص شرعية تخدم هذه الجماعات الضالة بمزيد من سفك الدماء.
كتب نادر العمراني مقالا في موقعه الرسمي تحت عنوان, [حديث القتلى ثلاثة]جاء فيه:
(للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.
فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له).
ترك العمراني الكلام في تأصيل المسائل الشرعية عند الشباب, فترك تعليمهم شرطا قبول العمل, فلنيل الشهادة عند العمراني شرطان هما: الإيمان بالله ورسوله، وإخلاص العمل لله. نعم، لا بد من وجود أصل الإيمان الذي هو الشهادتان لقبول الأعمال التي هي من مسمى الإيمان، وهو ما عبر عنه في أحد روايات حديث أركان الإسلام عن ابن عمر ب{إيمان بالله ورسوله}، وقد تقدم، قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: {أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " . قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبْرُورٌ }:
" وأما حديث أبي هريرة: فهو يدل على أن الإيمان بالله ورسوله عمل لأنه جعله أفضل الأعمال، والإيمان بالله ورسوله الظاهر أنه إنما يراد به الشهادتان مع التصديق بهما؛ ولهذا ورد في حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي رواية ذكر: "الإيمان بالله ورسوله" بدل "الشهادتين"؛ فدل على أن المراد بهما واحد؛ ولهذا عطف في حديث أبي هريرة على هذا الإيمان "الجهاد" ثم "الحج"، وهما مما يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ لكن الإيمان بالله أخص من الإيمان المطلق، فالظاهر أنه إنما يراد بهما الشهادتان مع التصديق بهما".
فالشهادتان ركن لا يكون الإسلام إلا بهما، ثم تأتي بقية الشرائع والأعمال التي لا تصح إلا بشرطين ذكر العمراني أحدهما وأغفل الآخر, فالذي ذكره العمراني الإخلاص وهو مندرج في الشهادتين، والشرط الذي أغفله المتابعة بأن يكون العمل على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر العمراني هذا الشرط لتبين العاقل الفارق بين الجهاد الذي هو مشروع لئلا تكون فتنة وهي الشرك والقتال الذي هو فتنة من أجل السلطة، ولافتضح أمر الإخوان والمقاتلة.
ترك شرط المتابعة مع أنه منصوص عليه في كتاب الله, جاء في مقال ماتع في موقع راية الإصلاح تحت عنوان: [إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم]: "الله عزّ وجلّ لم ينصّ على أنّه يتقبّل العمل الأكثر من حيث الكميّة، ولكنّه ينصّ دائما على أنّه يتقبّل العمل الأحسن، كما في قوله سبحانه: ﴿إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿إِنَا لاَ نُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، وقوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبل، وإذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنّة».
وقال سعيد بن جبير والحسن البصري رحمهما الله: «لا يُقبل قول إلاّ بعمل، ولا يُقبل عمل إلاّ بقول، ولا يُقبل قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا يُقبل قول وعمل ونيّة إلاّ بنيّة موافقة السنّة». انظر شرح أصول الإعتقاد للالكائي (18)، (20).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: «قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا، قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم» رواه مسلم.
وقد فسّر هذا بعض السّلف بالإخلاص والمتابعة، روى ابن بطّة في «الإبانة /الإيمان» (156) بسند صحيح عن سلام بن مسكين قال: كان قتادة إذا تلا: ﴿إِنَّ الّذين قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، قال: «إنّكم قد قلتم ربّنا الله، فاستقيموا على أمر الله، وطاعته، وسنّة نبيّكم، وأمضوا حيث تؤمرون، فالاستقامة أن تلبث على الإسلام، أن تلبث على الإسلام، والطريقة الصالحة، ثمّ لا تمرق منها، ولا تخالفها، ولا تشذّ عن السنّة، ولا تخرج عنها ...».
وفي هذا المعنى قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ من قَبْلَ أَنْ يأْتِيَكُمْ العَذابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ ﴾، فأمرَ باتّباع أحسن ما أنزل، وهذا لا يتأتّى إلاّ لمن اقتفى أثر رسول الله في ذلك، وهذا بعد أن أمر الله عزّ وجلّ بالإسلام له في قوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، والإسلام إذا جاء متعدّيًا لزم حمله على الإخلاص", فلو نص العمراني على شرط المتابعة لافتضح بأن حربه حزبية, حيث لا أمام شرعيا، ولا راية واضحة، فكيف يسمى جهادا في سبيل الله لتحكيم شرع الله؟!
*استغلال الحزبيين لجهل الشباب بالدين وتعميقه فيهم:
ترك العمراني تعليم الشباب الشروط الشرعية للجهاد وما يجب أن يتوفر فيه، لأنه لو علمهم ذلك لتبين كثير من التناقضات التي في مواقف هذه الجماعات, فلا بد للقتال من إمام يقاتل تحت رايته، والإخوان والمقاتلة لم تعد لهم ولاية بنصوص المواد التي وافقوا عليها وبسطوا الفتاوى في إثبات شرعيتها وفيها تحديد نهاية جسم المؤتمر الوطني، وتعنتوا بعدها في التمسك بالسلطة بحجج واهية تتمثل في إجراءات شكلية في مكان استلام وتسليم، فإن علموا الشباب أن من شروط الجهاد القتال تحت راية واضحة مع إمام شرعي فستنهال عليهم الأسئلة, سسيسألون العمراني ويقولون له هو ومن معه: ما حكم القتال تحت راية من انتهت ولايته؟ وماذا يسمى من يقاتل بعد انتهاء ولايته في الشرع؟ وهل تثبت الولاية شرعا وتنفى من أجل إجراءات تتعلق باستلام وتسليم؟ وكيف تفتون أن من يقاتل تحت راية من انتهت ولايته يكون شهيدا في سبيل الله وفي نصوص الشرع أنه لا يحكم لأحد بالشهادة إلا من جزم له الشارع الحكيم بها وهو يقاتل تحت راية شرعية واضحة فكيف بإثبات الشهادة في سبيل الله لمن يقاتل تحت راية من انتهت ولايته وهو يعلم بفترة انتهاء ولايته ووافق عليها أولا؟ وهو لا يقاتل كفارا بل يقاتل إخوانه في الدين والوطن؟ والمشكلة التي لا يستطيع الإخوان والمقاتلة تبريرها أن الوسيلة التي أوصلتهم إلى تولي مقاليد الأمور وبذلوا الجهد في إثبات شرعيتها أولا وهي الانتخابات هي الوسيلة ذاتها التي سلبتهم هذا الحق فتعنتوا؟
*القيد الذي يؤكد أن العمراني أراد توظيف النصوص لغرض حزبي:
ترك العمراني تبصير الشباب بشروط الجهاد مركزا على حقيقة واحدة يريدها، هي التي يغفل عنها الناس خاصة في أيامنا هذه كما يقول العمراني، ولعلك أيها القارئ الكريم تركز على هذا القيد [في أيامنا هذه]، وتربط بينه وبين ما يحدث فيها من أحداث جارية في بلادنا ليتبين لك الأمر، وهذا إن دل فإنما يدل على توظيف للنص أراده العمراني لا من باب تأصيل الشباب تأصيلا صحيحا.
ها هو ذا نادر العمراني لما أراد توظيف النصوص لأغراض حزبية يخفي كثيرا من الأمور عن الجهاد والشهادة فلا يبدي إلا ما أراده, فيظن القارئ أول وهلة حين يطالع قول العمراني: (فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.
وهذا مفهوم خاطئ)، أنه سيبصر الشباب بما ينبغي أن يتوفر في الجهاد الشرعي الذي تترتب عليه الشهادة لمن يقتل في سبيل الله،, ، لكنه لما ساق الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وحسن إسناده المنذري والألباني رحمة الله على الجميع أراد استجلاب القوة المعطلة من الشباب عن الحرب، وذلك الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { القَتْلى ثَلاثةٌ:
رَجَلٌ مُؤمنٌ جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن قَرَفَ على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.
ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ}
وها هو يوظف الحديث توظيفا حزبيا, فأثبت أن المجاهدين والشهداء على منزلتين, منزلة كاملي الإيمان, وهم من يقاتلون في حزبه وشربوا أفكار الإخوان والمقاتلة القائم على الطاعة العمياء لمشايخهم بدون تفهم الأدلة فكل ما يقوله مشايخهم حق لا يقبل المناقشة، فجعل هؤلاء الخارجين بالسيف في وجه إمامهم كاملي الإيمان، وأهل هذه المنزلة كثير منهم منتظم في الحرب، والمنزلة الثانية المجاهدون والشهداء أصحاب المعاصي الذين لم ينخرطوا في حزبهم وتأثروا بهم أو الذين انشغلوا بالدنيا وهم بعيد عن هذه التجاذبات السياسية والقتالية، وهؤلاء يهدف العمراني لانخراطهم مع حزبه لأن هذه الحرب التي يخوضها الإخوان طال نفسها وأتت على كثير من الأغرار الأغمار من شبابهم، فيطمح العمراني ومن لف لفه إلى انخراط هؤلاء الشباب في معركتهم الحزبية من أجل السلطة موظفا هذا الحديث في وعدهم أن ينالوا الشهادة على ما عندهم من معاصي, بدون أن يذكرهم بالتوبة، وبدون أن يبصرهم بشرط المتابعة لرسول الله فيفضح حزبه. فأنت يا من ابتليت بالزنا وشرب الخمر وغير ذلك ما هو إلا أن تقاتل معنا في أيامنا هذه لتنال الشهادة، لا فرق في هذا بينمعصية ومعصية. هذا ما يحتمله الإجمال في كلام العمراني.
وقد نص أهل العلم أن الشهيد يغفر له كل ذنب في حق الله لا في حقوق الآدميين, روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
وهذا دأب هؤلاء المشايخ, يوردون النصوص على ما يريدون بدون ذكر مقيداته أو مبيناته،, أو تفسيراته على فهم السلف الصالح، لأن غرضهم التوظيف للأغراض الحزبية لا التأصيل العلمي الصحيح. والله تعالى أعلم.
ملحوظة:
مقال العمراني من هنا:
http://naderomrani.ly/article/323#sdfootnote2sym

الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

هدي الصحابة على التفريق بين المواظبة على المصافحة وفعلهم للمعانقة في مواضع

http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?t=58336&highlight=هدي الصحابة على التفريق بين المواظبة على المصافحة وفعلهم للمعانقة في مواضع

في صحيح مسلم وغيره واللفظ لمسلم في كتاب الطهارة » باب الاستطابة
262 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال قيل له قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال فقال أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم

قال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري في تحفة الأحوذي:

قوله : ( قيل لسلمان ) الفارسي ، ويقال له سلمان الخير ، وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان ابن الإسلام ، أصله من فارس ، أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم ، والقائلون هم المشركون كما في رواية ابن ماجه قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به ، وفي رواية مسلم قال لنا المشركون . ا.ه رحمه الله


فلنتأمل هذا, حتى المشركون كانوا يعرفون أن الصحابة لا يعملون إلا بأثر، قال إبن مسعود رضي الله عنه:-
قد أصبحتم على الفطرة، وإنكم سَتُحْدِثُون ويُحْدَث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأوَّل .

وتلقى عنهم أهل الحديث والأثر ذلك قال سفيان الثوري رحمه الله: (إنْ استطعتَ ألا تَحُكَّ جِلدكَ بِظُفْرِكَ إلا بأثرٍ وسنّةٍ فافعلْ)

وعن الأوزاعي رحمه الله تعالى قال : ( فأصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل فيما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم ) .

وقال ابن الجوزي في (مناقب أحمد): قال عبد الرحمن الطيب -رحمه الله-: اعتلّ أحمد بن حنبل وبِشر بن الحارث فكنتُ أدخل على بِشر فأقول: كيف تجدُك؟ فيحمد الله ثم يخبرني؛ فيقول: أحمدُ اللهَ إليكَ، أجد كذا وكذا. وأدخل على أبي عبد الله أحمد بن حنبل؛ فأقول: كيف تجدُكَ يا أبا عبد الله؟ فيقول: بخير.
فقلتُ له يومًا: إن أخاك بِشرًا عليلٌ وأسأله عن حاله فيبدأ بحمد الله ثم يخبرني، فقال لي أحمد: سله عمن أخذ هذا؟ فقلتُ له: إني أهاب أن أسأله، فقال: قل له: قال لك أخوك أبو عبد الله عمن أخذتَ هذا؟
قال: فدخلتُ إلى بِشرٍ فعرَّفته ما قال أبو عبد الله، فقال لي بِشرٌ: أبو عبد الله لا يريد الشيء إلا بالإسناد: عن ابن عَون، عن ابن سيرين: (إذا حَمِدَ اللهَ العبدُ قبل الشكوى لم تكن شكوى).
وإنما أقول لكَ: أجدُ كذا وكذا أعرف قدرة الله فيّ. قال: فخرجتُ من عنده فمضيتُ إلى أبي عبد الله فعرَّفته ما قال بِشرٌ، فكنتُ بعد ذلك إذا دخلتُ إلى أحمد يقول: أحمدُ اللهَ إليكَ، ثم يذكر ما يجده.

وفي مسألت المصافحة والمعانقة يحدث خلط بين الناس نتيجة البعد عن الأثر، وهذا كلام بعض أهل العلم في المسألة:

في حاشية السندي على ابن ماجه:

بَاب الْمُصَافَحَةِ
هِيَ مُفَاعَلَة مِنْ الصَّفْحَة وَالْمُرَاد بِهَا الْإِفْضَاء بِصَفْحَةِ الْيَد إِلَى صَفْحَة الْيَد .
---
3692 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ لَا وَلَكِنْ تَصَافَحُوا
3692 - قَوْله ( أَيُعَانِقُ بَعْضنَا بَعْضًا )
أَيْ عَلَى الدَّوَام فَلِذَا قَالَ لَا وَإِلَّا فَالْمُعَانَقَة أَحْيَانًا إِظْهَارًا لِشِدَّةِ الْمَحَبَّة الْمُعَانَقَة قَدْ جَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَم .
---



قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم::
160 - " لا، ولكن تصافحوا. يعني لا ينحني لصديقه ولا يلتزمه، ولا يقبله حين
يلقاه ".

رواه الترمذي (2 / 121) وابن ماجه (3702) والبيهقي (7 / 100) وأحمد
(3 / 19 من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال: حدثنا أنس بن مالك
قال: " قال رجل: يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا،
قال: فيصافحه؟ قال: نعم إن شاء ".
والسياق لأحمد وكذا الترمذي، لكن ليس عنده: " إن شاء " ولفظ ابن ماجه
نحوه وفيه: " لا، ولكن تصافحوا ".
والحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري "
(1 / 46 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (97 / 1) وفي
" الرباعيات " (1 / 93 / 2) والباغندي في " حديث شيبان وغيره "
(191 / 1) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (236 / 2) والضياء
المقدسي في " المصافحة " (32 / 2) وفي " المنتقى من مسموعاته بمرو "
(28 / 2) كلهم عن حنظلة به.
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: وهو كما قال أو أعلا، فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه،
ولكنهم لم يتهموه، بل ذكر يحيى القطان وغيره أنه اختلط، فمثله يستشهد به،
ويقوى حديثه عند المتابعة، وقد وجدت له متابعين ثلاثة:
الأول: شعيب بن الحبحاب.
أخرجه الضياء في " المنتقى " (87 / 2) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس
وهذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق، ولكنه كان تغير لما
كبر، وأبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات
ومن فوقهما ثقتان من رجال الشيخين.
وهذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه
على " كتاب المصافحة " ومن خطه نقلت.
الثاني: كثير بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء
والالتزام.
أخرجه ابن شاهين في " رباعياته " (172 / 2) : حدثنا محمد بن زهير قال: حدثنا
مخلد بن محمد قال: حدثنا كثير بن عبد الله.
وكثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني، وقال الذهبي: " وما أرى رواياته
بالمنكرة جدا، وقد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال:
" وفي بعض روايته ما ليس بمحفوظ ".
قلت: فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى، لكن من دونه لم أجد من ترجمهما
الثالث: المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ:
(لا ينحني الرجل للرجل، ولا يقبل الرجل الرجل، قالوا: يصافح الرجل الرجل؟
قال: نعم) .
رواه الضياء في " المنتقى " (23 / 1) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا
إبراهيم بن طهمان عن المهلب به.
قلت: المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب "، لكن السند إليه واه، فإن
عبد العزيز بن أبان هذا متروك وكذبه ابن معين وغيره كما قال الحافظ، فلا
يستشهد
بهذه المتابعة. ولكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث،
وكأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص " (367) تحسين الترمذي إياه.
ومنه تعلم أن قول البيهقي:
" تفرد به حنظلة " فليس بصواب والله أعلم.
إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث، فقد ألف جزءا
صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث
التقبيل ما صح منها وما لم يصح، ثم أورد هذا الحديث وضعفه بحنظلة ولعله لم
يقف على هذه المتابعات التي تشهد له، ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث
على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا! وهذا تأويل باطل، لأن
الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل، لا يعنون به قطعا
التقبيل المزعوم، بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء والالتزام والمصافحة
فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة، فهل هي
المصافحة لمصلحة دنيوية؟ ! اللهم لا.
فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء، ولا يدخل في ذلك
تقبيل الأولاد والزوجات، كما هو ظاهر، وأما الأحاديث التي فيها أن النبي
صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة، مثل تقبيله واعتناقه
لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة، وتقبيله واعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان
وغيرهما، فالجواب عنها من وجوه:
الأول: أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة. ولعلنا نتفرغ للكلام عليها،
وبيان عللها إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنه لو صح شيء منها، لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح، لأنها
فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية، أو غيرها من الاحتمالات التي
توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث، لأنه حديث قولي وخطاب عام موجه إلى
الأمة فهو حجة عليها، لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند
التعارض، والحاظر مقدم على المبيح، وهذا الحديث قول وحاظر، فهو المقدم
على الأحاديث المذكورة لو صحت.
وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها،
لكن قال أنس رضي الله عنه:
" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر
تعانقوا ".
رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح كما قال المنذري (3 / 270)
والهيثمي (8 / 36) وروى البيهقي (7 / 100) بسند صحيح عن الشعبي قال:
" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا، فإذا قدموا من سفر
عانق بعضهم بعضا ".
وروى البخاري في " الأدب المفرد " (970) وأحمد (3 / 495) عن جابر بن
عبد الله قال:
" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم
شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس،
فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم،
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته " الحديث،
وإسناده حسن كما قال الحافظ
(1 / 195) وعلقه البخاري.
فيمكن أن يقال: إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك،
وعليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت. والله أعلم.
وأما تقبيل اليد، ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط
الآتية:

1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته، ويتطبع هؤلاء
على التبرك بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قبلت يده فإنما كان ذلك
على الندرة، وما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة، كما هو معلوم من
القواعد الفقهية.
2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره، ورؤيته لنفسه، كما هو الواقع
مع بعض المشايخ اليوم.
3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة، كسنة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله
صلى الله عليه وسلم وقوله، وهي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما
حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر، أحسن أحواله أنه جائز.

وقال تحت حديث:
2647 - " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر
تعانقوا ".

رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 8 / 1 / 99 - بترقيمي) قال: حدثنا
أحمد ابن يحيى بن خالد بن حيان الرقي حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا عبد
السلام بن حرب عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: ... فذكره. ثم قال: " لم
يروه عن شعبة إلا عبد السلام. تفرد به الجعفي ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما
في " التقريب "، وهو من شيوخ البخاري في " الصحيح "، ومن فوقه من رجال
الشيخين، ولذلك قال المنذري (3 / 270) وتبعه الهيثمي (8 / 36) : " رواه
الطبراني، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". قلت: فالإسناد جيد، وإن كنت
لم أجد من ترجم أحمد بن يحيى الرقي فإن الظاهر من كلام الطبراني أنه لم
يتفرد به. ثم هو من مشايخه المكثيرين، فقد روى له نحو ثمانين حديثا (78 -
160) . ويشهد له حديث جابر بن عبد الله أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم في الشام فسافر إليه فإذا عبد الله بن أنيس قال: فخرج
فاعتنقني،..... الحديث. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (969) وغيره
بسند حسن وعلقه البخاري في " كتاب العلم " من صحيحه "، وترجم له في " الأدب
المفرد " بـ " باب المعانقة ". ثم وجدت للحديث طريقا آخر، يرويه غالب التمار
قال:كان محمد بن سيرين يكره المصافحة، فذكرت ذلك للشعبي، فقال: " كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا، فإذا قدموا من سفر عانق
بعضهم بعضا ". أخرجه البيهقي في " سننه " (7 / 100) بإسناد جيد كما قال
الحافظ ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 272) . ويشهد له ما
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (4 / 28 - تحقيق صاحبنا محمد زهري
النجار) من طريق أبي غالب عن أم الدرداء قالت: " قدم علينا سلمان فقال: أين
أخي؟ قلت: في المسجد، فأتاه، فلما رآه اعتنقه ". قلت: وإسناده حسن.
فقه الحديث: يؤخذ من هذا الحديث فائدتان: الأولى: المصافحة عند التلاقي.
والأخرى: المعانقة بعد العودة من السفر. ولكل منهما شواهد عن النبي صلى الله
عليه وسلم. أما الأولى، ففيها أحاديث كثيرة معروفة من فعله صلى الله عليه
وسلم وقوله، وقد مضى بعضها في هذه " السلسلة " برقم (160 و 529 و 530
و2004 و 2485) . وانظر " الترغيب " (3 / 270 - 271) و " الآداب الشرعية "
لابن مفلح (2 / 277) . وأما الأخرى، ففيه حديث جابر رضي الله عنه قال: "
لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم ".
وهو حديث صحيح كماسيأتي بيانه إن شاء الله في هذا المجلد برقم (2657) . قلت: وفي ذلك من
الفقه تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى:
المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة. ولهذا كنت أتحرج من المعانقة في
الحضر، وبخاصة أنني كنت خرجت في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم 160)حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل. ثم لما جهزت
المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام "
ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قويت الحديث، فحذفتها منه
كما سيرى في الطبعة الجديدة من المجلد إن شاء الله، وقد صدر حديثا والحمد
لله. فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن
التيهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم
إلى منزله رضي الله عنه الثابت في " الشمائل المحمدية " (رقم 113 ص 79 - مختصر
الشمائل) ولكن هذا إنما يدل على الجواز أحيانا، وليس على الالتزام
والمداومة كما لو كان سنة، كما هو الحال في المصافحة فتنبه. وقد رأيت للإمام
البغوي رحمه الله كلاما جيدا في التفريق المذكور وغيره، فرأيت من تمام
الفائدة أن أذكره هنا، قال رحمه الله في " شرح السنة " (12 / 293) بعد أن
ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهره الاختلاف: " فأما المكروه من المعانقة
والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه
فعند التوديع وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب وشدة الحب في الله.
ومن قبل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة.وإنما كره ذلك في
الحضر فيما يرى لأنه يكثر ولا يستوجبه كل أحد، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون
بعض وجد عليه الذين تركهم، وظنوا أنه قصر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام
التحية المصافحة ".
واعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة وصاحبه محمد إلى
كراهة المعانقة، حكاه عنهما الطحاوي خلافا لأبي يوسف. ومنهم الإمام مالك،
ففي " الآداب الشرعية " (2 / 27 : " وكره مالك معانقة القادم من سفر،وقال: " بدعة "، واعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم،
بأنه خاص له، فقال له سفيان: ما تخصه بغير دليل، فسكت مالك. قال القاضي:
وسكوته دليل لتسليم قول سفيان وموافقته، وهو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص ".
هذا وقد تقدم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبل الفم، وبين وجه ذلك
الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية "، فقال (2 / 275) : " ويكره تقبيل
الفم، لأنه قل أن يقع كرامة ". ويبدو لي من وجه آخر، وهو أنه لم يرو عن
السلف، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وما أحسن ما قيل: وكل خير في اتباع من
سلف وكل شر في ابتداع من خلف. فالعجب من ذاك الدكتور الحلبي القصاص الواعظ
الذي نصب نفسه للرد على علماء السلفيين وأتباعهم، وتتبع عثراتهم، وأقوالهم
المخالفة لأقوال العلماء بزعمه، وينسى نفسه، فقد سمعت له شريطا ينكر فيه على
أحدهم عدم شرعية تقبيل الفم، ويصرح بأنه كتقبيل الجبهة واليد وأنه لا فرق!
فوقع في المخالفة التي ينكرها على السلفيين، ولو أن أحدا منهم قاس هذا القياس
(البديع!) لأبرق وأرعد وصاح وتباكى، وحشد كل ما يستطيع حشده من أقوال
العلماء! وأما هو فلا بأس
عليه من مخالفتهم! * (يا أيها الذين آمنوا لم
تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *. أصلحه
الله وهداه. ا.ه رحمه الله

وهذا حديث التزام ابن التيهان كما أورده الشيخ الألباني في مختصر الشمائل للترمذي صاحب السنن وفيه شدة الحب في الله:
113 - ( صحيح )
عن أبي هريرة قال :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر فقال : ( ما جاء بك يا أبا بكر ؟ ) قال : خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه . فلم يلبث أن جاء عمر فقال : ( ما جاء بك يا عمر ؟ ) قال : الجوع يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم :
( وأنا قد وجدت بعض ذلك ) . فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري وكان رجلا كثير النخل والشاء ولم يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته : أين صاحبك ؟ فقالت : انطلق يستعذب لنا الماء . فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أفلا تنقيت لنا من رطبه ؟ )
فقال : يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو تخيروا من رطبه وبسره
فأكلوا وشربوا من ذلك الماء فقال صلى الله عليه وسلم :
( هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ظل بارد ورطب طيب وماء بارد )
فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا تذبحن لنا ذات در ) . فذبح لهم عناقا أو جديا فأتاهم بها فأكلوا فقال صلى الله عليه وسلم :
( هل لك خادم ؟ ) قال : لا . قال : ( فإذا أتانا سبي فأتنا ) . فأتي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث . فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اختر منهما ) . فقال : يا رسول الله اختر لي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا )
فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت امرأته : ما أنت ببالغ حق ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن تعتقه قال : فهو عتيق فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي )

هذا إسناد الشمائل المحمدية للترمذي, 373 حدثنا محمد بن اسماعيل ثنا آدم بن ابي اياس ثنا شيبان ابو معاوية ثنا عبد الملك بن عمير عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن ابي هريرة قال
____________________


وموضع الشاهد من الحديث: " ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه"

وذكر ابن كثير في تفسير سورة لتكاثر طرقا للحديث فقال:

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز المقري، حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الخزاز، حدثنا يونس بن عبيد، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة، فوجد أبا بكر في المسجد فقال: « ما أخرجك هذه الساعة؟ » قال:أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله. قال:وجاء عمر بن الخطاب فقال: « ما أخرجك يا ابن الخطاب؟ » قال أخرجني الذي أخرجكما. قال:فقعد عمر، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما، ثم قال: « هل بكما من قوة، تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعامًا وشرابًا وظلا؟ » قلنا:نعم. قال: « مُروا بنا إلى منـزل ابن التَّيهان أبي الهيثم الأنصاري» . قال:فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا، فسلم واستأذن - ثلاث مرات- وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام، تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام، فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم، فقالت:يا رسول الله، قد - والله- سمعت تسليمك، ولكن أردت أن تزيدنا من سلامك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خيرًا» . ثم قال: « أين أبو الهيثم؟ لا أراه » . قالت:يا رسول الله، هو قريب ذهب يَستعذبُ الماء، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله، فبسطت - بساطا تحت شجرة، فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم، فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حَسْبُكَ يا أبا الهيثم » . قال:يا رسول الله، تأكلون من بُسره، ومن رطبه، ومن تَذْنُوبه، ثم أتاهم بماء فشربوا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هذا من النعيم الذي تسألون عنه » هذا غريب من هذا الوجه.
وقال ابن جرير:حدثني الحُسَين بن علي الصدائي، حدثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:بينما أبو بكر وعمر جالسان، إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « ما أجلسكما هاهنا؟ » قالا والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع. قال: « والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره » . فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: « أين فلان؟ » فقالت:ذهب يستعذب لنا ماء. فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال:مرحبا، ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم. فعلق قربته بكرب نخلة وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ألا كنت اجتنيت » ؟ فقال:أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم. ثم أخذ الشفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إياك والحلوب؟ » فذبح لهم يومئذ، فأكلوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لتسألن عن هذا يوم القيامة. أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم » .
ورواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، به ورواه أبو يعلى وابن ماجه، من حديث المحاربي، عن يحيى بن عُبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بكر الصديق، به وقد رواه أهل السنن الأربعة، من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بنحو من هذا السياق وهذه القصة .
وقال الإمام أحمد:حدثنا سُرَيج، حدثنا حشرج، عن أبي نُصرة، عن أبي عسيب - يعني مولى رسول الله - قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى أتى حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: « أطعمنا » . فجاء بِعذْق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب، وقال: « لتسألن عن هذا يوم القيامة » . قال:فأخذ عُمَرُ العذْقَ فضرب به الأرض، حتى تناثر البُسرُ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:يا رسول الله، إنا لمسئول عن هذا يوم القيامة؟ قال: « نعم، إلا من ثلاثة:خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سَدَّ بها جوعته، أو جحر تَدخَّل فيه من الحر والقر » تفرد به أحمد. ا.ه رحمه الله

وروى أبو داود 5128 - حدثنا ابن المثنى ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شيبان عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " المستشار مؤتمن "

فرواية الحديث هنا مختصرة.

وعند الترمذي في سننه تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم
2369 - حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا آدم بن إبي إياس حدثنا شيبان أبو معاوية حدثنا عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه و سلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر فقال ما جاء بك يا أبا بكر ؟ فقال خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه فلم يلبث أن جاء عمر فقال ما جاء بك يا عمر ؟ قال الجوع يا رسول الله ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا قد وجدت بعض ذلك فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم ابن التيهان الأنصاري وكان رجلا كثير النخل والشاء ولم يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته أين صاحبك فقالت انطلق يستعذب لنا الماء فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه و سلم ويفديه بأبيه وأمه ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه فقال النبي صلى الله عليه و سلم أفلا تنقيت لنا من رطبه ؟ فقال يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو قال تخيروا من رطبه وبسره فأكلوا وشربوا من ذلك الماء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيام ظل بارد ورطب طيب وماء بارد فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تذبحن ذات در قال فذبح لهم عناقا أو جديا فأتاهم بها فأكلوا فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل لك خادم ؟ قال لا قال فإذا أتانا سبي فائتنا فأتي النبي صلى الله عليه و سلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه و سلم اختر منهما فقال يا نبي الله اختر لي فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت امرأته ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن تعتقه قال فهو عتيق ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقى
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب

2370 - حدثنا صالح بن عبد الله حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن y أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يوما و ابو بكر و عمر فذكر نحو هذا الحديث ولم يذكر فيه عن أبي هريرة وحديث شيبان أتم من حديث أبي عوانة وأطول و شيبان ثقة عندهم صاحب كتاب وقد روي عن أبي هريرة هذا الحديث من غير هذا الوجه وروي عن ابن عباس أيضا

ولم يذكر الشيخ كون الرواية أيضا في سنن الترمذي.


فالقصة مشهورة وهي في صحيح مسلم وفي الروايات اللمذكورة بيان سبب االتزام ابن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم وهو شدة حب ابن التيهان رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم وفرحه به وبأبي بكر وعمر رضي اللهعن الصحابة أجمعين.
وزيادة الاتزام في رواية حديث أبي الهيثم ابن التيهان التي في مختصر الشمائل هي التي جعلت الشيخ الألباني يضعف زيادة المعانقة التي في الحديث 160 من السلسلة الصحيحة بأنه لم يجد لها متابعا،



قال في سلسلة الهدى والنور » الشريط رقم : 420لأنه ر:
السائل : حديث ( أيقبل بعضنا بعضاً قال لا أيعانق بعضنا بعضاً قال لا أيصافح بعضنا بعضاً قال نعم ) هل هو صحيح أم ضعيف تعليق على المعانقة
الشيخ : حسن
السائل : موضوع المعانقة
الشيخ : أما المعانقة المذكورة في الحديث تبين أنها ليس لها شاهد نحن كنا حسنا الحديث في الصحيحة مذكورٌ فيها المعانقة ثم تبين أن المعانقة في الشواهد لم تذكر فأخرجناها من الحديث
يعني زيادة المعانقة ضعيفة كونها شاذة بارك الله فيك
الشيخ : لكن المعانقة بعد أن تبين ضعف الزيادة وجدنا في بعض الأحاديث أن الرسول عليه السلام عانقه أحد أصحابه وأقره فقلنا بأنه يجوز لكن كما نقول في تقبيل اليد أي لا نجعل ذلك ديدننا وعادتنا وإنما أحياناً أما في السفر فقد صح عن الصحابة أنهم كانوا إذا تلاقوا بعد سفرٍ تعانقوا .
وسواء أصحت زيادة النهي عن المعانقة التي لم يجد لها الشيخ متابعا في حديث النهي عن الانحناء والتقبيل، أو صحت زيادة التزام ابن التيهان التي وجدها الشيخ في مختصر الشمائل أو صحت الزيادتان معا فإن عمل الصحابة على التفريق بين المصافحة التي كانوا يداومون عليها وبين المعانقة التي كانوا يفعلونها أحيانا في مواضعها المذكورة سلفا، وإنما يغيب النهي الذي هو لكراهة التنزيه بضعف زيادة المعانقة في حديث النهي عن التقبيل والانحناء، وألأثري يقف حيث وقف القوم،
هذا ما استحسنه الشيخ الألباني فيما نقله البغوي للخروج من الخلاف بين مجيز للمعانقة ومانع، وذلك في شرح السنة، ( باب المصافحة وفضلها وما قيل في المعانقة والقبلة،حيث نقل كلام حميد بن زنجوية الذي نصه:
(قد جاء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه
نهى عن المعانقة والتقبيل ، وجاء أنه عانق جعفر بن أبي طالب ، وقبله
عند قدومه من أرض الحبشة ، وأمكن من يده حتى قبلت ، وفعل
ذلك أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
قال بعد ذلك البغوي رحمه الله:
وليس ذلك بمختلف ، ولكل وجه عندنا ، فأما المكروه من المعانقة والتقبيل ، فما كان على وجه الملق والتعظيم ، وفي
الحضر ، فأما المأذون فيه ، فعند التوديع ، وعند القدوم من السفر ،
وطول العهد بالصاحب ، وشدة الحب في الله. ومن قبل ، فلا يقبل
الفم ، ولكن اليد والرأس والجبهة ، وإنما كره ذلك في الحضر فيما
يرى ، لأنه يكثر ، ولا يستوجبه كل أحد ، فإن فعله الرجل ببعض
الناس دون بعض ، وجد عليه الذين تركهم ، وظنوا أنه قد قصر بحقوقهم
وآثر عليهم ، وتمام التحية المصافحة.
وهو ما ذهب إليه السندي في حاشيته على سنن النسائي كما تقدم،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق